فصل أقسام الناس في العبادة والاستعانة
إذا عرفت هذا ، فالناس في هذين الأصلين وهما
nindex.php?page=treesubj&link=28680_29529العبادة والاستعانة أربعة أقسام :
[ ص: 100 ] أجلها وأفضلها : أهل العبادة والاستعانة بالله عليها ، فعبادة الله غاية مرادهم ، وطلبهم منه أن يعينهم عليها ، ويوفقهم للقيام بها ، ولهذا كان من أفضل ما يسأل الرب تبارك وتعالى الإعانة على مرضاته ، وهو الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم لحبه
nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ بن جبل رضي الله عنه ، فقال
nindex.php?page=hadith&LINKID=980130 " يا معاذ ، والله إني لأحبك ، فلا تنس أن تقول دبر كل صلاة : اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك " .
فأنفع الدعاء طلب العون على مرضاته ، وأفضل المواهب إسعافه بهذا المطلوب ، وجميع الأدعية المأثورة مدارها على هذا ، وعلى دفع ما يضاده ، وعلى تكميله وتيسير أسبابه ، فتأملها .
وقال شيخ الإسلام
ابن تيمية قدس الله روحه : تأملت
nindex.php?page=treesubj&link=32041_29529أنفع الدعاء فإذا هو سؤال العون على مرضاته ، ثم رأيته في الفاتحة في
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=5إياك نعبد وإياك نستعين .
ومقابل هؤلاء القسم الثاني ، وهم المعرضون عن عبادته والاستعانة به ، فلا عبادة ولا استعانة ، بل إن سأله أحدهم واستعان به فعلى حظوظه وشهواته ، لا على مرضاة ربه وحقوقه ، فإنه سبحانه يسأله من في السماوات والأرض يسأله أولياؤه وأعداؤه ويمد هؤلاء وهؤلاء ، وأبغض خلقه عدوه إبليس ومع هذا فقد سأله حاجة فأعطاه إياها ، ومتعه بها ، ولكن لما لم تكن عونا له على مرضاته ، كانت زيادة له في شقوته ، وبعده عن الله وطرده عنه ، وهكذا كل من استعان به على أمر وسأله إياه ، ولم يكن عونا على طاعته كان مبعدا له عن مرضاته ، قاطعا له عنه ولا بد .
وليتأمل العاقل هذا في نفسه وفي غيره ، وليعلم أن إجابة الله لسائليه ليست لكرامة السائل عليه ، بل يسأله عبده الحاجة فيقضيها له ، وفيها هلاكه وشقوته ، ويكون قضاؤه له من هوانه عليه ، وسقوطه من عينه ، ويكون منعه منها لكرامته عليه ومحبته له ، فيمنعه حماية وصيانة وحفظا لا بخلا ، وهذا إنما يفعله بعبده الذي يريد كرامته ومحبته ، ويعامله بلطفه ، فيظن بجهله أن الله لا يحبه ولا يكرمه ، ويراه يقضي حوائج غيره ، فيسيء ظنه
[ ص: 101 ] بربه ، وهذا حشو قلبه ولا يشعر به ، والمعصوم من عصمه الله ، والإنسان على نفسه بصيرة ، وعلامة هذا حمله على الأقدار وعتابه الباطن لها ، كما قيل :
وعاجز الرأي مضياع لفرصته حتى إذا فات أمر عاتب القدرا
فوالله لو كشف عن حاصله وسره لرأى هناك معاتبة القدر واتهامه ، وأنه قد كان ينبغي أن يكون كذا وكذا ، ولكن ما حيلتي ، والأمر ليس إلي ؟ والعاقل خصم نفسه ، والجاهل خصم أقدار ربه .
فاحذر كل الحذر أن تسأله شيئا معينا خيرته وعاقبته مغيبة عنك ، وإذا لم تجد من سؤاله بدا ، فعلقه على شرط علمه تعالى فيه الخيرة ، وقدم بين يدي سؤالك الاستخارة ، ولا تكن استخارة باللسان بلا معرفة ، بل استخارة من لا علم له بمصالحه ، ولا قدرة له عليها ، ولا اهتداء له إلى تفاصيلها ، ولا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا ، بل إن وكل إلى نفسه هلك كل الهلاك ، وانفرط عليه أمره .
