[ ص: 57 ] باب
ذكر
nindex.php?page=treesubj&link=29577_28885التنوين اللاحق الأسماء ، وكيفية صورته ، وموضع جعله
اعلم أن التنوين حرف من الحروف ، وهو ساكن في الخلقة ، ومخرجه من الخيشوم ، ولا يقع أبدا إلا في أواخر الأسماء خاصة .
والدليل على أنه حرف من الحروف لزوم التغيير الذي يلحق جميع الحروف السواكن له ، من التحريك للساكنين في نحو : " رحيما النبي " ، ومن إلقاء حركة الهمزة عليه في نحو :
nindex.php?page=tafseer&surano=112&ayano=4كفوا أحد ، ومن الحذف في نحو : "
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=30عزير ابن الله ، و " أحد الله " على قراءة من قرأ ذلك كذلك ، ومن الإدغام في نحو :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=173غفور رحيم ، و
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=109يومئذ لا تنفع ، و " أليم ما يود " ، وشبه ذلك . فلولا أنه كسائر السواكن لم يلحقه ما يلحقهن من التغيير بالوجوه المتقدمة .
[ ص: 58 ] وإنما لزم الأطراف خاصة ، من حيث كان مخصوصا بمتابعة حركة الإعراب التي تلزم ذلك الموضع ، وتختص به ، وذلك من حيث كان الإعراب داخلا لإفادة المعاني ، وكان زائدا على الاسم .
فإن كان الاسم الذي يقع آخره مجرورا جعل تحت الحرف نقطتان ؛ إحداهما الحركة ، والثانية علامته . وسواء كان الحرف مخففا أو مشددا . وإن كان مرفوعا جعل أمام الحرف نقطتان أيضا . وإن كان منصوبا فكذلك أيضا . إلا أن أهل النقط مختلفون في الموضع الذي تجعل فيه النقطتان . وسنذكر ذلك مشروحا ، ونبين وجه الصواب من اختلافهم ، فيما بعد إن شاء الله . فالمجرور نحو قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=61من رب ،
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=58رب رحيم ، و
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=25من عذاب أليم ، وشبهه . والمرفوع نحو قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=18صم بكم عمي ، وما أشبهه .
* * *
فإن قال قائل : من أين جعل أهل النقط علامة التنوين الذي هو نون خفيفة في اللفظ نقطة كنقطة الحركة ؟ قيل : من حيث جعلها علامة لذلك من ابتدأ النقط من السلف ؛ اتباعا له ، واقتداء به . كما حدثنا
محمد بن علي الكاتب ، قال : نا
محمد بن القاسم ، قال : نا أبي ، قال : نا
أبو عكرمة قال : قال
العتبي : قال
nindex.php?page=showalam&ids=11822أبو الأسود للرجل الذي أمسك عليه المصحف ، حين ابتدأ بنقطه : فإن أتبعت شيئا من هذه الحركات غنة ؛ فانقطه نقطتين .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12114أبو عمرو : ويعني بالغنة التنوين ؛ لأنه غنة من الخيشوم .
[ ص: 59 ] فإن قال : فمن أين اصطلحوا على جعل علامته علامة الحركة ؟ قيل : من وجهين : أحدهما أنه لما كان مخصوصا بمتابعة الحركات دون السواكن ؛ جعلوا علامته في النقط علامتهن ؛ إشعارا بذلك التخصيص ، وإعلاما به . والثاني أن الحركة لما لزمت أوائل الكلم ، ولزم التنوين أواخرهن ، واجتمعا معا في الثبات في الوصل ، والحذف في الوقف ؛ تأكد ما بين الحركة والتنوين بذلك ، فجعلت علامته علامتها ، دلالة على ذلك التأكيد ، وتنبيها على تناسب ما بينهما في أن كل واحد منهما يثبت بثبات الآخر ، ويسقط بسقوطه .
فإن قيل : فهلا جعلوا علامته علامة السكون ، من حيث كان ساكنا ؟ قيل : لم يفعلوا ذلك لما عدمت صورته في الخط ؛ لزيادته . والسكون والحركة لا يجعلان إلا في حرف ثابت الخط قائم الصورة .
فإن قيل : فلم لم يرسم نونا في الخط ، على اللفظ ؟ قيل : لم يرسم نونا ، من حيث كان زائدا في الاسم الذي يلحق آخره ؛ فرقا بين ما ينصرف وبين ما لا ينصرف من الأسماء ؛ لئلا يشتبه الزائد لمعنى الذي يلحقه التغيير في بعض الأحوال ، بالأصلي اللازم الذي لا يتغير ، كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=77وأحسن كما أحسن الله إليك ، و " لا تمنن تستكثر " ، و " لا تحزن عليهم " ، وشبه ذلك . فلو رسم التنوين نونا ، وهو زائد يتغير في حال الوقف ؛ لاشتبه بالنون الأصلية في هذه المواضع التي لا يلحقها تغيير في وصل ولا وقف . ففرق بينهما بالحذف والإثبات
[ ص: 60 ] ليتميزا بذلك . ولأجل الفرق بينهما خولف في التسمية بينهما ، فقيل للأصلي : " نون " ، وللزائد : " تنوين " ؛ لينفصلا بذلك ، وتعلم المخالفة بينهما به .
* * *
فأما المنصوب المنون فإنه يبدل منه في حال الوقف ألفا لخفته . وكذلك جاء مرسوما في الكتابة ؛ دلالة على ذلك .
واختلف نقاط المصاحف في كيفية نقطه على أربعة أوجه :
فمنهم من ينقط بأن يجعل نقطتين بالحمراء على تلك الألف المرسومة ، ويعري الحرف المتحرك منهما ، ومن إحداهما . وصورة ذلك كما ترى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=23غفورا رحيما ،
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=48شيئا ،
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=31خطئا ،
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=67هزوا ، و
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=130كلا ، و
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=10غلا . وكذا إن كان الاسم المنون مقصورا ، وصورت لامه ياء ؛ دلالة على أصله ، يجعلون النقطتين أيضا على تلك الياء ؛ لأنها تصير ألفا في الوقف . وذلك في نحو قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=2هدى ، و
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=156غزى ، و
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196أذى ، و
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282مسمى ، وشبهه . وهذا مذهب
أبي محمد اليزيدي ، وعليه نقاط أهل المصرين
البصرة والكوفة ، ونقاط أهل
المدينة .
ومنهم من يجعل النقطتين معا على الحرف المتحرك ، ويعري تلك الألف وتلك الياء منهما ، ومن إحداهما . وصورة ذلك في الألف كما ترى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=11عليما حكيما ،
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=31خطئا ، " متكئا " ،
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=77كفوا . وفي الياء :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=125مصلى ، و
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=156غزى ، و
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=15مصفى ، وشبهه . وهذا مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=14248الخليل وأصحابه .
[ ص: 61 ] ومنهم من يجعل إحدى النقطتين - وهي الحركة - على الحرف المتحرك ، ويجعل الثانية - وهي التنوين - على الألف ، وعلى الياء . وصورة ذلك في الألف كما ترى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=18عذابا أليما ،
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=57ملجئا ،
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=260جزءا . وفي الياء :
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=41مولى عن مولى ، و
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=156غزى ، و
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=58سوى ، وشبهه .
ومنهم من يجعل نقطة واحدة على الحرف المتحرك ، ونقطتين على الألف . وصورة ذلك كما ترى :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=38وعادا وثمودا ، و
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=29مثلا رجلا ،
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=34ردءا . وفي الياء :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=2هدى ،
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=44عمى ،
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=156غزى ،
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=36سدى ، وشبهه . وذهب إلى هذين الوجهين قوم من متأخري النقاط . ولا إمام لهم فيهما علمناه .
* * *
فأما علة من جعل النقطتين معا على الألف ؛ فإنه لما كان التنوين ملازما للحركة ، متابعا لها ، غير منفك منها ، ولا منفصل عنها في حال الوصل ، ولا منفرد دونها في اللفظ ، يلزمه ما يلزمها من الثبات في الوصل ، ويلحقه ما يلحقها من الحذف في الوقف ، وكان النقط - كما قدمناه - موضوعا على الوصل دون الوقف ، بدليل تعريبهم أواخر الكلم ، وتنوينهم المنون منها ، وكان ذلك من فعل من ابتدأ بالنقط من السلف الذين مخالفتهم خروج عن الاتباع ، ودخول في الابتداع ، وكان الذين عنوا بكتابة المصاحف من الصحابة - رضي الله عنهم - قد رسموا بعد الحرف المتحرك في جميع ما تقدم ألفا ، وهي التي تعوض من التنوين في حال الوقف ، أو ياء تعود ألفا فيه ، ولم يكن بد من إثبات علامته
[ ص: 62 ] في النقط ، دلالة على صرف ما ينصرف من الأسماء ، جعل نقطة على الحرف المعوض منه ، وهو الألف ، وعلى الحرف الذي ينقلب إلى لفظها ، وهو الياء ، وضم إليها النقطة الأخرى التي هي الحركة ، فحصلتا معا على الألف ، ففهم بذلك وكيد حالهما ، وعرف به شدة ارتباطهما ، وعلم أنهما لا يفترقان ولا ينفصلان ، لا لفظا ولا نقطا ، باجتماعهما على حرف واحد ، وملازمتهما مكانا واحدا .
وصارت الألف بذلك أولى من الحرف المتحرك ، من قبل أنهما لو جعلتا عليه لبقيت الألف عارية من علامة ما هي عوض منه ، مع الحاجة إلى معرفة ذلك ، فتصير حينئذ غير دالة على معنى ، ولا مفيدة شيئا ، فيبطل ما لأجله رسمت ، وله اختيرت ، من بين سائر الحروف . وتكون لا معنى لها في رسم ولا لفظ ، إلا الزيادة لا غير ، دون إيثار فائدة ، ولا دلالة على معنى يحتاج ويضطر إليه . فلما كانت الألف بخلاف ذلك ، وكان رسمها إنما هو للدلالة على الوقف ، والإعلام بأنها مبدلة فيه من التنوين ؛ وجب أن تجعل النقطة - التي هي علامته - عليها ضرورة ، إذ هي هو . وإذا وجب ذلك لم يكن بد من ضم النقطة الثانية إليها ، فتحصلان معا على الألف ، إذ لا تفترقان ولا تنفصلان كما بيناه .
وهذا المذهب في نقط ذلك أختار ، وبه أقول ، وعليه الجمهور من النقاط .
* * *
وأما علة من جعل النقطتين معا - الحركة والتنوين - على الحرف المتحرك ؛ فإنه لما كانت إحداهما هي الحركة جعلها على الحرف المتحرك ؛ دلالة على تحريكه بها ، ثم ضم إليها الثانية التي هي التنوين ، لامتناعهما من الانفصال والافتراق .
وأما علة من جعل إحدى النقطتين على الحرف المتحرك ، والثانية على الألف ؛ فإنه لما كانت إحداهما هي الحركة جعلها على الحرف المحرك بها ، ولما كانت
[ ص: 63 ] الثانية هي التنوين جعلها على الحرف المبدل منه ، وهو الألف ، تأدية لهذا المعنى ، وإعلاما به .
وأما علة من جعل ثلاث نقط ، نقطة على الحرف المتحرك ، ونقطتين على الألف ؛ فإنه لما كانت إحدى النقطتين حركة الحرف المتحرك جعلها عليه ، كما تجعل سائر الحركات على الحروف المتحركة بهن . ثم أعادها مع التنوين ؛ لارتباطه بها وملازمته إياها ، وامتناع كل واحد منهما من الانفصال عن صاحبه ، أعني التنوين عن الحركة ، والحركة عن التنوين ؛ تأكيدا ودلالة على هذا المعنى . فتحقق له بذلك وجهان : أحدهما إيفاء المتحرك حقه من حركته . والثاني تأدية تأكيد ما بين الحركة والتنوين من المصاحبة والملازمة .
وهذه المذاهب الثلاثة فاسدة ، لا تصح عند التحقيق . أما الأول منها الذي ينفرد الحرف المتحرك فيه بالنقطتين ، فإن الألف المرسومة بعده بتعريتها من ذلك تخلو من المعنى الذي لأجل تأديته رسمت ، فيبطل معنى الرسم بذلك . وأما الثاني الذي تجعل فيه إحدى النقطتين على الحرف المتحرك ، والثانية على الألف ؛ فإن ما بين التنوين والحركة من الارتباط والملازمة والاتصال والاشتراك في الإثبات والحذف يذهب ويبطل بذلك . وأما الثالث الذي تجعل فيه ثلاث نقط ؛ نقطة على الحرف المتحرك ، ونقطتان على الألف ، فإن الحرف المتحرك تجتمع له حركتان : حركة عليه ، وحركة على الألف . وغير جائز أن يحرك حرف بحركتين ، وأن تجمعا له ، ويدل بهما عليه . هذا مع الخروج بذلك عن فعل السلف ، والعدول به عن استعمال الخلف .
وإذا فسدت هذه المذاهب الثلاثة بالوجوه التي بيناها ؛ صح المذهب الأول
[ ص: 64 ] الذي اخترناه ، وذهبنا إليه ، واختاره وذهب إليه أهل التحقيق والضبط ، واستعمله الجمهور من أهل النقط .
قال
أبو الحسين أحمد بن جعفر بن المنادي : أخبرنا
عبيد الله بن محمد بن يحيى اليزيدي ، عن عمه
أبي عبد الرحمن ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14248الخليل قال : قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=11عليما حكيما بنقطتين فوق الميم طولا ، واحدة فوق الأخرى . قال : ولا أنقط على الألف ؛ لأن التنوين يقع على الميم نفسها . قال
أبو عبد الرحمن : قال
أبو محمد - يعني أباه اليزيدي - : ولكنني أنقط على الألف ؛ لأني إذا وقفت قلت :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=11عليما ، فصار ألفا على الكتاب . قال : ولو كان على ما قال
nindex.php?page=showalam&ids=14248الخليل ؛ لكان ينبغي إذا وقف أن يقول :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=29عليم ، يعني بغير ألف .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12915ابن المنادي : والعمل في ذلك عند أكثر النقاط نقط الألف المنصوبة بنقطتين : إحداهما للنصب ، والأخرى للتنوين . فإذا صاروا إلى الوقف صاروا إلى الألف .
قال : وذكر
أبو عبد الرحمن أن أهل
الكوفة وبعض النقاط ينقطون المنصوب إذا استقبلته الحروف الحلقية فإذا استقبلته غيرها لم ينقطوا لدلالة الألف على النصب . قال : وكان
اليزيدي يذهب إلى أصل هذا القول ، وخالفه من قال بقوله من سائر النقاط ، فنقطوا المنون في حالاته الثلاث الرفع والنصب والجر ، استقبلته حروف الحلق أو لم تستقبله ، وهو المعمول به حتى الآن عند النقاط . وكذلك هو في المصاحف العتق ، وهو أوثق وأحسن .
[ ص: 65 ] قال
nindex.php?page=showalam&ids=12114أبو عمرو : ولم نر شيئا من المصاحف يختلف في نقطه عن ذلك ، وهو الوجه ، وبه العمل . وبالله التوفيق .
فصل
واعلم أن الاختلاف الذي ذكرناه بين أهل النقط ، في جعل النقطتين ، إنما هو في الكلم اللائي رسمت الألف المبدلة من التنوين فيهن ، على ما بيناه . فأما ما لم ترسم فيه تلك الألف لعلة ، وذلك إذا وليها همزة قبلها ألف كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=22ماء ، و
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=41غثاء ، و
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=17جفاء ، و
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=171دعاء ونداء ، و
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=138افتراء ، و
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=22مراء ، وشبهه ، وذلك حين كره اجتماع ألفين لاتفاق صورتيهما ، ككره اجتماع ياءين وواوين لذلك ، فإن الاختيار عندي في نقط ذلك أن تجعل النقطتان معا على الهمزة ، لعدم صورة المبدل من التنوين في هذا الضرب ؛ لأنه إنما عدل بهما عن المتحرك في الضرب الأول لما وجدت تلك الصورة قائمة ، فإذا عدمت وجب أن تلزما الحرف المتحرك لا غير .
وقد يجوز عندي في نقط هذا الضرب وجهان ، سوى هذا الوجه :
أحدهما أن ترسم بالحمرة ألف قبل الألف السوداء ، وتوقع الهمزة نقطة بالصفراء بينهما ، وتجعل حركتها مع التنوين نقطتين على الألف السوداء ؛ لأنها هي المبدلة من التنوين في ذلك ، وهي المرسومة على هذا الوجه .
والثاني أن ترسم ألف بالحمرة بعد الألف السوداء ، وتوقع الهمزة نقطة
[ ص: 66 ] بالصفراء بينهما أيضا ، وتجعل حركتها مع التنوين نقطتين على الألف الحمراء ؛ لأنها هي المعوضة من التنوين ، وهي المحذوفة من الرسم لكراهة اجتماع الألفين ، لوقوعها في موضع الحذف والتغيير ، وهو الطرف ، فكانت بالحذف أولى من التي هي في وسط الكلمة ، ولأن من العرب من لا يعوض منه في حال الخفض والرفع ، حكى ذلك عنها
nindex.php?page=showalam&ids=14888الفراء nindex.php?page=showalam&ids=13676والأخفش .
وصورة نقط هذا الضرب على الوجه الأول الذي اخترناه وقلنا به ، كما ترى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=22ماء ، و
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=41غثاء ، و
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=17جفاء ، و
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=171دعاء ونداء . وعلى الثاني : " مئا " ، و " غثئا " ، و " جفئا " ، و " دعئا " ، و " ندءا " . وعلى الثالث : " ماءا " ، و " غثاءا " ، و " جفاءا " ، و " دعاءا ونداءا " .
فصل
وإذا كان آخر الاسم الذي يلحقه التنوين في حال نصبه هاء تأنيث ، نحو قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=28وآتاني رحمة ، و
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=12بما صبروا جنة ، و " دانية عليهم " ، وشبهه ؛ فإن النقطتين معا تقعان في ذلك على الهاء التي هي تاء في الوصل لا غير ، لامتناع إبدال التنوين فيه في حال الوقف بامتناع وجود التاء التي يلحقها مع حركة الإعراب هناك ، ولذلك بطل تصوير ما يبدل منه في حال الوقف في هذا النوع .
فصل
فأما النون الخفيفة ؛ فإنها بمثابة التنوين في الزيادة والبدل والرسم ، ولم تأت
[ ص: 67 ] في القرآن إلا في موضعين : أحدهما في (يوسف ) قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=32وليكونا من الصاغرين ، والثاني في
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=14اقرأ قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=15لنسفعا بالناصية ، والقراء مجمعون على إبدال النون فيهما في الوقف ألفا ، كالتنوين الذي يلحق الأسماء المنصوبة ؛ لأن قبل كل واحد منهما ما يشبه الألف ، وهي الفتحة . ولتأدية كيفية الوقف رسما كذلك . والنقاط متفقون أيضا على جعل نقطتين بالحمرة على تلك الألف ؛ لاشتراك ما أبدلت منه مع التنوين في المعاني المذكورة من الزيادة والبدل والرسم ومصاحبة الفتحة .
وكذلك اتفقوا على جعلهما على الألف في نحو :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=76وإذا لا يلبثون ، و
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=53فإذا لا يؤتون ، و
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=140إذا مثلهم ، و
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=75إذا لأذقناك ، وما أشبهه . وذلك من حيث أشبه ذلك النون الخفيفة في اللفظ والرسم والوقف ، ووافقها في هذه الأشياء ، فجرى بذلك مجراها في اللفظ ، وذلك مما لا خلاف فيه ، وبالله التوفيق والإعانة .
[ ص: 57 ] بَابٌ
ذِكْرُ
nindex.php?page=treesubj&link=29577_28885التَّنْوِينِ اللَّاحِقِ الْأَسْمَاءَ ، وَكَيْفِيَّةِ صُورَتِهِ ، وَمَوْضِعِ جَعْلِهِ
اعْلَمْ أَنَّ التَّنْوِينَ حَرْفٌ مِنَ الْحُرُوفِ ، وَهُوَ سَاكِنٌ فِي الْخِلْقَةِ ، وَمَخْرَجُهُ مِنَ الْخَيْشُومِ ، وَلَا يَقَعُ أَبَدًا إِلَّا فِي أَوَاخِرِ الْأَسْمَاءِ خَاصَّةً .
وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ حَرْفٌ مِنَ الْحُرُوفِ لُزُومُ التَّغْيِيرِ الَّذِي يَلْحَقُ جَمِيعَ الْحُرُوفِ السَّوَاكِنِ لَهُ ، مِنَ التَّحْرِيكِ لِلسَّاكِنَيْنِ فِي نَحْوِ : " رَحِيمًا النَّبِيُّ " ، وَمِنْ إِلْقَاءِ حَرَكَةِ الْهَمْزَةِ عَلَيْهِ فِي نَحْوِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=112&ayano=4كُفُوًا أَحَدٌ ، وَمِنَ الْحَذْفِ فِي نَحْوِ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=30عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ ، وَ " أَحَدُ اللهُ " عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ كَذَلِكَ ، وَمِنَ الْإِدْغَامِ فِي نَحْوِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=173غَفُورٌ رَّحِيمٌ ، وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=109يَوْمَئِذٍ لَّا تَنْفَعُ ، وَ " أَلِيمٌ مَّا يَوَدُّ " ، وَشِبْهِ ذَلِكَ . فَلَوْلَا أَنَّهُ كَسَائِرِ السَّوَاكِنِ لَمْ يَلْحَقْهُ مَا يَلْحَقُهُنَّ مِنَ التَّغْيِيرِ بِالْوُجُوهِ الْمُتَقَدِّمَةِ .
[ ص: 58 ] وَإِنَّمَا لَزِمَ الْأَطْرَافَ خَاصَّةً ، مِنْ حَيْثُ كَانَ مَخْصُوصًا بِمُتَابَعَةِ حَرَكَةِ الْإِعْرَابِ الَّتِي تَلْزَمُ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ ، وَتَخْتَصُّ بِهِ ، وَذَلِكَ مِنْ حَيْثُ كَانَ الْإِعْرَابُ دَاخِلًا لِإِفَادَةِ الْمَعَانِي ، وَكَانَ زَائِدًا عَلَى الِاسْمِ .
فَإِنْ كَانَ الِاسْمُ الَّذِي يَقَعُ آخِرَهُ مَجْرُورًا جُعِلَ تَحْتَ الْحَرْفِ نُقْطَتَانِ ؛ إِحْدَاهُمَا الْحَرَكَةُ ، وَالثَّانِيَةُ عَلَامَتُهُ . وَسَوَاءٌ كَانَ الْحَرْفُ مُخَفَّفًا أَوْ مُشَدَّدًا . وَإِنْ كَانَ مَرْفُوعًا جُعِلَ أَمَامَ الْحَرْفِ نُقْطَتَانِ أَيْضًا . وَإِنْ كَانَ مَنْصُوبًا فَكَذَلِكَ أَيْضًا . إِلَّا أَنَّ أَهْلَ النَّقْطِ مُخْتَلِفُونَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي تُجْعَلُ فِيهِ النُّقْطَتَانِ . وَسَنَذْكُرُ ذَلِكَ مَشْرُوحًا ، وَنُبَيِّنُ وَجْهَ الصَّوَابِ مِنِ اخْتِلَافِهِمْ ، فِيمَا بَعْدُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ . فَالْمَجْرُورُ نَحْوُ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=61مِن رَّبٍّ ،
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=58رَبٍّ رَّحِيمٍ ، وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=25مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ، وَشِبْهِهِ . وَالْمَرْفُوعُ نَحْوُ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=18صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ ، وَمَا أَشْبَهَهُ .
* * *
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : مِنْ أَيْنَ جَعَلَ أَهْلُ النَّقْطِ عَلَامَةَ التَّنْوِينِ الَّذِي هُوَ نُونٌ خَفِيفَةٌ فِي اللَّفْظِ نُقْطَةً كَنُقْطَةِ الْحَرَكَةِ ؟ قِيلَ : مِنْ حَيْثُ جَعَلَهَا عَلَامَةً لِذَلِكَ مَنِ ابْتَدَأَ النَّقْطَ مِنَ السَّلَفِ ؛ اتِّبَاعًا لَهُ ، وَاقْتِدَاءً بِهِ . كَمَا حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكَاتِبُ ، قَالَ : نَا
مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ ، قَالَ : نَا أَبِي ، قَالَ : نَا
أَبُو عِكْرِمَةَ قَالَ : قَالَ
الْعُتْبِيُّ : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11822أَبُو الْأَسْوَدِ لِلرَّجُلِ الَّذِي أَمْسَكَ عَلَيْهِ الْمُصْحَفَ ، حِينَ ابْتَدَأَ بِنَقْطِهِ : فَإِنْ أَتْبَعْتُ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْحَرَكَاتِ غُنَّةً ؛ فَانْقُطْهُ نُقْطَتَيْنِ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12114أَبُو عَمْرٍو : وَيَعْنِي بِالْغُنَّةِ التَّنْوِينَ ؛ لِأَنَّهُ غُنَّةٌ مِنَ الْخَيْشُومِ .
[ ص: 59 ] فَإِنْ قَالَ : فَمِنْ أَيْنَ اصْطَلَحُوا عَلَى جَعْلِ عَلَامَتِهِ عَلَامَةَ الْحَرَكَةِ ؟ قِيلَ : مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ مَخْصُوصًا بِمُتَابَعَةِ الْحَرَكَاتِ دُونَ السَّوَاكِنِ ؛ جَعَلُوا عَلَامَتَهُ فِي النَّقْطِ عَلَامَتَهُنَّ ؛ إِشْعَارًا بِذَلِكَ التَّخْصِيصِ ، وَإِعْلَامًا بِهِ . وَالثَّانِي أَنَّ الْحَرَكَةَ لَمَّا لَزِمَتْ أَوَائِلَ الْكَلِمِ ، وَلَزِمَ التَّنْوِينُ أَوَاخِرَهُنَّ ، وَاجْتَمَعَا مَعًا فِي الثَّبَاتِ فِي الْوَصْلِ ، وَالْحَذْفِ فِي الْوَقْفِ ؛ تَأَكَّدَ مَا بَيْنَ الْحَرَكَةِ وَالتَّنْوِينِ بِذَلِكَ ، فَجُعِلَتْ عَلَامَتُهُ عَلَامَتَهَا ، دَلَالَةً عَلَى ذَلِكَ التَّأْكِيدِ ، وَتَنْبِيهًا عَلَى تَنَاسُبِ مَا بَيْنَهُمَا فِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَثْبُتُ بِثَبَاتِ الآخَرِ ، وَيَسْقُطُ بِسُقُوطِهِ .
فَإِنْ قِيلَ : فَهَلَّا جَعَلُوا عَلَامَتَهُ عَلَامَةَ السُّكُونِ ، مِنْ حَيْثُ كَانَ سَاكِنًا ؟ قِيلَ : لَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ لَمَّا عُدِمَتْ صُورَتُهُ فِي الْخَطِّ ؛ لِزِيَادَتِهِ . وَالسُّكُونُ وَالْحَرَكَةُ لَا يُجْعَلَانِ إِلَّا فِي حَرْفٍ ثَابِتِ الْخَطِّ قَائِمِ الصُّورَةِ .
فَإِنْ قِيلَ : فَلِمَ لَمْ يُرْسَمْ نُونًا فِي الْخَطِّ ، عَلَى اللَّفْظِ ؟ قِيلَ : لَمْ يُرْسَمْ نُونًا ، مِنْ حَيْثُ كَانَ زَائِدًا فِي الِاسْمِ الَّذِي يَلْحَقُ آخِرَهُ ؛ فَرْقًا بَيْنَ مَا يَنْصَرِفُ وَبَيْنَ مَا لَا يَنْصَرِفُ مِنَ الْأَسْمَاءِ ؛ لِئَلَّا يَشْتَبِهَ الزَّائِدُ لِمَعْنَى الَّذِي يَلْحَقُهُ التَّغْيِيرُ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ ، بِالْأَصْلِيِّ اللَّازِمِ الَّذِي لَا يَتَغَيَّرُ ، كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=77وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ، وَ " لَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرْ " ، وَ " لَا تَحْزَنْ عَلَيهِمْ " ، وَشِبْهِ ذَلِكَ . فَلَوْ رُسِمَ التَّنْوِينُ نُونًا ، وَهُوَ زَائِدٌ يَتَغَيَّرُ فِي حَالِ الْوَقْفِ ؛ لَاشْتَبَهَ بِالنُّونِ الْأَصْلِيَّةِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ الَّتِي لَا يَلْحَقُهَا تَغْيِيرٌ فِي وَصْلٍ وَلَا وَقْفٍ . فَفُرِقَ بَيْنَهُمَا بِالْحَذْفِ وَالْإِثْبَاتِ
[ ص: 60 ] لِيَتَمَيَّزَا بِذَلِكَ . وَلِأَجْلِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا خُولِفَ فِي التَّسْمِيَةِ بَيْنَهُمَا ، فَقِيلَ لِلْأَصْلِيِّ : " نُونٌ " ، وَلِلزَّائِدِ : " تَنْوِينٌ " ؛ لِيَنْفَصِلَا بِذَلِكَ ، وَتُعْلَمَ الْمُخَالَفَةُ بَيْنَهُمَا بِهِ .
* * *
فَأَمَّا الْمَنْصُوبُ الْمُنَوَّنُ فَإِنَّهُ يُبْدَلُ مِنْهُ فِي حَالِ الْوَقْفِ أَلِفًا لِخِفَّتِهِ . وَكَذَلِكَ جَاءَ مَرْسُومًا فِي الْكِتَابَةِ ؛ دَلَالَةً عَلَى ذَلِكَ .
وَاخْتَلَفَ نُقَّاطُ الْمَصَاحِفِ فِي كَيْفِيَّةِ نَقْطِهِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ :
فَمِنْهُمْ مَنْ يَنْقُطُ بِأَنْ يَجْعَلَ نُقْطَتَيْنِ بِالْحَمْرَاءِ عَلَى تِلْكَ الْأَلِفِ الْمَرْسُومَةِ ، وَيُعْرِيَ الْحَرْفَ الْمُتَحَرِّكَ مِنْهُمَا ، وَمِنْ إِحْدَاهُمَا . وَصُورَةُ ذَلِكَ كَمَا تَرَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=23غَفُورًا رَّحِيمًا ،
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=48شَيْئًا ،
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=31خَطَئًا ،
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=67هُزُوًا ، وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=130كُلًّا ، وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=10غِلًّا . وَكَذَا إِنْ كَانَ الِاسْمُ الْمُنَوَّنُ مَقْصُورًا ، وَصُوِّرَتْ لَامُهُ يَاءً ؛ دَلَالَةً عَلَى أَصْلِهِ ، يَجْعَلُونَ النُّقْطَتَيْنِ أَيْضًا عَلَى تِلْكَ الْيَاءِ ؛ لِأَنَّهَا تَصِيرُ أَلِفًا فِي الْوَقْفِ . وَذَلِكَ فِي نَحْوِ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=2هُدًى ، وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=156غُزًّى ، وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196أَذًى ، وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282مُسَمًّى ، وَشِبْهِهِ . وَهَذَا مَذْهَبُ
أَبِي مُحَمَّدٍ الْيَزِيدِيِّ ، وَعَلَيْهِ نُقَّاطُ أَهْلِ الْمِصْرَيْنِ
الْبَصْرَةِ وَالْكُوفَةِ ، وَنُقَّاطُ أَهْلِ
الْمَدِينَةِ .
وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُ النُّقْطَتَيْنِ مَعًا عَلَى الْحَرْفِ الْمُتَحَرِّكِ ، وَيُعْرِي تِلْكَ الْأَلِفَ وَتِلْكَ الْيَاءَ مِنْهُمَا ، وَمِنْ إِحْدَاهُمَا . وَصُورَةُ ذَلِكَ فِي الْأَلِفِ كَمَا تَرَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=11عَلِيمًا حَكِيمًا ،
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=31خَطَئًا ، " مُتَّكَئًا " ،
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=77كُفُوًا . وَفِي الْيَاءِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=125مُصَلًّى ، وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=156غُزًّى ، وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=15مُصَفًّى ، وَشِبْهِهِ . وَهَذَا مَذْهَبُ
nindex.php?page=showalam&ids=14248الْخَلِيلِ وَأَصْحَابِهِ .
[ ص: 61 ] وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُ إِحْدَى النُّقْطَتَيْنِ - وَهِيَ الْحَرَكَةُ - عَلَى الْحَرْفِ الْمُتَحَرِّكِ ، وَيَجْعَلُ الثَّانِيَةَ - وَهِيَ التَّنْوِينُ - عَلَى الْأَلِفِ ، وَعَلَى الْيَاءِ . وَصُورَةُ ذَلِكَ فِي الْأَلِفِ كَمَا تَرَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=18عَذَابًا أَلِيمًا ،
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=57مَلْجَئًا ،
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=260جَزَءًا . وَفِي الْيَاءِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=41مَوْلًى عَنْ مَوْلًى ، وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=156غُزًّى ، وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=58سُوًى ، وَشِبْهُهُ .
وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُ نُقْطَةً وَاحِدَةً عَلَى الْحَرْفِ الْمُتَحَرِّكِ ، وَنُقْطَتَيْنِ عَلَى الْأَلِفِ . وَصُورَةُ ذَلِكَ كَمَا تَرَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=38وَعَادًا وَثَمُودًا ، وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=29مَثَلًا رَّجُلًا ،
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=34رِدْءًا . وَفِي الْيَاءِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=2هُدًى ،
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=44عَمًى ،
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=156غُزًّى ،
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=36سُدًى ، وَشِبْهُهُ . وَذَهَبَ إِلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ قَوْمٌ مِنْ مُتَأَخِّرِي النُّقَّاطِ . وَلَا إِمَامَ لَهُمْ فِيهِمَا عَلِمْنَاهُ .
* * *
فَأَمَّا عِلَّةُ مَنْ جَعَلَ النُّقْطَتَيْنِ مَعًا عَلَى الْأَلِفِ ؛ فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ التَّنْوِينُ مُلَازِمًا لِلْحَرَكَةِ ، مُتَابِعًا لَهَا ، غَيْرَ مُنْفَكٍّ مِنْهَا ، وَلَا مُنْفَصِلٍ عَنْهَا فِي حَالِ الْوَصْلِ ، وَلَا مُنْفَرِدٍ دُونَهَا فِي اللَّفْظِ ، يَلْزَمُهُ مَا يَلْزَمُهَا مِنَ الثَّبَاتِ فِي الْوَصْلِ ، وَيَلْحَقُهُ مَا يَلْحَقُهَا مِنَ الْحَذْفِ فِي الْوَقْفِ ، وَكَانَ النَّقْطُ - كَمَا قَدَّمْنَاهُ - مَوْضُوعًا عَلَى الْوَصْلِ دُونَ الْوَقْفِ ، بِدَلِيلِ تَعْرِيبِهِمْ أَوَاخِرَ الْكَلِمِ ، وَتَنْوِينِهِمُ الْمُنَوَّنَ مِنْهَا ، وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِ مَنِ ابْتَدَأَ بِالنَّقْطِ مِنَ السَّلَفِ الَّذِينَ مُخَالَفَتُهُمْ خُرُوجٌ عَنِ الِاتِّبَاعِ ، وَدُخُولٌ فِي الِابْتِدَاعِ ، وَكَانَ الَّذِينَ عُنُوا بِكِتَابَةِ الْمَصَاحِفِ مِنَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قَدْ رَسَمُوا بَعْدَ الْحَرْفِ الْمُتَحَرِّكِ فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ أَلِفًا ، وَهِيَ الَّتِي تُعَوَّضُ مِنَ التَّنْوِينِ فِي حَالِ الْوَقْفِ ، أَوْ يَاءً تَعُودُ أَلِفًا فِيهِ ، وَلَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ إِثْبَاتِ عَلَامَتِهِ
[ ص: 62 ] فِي النَّقْطِ ، دَلَالَةً عَلَى صَرْفِ مَا يَنْصَرِفُ مِنَ الْأَسْمَاءِ ، جُعِلَ نُقْطَةً عَلَى الْحَرْفِ الْمُعَوَّضِ مِنْهُ ، وَهُوَ الْأَلِفُ ، وَعَلَى الْحَرْفِ الَّذِي يَنْقَلِبُ إِلَى لَفْظِهَا ، وَهُوَ الْيَاءُ ، وَضُمَّ إِلَيْهَا النُّقْطَةُ الْأُخْرَى الَّتِي هِيَ الْحَرَكَةُ ، فَحَصَلَتَا مَعًا عَلَى الْأَلِفِ ، فَفُهِمَ بِذَلِكَ وَكِيدُ حَالِهِمَا ، وَعُرِفَ بِهِ شِدَّةُ ارْتِبَاطِهِمَا ، وَعُلِمَ أَنَّهُمَا لَا يَفْتَرِقَانِ وَلَا يَنْفَصِلَانِ ، لَا لَفْظًا وَلَا نَقْطًا ، بِاجْتِمَاعِهِمَا عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ ، وَمُلَازَمَتِهِمَا مَكَانًا وَاحِدًا .
وَصَارَتِ الْأَلِفُ بِذَلِكَ أَوْلَى مِنَ الْحَرْفِ الْمُتَحَرِّكِ ، مِنْ قِبَلِ أَنَّهُمَا لَوْ جُعِلَتَا عَلَيْهِ لَبَقِيَتِ الْأَلِفُ عَارِيَةً مِنْ عَلَامَةِ مَا هِيَ عِوَضٌ مِنْهُ ، مَعَ الْحَاجَةِ إِلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ ، فَتَصِيرُ حِينَئِذٍ غَيْرَ دَالَّةٍ عَلَى مَعْنًى ، وَلَا مُفِيدَةٍ شَيْئًا ، فَيَبْطُلُ مَا لِأَجْلِهِ رُسِمَتْ ، وَلَهُ اخْتِيرَتْ ، مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْحُرُوفِ . وَتَكُونُ لَا مَعْنَى لَهَا فِي رَسْمٍ وَلَا لَفْظٍ ، إِلَّا الزِّيَادَةَ لَا غَيْرُ ، دُونَ إِيثَارِ فَائِدَةٍ ، وَلَا دَلَالَةٍ عَلَى مَعْنًى يُحْتَاجُ وَيُضْطَرُّ إِلَيْهِ . فَلَمَّا كَانَتِ الْأَلِفُ بِخِلَافِ ذَلِكَ ، وَكَانَ رَسْمُهَا إِنَّمَا هُوَ لِلدَّلَالَةِ عَلَى الْوَقْفِ ، وَالْإِعْلَامِ بِأَنَّهَا مُبْدَلَةٌ فِيهِ مِنَ التَّنْوِينِ ؛ وَجَبَ أَنْ تُجْعَلَ النُّقْطَةُ - الَّتِي هِيَ عَلَامَتُهُ - عَلَيْهَا ضَرُورَةً ، إِذْ هِيَ هُوَ . وَإِذَا وَجَبَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ ضَمِّ النُّقْطَةِ الثَّانِيَةِ إِلَيْهَا ، فَتَحْصُلَانِ مَعًا عَلَى الْأَلِفِ ، إِذْ لَا تَفْتَرِقَانِ وَلَا تَنْفَصِلَانِ كَمَا بَيَّنَّاهُ .
وَهَذَا الْمَذْهَبُ فِي نَقْطِ ذَلِكَ أَخْتَارُ ، وَبِهِ أَقُولُ ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ مِنَ النُّقَّاطِ .
* * *
وَأَمَّا عِلَّةُ مَنْ جَعَلَ النُّقْطَتَيْنِ مَعًا - الْحَرَكَةَ وَالتَّنْوِينَ - عَلَى الْحَرْفِ الْمُتَحَرِّكِ ؛ فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَتْ إِحْدَاهُمَا هِيَ الْحَرَكَةَ جَعَلَهَا عَلَى الْحَرْفِ الْمُتَحَرِّكِ ؛ دَلَالَةً عَلَى تَحْرِيكِهِ بِهَا ، ثُمَّ ضَمَّ إِلَيْهَا الثَّانِيَةَ الَّتِي هِيَ التَّنْوِينُ ، لِامْتِنَاعِهِمَا مِنَ الِانْفِصَالِ وَالِافْتِرَاقِ .
وَأَمَّا عِلَّةُ مَنْ جَعَلَ إِحْدَى النُّقْطَتَيْنِ عَلَى الْحَرْفِ الْمُتَحَرِّكِ ، وَالثَّانِيَةَ عَلَى الْأَلِفِ ؛ فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَتْ إِحْدَاهُمَا هِيَ الْحَرَكَةَ جَعَلَهَا عَلَى الْحَرْفِ الْمُحَرَّكِ بِهَا ، وَلَمَّا كَانَتِ
[ ص: 63 ] الثَّانِيَةُ هِيَ التَّنْوِينُ جَعَلَهَا عَلَى الْحَرْفِ الْمُبْدَلِ مِنْهُ ، وَهُوَ الْأَلِفُ ، تَأْدِيَةً لِهَذَا الْمَعْنَى ، وَإِعْلَامًا بِهِ .
وَأَمَّا عِلَّةُ مَنْ جَعَلَ ثَلَاثَ نُقَطٍ ، نُقْطَةً عَلَى الْحَرْفِ الْمُتَحَرِّكِ ، وَنُقْطَتَيْنِ عَلَى الْأَلِفِ ؛ فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَتْ إِحْدَى النُّقْطَتَيْنِ حَرَكَةَ الْحَرْفِ الْمُتَحَرِّكِ جَعَلَهَا عَلَيْهِ ، كَمَا تُجْعَلُ سَائِرُ الْحَرَكَاتِ عَلَى الْحُرُوفِ الْمُتَحَرِّكَةِ بِهِنَّ . ثُمَّ أَعَادَهَا مَعَ التَّنْوِينِ ؛ لِارْتِبَاطِهِ بِهَا وَمُلَازَمَتِهِ إِيَّاهَا ، وَامْتِنَاعِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنَ الِانْفِصَالِ عَنْ صَاحِبِهِ ، أَعْنِي التَّنْوِينَ عَنِ الْحَرَكَةِ ، وَالْحَرَكَةَ عَنِ التَّنْوِينِ ؛ تَأْكِيدًا وَدَلَالَةً عَلَى هَذَا الْمَعْنَى . فَتَحَقَّقَ لَهُ بِذَلِكَ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا إِيفَاءُ الْمُتَحَرِّكِ حَقَّهُ مِنْ حَرَكَتِهِ . وَالثَّانِي تَأْدِيَةُ تَأْكِيدِ مَا بَيْنَ الْحَرَكَةِ وَالتَّنْوِينِ مِنَ الْمُصَاحَبَةِ وَالْمُلَازَمَةِ .
وَهَذِهِ الْمَذَاهِبُ الثَّلَاثَةُ فَاسِدَةٌ ، لَا تَصِحُّ عِنْدَ التَّحْقِيقِ . أَمَّا الْأَوَّلُ مِنْهَا الَّذِي يَنْفَرِدُ الْحَرْفَ الْمُتَحَرِّكَ فِيهِ بِالنُّقْطَتَيْنِ ، فَإِنَّ الْأَلِفَ الْمَرْسُومَةَ بَعْدَهُ بِتَعْرِيَتِهَا مِنْ ذَلِكَ تَخْلُو مِنَ الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِ تَأْدِيَتِهِ رُسِمَتْ ، فَيَبْطُلُ مَعْنَى الرَّسْمِ بِذَلِكَ . وَأَمَّا الثَّانِي الَّذِي تُجْعَلُ فِيهِ إِحْدَى النُّقْطَتَيْنِ عَلَى الْحَرْفِ الْمُتَحَرِّكِ ، وَالثَّانِيَةُ عَلَى الْأَلِفِ ؛ فَإِنَّ مَا بَيْنَ التَّنْوِينِ وَالْحَرَكَةِ مِنَ الِارْتِبَاطِ وَالْمُلَازَمَةِ وَالِاتِّصَالِ وَالِاشْتِرَاكِ فِي الْإِثْبَاتِ وَالْحَذْفِ يَذْهَبُ وَيَبْطُلُ بِذَلِكَ . وَأَمَّا الثَّالِثُ الَّذِي تُجْعَلُ فِيهِ ثَلَاثُ نُقَطٍ ؛ نُقْطَةٌ عَلَى الْحَرْفِ الْمُتَحَرِّكِ ، وَنُقْطَتَانِ عَلَى الْأَلِفِ ، فَإِنَّ الْحَرْفَ الْمُتَحَرِّكَ تَجْتَمِعُ لَهُ حَرَكَتَانِ : حَرَكَةٌ عَلَيْهِ ، وَحَرَكَةٌ عَلَى الْأَلِفِ . وَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُحَرَّكُ حَرْفٌ بِحَرَكَتَيْنِ ، وَأَنْ تُجْمَعَا لَهُ ، وَيُدَلَّ بِهِمَا عَلَيْهِ . هَذَا مَعَ الْخُرُوجِ بِذَلِكَ عَنْ فِعْلِ السَّلَفِ ، وَالْعُدُولِ بِهِ عَنِ اسْتِعْمَالِ الْخَلَفِ .
وَإِذَا فَسَدَتْ هَذِهِ الْمَذَاهِبُ الثَّلَاثَةُ بِالْوُجُوهِ الَّتِي بَيَّنَّاهَا ؛ صَحَّ الْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ
[ ص: 64 ] الَّذِي اخْتَرْنَاهُ ، وَذَهَبْنَا إِلَيْهِ ، وَاخْتَارَهُ وَذَهَبَ إِلَيْهِ أَهْلُ التَّحْقِيقِ وَالضَّبْطِ ، وَاسْتَعْمَلَهُ الْجُمْهُورُ مِنْ أَهْلِ النَّقْطِ .
قَالَ
أَبُو الْحُسَيْنِ أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الْمُنَادِي : أَخْبَرَنَا
عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الْيَزِيدِيُّ ، عَنْ عَمِّهِ
أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14248الْخَلِيلِ قَالَ : قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=11عَلِيمًا حَكِيمًا بِنُقْطَتَيْنِ فَوْقَ الْمِيمِ طُولًا ، وَاحِدَةٌ فَوْقَ الْأُخْرَى . قَالَ : وَلَا أَنْقُطُ عَلَى الْأَلِفِ ؛ لِأَنَّ التَّنْوِينَ يَقَعُ عَلَى الْمِيمِ نَفْسِهَا . قَالَ
أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ : قَالَ
أَبُو مُحَمَّدٍ - يَعْنِي أَبَاهُ الْيَزِيدِيَّ - : وَلَكِنَّنِي أَنْقُطُ عَلَى الْأَلِفِ ؛ لِأَنِّي إِذَا وَقَفْتُ قُلْتُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=11عَلِيمًا ، فَصَارَ أَلِفًا عَلَى الْكِتَابِ . قَالَ : وَلَوْ كَانَ عَلَى مَا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14248الْخَلِيلُ ؛ لَكَانَ يَنْبَغِي إِذَا وَقَفَ أَنْ يَقُولَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=29عَلِيمٌ ، يَعْنِي بِغَيْرِ أَلِفٍ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12915ابْنُ الْمُنَادِي : وَالْعَمَلُ فِي ذَلِكَ عِنْدَ أَكْثَرِ النُّقَّاطِ نَقْطُ الْأَلِفِ الْمَنْصُوبَةِ بِنُقْطَتَيْنِ : إِحْدَاهُمَا لِلنَّصْبِ ، وَالْأُخْرَى لِلتَّنْوِينِ . فَإِذَا صَارُوا إِلَى الْوَقْفِ صَارُوا إِلَى الْأَلِفِ .
قَالَ : وَذَكَرَ
أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَهْلَ
الْكُوفَةِ وَبَعْضَ النُّقَّاطِ يَنْقُطُونَ الْمَنْصُوبَ إِذَا اسْتَقْبَلَتْهُ الْحُرُوفُ الْحَلْقِيَّةُ فَإِذَا اسْتَقْبَلَتْهُ غَيْرُهَا لَمْ يَنْقُطُوا لِدَلَالَةِ الْأَلِفِ عَلَى النَّصْبِ . قَالَ : وَكَانَ
الْيَزِيدِيُّ يَذْهَبُ إِلَى أَصْلِ هَذَا الْقَوْلِ ، وَخَالَفَهُ مَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ مِنْ سَائِرِ النُّقَّاطِ ، فَنَقَطُوا الْمُنَوَّنَ فِي حَالَاتِهِ الثَّلَاثِ الرَّفْعِ وَالنَّصْبِ وَالْجَرِّ ، اسْتَقْبَلَتْهُ حُرُوفُ الْحَلْقِ أَوْ لَمْ تَسْتَقْبِلْهُ ، وَهُوَ الْمَعْمُولُ بِهِ حَتَّى الْآنَ عِنْدَ النُّقَّاطِ . وَكَذَلِكَ هُوَ فِي الْمَصَاحِفِ الْعُتْقِ ، وَهُوَ أَوْثَقُ وَأَحْسَنُ .
[ ص: 65 ] قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12114أَبُو عَمْرٍو : وَلَمْ نَرَ شَيْئًا مِنَ الْمَصَاحِفِ يَخْتَلِفُ فِي نَقْطِهِ عَنْ ذَلِكَ ، وَهُوَ الْوَجْهُ ، وَبِهِ الْعَمَلُ . وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ .
فَصْلٌ
وَاعْلَمْ أَنَّ الِاخْتِلَافَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ بَيْنَ أَهْلِ النَّقْطِ ، فِي جَعْلِ النُّقْطَتَيْنِ ، إِنَّمَا هُوَ فِي الْكَلِمِ اللَّائِي رُسِمَتِ الْأَلِفُ الْمُبْدَلَةُ مِنَ التَّنْوِينِ فِيهِنَّ ، عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ . فَأَمَّا مَا لَمْ تُرْسَمْ فِيهِ تِلْكَ الْأَلِفُ لِعِلَّةٍ ، وَذَلِكَ إِذَا وَلِيَهَا هَمْزَةٌ قَبْلَهَا أَلِفٌ كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=22مَاءً ، وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=41غُثَاءً ، وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=17جُفَاءً ، وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=171دُعَاءً وَنِدَاءً ، وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=138افْتِرَاءً ، وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=22مِرَاءً ، وَشِبْهُهُ ، وَذَلِكَ حِينَ كُرِهَ اجْتِمَاعُ أَلِفَيْنِ لِاتِّفَاقِ صُورَتَيْهِمَا ، كَكُرْهِ اجْتِمَاعِ يَاءَيْنِ وَوَاوَيْنِ لِذَلِكَ ، فَإِنَّ الِاخْتِيَارَ عِنْدِي فِي نَقْطِ ذَلِكَ أَنْ تُجْعَلَ النُّقْطَتَانِ مَعًا عَلَى الْهَمْزَةِ ، لِعَدَمِ صُورَةِ الْمُبْدَلِ مِنَ التَّنْوِينِ فِي هَذَا الضَّرْبِ ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا عُدِلَ بِهِمَا عَنِ الْمُتَحَرِّكِ فِي الضَّرْبِ الْأَوَّلِ لَمَّا وُجِدَتْ تِلْكَ الصُّورَةُ قَائِمَةً ، فَإِذَا عُدِمَتْ وَجَبَ أَنْ تَلْزَمَا الْحَرْفَ الْمُتَحَرِّكَ لَا غَيْرُ .
وَقَدْ يَجُوزُ عِنْدِي فِي نَقْطِ هَذَا الضَّرْبِ وَجْهَانِ ، سِوَى هَذَا الْوَجْهِ :
أَحَدُهُمَا أَنْ تُرْسَمَ بِالْحُمْرَةِ أَلِفٌ قَبْلَ الْأَلِفِ السَّوْدَاءِ ، وَتُوقَعَ الْهَمْزَةُ نُقْطَةً بِالصَّفْرَاءِ بَيْنَهُمَا ، وَتُجْعَلَ حَرَكَتُهَا مَعَ التَّنْوِينِ نُقْطَتَيْنِ عَلَى الْأَلِفِ السَّوْدَاءِ ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الْمُبْدَلَةُ مِنَ التَّنْوِينِ فِي ذَلِكَ ، وَهِيَ الْمَرْسُومَةُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ .
وَالثَّانِي أَنْ تُرْسَمَ أَلِفٌ بِالْحُمْرَةِ بَعْدَ الْأَلِفِ السَّوْدَاءِ ، وَتُوقَعَ الْهَمْزَةُ نُقْطَةً
[ ص: 66 ] بِالصَّفْرَاءِ بَيْنَهُمَا أَيْضًا ، وَتُجْعَلَ حَرَكَتُهَا مَعَ التَّنْوِينِ نُقْطَتَيْنِ عَلَى الْأَلِفِ الْحَمْرَاءِ ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الْمُعَوَّضَةُ مِنَ التَّنْوِينِ ، وَهِيَ الْمَحْذُوفَةُ مِنَ الرَّسْمِ لِكَرَاهَةِ اجْتِمَاعِ الْأَلِفَيْنِ ، لِوُقُوعِهَا فِي مَوْضِعِ الْحَذْفِ وَالتَّغْيِيرِ ، وَهُوَ الطَّرَفُ ، فَكَانَتْ بِالْحَذْفِ أَوْلَى مِنَ الَّتِي هِيَ فِي وَسَطِ الْكَلِمَةِ ، وَلِأَنَّ مِنَ الْعَرَبِ مَنْ لَا يُعَوِّضُ مِنْهُ فِي حَالِ الْخَفْضِ وَالرَّفْعِ ، حَكَى ذَلِكَ عَنْهَا
nindex.php?page=showalam&ids=14888الْفَرَّاءُ nindex.php?page=showalam&ids=13676وَالْأَخْفَشُ .
وَصُورَةُ نَقْطِ هَذَا الضَّرْبِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ الَّذِي اخْتَرْنَاهُ وَقُلْنَا بِهِ ، كَمَا تَرَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=22مَاءً ، وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=41غُثَاءً ، وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=17جُفَاءً ، وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=171دُعَاءً وَنِدَاءً . وَعَلَى الثَّانِي : " مَئًا " ، وَ " غُثَئًا " ، وَ " جُفَئًا " ، وَ " دُعَئًا " ، وَ " نِدَءًا " . وَعَلَى الثَّالِثِ : " مَاءًا " ، وَ " غُثَاءًا " ، وَ " جُفَاءًا " ، وَ " دُعَاءًا وَنِدَاءًا " .
فَصْلٌ
وَإِذَا كَانَ آخِرُ الِاسْمِ الَّذِي يَلْحَقُهُ التَّنْوِينُ فِي حَالِ نَصْبِهِ هَاءَ تَأْنِيثٍ ، نَحْوُ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=28وَآتَانِي رَحْمَةً ، وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=12بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً ، وَ " دَانِيَةً عَلَيهِمْ " ، وَشِبْهِهِ ؛ فَإِنَّ النُّقْطَتَيْنِ مَعًا تَقَعَانِ فِي ذَلِكَ عَلَى الْهَاءِ الَّتِي هِيَ تَاءٌ فِي الْوَصْلِ لَا غَيْرُ ، لِامْتِنَاعِ إِبْدَالِ التَّنْوِينِ فِيهِ فِي حَالِ الْوَقْفِ بِامْتِنَاعِ وُجُودِ التَّاءِ الَّتِي يَلْحَقُهَا مَعَ حَرَكَةِ الْإِعْرَابِ هُنَاكَ ، وَلِذَلِكَ بَطَلَ تَصْوِيرُ مَا يُبْدَلُ مِنْهُ فِي حَالِ الْوَقْفِ فِي هَذَا النَّوْعِ .
فَصْلٌ
فَأَمَّا النُّونُ الْخَفِيفَةُ ؛ فَإِنَّهَا بِمَثَابَةِ التَّنْوِينِ فِي الزِّيَادَةِ وَالْبَدَلِ وَالرَّسْمِ ، وَلَمْ تَأْتِ
[ ص: 67 ] فِي الْقُرْآنِ إِلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ : أَحَدُهُمَا فِي (يُوسُفَ ) قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=32وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ ، وَالثَّانِي فِي
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=14اقْرَأْ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=15لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ ، وَالْقُرَّاءُ مُجْمِعُونَ عَلَى إِبْدَالِ النُّونِ فِيهِمَا فِي الْوَقْفِ أَلِفًا ، كَالتَّنْوِينِ الَّذِي يَلْحَقُ الْأَسْمَاءَ الْمَنْصُوبَةَ ؛ لِأَنَّ قَبْلَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا يُشْبِهُ الْأَلِفَ ، وَهِيَ الْفَتْحَةُ . وَلِتَأْدِيَةِ كَيْفِيَّةِ الْوَقْفِ رُسِمَا كَذَلِكَ . وَالنُّقَّاطُ مُتَّفِقُونَ أَيْضًا عَلَى جَعْلِ نُقْطَتَيْنِ بِالْحُمْرَةِ عَلَى تِلْكَ الْأَلِفِ ؛ لِاشْتِرَاكِ مَا أُبْدِلَتْ مِنْهُ مَعَ التَّنْوِينِ فِي الْمَعَانِي الْمَذْكُورَةِ مِنَ الزِّيَادَةِ وَالْبَدَلِ وَالرَّسْمِ وَمُصَاحَبَةِ الْفَتْحَةِ .
وَكَذَلِكَ اتَّفَقُوا عَلَى جَعْلِهِمَا عَلَى الْأَلِفِ فِي نَحْوِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=76وَإِذًا لا يَلْبَثُونَ ، وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=53فَإِذًا لا يُؤْتُونَ ، وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=140إِذًا مِثْلُهُمْ ، وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=75إِذًا لأَذَقْنَاكَ ، وَمَا أَشْبَهَهُ . وَذَلِكَ مِنْ حَيْثُ أَشْبَهَ ذَلِكَ النُّونَ الْخَفِيفَةَ فِي اللَّفْظِ وَالرَّسْمِ وَالْوَقْفِ ، وَوَافَقَهَا فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ ، فَجَرَى بِذَلِكَ مَجْرَاهَا فِي اللَّفْظِ ، وَذَلِكَ مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ وَالْإِعَانَةُ .