[ ص: 93 ] باب
ذكر
nindex.php?page=treesubj&link=29577_28885أحكام الهمزتين اللتين في كلمة
اعلم أن الهمزتين تلتقيان في كلمة واحدة على ثلاثة أضرب : فالضرب الأول أن تتحركا معا بالفتح . وذلك نحو قوله : " ءأنذرتهم " ، و " ءأنتم أعلم " ، و " ءأسجد " ، و " ءألد " ، و " ءأتخذ " ، وشبهه . والضرب الثاني أن تتحرك الأولى بالفتح والثانية بالكسر ، وذلك نحو قوله : " أءذا " ، و " أءله " ، و " أءنك لأنت " ، و " أءنا لمردودون " ، وشبهه . والضرب الثالث أن تتحرك الأولى بالفتح والثانية بالضم ، وذلك نحو قوله : " أءنزل عليه " ، و " أءلقي الذكر " ، و " أءشهدوا خلقهم " ، على قراءة
nindex.php?page=showalam&ids=17192نافع .
* * *
فأما الهمزة الأولى في هذه الأضرب الثلاثة ؛ فلا خلاف بين أئمة القراءة في
[ ص: 94 ] تحقيقها ؛ لكونها مبتدأة ، والمبتدأة لا تلين ، من حيث كان التليين يقربها من الساكن ، والابتداء بالساكن ممتنع . فلذلك انعقد الإجماع على تحقيقها . فإن وصلت بساكن جامد قبلها فنافع من رواية
nindex.php?page=showalam&ids=17274ورش يلقي حركتها على ذلك الساكن ، ويسقطها من اللفظ تخفيفا ، كقوله : " رحيم ءأشفقتم " ، و " قل ءأنتم " ، و " عجيب اءذا " ، و " إلا اختلاق ءأنزل " ، وشبهه .
وأما الهمزة الثانية فاختلفوا في تحقيقها على الأصل ، وفي تليينها ، وفي إدخال ألف فاصلة في حال التحقيق والتليين بين الهمزتين . وذلك بعد إجماع كتاب المصاحف على حذف صورة إحدى الهمزتين من الرسم ؛ كراهة للجمع بين صورتين متفقتين ، واكتفاء بالواحد منهما .
واختلف علماء العربية في أيهما المحذوفة ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=15080الكسائي : المحذوفة من الهمزتين همزة الاستفهام ، من حيث كانت حرفا زائدا داخلا على الكلمة ، والثابتة همزة الأصل أو القطع ، من حيث كانت لازمة للكلمة . وعلى هذا القول عامة أصحاب المصاحف .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14888الفراء ،
وأحمد بن يحيى ، وأبو الحسن بن كيسان : المحذوفة منهما همزة الأصل أو القطع ، والمرسومة همزة الاستفهام . وذلك من جهتين : إحداهما أن همزة الاستفهام مبتدأة ، والمبتدأة لا تحذف صورتها في نحو :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=27أمر ، و
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=71إمرا ، و
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=4أنزل ، وشبهه بإجماع . وذلك من حيث لم يجز تخفيفها
[ ص: 95 ] في تلك الحال ، لا بحذف ولا بتسهيل ؛ لعدم ما ينوب عنها هناك . والثانية أنها داخلة لمعنى ، وهو الاستخبار ، فوجب رسمها وإثبات صورتها ، ليتأدى بذلك المعنى الذي دخلت له واجتلبت لأجله .
وكذا اختلافهم في همزة الاستفهام إذا دخلت على همزة الوصل التي معها لام التعريف ، نحو قوله : " قل ءالذكرين " ، و " ءالله أذن لكم " ، و " ءالئن وقد عصيت " ، وشبهه .
والوجهان في ذلك صحيحان .
* * *
فأما نقط الضرب الأول ، على قراءة من سهل الهمزة الثانية ، ولم يفصل بينهما وبين الهمزة الأولى بألف ؛ فهو أن تجعل نقطة بالصفراء ، وحركتها عليها نقطة بالحمراء ، قبل الألف المصورة . وتجعل على الألف المصورة نقطة بالحمراء فقط . فيدل بذلك على تحقيق الهمزة الأولى ، وتسهيل الهمزة الثانية . هذا على قول من قال : إن الهمزة الأولى هي المحذوف صورتها . وصورة ذلك كما ترى : " ءانذرتهم " ، " ءانتم " ، " ءالد " ، " ءاشفقتم " ، وشبهه .
وعلى قول من قال : إن الهمزة الثانية هي المحذوفة صورتها تجعل النقطة الصفراء ، وحركتها نقطة بالحمراء ، في الألف المصورة . وترسم بعدها ألف بالحمراء ، وتجعل على رأسها نقطة بالحمراء ؛ علامة للتسهيل . وإن شاء الناقط لم يرسم ذلك ، وجعل
[ ص: 96 ] النقطة بالحمراء في موضعها . وصورة ذلك كما ترى : " أانذرتهم " ، " أانتم " ، " أالد " ، " أاشفقتم " ، وشبهه .
وأما نقط ذلك على قراءة من سهل وفصل بالألف ، على المذهبين جميعا ، فكما تقدم سواء . وتجعل الألف الفاصلة بالحمراء بين الهمزة المحققة التي علامتها نقطة بالصفراء ، وبين الهمزة المسهلة التي علامتها نقطة بالحمراء . وإن شاء الناقط لم يجعل ألفا ، وجعل في موضعها مطة ، إذ في ذلك إعلام بالفصل . وصورة ذلك على القول الأول كما ترى : " ءانذرتهم " ، " ءانتم " ، " ءالد " ، " ءاشفقتم " ، وعلى الثاني : " أانذرتهم " ، " أانتم " ، " أالد " ، " أاشفقتم " .
وأما نقط هذا الضرب على قراءة من حقق الهمزتين معا فهو أن تجعل الهمزة الأولى نقطة بالصفراء ، وحركتها عليها نقطة بالحمراء ، قبل الألف المصورة . وتجعل الهمزة الثانية نقطة بالصفراء ، وحركتها عليها ، في الألف المصورة . هذا على قول من قال : إن الهمزة الأولى هي المحذوف صورتها . وصورة ذلك كما ترى : " ءأنذرتهم " ، " ءأنتم " ، " ءألد " ، " ءأشفقتم " ، وشبهه .
وعلى قول من قال : إن الهمزة الثانية هي المحذوف صورتها تجعل الهمزة الأولى وحركتها في الألف المصورة . وتجعل الهمزة الثانية وحركتها بعد تلك الألف . وإن شاء الناقط جعل لها صورة بالحمراء . وإن شاء لم يجعل لها صورة ، واكتفى بالهمزة والحركة منها . وصورة ذلك كما ترى : " أءنذرتهم " ، " أءنتم " ، " أءلد " ، " أءشفقتم " ، وشبهه .
[ ص: 97 ] وتجعل بين الهمزتين ، في مذهب من فصل بينهما بألف ، ألف أو مطة بالحمراء على القولين جميعا . وصورة ذلك على الأول : " ءأنذرتهم " ، و " ءأنتم " ، " ءألد " ، " ءأشفقتم " . وعلى الثاني : " أءنذرتهم " ، " أءنتم " ، " أءلد " ، " أءشفقتم " .
فصل
فأما ما تدخل فيه همزة الاستفهام على همزة الوصل التي معها لام التعريف ؛ فليس أحد من القراء يحقق همزة الوصل ، ولا يفصل بينها وبين همزة الاستفهام بألف في ذلك . وهو إجماع من العرب أيضا . وذلك من حيث لم تقو همزة الوصل قوة غيرها من الهمزات . وإنما شبهت هاهنا بهن لما احتيج إلى إثباتها فيه ؛ ليتميز بإثباتها الاستفهام من الخبر لا غير . فلذلك لم تتحقق نبرتها ، ولم يفصل بألف بينها وبين همزة الاستفهام .
فإذا نقط ذلك على مذهب الجميع جعلت نقطة بالصفراء ، وحركتها عليها نقطة بالحمراء ، قبل الألف السوداء . وجعل في رأس الألف السوداء نقطة بالحمراء فقط . هذا على قول من قال : إن همزة الاستفهام هي المحذوف صورتها . وصورة ذلك كما ترى : " ءالذكرين " ، " ءالله " ، " ءالئن " ، وشبهه .
وعلى قول من قال : إن همزة الوصل هي المحذوف صورتها تجعل النقطة الصفراء وحركتها في الألف السوداء . وتجعل النقطة الحمراء التي هي علامة التسهيل بعد الألف السوداء . وإن شاء الناقط جعل لها صورة بالحمراء كما تقدم . وصورة ذلك كما ترى : " أالذكرين " ، " أالله " ، " أالئن " ، وشبهه .
[ ص: 98 ] وأكثر النحويين والقراء يزعمون أن همزة الوصل في هذا النوع تبدل إبدالا محضا ، ولا تجعل بين بين . فتصير في مذهبهم مدة مشبعة . فإذا نقط ذلك على هذا المذهب جعل مكان النقطة الحمراء التي هي علامة التسهيل مطة بالحمراء ؛ ليدل بذلك على البدل المحض . وصورة ذلك على القولين كما ترى : " ءالذكرين " ، " ءالله " ، " ءالئن " ؛ " أالذكرين " ، " أالله " ، " أالئن " .
فصل
وأما ما تدخل فيه همزة الاستفهام على همزتين ، الأولى همزة القطع ، والثانية همزة الأصل ، وهو متصل بالضرب الأول ، وجملة ما جاء في كتاب الله تعالى من ذلك أربعة مواضع في ( الأعراف ) ، و ( طه ) ، و ( الشعراء ) : " ءأمنتم " ، وفي ( الزخرف ) : " ءألهتنا " ، فإن القراء اختلفوا في ذلك على ثلاثة أوجه . منهم من يقرأ هذه المواضع بالاستفهام ، وتحقيق الهمزتين - همزة الاستفهام ، وهمزة القطع بعدها - . ومنهم من يقرؤها بالاستفهام وتحقيق همزته ، وتسهيل همزة القطع بعدها . ومنهم من يقرؤها على لفظ الخبر . وكلهم أبدل همزة الأصل في ذلك ألفا ، من حيث كانت ساكنة . ولم يفصل بين همزة الاستفهام وبين همزة القطع بألف من حقق الهمزتين منهم ، ومن سهل إحداهما ، كراهة لتوالي أربع ألفات في ذلك .
[ ص: 99 ] واتفق كتاب المصاحف على رسم هذه المواضع بألف واحدة ؛ لما ذكرنا من كراهتهم لاجتماع صور متفقة ، واكتفائهم بواحدة منهن . وتحتمل تلك الألف المرسومة ثلاثة أوجه : أن تكون همزة الاستفهام ، من حيث كانت داخلة لمعنى لا بد من تأديته . وأن تكون همزة القطع ، من حيث كانت كاللازمة . وأن تكون همزة الأصل ، من حيث كانت من نفس الكلمة .
فإذا نقط ذلك على قراءة من حقق همزة الاستفهام ، وسهل همزة القطع بعدها ، وجعلت الألف المصورة همزة الاستفهام ، جعل على تلك الألف نقطة بالصفراء ، وحركتها عليها نقطة بالحمراء ، وجعل بعد الألف نقطة بالحمراء فقط ، ورسم بعدها ألف بالحمراء ؛ ليدل بذلك على أن بعد الهمزة المسهلة ألفا ساكنة ، هي بدل من همزة فاء الفعل الساكنة . ولا بد من رسم هذه الألف في هذا الوجه ، لما ذكرنا . وصورة ذلك كما ترى : " أامنتم " ، " أالهتنا " .