وإذا أعطاك ما أعطاك بلا سؤال تسأله أن يجعله عونا لك على طاعته وبلاغا إلى مرضاته ، ولا يجعله قاطعا لك عنه ، ولا مبعدا عن مرضاته ، ولا تظن أن عطاءه كل ما أعطى لكرامة عبده عليه ، ولا منعه كل ما يمنعه لهوان عبده عليه ، ولكن عطاءه ومنعه ابتلاء وامتحان ، يمتحن بهما عباده ، قال الله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=15فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=16وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=17كلا أي ليس كل من أعطيته ونعمته وخولته فقد أكرمته ، وما ذاك لكرامته علي ، ولكنه ابتلاء مني ، وامتحان له أيشكرني فأعطيه فوق ذلك ، أم يكفرني فأسلبه إياه ، وأخول فيه غيره ؟ وليس كل من ابتليته فضيقت عليه رزقه ، وجعلته بقدر لا يفضل عنه ، فذلك من هوانه علي ، ولكنه ابتلاء وامتحان مني له أيصبر فأعطيه أضعاف أضعاف ما فاته من سعة الرزق ، أم يتسخط فيكون حظه السخط ؟ .
فرد الله سبحانه على من ظن أن سعة الرزق إكرام ، وأن الفقر إهانة ، فقال : لم أبتل عبدي بالغنى لكرامته علي ، ولم أبتله بالفقر لهوانه علي ، فأخبر أن الإكرام والإهانة لا يدوران على المال وسعة الرزق وتقديره ، فإنه سبحانه يوسع على الكافر لا لكرامته ، ويقتر على المؤمن لا لإهانته ، إنما يكرم من يكرمه بمعرفته ومحبته وطاعته ، ويهين من يهينه بالإعراض عنه ومعصيته ، فله الحمد على هذا وعلى هذا ، وهو الغني الحميد .
[ ص: 102 ] فعادت سعادة الدنيا والآخرة إلى
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=5إياك نعبد وإياك نستعين .
فَصْلٌ أَقْسَامُ النَّاسِ فِي الْعِبَادَةِ وَالِاسْتِعَانَةِ
إِذَا عَرَفْتَ هَذَا ، فَالنَّاسُ فِي هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ وَهُمَا
nindex.php?page=treesubj&link=28680_29529الْعِبَادَةُ وَالِاسْتِعَانَةُ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ :
[ ص: 100 ] أَجَلُّهَا وَأَفْضَلُهَا : أَهْلُ الْعِبَادَةِ وَالِاسْتِعَانَةِ بِالَلَّهِ عَلَيْهَا ، فَعِبَادَةُ اللَّهِ غَايَةُ مُرَادِهِمْ ، وَطَلَبُهُمْ مِنْهُ أَنْ يُعِينَهُمْ عَلَيْهَا ، وَيُوَفِّقَهُمْ لِلْقِيَامِ بِهَا ، وَلِهَذَا كَانَ مِنْ أَفْضَلِ مَا يُسْأَلُ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الْإِعَانَةُ عَلَى مَرْضَاتِهِ ، وَهُوَ الَّذِي عَلَّمَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحِبِّهِ
nindex.php?page=showalam&ids=32مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَقَالَ
nindex.php?page=hadith&LINKID=980130 " يَا مُعَاذُ ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ ، فَلَا تَنْسَ أَنْ تَقُولَ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ : اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ " .
فَأَنْفَعُ الدُّعَاءِ طَلَبُ الْعَوْنِ عَلَى مَرْضَاتِهِ ، وَأَفْضَلُ الْمَوَاهِبِ إِسْعَافُهُ بِهَذَا الْمَطْلُوبِ ، وَجَمِيعُ الْأَدْعِيَةِ الْمَأْثُورَةِ مَدَارُهَا عَلَى هَذَا ، وَعَلَى دَفْعِ مَا يُضَادُّهُ ، وَعَلَى تَكْمِيلِهِ وَتَيْسِيرِ أَسْبَابِهِ ، فَتَأَمَّلْهَا .
وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ
ابْنُ تَيْمِيَّةَ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ : تَأَمَّلْتُ
nindex.php?page=treesubj&link=32041_29529أَنْفَعَ الدُّعَاءِ فَإِذَا هُوَ سُؤَالُ الْعَوْنِ عَلَى مَرْضَاتِهِ ، ثُمَّ رَأَيْتُهُ فِي الْفَاتِحَةِ فِي
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=5إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ .
وَمُقَابِلُ هَؤُلَاءِ الْقِسْمُ الثَّانِي ، وَهُمُ الْمُعْرِضُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَالِاسْتِعَانَةِ بِهِ ، فَلَا عِبَادَةَ وَلَا اسْتِعَانَةَ ، بَلْ إِنْ سَأَلَهُ أَحَدُهُمْ وَاسْتَعَانَ بِهِ فَعَلَى حُظُوظِهِ وَشَهَوَاتِهِ ، لَا عَلَى مَرْضَاةِ رَبِّهِ وَحُقُوقِهِ ، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَسْأَلُهُ أَوْلِيَاؤُهُ وَأَعْدَاؤُهُ وَيَمُدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ ، وَأَبْغَضُ خَلْقِهِ عَدُّوُهُ إِبْلِيسُ وَمَعَ هَذَا فَقَدَ سَأَلَهُ حَاجَةً فَأَعْطَاهُ إِيَّاهَا ، وَمَتَّعَهُ بِهَا ، وَلَكِنْ لَمَّا لَمْ تَكُنْ عَوْنًا لَهُ عَلَى مَرْضَاتِهِ ، كَانَتْ زِيَادَةً لَهُ فِي شِقْوَتِهِ ، وَبُعْدِهِ عَنِ اللَّهِ وَطَرْدِهِ عَنْهُ ، وَهَكَذَا كُلُّ مَنِ اسْتَعَانَ بِهِ عَلَى أَمْرٍ وَسَأَلَهُ إِيَّاهُ ، وَلَمْ يَكُنْ عَوْنًا عَلَى طَاعَتِهِ كَانَ مُبْعِدًا لَهُ عَنْ مَرْضَاتِهِ ، قَاطِعًا لَهُ عَنْهُ وَلَا بُدَّ .
وَلْيَتَأَمَّلِ الْعَاقِلُ هَذَا فِي نَفْسِهِ وَفِي غَيْرِهِ ، وَلْيَعْلَمْ أَنَّ إِجَابَةَ اللَّهِ لِسَائِلِيهِ لَيْسَتْ لِكَرَامَةِ السَّائِلِ عَلَيْهِ ، بَلْ يَسْأَلُهُ عَبْدُهُ الْحَاجَةَ فَيَقْضِيهَا لَهُ ، وَفِيهَا هَلَاكُهُ وَشِقْوَتُهُ ، وَيَكُونُ قَضَاؤُهُ لَهُ مِنْ هَوَانِهِ عَلَيْهِ ، وَسُقُوطِهِ مِنْ عَيْنِهِ ، وَيَكُونُ مَنْعُهُ مِنْهَا لِكَرَامَتِهِ عَلَيْهِ وَمَحَبَّتِهِ لَهُ ، فَيَمْنَعُهُ حِمَايَةً وَصِيَانَةً وَحِفْظًا لَا بُخْلًا ، وَهَذَا إِنَّمَا يَفْعَلُهُ بِعَبْدِهِ الَّذِي يُرِيدُ كَرَامَتَهُ وَمَحَبَّتَهُ ، وَيُعَامِلُهُ بِلُطْفِهِ ، فَيَظُنُّ بِجَهْلِهِ أَنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّهُ وَلَا يُكْرِمُهُ ، وَيَرَاهُ يَقْضِي حَوَائِجَ غَيْرِهِ ، فَيُسِيءُ ظَنَّهُ
[ ص: 101 ] بِرَبِّهِ ، وَهَذَا حَشْوُ قَلْبِهِ وَلَا يَشْعُرُ بِهِ ، وَالْمَعْصُومُ مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ ، وَالْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ، وَعَلَامَةُ هَذَا حَمْلُهُ عَلَى الْأَقْدَارِ وَعِتَابُهُ الْبَاطِنُ لَهَا ، كَمَا قِيلَ :
وَعَاجِزُ الرَّأْيِ مِضْيَاعٌ لِفُرْصَتِهِ حَتَّى إِذَا فَاتَ أَمْرٌ عَاتَبَ الْقَدَرَا
فَوَاللَّهِ لَوْ كَشَفَ عَنْ حَاصِلِهِ وَسِرِّهِ لَرَأَى هُنَاكَ مُعَاتَبَةَ الْقَدَرِ وَاتِّهَامَهُ ، وَأَنَّهُ قَدْ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَذَا وَكَذَا ، وَلَكِنْ مَا حِيلَتِي ، وَالْأَمْرُ لَيْسَ إِلَيَّ ؟ وَالْعَاقِلُ خَصْمُ نَفْسِهِ ، وَالْجَاهِلُ خَصْمُ أَقْدَارِ رَبِّهِ .
فَاحْذَرْ كُلَّ الْحَذَرِ أَنْ تَسْأَلَهُ شَيْئًا مُعَيَّنًا خِيرَتُهُ وَعَاقِبَتُهُ مُغَيَّبَةٌ عَنْكَ ، وَإِذَا لَمْ تَجِدْ مِنْ سُؤَالِهِ بُدًّا ، فَعَلِّقْهُ عَلَى شَرْطِ عِلْمِهِ تَعَالَى فِيهِ الْخِيَرَةَ ، وَقَدِّمْ بَيْنَ يَدَيْ سُؤَالِكَ الِاسْتِخَارَةَ ، وَلَا تَكُنِ اسْتِخَارَةٌ بِاللِّسَانِ بِلَا مَعْرِفَةٍ ، بَلِ اسْتِخَارَةُ مَنْ لَا عِلْمَ لَهُ بِمَصَالِحِهِ ، وَلَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَيْهَا ، وَلَا اهْتِدَاءَ لَهُ إِلَى تَفَاصِيلِهَا ، وَلَا يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ ضُرًّا وَلَا نَفْعًا ، بَلْ إِنْ وُكِّلَّ إِلَى نَفْسِهِ هَلَكَ كُلَّ الْهَلَاكِ ، وَانْفَرَطَ عَلَيْهِ أَمْرُهُ .
وَإِذَا أَعْطَاكَ مَا أَعْطَاكَ بِلَا سُؤَالٍ تَسْأَلُهُ أَنْ يَجْعَلَهُ عَوْنًا لَكَ عَلَى طَاعَتِهِ وَبَلَاغًا إِلَى مَرْضَاتِهِ ، وَلَا يَجْعَلَهُ قَاطِعًا لَكَ عَنْهُ ، وَلَا مُبْعِدًا عَنْ مَرْضَاتِهِ ، وَلَا تَظُنُّ أَنَّ عَطَاءَهُ كُلَّ مَا أَعْطَى لِكَرَامَةِ عَبْدِهِ عَلَيْهِ ، وَلَا مَنْعَهُ كُلَّ مَا يَمْنَعُهُ لِهَوَانِ عَبْدِهِ عَلَيْهِ ، وَلَكِنَّ عَطَاءَهُ وَمَنْعَهُ ابْتِلَاءٌ وَامْتِحَانٌ ، يَمْتَحِنُ بِهِمَا عِبَادَهُ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=15فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=16وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=17كَلَّا أَيْ لَيْسَ كُلُّ مَنْ أَعْطَيْتُهُ وَنَعَّمْتُهُ وَخَوَّلْتُهُ فَقَدْ أَكْرَمْتُهُ ، وَمَا ذَاكَ لِكَرَامَتِهِ عَلَيَّ ، وَلَكِنَّهُ ابْتِلَاءٌ مِنِّي ، وَامْتِحَانٌ لَهُ أَيَشْكُرُنِي فَأُعْطِيَهُ فَوْقَ ذَلِكَ ، أَمْ يَكْفُرُنِي فَأَسْلُبَهُ إِيَّاهُ ، وَأُخَوِّلَ فِيهِ غَيْرَهُ ؟ وَلَيْسَ كُلُّ مَنِ ابْتَلَيْتُهُ فَضَيَّقْتُ عَلَيْهِ رِزْقَهُ ، وَجَعَلْتُهُ بِقَدَرٍ لَا يُفَضَّلُ عَنْهُ ، فَذَلِكَ مِنْ هَوَانِهِ عَلَيَّ ، وَلَكِنَّهُ ابْتِلَاءٌ وَامْتِحَانٌ مِنِّي لَهُ أَيَصْبِرُ فَأُعْطِيَهُ أَضْعَافَ أَضْعَافِ مَا فَاتَهُ مِنْ سَعَةِ الرِّزْقِ ، أَمْ يَتَسَخَّطُ فَيَكُونَ حَظُّهُ السُّخْطَ ؟ .
فَرَدَّ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَى مَنْ ظَنَّ أَنَّ سَعَةَ الرِّزْقِ إِكْرَامٌ ، وَأَنَّ الْفَقْرَ إِهَانَةٌ ، فَقَالَ : لَمْ أَبْتَلِ عَبْدِي بِالْغِنَى لِكَرَامَتِهِ عَلَيَّ ، وَلَمْ أَبْتَلِهِ بِالْفَقْرِ لِهَوَانِهِ عَلَيَّ ، فَأَخْبَرَ أَنَّ الْإِكْرَامَ وَالْإِهَانَةَ لَا يَدُورَانِ عَلَى الْمَالِ وَسَعَةِ الرِّزْقِ وَتَقْدِيرِهِ ، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ يُوَسِّعُ عَلَى الْكَافِرِ لَا لِكَرَامَتِهِ ، وَيُقَتِّرُ عَلَى الْمُؤْمِنِ لَا لِإِهَانَتِهِ ، إِنَّمَا يُكْرِمُ مَنْ يُكْرِمُهُ بِمَعْرِفَتِهِ وَمَحَبَّتِهِ وَطَاعَتِهِ ، وَيُهِينُ مَنْ يُهِينُهُ بِالْإِعْرَاضِ عَنْهُ وَمَعْصِيَتِهِ ، فَلَهُ الْحَمْدُ عَلَى هَذَا وَعَلَى هَذَا ، وَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ .
[ ص: 102 ] فَعَادَتْ سَعَادَةُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إِلَى
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=5إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ .