مسألة إذا ، قال استفتى المتنازعان فقيها مع وجود الحاكم ابن السمعاني : فإن التزما فتياه عملا به ، وإلا فالحاكم أحق بالنظر بينهما . ولو لم يجدا حاكما لم يلزمهما فتيا الفقيه حتى يلتزماه . وإن التزما فتيا الفقيه ثم تنازعا إلى الحاكم فحكم بينهما بغيره لزمهما فتيا الفقيه في الباطن ، وحكم الحاكم في الظاهر . وقيل : يلزمهما حكم الحاكم في الظاهر والباطن ، ولو اختلفا فدعا أحدهما إلى فتوى الفقهاء ، ودعا الآخر إلى حكم الحاكم ، أجيب الداعي إلى حكم الحاكم ، لأن فتيا الفقيه إخبار وحكم الحاكم إجبار ، وإذا دعا الخصم إلى فتاوى الفقهاء لم تجبره ، وإن دعا إلى حكم الحاكم أجبره . وإذا كان الفقيه عدلا والحاكم ليس بعدل فأفتاهما الفقيه بحكم وحكم الحاكم بغيره لزمهما في الباطن أن يعملا بحكم الفقيه ، ولزمهما في الظاهر أن يعملا بحكم الحاكم .
[ ص: 371 ] وحكي عن بعض الأصوليين أنه لا يجوز للمفتي أن ، بل إنما يفتي باجتهاده ، لأنه إنما سئل قوله . فإن سئل عن حكاية قول غيره جازت حكايته . ولو جاز للمفتي أن يفتي بالحكاية جاز للعامي أن يفتي بما في كتب الفقهاء . قال : وإذا أفتاه باجتهاده ثم تغير اجتهاده فإن كان قد عمل به لم يلزمه أن يعرفه بتغير الاجتهاد ، وإلا لزمه . قال : وإذا أفتاه بقول مجمع عليه لم يخبر في القبول فيه . وإن كان مختلفا فيه خير بين أن يقبل منه أو من غيره . وهذه الشبهة على قول من قال : كل مجتهد مصيب ، وكذا إن قلنا : المصيب واحد ، لأنه لا يجب عليه الأخذ بقول واحد من المفتين بغير حجة بأولى من الآخر . فإن كان هذا التخيير معلوما من قصد المفتي لم يجب عليه أن يخيره لفظا ، بل يذكر له قوله فقط . وليس كذلك الحكم ، لأن الحاكم منصوب لقطع الخصومات . قال يفتي بالحكاية عن غيره ابن السمعاني : وعندي أنه لا يجب عليه أن يبين له تخييره ، لأنا بينا أنه لا بد للمستفتي من الاجتهاد في أعيان المفتين ، وإذا وجب عليه ذلك فاختار أحد العلماء باجتهاده فكذلك العامي يلزمه الأخذ بقول هذا العالم ولا يجب تخييره . .