[ ص: 358 ] الإفتاء والاستفتاء ( المفتي ) هو الفقيه . وقد تقدم في حد الفقه ما يؤخذ منه اسم الفقيه ، لأن من قامت به صفة جاز أن يشتق لها منها اسم فاعل . قال الصيرفي : وموضوع هذا الاسم لمن قام للناس بأمر دينهم ، وعلم جمل عموم القرآن وخصوصه ، وناسخه ومنسوخه ، وكذلك في السنن والاستنباط ، ولم يوضع لمن علم مسألة وأدرك حقيقتها . فمن بلغ هذه المرتبة سموه هذا الاسم ، ومن استحقه أفتى فيما استفتي . وقال ابن السمعاني : : الاجتهاد ، والعدالة ، والكف عن الترخيص والتساهل . وللمتساهل حالتان : ( إحداهما ) : أن يتساهل في طلب الأدلة وطرق الأحكام ويأخذ بمبادئ النظر وأوائل الفكر ، فهذا مقصر في حق الاجتهاد ولا يحل له أن يفتي ولا يجوز أن يستفتى . ( والثانية ) : أن يتساهل في طلب الرخص وتأول الشبه ، فهذا متجوز في دينه ، وهو آثم من الأول . فأما إذا علم المفتي جنسا من العلم بدلائله وأصوله وقصر فيما سواه ، كعلم الفرائض وعلم المناسك ، لم يجز له أن يفتي في غيره . وهل يجوز له أن يفتي فيه ؟ قيل : نعم ، لإحاطته بأصوله ودلائله . ومنعه الأكثرون لأن لتناسب الأحكام وتجانس الأدلة امتزاجا لا يتحقق إحكام بعضها إلا بعد الإشراف على جميعها . انتهى . وتجوز المفتي من استكمل فيه ثلاث شرائط ابن الصباغ فجوزه في الفرائض دون غيره ، لأن الفرائض لا تبنى على غيرها ، بخلاف ما عداها من الأحكام فإنها يرتبط بعضها ببعض . وهو حسن . [ ص: 359 ] وسواء القاضي وغيره . وقيل : لا يقضي القاضي في المعاملات . وقال ابن السمعاني : ويلزم الحاكم من الاستظهار في الاجتهاد أكثر مما يلزم المفتي . وفي وجهان حكاهما فتوى المرأة ابن القطان عن بعض أصحابنا ، قال : وخصهما بما عدا أزواج النبي عليه الصلاة والسلام . والمشهور أن الذكورة لا تشترط ، ولا يلزم عليه كون الحكم لا تتولاه امرأة لأنها لا تلي الإمامة فلا تلي الحكم . قال ابن القطان : وهذا التخريج غلط ، بل الصواب : القطع بالجواز . والمستفتي : من ليس بفقيه . ثم إن قلنا بتجزؤ الاجتهاد فقد يكون الشخص مفتيا بالنسبة إلى أمر مستفتيا بالنسبة إلى الآخر . وإن قلنا بالمنع فالمفتي : من كان عالما بجميع الأحكام الشرعية بالقوة القريبة من الفعل ، والمستفتي : من لا يعرف جميعها . .