فإن جعلت الألف المصورة همزة القطع الزائدة على فاء الفعل جعلت النقطة بالصفراء ، وحركتها عليها ، قبل الألف السوداء ، وجعل على الألف نقطة بالحمراء ، ورسم بعدها ألف بالحمراء ، ليدل على فاء الفعل بذلك . وصورة ذلك كما ترى " ءامنتم " ، " ءالهتنا " .
[ ص: 100 ] وإن جعلت الألف المصورة همزة الأصل المبدلة ألفا جعلت النقطة بالصفراء ، وحركتها عليها ، قبل تلك الألف المصورة في السطر ، ورسم بعدها ألف بالحمراء ، وجعل عليها نقطة بالحمراء فقط . فتحصل هذه الألف بين الهمزة التي علامتها نقطة بالصفراء ، وبين الألف السوداء . وإن شاء الناقط لم يرسم تلك الألف ، وجعل النقطة بالحمراء في موضعها لا غير . وصورة ذلك كما ترى : " أءمنتم " ، " أءلهتنا " .
والوجه الثاني الذي تجعل فيه الألف المرسومة همزة القطع أوجه عندي ، من قبل أن الحرف لا يتوالى فيه كما يتوالى في الوجهين الآخرين . وعلى ذلك أصحاب المصاحف . وهو اختياري ، وإليه أذهب ، وبه أنقط .
وإذا نقط ذلك على قراءة من حقق الهمزتين - همزة الاستفهام ، وهمزة القطع - ؛ فعل فيه كما فعل في مذهب من سهل الهمزة الثانية ، إلا أنه تجعل مكان النقطة الحمراء الدالة على التسهيل نقطة بالصفراء ، وحركتها عليها نقطة بالحمراء . وصورة ذلك على الوجه الأول كما ترى : " أءمنتم " ، " أءلهتنا " . وعلى الثاني : " ءأمنتم " ، " ءألهتنا " . وعلى الثالث : " ءأمنتم " ، " ءألهتنا " .
وإن نقطت هذه المواضع على قراءة من قرأها على لفظ الخبر ؛ جعل قبل الألف المصورة نقطة بالصفراء ، وحركتها عليها نقطة بالحمراء لا غير ؛ لأن تلك الألف
[ ص: 101 ] المصورة على هذه القراءة ألف الأصل ، من حيث كانت مبدلة من همزة فاء الفعل لا غير ، كما هي في نظائر ذلك ، نحو قوله : " ءامن الرسول " ، و " ءالهتك " ، و " ءامنهم " ، و " ءاتى المال " ، وشبهه . وصورة نقط ذلك كما ترى : " ءامنتم " ، و " ءالهتنا " .
وقد روى
القواس أحمد بن محمد بن عون ، عن أصحابه ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابن كثير أنه يسهل همزة الاستفهام وهمزة القطع في قوله في ( الأعراف ) : " قال فرعون ءأمنتم به " ، فيبدل همزة الاستفهام واوا مفتوحة لانضمام ما قبلها ، ويجعل همزة القطع بين الهمزة والألف ؛ طلبا للتخفيف وتسهيل اللفظ بذلك .
فإذا نقط ذلك على هذه القراءة ؛ جعل على الألف المصورة نقطة بالحمراء ، ورسم قبلها واو بالحمراء ، وجعل عليها نقطة ؛ لأنها مبدلة بدلا خالصا . ورسم أيضا بعد تلك الألف ألف بالحمراء ؛ ليؤذن بأنها بعدها في الأصل واللفظ . وصورة ذلك كما ترى : " فرعون وامنتم " .
وقد يجوز في نقط ذلك ما جاز في نقطه على قراءة من حقق همزة الاستفهام وسهل همزة القطع ، إلا أنه تجعل مكان النقطة الصفراء التي هي علامة همزة الاستفهام المحققة نقطة بالحمراء فقط .
فصل
وأما نقط الضرب الثاني من الثلاثة الأضرب ، على قراءة من سهل
[ ص: 102 ] الهمزة الثانية ، ولم يفصل بينها وبين الهمزة الأولى المحققة بألف ؛ فهو أن تجعل نقطة بالصفراء ، وحركتها عليها ، على الألف المصورة ، وتجعل بعدها في السطر نقطة بالحمراء لا غير . فيدل بذلك على تحقيق همزة الاستفهام ، وتسهيل همزة الأصل .
وإن شاء الناقط جعل في موضع النقطة الحمراء التي هي علامة التسهيل ياء بالحمراء ، وألحقها بالحرف ، من حيث قربت الهمزة المسهلة في هذا الضرب منها . إلا أنها إذا ألحقت أعريت من الحركة ؛ لأنها ليست بياء مكسورة خالصة ، وإنما هي بين الهمزة المحققة والياء الساكنة .
وإنما أطلقنا للناقط إلحاق ياء بعد همزة الاستفهام من حيث رسمها كتاب المصاحف بالسواد في مواضع كثيرة من هذا الضرب ؛ دلالة على التسهيل ؛ ليأتي الضرب كله على صورة واحدة . والذي أختاره ألا تلحق الياء في ذلك ، وأن تجعل النقطة في موضعها .
وهذا الذي حكيناه من جعل النقطة بالصفراء على الألف ، وجعل نقطة أو ياء بعدها بالحمراء ، هو قول من زعم أن همزة الاستفهام من إحدى الهمزتين هي المرسومة . وصورة ذلك كما ترى : " أءذا " ، " أءله " ، " أءنك " ، " أءنا " ، وشبهه .
فأما من زعم أن المرسومة همزة الأصل ؛ فإن النقطة الصفراء وحركتها تجعلان - على قوله - قبل الألف السوداء ، وتجعل تحت تلك الألف نقطة بالحمراء فقط . ولا يجوز أن تجعل في موضع النقطة ياء ، كما جاز ذلك في الوجه الأول ، من حيث كانت تلك الألف صورة للهمزة المحققة في الأصل ، قبل التسهيل . وصورة
[ ص: 103 ] ذلك كما ترى : " ءاذا " ، " ءاله " ، " ءانك " ، " ءانا " ، وشبهه .
وتلحق ألف بالحمراء بين الهمزة المحققة التي علامتها نقطة بالصفراء وبين الهمزة المسهلة التي علامتها نقطة بالحمراء ، أو ياء بالحمراء ، في مذهب من فصل بين المحققة والمسهلة بالألف . وإن شاء الناقط لم يلحق ألفا ، وجعل في موضعها مطة فقط . وصورة ذلك على قول من جعل الألف المصورة همزة الاستفهام كما ترى : " أءذا " ، " أءله " ، " أءنك " ، " أءنا " . وصورته على قول من جعل الألف المصورة همزة الأصل كما ترى : " ءاذا " ، " ءاله " ، " ءانك " ، " ءانا " .
ورأيت جماعة من علماء أهل النقط يجعلون الهمزة المحققة في هذا الضرب ، في مذهب من فصل ، قبل الألف السوداء ، ويجعلون الهمزة المسهلة نقطة بالحمراء بعدها ، ويجعلون على الألف السوداء مطة . فيحققون بذلك أن الفاصلة التي قد يحذف من الرسم ما هو أوكد منها وأولى هي المرسومة . وذلك خطأ لا شك فيه ؛ لأن من القراء من لا يفصل في حال تحقيق ولا تسهيل . ولأن همزة الاستفهام الداخلة لمعنى ، وهمزة الأصل التي هي لازمة للكلمة ، ومن نفسها ، أولى بالرسم من ألف تجتلب لتحقيق النطق لا غير . هذا ما لا تخفى صحته والخطأ في خلافه على من له أدنى فهم ، وأقل تمييز .
فأما نقط هذا الضرب على قراءة من حقق الهمزتين معا ، فكنقطه على قراءة من سهل الهمزة الثانية . إلا أنه تجعل في موضع الهمزة المسهلة التي علامتها نقطة بالحمراء فقط نقطة بالصفراء ، وحركتها تحتها نقطة بالحمراء ؛ ليؤذن بذلك بتحقيقها . وصورة ذلك على قول من زعم أن همزة الاستفهام هي المصورة كما
[ ص: 104 ] ترى : " أءذا " ، " أءله " ، " أءنك " ، " أءنا " . وصورته على قول من زعم أن همزة الأصل هي المصورة كما ترى : " ءاذا " ، " ءاله " ، " ءانك " ، " ءإنا " . وتجعل بين الهمزتين في مذهب من فصل بينهما بألف ، ألف أو مطة بالحمراء ، على القولين جميعا . وصورة ذلك على الأول : " أءذا " ، " أءله " ، " أءنك " ، " أءنا " . وعلى الثاني : " ءإذا " ، " ءإله " ، " ءإنك " ، " ءإنا " .
* * *
فأما ما جاءت الهمزة المسهلة فيه من هذا الضرب ، مرسومة ياء بالسواد ، كقوله : " أئنكم " في ( الأنعام ) وفي ( النمل ) وفي الثاني من ( العنكبوت ) وفي ( فصلت ) ، و " أئنا " في ( النمل ) و ( الصافات ) ، و " أئن لنا " في ( الشعراء ) ، و " أئذا " في ( الواقعة ) ، و " أئن ذكرتم " في ( يس ) ، و " أئفكا " في ( والصافات ) ؛ فإن الألف المصورة في ذلك هي همزة الاستفهام لا غير ؛ لأن الهمزة المسهلة قد صورت بعدها ، على نحو حركتها ، إعلاما بتسهيلها ، وإن لم تكن ياء خالصة في الحقيقة ، فإنها مقربة منها . والمقرب من الشيء قد يحكم له بحكم الشيء ، وإن لم يكن كهو في الحقيقة ، ألا ترى أن الهمزة المفتوحة لا تجعل بين بين قبل ضمة أو كسرة ، بل تبدل مع الضمة واوا ، ومع الكسرة ياء . وذلك أنها لو جعلت بين بين لصارت بين الهمزة والألف . والألف لا يكون ما قبلها مضموما ولا مكسورا . كذلك لا يكون قبل ما قرب بالتسهيل منها . فكما حكم هاهنا للمقرب
[ ص: 105 ] من الألف بحكم الألف ، فكذلك حكم هناك للهمزة المجعولة بين الهمزة والياء في الصورة حكم الياء الخالصة ، فصورت ياء .
فإذا نقط ذلك على قراءة من سهل جعلت الهمزة نقطة بالصفراء ، وحركتها عليها نقطة بالحمراء ، على الألف المصورة . وأعريت الياء السوداء بعدها من الحركة من حيث كانت خلفا من همزة مكسورة ، ولم تكن ياء مكسورة خالصة الكسر . ومن أهل النقط من يجعل تحتها كسرة ، ويجعل معها دارة صغرى ؛ علامة لتخفيفها ، وأنها ليست بمشبعة الكسرة ، وذلك على سبيل التقريب على القارئين . وهو عندي حسن . وصورة نقط ذلك على الوجه الأول كما ترى : " أينكم " ،
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=71أينا ، " أين لنا " ، " أيفكا " ، " أين ذكرتم " . وعلى الوجه الثاني : " أينكم " ،
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=71أينا ، " أين لنا " ، " أيفكا " ، " أين ذكرتم " .
وإن نقط على قراءة من حقق الهمزتين جعلت الهمزة الأولى وحركتها في الألف ، وجعلت الهمزة الثانية في الياء وحركتها تحتها . وصورة ذلك كما ترى : " أئنكم " ، " أئنا " ، " أئن " ، " أئفكا " ، " أئن ذكرتم " .
وتجعل الألف الفاصلة في حال التحقيق والتسهيل بين الألف والياء .
فصل
وأما نقط الضرب الثالث من الأضرب الثلاثة ، على قراءة من سهل
[ ص: 106 ] الهمزة الثانية ، ولم يفصل بينها وبين الهمزة الأولى المحققة بالألف ؛ فهو أن تجعل نقطة بالصفراء ، وحركتها عليها نقطة بالحمراء ، في الألف المصورة ، وتجعل بعدها في السطر نقطة بالحمراء لا غير . فيدل بذلك على تحقيق الهمزة الأولى ، وتسهيل الهمزة الثانية ، وأنه نحي بها نحو الواو . وهذا على قول من جعل الألف المصورة همزة الاستفهام . وصورة ذلك كما ترى : " أءنزل " ، " أءلقي " ، " أءشهدوا " .
وإن شاء الناقط جعل في موضع النقطة الحمراء التي هي علامة التسهيل واوا صغرى بالحمراء ، ويعريها من الحركة ، من حيث كانت خلفا من همزة ، ولم تكن واوا مشبعة الحركة ، كما جعل في موضع المكسورة المسهلة ياء . إذ قد رسم كتاب المصاحف الهمزة المسهلة واوا بالسواد في موضع واحد من هذا الضرب ، وهو قوله في ( آل عمران ) : " قل أؤنبئكم " ، ليأتي الباب كله على مذهب واحد من التسهيل .
والمذهب الأول أختار ؛ لما قدمته قبل .
فإن قيل : فما وجه رسمهم الهمزة الثانية في الضربين الأخيرين بالحرف الذي منه حركتها في بعض المواضع ، وترك رسمهم إياها أصلا في بعضها ؟ قيل : وجه ذلك إرادتهم التعريف بالوجهين من التحقيق والتسهيل في تلك الهمزة . فالموضع الذي جاءت الياء والواو فيه مرسومتين دليل على التسهيل . والموضع الذي جاءتا فيه غير مرسومتين دليل على التحقيق . وذلك من حيث كرهوا أن يجمعوا بين صورتين متفقتين ، فلذلك حذفوا إحدى الصورتين ، واكتفوا بالواحدة منهما إيجازا واختصارا .
[ ص: 107 ] ومن جعل الألف المصورة همزة القطع جعل النقطة بالصفراء ، وحركتها عليها ، قبل الألف . وجعل في الألف أو أمامها النقطة بالحمراء ، وصورة ذلك كما ترى : " ءانزل " ، " ءالقي " ، " ءاشهدوا " . وجعل بين الهمزة المحققة وبين الهمزة الملينة ، في مذهب من فصل بينهما بألف ، ألفا بالحمراء ، أو مطة في موضعها . وصورة ذلك على قول من جعل همزة الاستفهام هي المصورة كما ترى : " أءنزل " ، " أءلقي " ، " أءشهدوا " . وصورته على قول من جعل همزة القطع هي المصورة كما ترى : " ءانزل " ، " ءالقي " ، " ءاشهدوا " .
فأما نقط هذا الضرب على قراءة من حقق الهمزتين معا فكنقطه على قراءة من سهل الهمزة الثانية ، غير أنه يجعل في مكان الهمزة المسهلة التي علامتها نقطة بالحمراء فقط ، نقطة بالصفراء ، وحركتها نقطة بالحمراء أمامها . وصورة ذلك على القول الذي تجعل فيه همزة الاستفهام هي المصورة كما ترى : " أءنزل " ، " أءلقي " . وعلى القول الذي تجعل فيه همزة القطع هي المصورة كما ترى : " ءأنزل " ، " ءالقي " . وتجعل بين الهمزتين في مذهب من فصل بينهما بألف ، ألف أو مطة بالحمراء . وصورة ذلك على القول الأول : " أءنزل " ، " أءلقي " . وعلى الثاني : " ءأنزل " ، " ءألقي " .
* * *
فأما الموضع الذي رسمت فيه الهمزة الثانية واوا ، على مراد التسهيل ، وهو قوله في ( آل عمران ) : " قل أؤنبئكم " فإن الألف المصورة قبلها هي همزة الاستفهام لا غير . وذلك من حيث صوروا الهمزة الثانية بالحرف الذي منه حركتها .
فإذا نقط ذلك على قراءة من سهل ؛ جعلت الهمزة نقطة بالصفراء ، وحركتها
[ ص: 108 ] عليها نقطة بالحمراء في الألف ، وأعريت الواو بعدها من الحركة ؛ لأنها ليست بواو مشبعة الحركة ، وإنما هي خلف من همزة مضمومة . وصورة ذلك كما ترى : " أؤنبئكم " . ومن أهل النقط من يجعل أمام الواو نقطة ، وعلى الواو دارة ؛ علامة لتخفيفها . وهو وجه . والأول أحسن . وصورة ذلك كما ترى : " أونبئكم " .
وإن نقط ذلك على قراءة من حقق الهمزتين جعلت الهمزة الأولى وحركتها على الألف ، وجعلت الهمزة الثانية في الواو وحركتها أمامها . وصورة ذلك كما ترى : " أؤنبئكم " .
وتجعل الألف الفاصلة - في مذهب من سهل ، أو حقق - بين الألف والواو . وصورة ذلك في التسهيل : " أونبئكم " ، وفي التحقيق : " أؤنبئكم " .
* * *
ما ورد من هذا الضرب والذي قبله مرسوما بالواو والياء ، بعد الألف المصورة ، فهو على مراد التسهيل ، وتقدير الاتصال . وما ورد فيهما مرسوما بغيرهما فهو على مراد التحقيق ، وتقدير الانفصال . إلا أن إحدى الألفين حذفت اختصارا لما قدمناه .
وقد اختلف أهل النقط في جعل الهمزة المحققة في الألف والياء والواو ، إذا كن صورا لها . فمنهم من يجعلها في أنفس هذه الحروف ، ويجعل حركة المفتوحة فوق الألف إن صورت ألفا ، وحركة المكسورة تحت الياء إن صورت ياء ، وحركة المضمومة أمام الواو إن صورت واوا . ومنهم من يخالف بها ، فيجعل المفتوحة وحركتها على الألف ، والمكسورة وحركتها تحت الياء ، والمضمومة
[ ص: 109 ] وحركتها في الواو ؛ ويجمع بين الهمزة وبين حركتها ، ولا يفرق بينهما ، كما لا يفرق بين سائر الحروف وبين حركاتهن .
والقول الأول أوجه . وذلك من حيث كانت الهمزة حرفا من حروف المعجم . فكما تلزم الحروف غيرها موضعا واحدا من السطر ؛ كذلك ينبغي أن تلزم الهمزة أيضا موضعا واحدا ، وأن تجعل لها في الكتابة صورة . وتكون الحركات دالة على ما تستحقه منهن ، كما تدل على سائر الحروف .
وإن اكتفى الناقط في الهمزات المبتدءات والمتوسطات بجعل الهمزة وحدها دون حركتها ، من حيث كانت حركة بناء لازمة ؛ فحسن . وأما الهمزات المتطرفات فلا بد من جعل الحركة معهن ، من حيث كانت حركة إعراب تتغير وتنتقل . فاعلم ذلك . وبالله التوفيق .
[ ص: 93 ] بَابٌ
ذِكْرُ
nindex.php?page=treesubj&link=29577_28885أَحْكَامِ الْهَمْزَتَيْنِ اللَّتَيْنِ فِي كَلِمَةٍ
اعْلَمْ أَنَّ الْهَمْزَتَيْنِ تَلْتَقِيَانِ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ : فَالضَّرْبُ الْأَوَّلُ أَنْ تَتَحَرَّكَا مَعًا بِالْفَتْحِ . وَذَلِكَ نَحْوُ قَوْلِهِ : " ءَأَنْذَرْتَهُم " ، وَ " ءَأَنْتُمْ أَعْلَمُ " ، وَ " ءَأَسْجُدُ " ، وَ " ءَأَلِدُ " ، وَ " ءَأَتَّخِذُ " ، وَشِبْهِهِ . وَالضَّرْبُ الثَّانِي أَنْ تَتَحَرَّكَ الْأُولَى بِالْفَتْحِ وَالثَّانِيَةُ بِالْكَسْرِ ، وَذَلِكَ نَحْوُ قَوْلِهِ : " أَءِذَا " ، وَ " أَءِلَهٌ " ، وَ " أَءِنَّكَ لَأَنْتَ " ، وَ " أَءِنَّا لَمَرْدُودُونَ " ، وَشِبْهِهِ . وَالضَّرْبُ الثَّالِثُ أَنْ تَتَحَرَّكَ الْأُولَى بِالْفَتْحِ وَالثَّانِيَةُ بِالضَّمِّ ، وَذَلِكَ نَحْوُ قَوْلِهِ : " أَءُنْزِلَ عَلَيْهِ " ، وَ " أَءُلْقِيَ الذِّكْرُ " ، وَ " أَءَشْهِدُوا خَلْقَهُمْ " ، عَلَى قِرَاءَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=17192نَافِعٍ .
* * *
فَأَمَّا الْهَمْزَةُ الْأُولَى فِي هَذِهِ الْأَضْرُبِ الثَّلَاثَةِ ؛ فَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَئِمَّةِ الْقِرَاءَةِ فِي
[ ص: 94 ] تَحْقِيقِهَا ؛ لِكَوْنِهَا مُبْتَدَأَةً ، وَالْمُبْتَدَأَةُ لَا تُلَيَّنُ ، مِنْ حَيْثُ كَانَ التَّلْيِينُ يُقَرِّبُهَا مِنَ السَّاكِنِ ، وَالِابْتِدَاءُ بِالسَّاكِنِ مُمْتَنِعٌ . فَلِذَلِكَ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى تَحْقِيقِهَا . فَإِنْ وُصِلَتْ بِسَاكِنٍ جَامِدٍ قَبْلَهَا فَنَافِعٌ مِنْ رِوَايَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=17274وَرْشٍ يُلْقِي حَرَكَتَهَا عَلَى ذَلِكَ السَّاكِنِ ، وَيُسْقِطُهَا مِنَ اللَّفْظِ تَخْفِيفًا ، كَقَوْلِهِ : " رَحِيمٌ ءَأَشْفَقْتُمْ " ، وَ " قُلْ ءَأَنْتُم " ، وَ " عَجِيبٌ اءِذَا " ، وَ " إِلَّا اخْتِلَاقٌ ءَأُنْزِلَ " ، وَشِبْهِهِ .
وَأَمَّا الْهَمْزَةُ الثَّانِيَةُ فَاخْتَلَفُوا فِي تَحْقِيقِهَا عَلَى الْأَصْلِ ، وَفِي تَلْيِينِهَا ، وَفِي إِدْخَالِ أَلِفٍ فَاصِلَةٍ فِي حَالِ التَّحْقِيقِ وَالتَّلْيِينِ بَيْنَ الْهَمْزَتَيْنِ . وَذَلِكَ بَعْدَ إِجْمَاعِ كُتَّابِ الْمَصَاحِفِ عَلَى حَذْفِ صُورَةِ إِحْدَى الْهَمْزَتَيْنِ مِنَ الرَّسْمِ ؛ كَرَاهَةً لِلْجَمْعِ بَيْنَ صُورَتَيْنِ مُتَّفِقَتَيْنِ ، وَاكْتِفَاءً بِالْوَاحِدِ مِنْهُمَا .
وَاخْتَلَفَ عُلَمَاءُ الْعَرَبِيَّةِ فِي أَيِّهِمَا الْمَحْذُوفَةُ ، فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15080الْكِسَائِيُّ : الْمَحْذُوفَةُ مِنَ الْهَمْزَتَيْنِ هَمْزَةُ الِاسْتِفْهَامِ ، مِنْ حَيْثُ كَانَتْ حَرْفًا زَائِدًا دَاخِلًا عَلَى الْكَلِمَةِ ، وَالثَّابِتَةُ هَمْزَةُ الْأَصْلِ أَوِ الْقَطْعِ ، مِنْ حَيْثُ كَانَتْ لَازِمَةً لِلْكَلِمَةِ . وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ عَامَّةُ أَصْحَابِ الْمَصَاحِفِ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14888الْفَرَّاءُ ،
وَأَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى ، وَأَبُو الْحَسَنِ بْنُ كَيْسَانَ : الْمَحْذُوفَةُ مِنْهُمَا هَمْزَةُ الْأَصْلِ أَوِ الْقَطْعِ ، وَالْمَرْسُومَةُ هَمْزَةُ الِاسْتِفْهَامِ . وَذَلِكَ مِنْ جِهَتَيْنِ : إِحْدَاهُمَا أَنَّ هَمْزَةَ الِاسْتِفْهَامِ مُبْتَدَأَةٌ ، وَالْمُبْتَدَأَةُ لَا تُحْذَفُ صُورَتُهَا فِي نَحْوِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=27أَمَرَ ، وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=71إِمْرًا ، وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=4أَنْزَلَ ، وَشِبْهِهِ بِإِجْمَاعٍ . وَذَلِكَ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَجُزْ تَخْفِيفُهَا
[ ص: 95 ] فِي تِلْكَ الْحَالِ ، لَا بِحَذْفٍ وَلَا بِتَسْهِيلٍ ؛ لِعَدَمِ مَا يَنُوبُ عَنْهَا هُنَاكَ . وَالثَّانِيَةُ أَنَّهَا دَاخِلَةٌ لِمَعْنًى ، وَهُوَ الِاسْتِخْبَارُ ، فَوَجَبَ رَسْمُهَا وَإِثْبَاتُ صُورَتِهَا ، لِيَتَأَدَّى بِذَلِكَ الْمَعْنَى الَّذِي دَخَلَتْ لَهُ وَاجْتُلِبَتْ لِأَجْلِهِ .
وَكَذَا اخْتِلَافُهُمْ فِي هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ إِذَا دَخَلَتْ عَلَى هَمْزَةِ الْوَصْلِ الَّتِي مَعَهَا لَامُ التَّعْرِيفِ ، نَحْوُ قَوْلِهِ : " قُلْ ءَالذَّكَرَيْنِ " ، وَ " ءَاللهُ أَذِنَ لَكُم " ، وَ " ءَالْئنَ وَقَدْ عَصَيْتَ " ، وَشِبْهِهِ .
وَالْوَجْهَانِ فِي ذَلِكَ صَحِيحَانِ .
* * *
فَأَمَّا نَقْطُ الضَّرْبِ الْأَوَّلِ ، عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ سَهَّلَ الْهَمْزَةَ الثَّانِيَةَ ، وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْهَمْزَةِ الْأُولَى بِأَلِفٍ ؛ فَهُوَ أَنْ تُجْعَلَ نُقْطَةٌ بِالصَّفْرَاءِ ، وَحَرَكَتُهَا عَلَيْهَا نُقْطَةٌ بِالْحَمْرَاءِ ، قَبْلَ الْأَلِفِ الْمُصَوَّرَةِ . وَتُجْعَلَ عَلَى الْأَلِفِ الْمُصَوَّرَةِ نُقْطَةٌ بِالْحَمْرَاءِ فَقَطْ . فَيُدَلُّ بِذَلِكَ عَلَى تَحْقِيقِ الْهَمْزَةِ الْأُولَى ، وَتَسْهِيلِ الْهَمْزَةِ الثَّانِيَةِ . هَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ : إِنَّ الْهَمْزَةَ الْأُولَى هِيَ الْمَحْذُوفُ صُورَتُهَا . وَصُورَةُ ذَلِكَ كَمَا تَرَى : " ءَانْذَرْتَهُم " ، " ءَانْتُمْ " ، " ءَاَلِدُ " ، " ءَاَشْفَقْتُم " ، وَشِبْهِهِ .
وَعَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ : إِنَّ الْهَمْزَةَ الثَّانِيَةَ هِيَ الْمَحْذُوفَةُ صُورَتُهَا تُجْعَلُ النُّقْطَةُ الصَّفْرَاءُ ، وَحَرَكَتُهَا نُقْطَةٌ بِالْحَمْرَاءِ ، فِي الْأَلِفِ الْمُصَوَّرَةِ . وَتُرْسَمُ بَعْدَهَا أَلِفٌ بِالْحَمْرَاءِ ، وَتُجْعَلُ عَلَى رَأْسِهَا نُقْطَةٌ بِالْحَمْرَاءِ ؛ عَلَامَةً لِلتَّسْهِيلِ . وَإِنْ شَاءَ النَّاقِطُ لَمْ يَرْسِمْ ذَلِكَ ، وَجَعَلَ
[ ص: 96 ] النُّقْطَةَ بِالْحَمْرَاءِ فِي مَوْضِعِهَا . وَصُورَةُ ذَلِكَ كَمَا تَرَى : " أَاَنْذَرْتَهُمْ " ، " أَاَنْتُمْ " ، " أَاَلِدُ " ، " أَاَشْفَقْتُمْ " ، وَشِبْهِهِ .
وَأَمَّا نَقْطُ ذَلِكَ عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ سَهَّلَ وَفَصَلَ بِالْأَلِفِ ، عَلَى الْمَذْهَبَيْنِ جَمِيعًا ، فَكَمَا تَقَدَّمَ سَوَاءً . وَتُجْعَلُ الْأَلِفُ الْفَاصِلَةُ بِالْحَمْرَاءِ بَيْنَ الْهَمْزَةِ الْمُحَقَّقَةِ الَّتِي عَلَامَتُهَا نُقْطَةٌ بِالصَّفْرَاءِ ، وَبَيْنَ الْهَمْزَةِ الْمُسَهَّلَةِ الَّتِي عَلَامَتُهَا نُقْطَةٌ بِالْحَمْرَاءِ . وَإِنْ شَاءَ النَّاقِطُ لَمْ يَجْعَلْ أَلِفًا ، وَجَعَلَ فِي مَوْضِعِهَا مَطَّةً ، إِذْ فِي ذَلِكَ إِعْلَامٌ بِالْفَصْلِ . وَصُورَةُ ذَلِكَ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ كَمَا تَرَى : " ءَاَنْذَرْتَهُمْ " ، " ءَاَنْتُمْ " ، " ءَاَلِدُ " ، " ءَاَشْفَقْتُمْ " ، وَعَلَى الثَّانِي : " أَاَنْذَرْتَهُمُ " ، " أَاَنْتُم " ، " أَاَلِدُ " ، " أَاَشْفَقْتُمْ " .
وَأَمَّا نَقْطُ هَذَا الضَّرْبِ عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ حَقَّقَ الْهَمْزَتَيْنِ مَعًا فَهُوَ أَنْ تُجْعَلَ الْهَمْزَةُ الْأُولَى نُقْطَةً بِالصَّفْرَاءِ ، وَحَرَكَتُهَا عَلَيْهَا نُقْطَةٌ بِالْحَمْرَاءِ ، قَبْلَ الْأَلِفِ الْمُصَوَّرَةِ . وَتُجْعَلَ الْهَمْزَةُ الثَّانِيَةُ نُقْطَةً بِالصَّفْرَاءِ ، وَحَرَكَتُهَا عَلَيْهَا ، فِي الْأَلِفِ الْمُصَوَّرَةِ . هَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ : إِنَّ الْهَمْزَةَ الْأُولَى هِيَ الْمَحْذُوفُ صُورَتُهَا . وَصُورَةُ ذَلِكَ كَمَا تَرَى : " ءَأَنْذَرْتَهُم " ، " ءَأَنْتُم " ، " ءَأَلِدُ " ، " ءَأَشْفَقْتُم " ، وَشِبْهِهِ .
وَعَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ : إِنَّ الْهَمْزَةَ الثَّانِيَةَ هِيَ الْمَحْذُوفُ صُورَتُهَا تُجْعَلُ الْهَمْزَةُ الْأُولَى وَحَرَكَتُهَا فِي الْأَلِفِ الْمُصَوَّرَةِ . وَتُجْعَلُ الْهَمْزَةُ الثَّانِيَةُ وَحَرَكَتُهَا بَعْدَ تِلْكَ الْأَلِفِ . وَإِنْ شَاءَ النَّاقِطُ جَعَلَ لَهَا صُورَةً بِالْحَمْرَاءِ . وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَجْعَلْ لَهَا صُورَةً ، وَاكْتَفَى بِالْهَمْزَةِ وَالْحَرَكَةِ مِنْهَا . وَصُورَةُ ذَلِكَ كَمَا تَرَى : " أَءَنْذَرْتَهُمْ " ، " أَءَنْتُم " ، " أَءَلِدُ " ، " أَءَشْفَقْتُم " ، وَشِبْهُهُ .
[ ص: 97 ] وَتُجْعَلُ بَيْنَ الْهَمْزَتَيْنِ ، فِي مَذْهَبِ مَنْ فَصَلَ بَيْنَهُمَا بِأَلِفٍ ، أَلِفٌ أَوْ مَطَّةٌ بِالْحَمْرَاءِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا . وَصُورَةُ ذَلِكَ عَلَى الْأَوَّلِ : " ءَأَنْذَرْتَهُم " ، وَ " ءَأَنْتُم " ، " ءَأَلِدُ " ، " ءَأَشْفَقْتُمُ " . وَعَلَى الثَّانِي : " أَءَنْذَرْتَهُم " ، " أَءَنْتُم " ، " أَءَلِدُ " ، " أَءَشْفَقْتُم " .
فَصْلٌ
فَأَمَّا مَا تَدْخُلُ فِيهِ هَمْزَةُ الِاسْتِفْهَامِ عَلَى هَمْزَةِ الْوَصْلِ الَّتِي مَعَهَا لَامُ التَّعْرِيفِ ؛ فَلَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الْقُرَّاءِ يُحَقِّقُ هَمْزَةَ الْوَصْلِ ، وَلَا يَفْصِلُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ بِأَلِفٍ فِي ذَلِكَ . وَهُوَ إِجْمَاعٌ مِنَ الْعَرَبِ أَيْضًا . وَذَلِكَ مِنْ حَيْثُ لَمْ تَقْوَ هَمْزَةُ الْوَصْلِ قُوَّةَ غَيْرِهَا مِنَ الْهَمَزَاتِ . وَإِنَّمَا شُبِّهَتْ هَاهُنَا بِهِنَّ لَمَّا احْتِيجَ إِلَى إِثْبَاتِهَا فِيهِ ؛ لِيَتَمَيَّزَ بِإِثْبَاتِهَا الِاسْتِفْهَامُ مِنَ الْخَبَرِ لَا غَيْرُ . فَلِذَلِكَ لَمْ تَتَحَقَّقْ نَبْرَتُهَا ، وَلَمْ يُفْصَلْ بِأَلِفٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ .
فَإِذَا نُقِطَ ذَلِكَ عَلَى مَذْهَبِ الْجَمِيعِ جُعِلَتْ نُقْطَةٌ بِالصَّفْرَاءِ ، وَحَرَكَتُهَا عَلَيْهَا نُقْطَةٌ بِالْحَمْرَاءِ ، قَبْلَ الْأَلِفِ السَّوْدَاءِ . وَجُعِلَ فِي رَأْسِ الْأَلِفِ السَّوْدَاءِ نُقْطَةٌ بِالْحَمْرَاءِ فَقَطْ . هَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ : إِنَّ هَمْزَةَ الِاسْتِفْهَامِ هِيَ الْمَحْذُوفُ صُورَتُهَا . وَصُورَةُ ذَلِكَ كَمَا تَرَى : " ءَالذَّكَرَيْنِ " ، " ءَاللهُ " ، " ءَالْئَنَ " ، وَشِبْهُهُ .
وَعَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ : إِنَّ هَمْزَةَ الْوَصْلِ هِيَ الْمَحْذُوفُ صُورَتُهَا تُجْعَلُ النُّقْطَةُ الصَّفْرَاءُ وَحَرَكَتُهَا فِي الْأَلِفِ السَّوْدَاءِ . وَتُجْعَلُ النُّقْطَةُ الْحَمْرَاءُ الَّتِي هِيَ عَلَامَةُ التَّسْهِيلِ بَعْدَ الْأَلِفِ السَّوْدَاءِ . وَإِنْ شَاءَ النَّاقِطُ جَعَلَ لَهَا صُورَةً بِالْحَمْرَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ . وَصُورَةُ ذَلِكَ كَمَا تَرَى : " أَاَلذَّكَرَيْنِ " ، " أَاَللهُ " ، " أَاَلْئَنَ " ، وَشِبْهُهُ .
[ ص: 98 ] وَأَكْثَرُ النَّحْوِيِّينَ وَالْقُرَّاءِ يَزْعُمُونَ أَنَّ هَمْزَةَ الْوَصْلِ فِي هَذَا النَّوْعِ تُبْدَلُ إِبْدَالًا مَحْضًا ، وَلَا تُجْعَلُ بَيْنَ بَيْنَ . فَتَصِيرُ فِي مَذْهَبِهِمْ مَدَّةً مُشْبَعَةً . فَإِذَا نُقِطَ ذَلِكَ عَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ جُعِلَ مَكَانَ النُّقْطَةِ الْحَمْرَاءِ الَّتِي هِيَ عَلَامَةُ التَّسْهِيلِ مَطَّةٌ بِالْحَمْرَاءِ ؛ لِيُدَلَّ بِذَلِكَ عَلَى الْبَدَلِ الْمَحْضِ . وَصُورَةُ ذَلِكَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ كَمَا تَرَى : " ءَاَلذَّكَرَيْنِ " ، " ءَاللهُ " ، " ءَاَلْئَنَ " ؛ " أَالذَّكَرَيْنِ " ، " أَاللهُ " ، " أَالْئَنَ " .
فَصْلٌ
وَأَمَّا مَا تَدْخُلُ فِيهِ هَمْزَةُ الِاسْتِفْهَامِ عَلَى هَمْزَتَيْنِ ، الْأُولَى هَمْزَةُ الْقَطْعِ ، وَالثَّانِيَةُ هَمْزَةُ الْأَصْلِ ، وَهُوَ مُتَّصِلٌ بِالضَّرْبِ الْأَوَّلِ ، وَجُمْلَةُ مَا جَاءَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ أَرْبَعَةُ مَوَاضِعَ فِي ( الْأَعْرَافِ ) ، وَ ( طه ) ، وَ ( الشُّعَرَاءِ ) : " ءَأَمَنْتُمْ " ، وَفِي ( الزُّخْرُفِ ) : " ءَأَلِهَتُنَا " ، فَإِنَّ الْقُرَّاءَ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ . مِنْهُمْ مَنْ يَقْرَأُ هَذِهِ الْمَوَاضِعَ بِالِاسْتِفْهَامِ ، وَتَحْقِيقِ الْهَمْزَتَيْنِ - هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ ، وَهَمْزَةِ الْقَطْعِ بَعْدَهَا - . وَمِنْهُمْ مَنْ يَقْرَؤُهَا بِالِاسْتِفْهَامِ وَتَحْقِيقِ هَمْزَتِهِ ، وَتَسْهِيلِ هَمْزَةِ الْقَطْعِ بَعْدَهَا . وَمِنْهُمْ مَنْ يَقْرَؤُهَا عَلَى لَفْظِ الْخَبَرِ . وَكُلُّهُمْ أَبْدَلَ هَمْزَةَ الْأَصْلِ فِي ذَلِكَ أَلِفًا ، مِنْ حَيْثُ كَانَتْ سَاكِنَةً . وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ وَبَيْنَ هَمْزَةِ الْقَطْعِ بِأَلِفٍ مَنْ حَقَّقَ الْهَمْزَتَيْنِ مِنْهُمْ ، وَمَنْ سَهَّلَ إِحْدَاهُمَا ، كَرَاهَةً لِتَوَالِي أَرْبَعِ أَلِفَاتٍ فِي ذَلِكَ .
[ ص: 99 ] وَاتَّفَقَ كُتَّابُ الْمَصَاحِفِ عَلَى رَسْمِ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ بِأَلِفٍ وَاحِدَةٍ ؛ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ كَرَاهَتِهِمْ لِاجْتِمَاعِ صُوَرٍ مُتَّفِقَةٍ ، وَاكْتِفَائِهِمْ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ . وَتَحْتَمِلُ تِلْكَ الْأَلِفُ الْمَرْسُومَةُ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ : أَنْ تَكُونَ هَمْزَةَ الِاسْتِفْهَامِ ، مِنْ حَيْثُ كَانَتْ دَاخِلَةً لِمَعْنًى لَا بُدَّ مِنْ تَأْدِيَتِهِ . وَأَنْ تَكُونَ هَمْزَةَ الْقَطْعِ ، مِنْ حَيْثُ كَانَتْ كَاللَّازِمَةِ . وَأَنْ تَكُونَ هَمْزَةَ الْأَصْلِ ، مِنْ حَيْثُ كَانَتْ مِنْ نَفْسِ الْكَلِمَةِ .
فَإِذَا نُقِطَ ذَلِكَ عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ حَقَّقَ هَمْزَةَ الِاسْتِفْهَامِ ، وَسَهَّلَ هَمْزَةَ الْقَطْعِ بَعْدَهَا ، وَجُعِلَتِ الْأَلِفُ الْمُصَوَّرَةُ هَمْزَةَ الِاسْتِفْهَامِ ، جُعِلَ عَلَى تِلْكَ الْأَلِفِ نُقْطَةٌ بِالصَّفْرَاءِ ، وَحَرَكَتُهَا عَلَيْهَا نُقْطَةٌ بِالْحَمْرَاءِ ، وَجُعِلَ بَعْدَ الْأَلِفِ نُقْطَةٌ بِالْحَمْرَاءِ فَقَطْ ، وَرُسِمَ بَعْدَهَا أَلِفٌ بِالْحَمْرَاءِ ؛ لِيُدَلَّ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ بَعْدَ الْهَمْزَةِ الْمُسَهَّلَةِ أَلِفًا سَاكِنَةً ، هِيَ بَدَلٌ مِنْ هَمْزَةِ فَاءِ الْفِعْلِ السَّاكِنَةِ . وَلَا بُدَّ مِنْ رَسْمِ هَذِهِ الْأَلِفِ فِي هَذَا الْوَجْهِ ، لِمَا ذَكَرْنَا . وَصُورَةُ ذَلِكَ كَمَا تَرَى : " أَامَنْتُمْ " ، " أَالِهَتُنَا " .
فَإِنْ جُعِلَتِ الْأَلِفُ الْمُصَوَّرَةُ هَمْزَةَ الْقَطْعِ الزَّائِدَةَ عَلَى فَاءِ الْفِعْلِ جُعِلَتِ النُّقْطَةُ بِالصَّفْرَاءِ ، وَحَرَكَتُهَا عَلَيْهَا ، قَبْلَ الْأَلِفِ السَّوْدَاءِ ، وَجُعِلَ عَلَى الْأَلِفِ نُقْطَةٌ بِالْحَمْرَاءِ ، وَرُسِمَ بَعْدَهَا أَلِفٌ بِالْحَمْرَاءِ ، لِيُدَلَّ عَلَى فَاءِ الْفِعْلِ بِذَلِكَ . وَصُورَةُ ذَلِكَ كَمَا تَرَى " ءَامَنْتُمْ " ، " ءَالِهَتُنَا " .
[ ص: 100 ] وَإِنْ جُعِلَتِ الْأَلِفُ الْمُصَوَّرَةُ هَمْزَةَ الْأَصْلِ الْمُبْدَلَةَ أَلِفًا جُعِلَتِ النُّقْطَةُ بِالصَّفْرَاءِ ، وَحَرَكَتُهَا عَلَيْهَا ، قَبْلَ تِلْكَ الْأَلِفِ الْمُصَوَّرَةِ فِي السَّطْرِ ، وَرُسِمَ بَعْدَهَا أَلِفٌ بِالْحَمْرَاءِ ، وَجُعِلَ عَلَيْهَا نُقْطَةٌ بِالْحَمْرَاءِ فَقَطْ . فَتَحْصُلُ هَذِهِ الْأَلِفُ بَيْنَ الْهَمْزَةِ الَّتِي عَلَامَتُهَا نُقْطَةٌ بِالصَّفْرَاءِ ، وَبَيْنَ الْأَلِفِ السَّوْدَاءِ . وَإِنْ شَاءَ النَّاقِطُ لَمْ يَرْسِمْ تِلْكَ الْأَلِفَ ، وَجَعَلَ النُّقْطَةَ بِالْحَمْرَاءِ فِي مَوْضِعِهَا لَا غَيْرُ . وَصُورَةُ ذَلِكَ كَمَا تَرَى : " أَءَمَنْتُمْ " ، " أَءَلِهَتُنَا " .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي الَّذِي تُجْعَلُ فِيهِ الْأَلِفُ الْمَرْسُومَةُ هَمْزَةَ الْقَطْعِ أَوْجَهُ عِنْدِي ، مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْحَرْفَ لَا يَتَوَالَى فِيهِ كَمَا يَتَوَالَى فِي الْوَجْهَيْنِ الْآخَرَيْنِ . وَعَلَى ذَلِكَ أَصْحَابُ الْمَصَاحِفِ . وَهُوَ اخْتِيَارِي ، وَإِلَيْهِ أَذْهَبُ ، وَبِهِ أَنْقُطُ .
وَإِذَا نُقِطَ ذَلِكَ عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ حَقَّقَ الْهَمْزَتَيْنِ - هَمْزَةَ الِاسْتِفْهَامِ ، وَهَمْزَةَ الْقَطْعِ - ؛ فُعِلَ فِيهِ كَمَا فُعِلَ فِي مَذْهَبِ مَنْ سَهَّلَ الْهَمْزَةَ الثَّانِيَةَ ، إِلَّا أَنَّهُ تُجْعَلُ مَكَانَ النُّقْطَةِ الْحَمْرَاءِ الدَّالَّةِ عَلَى التَّسْهِيلِ نُقْطَةٌ بِالصَّفْرَاءِ ، وَحَرَكَتُهَا عَلَيْهَا نُقْطَةٌ بِالْحَمْرَاءِ . وَصُورَةُ ذَلِكَ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ كَمَا تَرَى : " أَءَمَنْتُمْ " ، " أَءَلِهَتُنَا " . وَعَلَى الثَّانِي : " ءَأَمَنْتُمْ " ، " ءَأَلِهَتُنَا " . وَعَلَى الثَّالِثِ : " ءَأَمَنْتُمْ " ، " ءَأَلِهَتُنَا " .
وَإِنْ نُقِطَتْ هَذِهِ الْمَوَاضِعُ عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَهَا عَلَى لَفْظِ الْخَبَرِ ؛ جُعِلَ قَبْلَ الْأَلِفِ الْمُصَوَّرَةِ نُقْطَةٌ بِالصَّفْرَاءِ ، وَحَرَكَتُهَا عَلَيْهَا نُقْطَةٌ بِالْحَمْرَاءِ لَا غَيْرُ ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْأَلِفَ
[ ص: 101 ] الْمُصَوَّرَةَ عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ أَلِفُ الْأَصْلِ ، مِنْ حَيْثُ كَانَتْ مُبْدَلَةً مِنْ هَمْزَةِ فَاءِ الْفِعْلِ لَا غَيْرُ ، كَمَا هِيَ فِي نَظَائِرِ ذَلِكَ ، نَحْوُ قَوْلِهِ : " ءَامَنَ الرَّسُولُ " ، وَ " ءَالِهَتُكَ " ، وَ " ءَامَنَهُمْ " ، وَ " ءَاتَى اَلْمَالَ " ، وَشِبْهِهِ . وَصُورَةُ نَقْطِ ذَلِكَ كَمَا تَرَى : " ءَامَنْتُمْ " ، وَ " ءَالِهَتُنَا " .
وَقَدْ رَوَى
الْقَوَّاسُ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَوْنٍ ، عَنْ أَصْحَابِهِ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابْنِ كَثِيرٍ أَنَّهُ يُسَهِّلُ هَمْزَةَ الِاسْتِفْهَامِ وَهَمْزَةَ الْقَطْعِ فِي قَوْلِهِ فِي ( الْأَعْرَافِ ) : " قَالَ فِرْعَوْنُ ءَأَمَنْتُمْ بِهِ " ، فَيُبْدِلُ هَمْزَةَ الِاسْتِفْهَامِ وَاوًا مَفْتُوحَةً لِانْضِمَامِ مَا قَبْلَهَا ، وَيَجْعَلُ هَمْزَةَ الْقَطْعِ بَيْنَ الْهَمْزَةِ وَالْأَلِفِ ؛ طَلَبًا لِلتَّخْفِيفِ وَتَسْهِيلِ اللَّفْظِ بِذَلِكَ .
فَإِذَا نُقِطَ ذَلِكَ عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ ؛ جُعِلَ عَلَى الْأَلِفِ الْمُصَوَّرَةِ نُقْطَةٌ بِالْحَمْرَاءِ ، وَرُسِمَ قَبْلَهَا وَاوٌ بِالْحَمْرَاءِ ، وَجُعِلَ عَلَيْهَا نُقْطَةٌ ؛ لِأَنَّهَا مُبْدَلَةٌ بَدَلًا خَالِصًا . وَرُسِمَ أَيْضًا بَعْدَ تِلْكَ الْأَلِفِ أَلِفٌ بِالْحَمْرَاءِ ؛ لِيُؤْذَنَ بِأَنَّهَا بَعْدَهَا فِي الْأَصْلِ وَاللَّفْظِ . وَصُورَةُ ذَلِكَ كَمَا تَرَى : " فِرْعَوْنُ وَامَنْتُمْ " .
وَقَدْ يَجُوزُ فِي نَقْطِ ذَلِكَ مَا جَازَ فِي نَقْطِهِ عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ حَقَّقَ هَمْزَةَ الِاسْتِفْهَامِ وَسَهَّلَ هَمْزَةَ الْقَطْعِ ، إِلَّا أَنَّهُ تُجْعَلُ مَكَانَ النُّقْطَةِ الصَّفْرَاءِ الَّتِي هِيَ عَلَامَةُ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ الْمُحَقَّقَةِ نُقْطَةٌ بِالْحَمْرَاءِ فَقَطْ .
فَصْلٌ
وَأَمَّا نَقْطُ الضَّرْبِ الثَّانِي مِنَ الثَّلَاثَةِ الْأَضْرُبِ ، عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ سَهَّلَ
[ ص: 102 ] الْهَمْزَةَ الثَّانِيَةَ ، وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْهَمْزَةِ الْأُولَى الْمُحَقَّقَةِ بِأَلِفٍ ؛ فَهُوَ أَنْ تُجْعَلَ نُقْطَةٌ بِالصَّفْرَاءِ ، وَحَرَكَتُهَا عَلَيْهَا ، عَلَى الْأَلِفِ الْمُصَوَّرَةِ ، وَتُجْعَلَ بَعْدَهَا فِي السَّطْرِ نُقْطَةٌ بِالْحَمْرَاءِ لَا غَيْرُ . فَيُدَلُّ بِذَلِكَ عَلَى تَحْقِيقِ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ ، وَتَسْهِيلِ هَمْزَةِ الْأَصْلِ .
وَإِنْ شَاءَ النَّاقِطُ جَعَلَ فِي مَوْضِعِ النُّقْطَةِ الْحَمْرَاءِ الَّتِي هِيَ عَلَامَةُ التَّسْهِيلِ يَاءً بِالْحَمْرَاءِ ، وَأَلْحَقَهَا بِالْحَرْفِ ، مِنْ حَيْثُ قَرُبَتِ الْهَمْزَةُ الْمُسَهَّلَةُ فِي هَذَا الضَّرْبِ مِنْهَا . إِلَّا أَنَّهَا إِذَا أُلْحِقَتْ أُعْرِيَتْ مِنَ الْحَرَكَةِ ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِيَاءٍ مَكْسُورَةٍ خَالِصَةٍ ، وَإِنَّمَا هِيَ بَيْنَ الْهَمْزَةِ الْمُحَقَّقَةِ وَالْيَاءِ السَّاكِنَةِ .
وَإِنَّمَا أَطْلَقْنَا لِلنَّاقِطِ إِلْحَاقَ يَاءٍ بَعْدَ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ مِنْ حَيْثُ رَسَمَهَا كُتَّابُ الْمَصَاحِفِ بِالسَّوَادِ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنْ هَذَا الضَّرْبِ ؛ دَلَالَةً عَلَى التَّسْهِيلِ ؛ لِيَأْتِيَ الضَّرْبُ كُلُّهُ عَلَى صُورَةٍ وَاحِدَةٍ . وَالَّذِي أَخْتَارُهُ أَلَّا تُلْحَقَ الْيَاءُ فِي ذَلِكَ ، وَأَنْ تُجْعَلَ النُّقْطَةُ فِي مَوْضِعِهَا .
وَهَذَا الَّذِي حَكَيْنَاهُ مِنْ جَعْلِ النُّقْطَةِ بِالصَّفْرَاءِ عَلَى الْأَلِفِ ، وَجَعْلِ نُقْطَةٍ أَوْ يَاءٍ بَعْدَهَا بِالْحَمْرَاءِ ، هُوَ قَوْلُ مَنْ زَعَمَ أَنَّ هَمْزَةَ الِاسْتِفْهَامِ مِنْ إِحْدَى الْهَمْزَتَيْنِ هِيَ الْمَرْسُومَةُ . وَصُورَةُ ذَلِكَ كَمَا تَرَى : " أَءِذَا " ، " أَءِلَهٌ " ، " أَءِنَّكَ " ، " أَءِنَّا " ، وَشِبْهُهُ .
فَأَمَّا مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْمَرْسُومَةَ هَمْزَةُ الْأَصْلِ ؛ فَإِنَّ النُّقْطَةَ الصَّفْرَاءَ وَحَرَكَتَهَا تُجْعَلَانِ - عَلَى قَوْلِهِ - قَبْلَ الْأَلِفِ السَّوْدَاءِ ، وَتُجْعَلُ تَحْتَ تِلْكَ الْأَلِفِ نُقْطَةٌ بِالْحَمْرَاءِ فَقَطْ . وَلَا يَجُوزُ أَنْ تُجْعَلَ فِي مَوْضِعِ النُّقْطَةِ يَاءٌ ، كَمَا جَازَ ذَلِكَ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ ، مِنْ حَيْثُ كَانَتْ تِلْكَ الْأَلِفُ صُورَةً لِلْهَمْزَةِ الْمُحَقَّقَةِ فِي الْأَصْلِ ، قَبْلَ التَّسْهِيلِ . وَصُورَةُ
[ ص: 103 ] ذَلِكَ كَمَا تَرَى : " ءَاِذَا " ، " ءَاِلَهٌ " ، " ءَاِنَّكَ " ، " ءَاِنَّا " ، وَشِبْهُهُ .
وَتُلْحَقُ أَلِفٌ بِالْحَمْرَاءِ بَيْنَ الْهَمْزَةِ الْمُحَقَّقَةِ الَّتِي عَلَامَتُهَا نُقْطَةٌ بِالصَّفْرَاءِ وَبَيْنَ الْهَمْزَةِ الْمُسَهَّلَةِ الَّتِي عَلَامَتُهَا نُقْطَةٌ بِالْحَمْرَاءِ ، أَوْ يَاءٌ بِالْحَمْرَاءِ ، فِي مَذْهَبِ مَنْ فَصَلَ بَيْنَ الْمُحَقَّقَةِ وَالْمُسَهَّلَةِ بِالْأَلِفِ . وَإِنْ شَاءَ النَّاقِطُ لَمْ يُلْحِقْ أَلِفًا ، وَجَعَلَ فِي مَوْضِعِهَا مَطَّةً فَقَطْ . وَصُورَةُ ذَلِكَ عَلَى قَوْلِ مَنْ جَعَلَ الْأَلِفَ الْمُصَوَّرَةَ هَمْزَةَ الِاسْتِفْهَامِ كَمَا تَرَى : " أَءِذَا " ، " أَءِلَهٌ " ، " أَءِنَّكَ " ، " أَءِنَّا " . وَصُورَتُهُ عَلَى قَوْلِ مَنْ جَعَلَ الْأَلِفَ الْمُصَوَّرَةَ هَمْزَةَ الْأَصْلِ كَمَا تَرَى : " ءَاِذَا " ، " ءَاِلَهٌ " ، " ءَاِنَّكَ " ، " ءِاِنَّا " .
وَرَأَيْتُ جَمَاعَةً مِنْ عُلَمَاءِ أَهْلِ النَّقْطِ يَجْعَلُونَ الْهَمْزَةَ الْمُحَقَّقَةَ فِي هَذَا الضَّرْبِ ، فِي مَذْهَبِ مَنْ فَصَلَ ، قَبْلَ الْأَلِفِ السَّوْدَاءِ ، وَيَجْعَلُونَ الْهَمْزَةَ الْمُسَهَّلَةَ نُقْطَةً بِالْحَمْرَاءِ بَعْدَهَا ، وَيَجْعَلُونَ عَلَى الْأَلِفِ السَّوْدَاءِ مَطَّةً . فَيُحَقِّقُونَ بِذَلِكَ أَنَّ الْفَاصِلَةَ الَّتِي قَدْ يُحْذَفُ مِنَ الرَّسْمِ مَا هُوَ أَوْكَدُ مِنْهَا وَأَوْلَى هِيَ الْمَرْسُومَةُ . وَذَلِكَ خَطَأٌ لَا شَكَّ فِيهِ ؛ لِأَنَّ مِنَ الْقُرَّاءِ مَنْ لَا يَفْصِلُ فِي حَالِ تَحْقِيقٍ وَلَا تَسْهِيلٍ . وَلِأَنَّ هَمْزَةَ الِاسْتِفْهَامِ الدَّاخِلَةَ لِمَعْنًى ، وَهَمْزَةَ الْأَصْلِ الَّتِي هِيَ لَازِمَةٌ لِلْكَلِمَةِ ، وَمِنْ نَفْسِهَا ، أَوْلَى بِالرَّسْمِ مِنْ أَلِفٍ تُجْتَلَبُ لِتَحْقِيقِ النُّطْقِ لَا غَيْرُ . هَذَا مَا لَا تَخْفَى صِحَّتُهُ وَالْخَطَأُ فِي خِلَافِهِ عَلَى مَنْ لَهُ أَدْنَى فَهْمٍ ، وَأَقَلُّ تَمْيِيزٍ .
فَأَمَّا نَقْطُ هَذَا الضَّرْبِ عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ حَقَّقَ الْهَمْزَتَيْنِ مَعًا ، فَكَنَقْطِهِ عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ سَهَّلَ الْهَمْزَةَ الثَّانِيَةَ . إِلَّا أَنَّهُ تُجْعَلُ فِي مَوْضِعِ الْهَمْزَةِ الْمُسَهَّلَةِ الَّتِي عَلَامَتُهَا نُقْطَةٌ بِالْحَمْرَاءِ فَقَطْ نُقْطَةٌ بِالصَّفْرَاءِ ، وَحَرَكَتُهَا تَحْتَهَا نُقْطَةٌ بِالْحَمْرَاءِ ؛ لِيُؤْذَنَ بِذَلِكَ بِتَحْقِيقِهَا . وَصُورَةُ ذَلِكَ عَلَى قَوْلِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ هَمْزَةَ الِاسْتِفْهَامِ هِيَ الْمُصَوَّرَةُ كَمَا
[ ص: 104 ] تَرَى : " أَءِذَا " ، " أَءِلَهٌ " ، " أَءِنَّكَ " ، " أَءِنَّا " . وَصُورَتُهُ عَلَى قَوْلِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ هَمْزَةَ الْأَصْلِ هِيَ الْمُصَوَّرَةُ كَمَا تَرَى : " ءَاِذَا " ، " ءَاِلَهٌ " ، " ءَاِنَّكَ " ، " ءَإِنَّا " . وَتُجْعَلُ بَيْنَ الْهَمْزَتَيْنِ فِي مَذْهَبِ مَنْ فَصَلَ بَيْنَهُمَا بِأَلِفٍ ، أَلِفٌ أَوْ مَطَّةٌ بِالْحَمْرَاءِ ، عَلَى الْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا . وَصُورَةُ ذَلِكَ عَلَى الْأَوَّلِ : " أَءِذَا " ، " أَءِلَهٌ " ، " أَءِنَّكَ " ، " أَءِنَّا " . وَعَلَى الثَّانِي : " ءَإِذَا " ، " ءَإِلَهٌ " ، " ءَإِنَّكَ " ، " ءَإِنَّا " .
* * *
فَأَمَّا مَا جَاءَتِ الْهَمْزَةُ الْمُسَهَّلَةُ فِيهِ مِنْ هَذَا الضَّرْبِ ، مَرْسُومَةً يَاءً بِالسَّوَادِ ، كَقَوْلِهِ : " أَئِنَّكُمْ " فِي ( الْأَنْعَامِ ) وَفِي ( النَّمْلِ ) وَفِي الثَّانِي مِنَ ( الْعَنْكَبُوتِ ) وَفِي ( فُصِّلَتْ ) ، وَ " أَئِنَّا " فِي ( النَّمْلِ ) وَ ( الصَّافَّاتِ ) ، وَ " أَئِنَّ لَنَا " فِي ( الشُّعَرَاءِ ) ، وَ " أَئِذَا " فِي ( الْوَاقِعَةِ ) ، وَ " أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ " فِي ( يس ) ، وَ " أَئِفْكًا " فِي ( وَالصَّافَّاتِ ) ؛ فَإِنَّ الْأَلِفَ الْمُصَوَّرَةَ فِي ذَلِكَ هِيَ هَمْزَةُ الِاسْتِفْهَامِ لَا غَيْرُ ؛ لِأَنَّ الْهَمْزَةَ الْمُسَهَّلَةَ قَدْ صُوِّرَتْ بَعْدَهَا ، عَلَى نَحْوِ حَرَكَتِهَا ، إِعْلَامًا بِتَسْهِيلِهَا ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ يَاءً خَالِصَةً فِي الْحَقِيقَةِ ، فَإِنَّهَا مُقَرَّبَةٌ مِنْهَا . وَالْمُقَرَّبُ مِنَ الشَّيْءِ قَدْ يُحْكَمُ لَهُ بِحُكْمِ الشَّيْءِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْهَمْزَةَ الْمَفْتُوحَةَ لَا تُجْعَلُ بَيْنَ بَيْنَ قَبْلَ ضَمَّةٍ أَوْ كَسْرَةٍ ، بَلْ تُبْدَلُ مَعَ الضَّمَّةِ وَاوًا ، وَمَعَ الْكَسْرَةِ يَاءً . وَذَلِكَ أَنَّهَا لَوْ جُعِلَتْ بَيْنَ بَيْنَ لَصَارَتْ بَيْنَ الْهَمْزَةِ وَالْأَلِفِ . وَالْأَلِفُ لَا يَكُونُ مَا قَبْلَهَا مَضْمُومًا وَلَا مَكْسُورًا . كَذَلِكَ لَا يَكُونُ قَبْلَ مَا قُرِّبَ بِالتَّسْهِيلِ مِنْهَا . فَكَمَا حُكِمَ هَاهُنَا لِلْمُقَرَّبِ
[ ص: 105 ] مِنَ الْأَلِفِ بِحُكْمِ الْأَلِفِ ، فَكَذَلِكَ حُكِمَ هُنَاكَ لِلْهَمْزَةِ الْمَجْعُولَةِ بَيْنَ الْهَمْزَةِ وَالْيَاءِ فِي الصُّورَةِ حُكْمُ الْيَاءِ الْخَالِصَةِ ، فَصُوِّرَتْ يَاءً .
فَإِذَا نُقِطَ ذَلِكَ عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ سَهَّلَ جُعِلَتِ الْهَمْزَةُ نُقْطَةً بِالصَّفْرَاءِ ، وَحَرَكَتُهَا عَلَيْهَا نُقْطَةٌ بِالْحَمْرَاءِ ، عَلَى الْأَلِفِ الْمُصَوَّرَةِ . وَأُعْرِيَتِ الْيَاءُ السَّوْدَاءُ بَعْدَهَا مِنَ الْحَرَكَةِ مِنْ حَيْثُ كَانَتْ خَلَفًا مِنْ هَمْزَةٍ مَكْسُورَةٍ ، وَلَمْ تَكُنْ يَاءً مَكْسُورَةً خَالِصَةَ الْكَسْرِ . وَمِنْ أَهْلِ النَّقْطِ مَنْ يَجْعَلُ تَحْتَهَا كَسْرَةً ، وَيَجْعَلُ مَعَهَا دَارَةً صُغْرَى ؛ عَلَامَةً لِتَخْفِيفِهَا ، وَأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمُشْبَعَةِ الْكَسْرَةِ ، وَذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّقْرِيبِ عَلَى الْقَارِئِينَ . وَهُوَ عِنْدِي حَسَنٌ . وَصُورَةُ نَقْطِ ذَلِكَ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ كَمَا تَرَى : " أَيِنَّكُمْ " ،
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=71أَينَّا ، " أَيِنَّ لَنَا " ، " أَيِفْكًا " ، " أَيِنْ ذُكِّرْتُمْ " . وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي : " أَيِنَّكُمْ " ،
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=71أَيِنَّا ، " أَيِنَّ لَنَا " ، " أَيِفْكًا " ، " أَيِنْ ذُكِّرْتُمْ " .
وَإِنْ نُقِطَ عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ حَقَّقَ الْهَمْزَتَيْنِ جُعِلَتِ الْهَمْزَةُ الْأُولَى وَحَرَكَتُهَا فِي الْأَلِفِ ، وَجُعِلَتِ الْهَمْزَةُ الثَّانِيَةُ فِي الْيَاءِ وَحَرَكَتُهَا تَحْتَهَا . وَصُورَةُ ذَلِكَ كَمَا تَرَى : " أَئِنَّكُمْ " ، " أَئِنَّا " ، " أَئِنَّ " ، " أَئِفْكًا " ، " أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ " .
وَتُجْعَلُ الْأَلِفُ الْفَاصِلَةُ فِي حَالِ التَّحْقِيقِ وَالتَّسْهِيلِ بَيْنَ الْأَلِفِ وَالْيَاءِ .
فَصْلٌ
وَأَمَّا نَقْطُ الضَّرْبِ الثَّالِثِ مِنَ الْأَضْرُبِ الثَّلَاثَةِ ، عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ سَهَّلَ
[ ص: 106 ] الْهَمْزَةَ الثَّانِيَةَ ، وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْهَمْزَةِ الْأُولَى الْمُحَقَّقَةِ بِالْأَلِفِ ؛ فَهُوَ أَنْ تُجْعَلَ نُقْطَةٌ بِالصَّفْرَاءِ ، وَحَرَكَتُهَا عَلَيْهَا نُقْطَةٌ بِالْحَمْرَاءِ ، فِي الْأَلِفِ الْمُصَوَّرَةِ ، وَتُجْعَلَ بَعْدَهَا فِي السَّطْرِ نُقْطَةٌ بِالْحَمْرَاءِ لَا غَيْرُ . فَيُدَلُّ بِذَلِكَ عَلَى تَحْقِيقِ الْهَمْزَةِ الْأُولَى ، وَتَسْهِيلِ الْهَمْزَةِ الثَّانِيَةِ ، وَأَنَّهُ نُحِيَ بِهَا نَحْوَ الْوَاوِ . وَهَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ جَعَلَ الْأَلِفَ الْمُصَوَّرَةَ هَمْزَةَ الِاسْتِفْهَامِ . وَصُورَةُ ذَلِكَ كَمَا تَرَى : " أَءُنْزِلَ " ، " أَءُلْقِيَ " ، " أَءُشْهِدُوا " .
وَإِنْ شَاءَ النَّاقِطُ جَعَلَ فِي مَوْضِعِ النُّقْطَةِ الْحَمْرَاءِ الَّتِي هِيَ عَلَامَةُ التَّسْهِيلِ وَاوًا صُغْرَى بِالْحَمْرَاءِ ، وَيُعْرِيهَا مِنَ الْحَرَكَةِ ، مِنْ حَيْثُ كَانَتْ خَلَفًا مِنْ هَمْزَةٍ ، وَلَمْ تَكُنْ وَاوًا مُشْبَعَةَ الْحَرَكَةِ ، كَمَا جُعِلَ فِي مَوْضِعِ الْمَكْسُورَةِ الْمُسَهَّلَةِ يَاءٌ . إِذْ قَدْ رَسَمَ كُتَّابِ الْمَصَاحِفِ الْهَمْزَةَ الْمُسَهَّلَةَ وَاوًا بِالسَّوَادِ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ مِنْ هَذَا الضَّرْبِ ، وَهُوَ قَوْلُهُ فِي ( آلِ عِمْرَانَ ) : " قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم " ، لِيَأْتِيَ الْبَابُ كُلُّهُ عَلَى مَذْهَبٍ وَاحِدٍ مِنَ التَّسْهِيلِ .
وَالْمَذْهَبَ الْأَوَّلَ أَخْتَارُ ؛ لِمَّا قَدَّمْتُهُ قَبْلُ .
فَإِنْ قِيلَ : فَمَا وَجْهُ رَسْمِهِمُ الْهَمْزَةَ الثَّانِيَةَ فِي الضَّرْبَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ بِالْحَرْفِ الَّذِي مِنْهُ حَرَكَتُهَا فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ ، وَتَرْكِ رَسْمِهِمْ إِيَّاهَا أَصْلًا فِي بَعْضِهَا ؟ قِيلَ : وَجْهُ ذَلِكَ إِرَادَتُهُمُ التَّعْرِيفَ بِالْوَجْهَيْنِ مِنَ التَّحْقِيقِ وَالتَّسْهِيلِ فِي تِلْكَ الْهَمْزَةِ . فَالْمَوْضِعُ الَّذِي جَاءَتِ الْيَاءُ وَالْوَاوُ فِيهِ مَرْسُومَتَيْنِ دَلِيلٌ عَلَى التَّسْهِيلِ . وَالْمَوْضِعُ الَّذِي جَاءَتَا فِيهِ غَيْرَ مَرْسُومَتَيْنِ دَلِيلٌ عَلَى التَّحْقِيقِ . وَذَلِكَ مِنْ حَيْثُ كَرِهُوا أَنْ يَجْمَعُوا بَيْنَ صُورَتَيْنِ مُتَّفِقَتَيْنِ ، فَلِذَلِكَ حَذَفُوا إِحْدَى الصُّورَتَيْنِ ، وَاكْتَفَوْا بِالْوَاحِدَةِ مِنْهُمَا إِيجَازًا وَاخْتِصَارًا .
[ ص: 107 ] وَمَنْ جَعَلَ الْأَلِفَ الْمُصَوَّرَةَ هَمْزَةَ الْقَطْعِ جَعَلَ النُّقْطَةَ بِالصَّفْرَاءِ ، وَحَرَكَتُهَا عَلَيْهَا ، قَبْلَ الْأَلِفِ . وَجَعَلَ فِي الْأَلِفِ أَوْ أَمَامَهَا النُّقْطَةَ بِالْحَمْرَاءِ ، وَصُورَةُ ذَلِكَ كَمَا تَرَى : " ءَاُنْزِلَ " ، " ءَاُلْقِيَ " ، " ءَاُشْهِدُوا " . وَجَعَلَ بَيْنَ الْهَمْزَةِ الْمُحَقَّقَةِ وَبَيْنَ الْهَمْزَةِ الْمُلَيَّنَةِ ، فِي مَذْهَبِ مَنْ فَصَلَ بَيْنَهُمَا بِأَلِفٍ ، أَلِفًا بِالْحَمْرَاءِ ، أَوْ مَطَّةً فِي مَوْضِعِهَا . وَصُورَةُ ذَلِكَ عَلَى قَوْلِ مَنْ جَعَلَ هَمْزَةَ الِاسْتِفْهَامِ هِيَ الْمُصَوَّرَةَ كَمَا تَرَى : " أَءُنْزِلَ " ، " أَءُلْقِيَ " ، " أَءُشْهِدُوا " . وَصُورَتُهُ عَلَى قَوْلِ مَنْ جَعَلَ هَمْزَةَ الْقَطْعِ هِيَ الْمُصَوَّرَةَ كَمَا تَرَى : " ءَاُنْزِلَ " ، " ءَاُلْقِيَ " ، " ءَاُشْهِدُوا " .
فَأَمَّا نَقْطُ هَذَا الضَّرْبِ عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ حَقَّقَ الْهَمْزَتَيْنِ مَعًا فَكَنَقْطِهِ عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ سَهَّلَ الْهَمْزَةَ الثَّانِيَةَ ، غَيْرَ أَنَّهُ يَجْعَلُ فِي مَكَانِ الْهَمْزَةِ الْمُسَهَّلَةِ الَّتِي عَلَامَتُهَا نُقْطَةٌ بِالْحَمْرَاءِ فَقَطْ ، نُقْطَةٌ بِالصَّفْرَاءِ ، وَحَرَكَتُهَا نُقْطَةٌ بِالْحَمْرَاءِ أَمَامَهَا . وَصُورَةُ ذَلِكَ عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي تُجْعَلُ فِيهِ هَمْزَةُ الِاسْتِفْهَامِ هِيَ الْمُصَوَّرَةَ كَمَا تَرَى : " أَءُنْزِلَ " ، " أَءُلْقِيَ " . وَعَلَى الْقَوْلِ الَّذِي تُجْعَلُ فِيهِ هَمْزَةُ الْقَطْعِ هِيَ الْمُصَوَّرَةُ كَمَا تَرَى : " ءَأُنْزِلَ " ، " ءَاُلْقِيَ " . وَتُجْعَلُ بَيْنَ الْهَمْزَتَيْنِ فِي مَذْهَبِ مَنْ فَصَلَ بَيْنَهُمَا بِأَلِفٍ ، أَلِفٌ أَوْ مَطَّةٌ بِالْحَمْرَاءِ . وَصُورَةُ ذَلِكَ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ : " أَءُنْزِلَ " ، " أَءُلْقِيَ " . وَعَلَى الثَّانِي : " ءَأُنْزِلَ " ، " ءَأُلْقِيَ " .
* * *
فَأَمَّا الْمَوْضِعُ الَّذِي رُسِمَتْ فِيهِ الْهَمْزَةُ الثَّانِيَةُ وَاوًا ، عَلَى مُرَادِ التَّسْهِيلِ ، وَهُوَ قَوْلُهُ فِي ( آلِ عِمْرَانَ ) : " قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ " فَإِنَّ الْأَلِفَ الْمُصَوَّرَةَ قَبْلَهَا هِيَ هَمْزَةُ الِاسْتِفْهَامِ لَا غَيْرُ . وَذَلِكَ مِنْ حَيْثُ صَوَّرُوا الْهَمْزَةَ الثَّانِيَةَ بِالْحَرْفِ الَّذِي مِنْهُ حَرَكَتُهَا .
فَإِذَا نُقِطَ ذَلِكَ عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ سَهَّلَ ؛ جُعِلَتِ الْهَمْزَةُ نُقْطَةً بِالصَّفْرَاءِ ، وَحَرَكَتُهَا
[ ص: 108 ] عَلَيْهَا نُقْطَةٌ بِالْحَمْرَاءِ فِي الْأَلِفِ ، وَأُعْرِيَتِ الْوَاوُ بَعْدَهَا مِنَ الْحَرَكَةِ ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِوَاوٍ مُشْبَعَةِ الْحَرَكَةِ ، وَإِنَّمَا هِيَ خَلَفٌ مِنْ هَمْزَةٍ مَضْمُومَةٍ . وَصُورَةُ ذَلِكَ كَمَا تَرَى : " أَؤُنَبِّئُكُمْ " . وَمِنْ أَهْلِ النَّقْطِ مَنْ يَجْعَلُ أَمَامَ الْوَاوِ نُقْطَةً ، وَعَلَى الْوَاوِ دَارَةً ؛ عَلَامَةً لِتَخْفِيفِهَا . وَهُوَ وَجْهٌ . وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ . وَصُورَةُ ذَلِكَ كَمَا تَرَى : " أَوُنَبِّئُكُمْ " .
وَإِنْ نُقِطَ ذَلِكَ عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ حَقَّقَ الْهَمْزَتَيْنِ جُعِلَتِ الْهَمْزَةُ الْأُولَى وَحَرَكَتُهَا عَلَى الْأَلِفِ ، وَجُعِلَتِ الْهَمْزَةُ الثَّانِيَةُ فِي الْوَاوِ وَحَرَكَتُهَا أَمَامَهَا . وَصُورَةُ ذَلِكَ كَمَا تَرَى : " أَؤُنَبِّئُكُمْ " .
وَتُجْعَلُ الْأَلِفُ الْفَاصِلَةُ - فِي مَذْهَبِ مَنْ سَهَّلَ ، أَوْ حَقَّقَ - بَيْنَ الْأَلِفِ وَالْوَاوِ . وَصُورَةُ ذَلِكَ فِي التَّسْهِيلِ : " أَوُنَبِّئُكُمْ " ، وَفِي التَّحْقِيقِ : " أَؤُنَبِّئُكُمْ " .
* * *
مَا وَرَدَ مِنْ هَذَا الضَّرْبِ وَالَّذِي قَبْلَهُ مَرْسُومًا بِالْوَاوِ وَالْيَاءِ ، بَعْدَ الْأَلِفِ الْمُصَوَّرَةِ ، فَهُوَ عَلَى مُرَادِ التَّسْهِيلِ ، وَتَقْدِيرِ الِاتِّصَالِ . وَمَا وَرَدَ فِيهِمَا مَرْسُومًا بِغَيْرِهِمَا فَهُوَ عَلَى مُرَادِ التَّحْقِيقِ ، وَتَقْدِيرِ الِانْفِصَالِ . إِلَّا أَنَّ إِحْدَى الْأَلِفَيْنِ حُذِفَتِ اخْتِصَارًا لِمَا قَدَّمْنَاهُ .
وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ النَّقْطِ فِي جَعْلِ الْهَمْزَةِ الْمُحَقَّقَةِ فِي الْأَلِفِ وَالْيَاءِ وَالْوَاوِ ، إِذَا كُنَّ صُوَرًا لَهَا . فَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُهَا فِي أَنْفُسِ هَذِهِ الْحُرُوفِ ، وَيَجْعَلُ حَرَكَةَ الْمَفْتُوحَةِ فَوْقَ الْأَلِفِ إِنْ صُوِّرَتْ أَلِفًا ، وَحَرَكَةَ الْمَكْسُورَةِ تَحْتَ الْيَاءِ إِنْ صُوِّرَتْ يَاءً ، وَحَرَكَةَ الْمَضْمُومَةِ أَمَامَ الْوَاوِ إِنْ صُوِّرَتْ وَاوًا . وَمِنْهُمْ مَنْ يُخَالِفُ بِهَا ، فَيَجْعَلُ الْمَفْتُوحَةَ وَحَرَكَتَهَا عَلَى الْأَلِفِ ، وَالْمَكْسُورَةَ وَحَرَكَتَهَا تَحْتَ الْيَاءِ ، وَالْمَضْمُومَةَ
[ ص: 109 ] وَحَرَكَتَهَا فِي الْوَاوِ ؛ وَيَجْمَعُ بَيْنَ الْهَمْزَةِ وَبَيْنَ حَرَكَتِهَا ، وَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا ، كَمَا لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ سَائِرِ الْحُرُوفِ وَبَيْنَ حَرَكَاتِهِنَّ .
وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَوْجَهُ . وَذَلِكَ مِنْ حَيْثُ كَانَتِ الْهَمْزَةُ حَرْفًا مِنْ حُرُوفِ الْمُعْجَمِ . فَكَمَا تَلْزَمُ الْحُرُوفُ غَيْرُهَا مَوْضِعًا وَاحِدًا مِنَ السَّطْرِ ؛ كَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ تَلْزَمَ الْهَمْزَةُ أَيْضًا مَوْضِعًا وَاحِدًا ، وَأَنْ تُجْعَلَ لَهَا فِي الْكِتَابَةِ صُورَةٌ . وَتَكُونُ الْحَرَكَاتُ دَالَّةً عَلَى مَا تَسْتَحِقُّهُ مِنْهُنَّ ، كَمَا تَدُلُّ عَلَى سَائِرِ الْحُرُوفِ .
وَإِنِ اكْتَفَى النَّاقِطُ فِي الْهَمَزَاتِ الْمُبْتَدَءَاتِ وَالْمُتَوَسِّطَاتِ بِجَعْلِ الْهَمْزَةِ وَحْدَهَا دُونَ حَرَكَتِهَا ، مِنْ حَيْثُ كَانَتْ حَرَكَةَ بِنَاءٍ لَازِمَةً ؛ فَحَسَنٌ . وَأَمَّا الْهَمَزَاتُ الْمُتَطَرِّفَاتُ فَلَا بُدَّ مِنْ جَعْلِ الْحَرَكَةِ مَعَهُنَّ ، مِنْ حَيْثُ كَانَتْ حَرَكَةَ إِعْرَابٍ تَتَغَيَّرُ وَتَنْتَقِلُ . فَاعْلَمْ ذَلِكَ . وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ .