فصل
[ ص: 85 ] ثم
nindex.php?page=treesubj&link=28659المثبتون للخالق تعالى نوعان :
أهل توحيد ، وأهل إشراك ، وأهل الإشراك نوعان :
أحدهما : أهل الإشراك به في ربوبيته وإلهيته ،
كالمجوس ومن ضاهاهم من
القدرية ، فإنهم يثبتون مع الله خالقا آخر ، وإن لم يقولوا : إنه مكافئ له ،
nindex.php?page=treesubj&link=30239والقدرية المجوسية تثبت مع الله خالقين للأفعال ، ليست أفعالهم مقدورة لله ، ولا مخلوقة لهم ، وهي صادرة بغير مشيئته ، ولا قدرة له عليها ، ولا هو الذي جعل أربابها فاعلين لها ، بل هم الذين جعلوا أنفسهم شائين مريدين فاعلين .
فربوبية العالم الكاملة المطلقة الشاملة تبطل أقوال هؤلاء كلهم ، لأنها تقتضي ربوبيته لجميع ما فيه من الذوات والصفات والحركات والأفعال .
وحقيقة قول
القدرية المجوسية : أنه تعالى ليس ربا لأفعال الحيوان ، ولا تناولتها ربوبيته ، وكيف تتناول ما لا يدخل تحت قدرته ومشيئته وخلقه ؟ مع أن في عموم حمده ما يقتضي حمده على طاعات خلقه ، إذ هو المعين عليها والموفق لها ، وهو الذي شاءها منهم كما قال في غير موضع من كتابه
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=30وما تشاءون إلا أن يشاء الله فهو محمود على أن شاءها لهم ، وجعلهم فاعليها بقدرته ومشيئته ، فهو المحمود عليها في الحقيقة ، وعندهم أنهم هم المحمودون عليها ، ولهم الحمد على فعلها ، وليس لله حمد على نفس فاعليتها عندهم ، ولا على ثوابه وجزائه عليها .
أما الأول : فلأن فاعليتها بهم لا به ، وأما الثاني : فلأن الجزاء مستحق عليه استحقاق الأجرة على المستأجر ، فهو محض حقهم ، الذي عاوضوه عليه .
[ ص: 86 ] وفي قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=5وإياك نستعين رد ظاهر عليهم ، إذ استعانتهم به إنما تكون عن شيء هو بيده وتحت قدرته ومشيئته ، فكيف يستعين من بيده الفعل وهو موجده ، إن شاء أوجده وإن شاء لم يوجده بمن ليس ذلك الفعل بيده ، ولا هو داخل تحت قدرته ولا مشيئته ؟ .
وفي قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=6nindex.php?page=treesubj&link=28972اهدنا الصراط المستقيم أيضا رد عليهم ، فإن الهداية المطلقة التامة هي المستلزمة لحصول الاهتداء ، ولولا أنها بيده تعالى دونهم لما سألوه إياها ، وهي المتضمنة للإرشاد والبيان ، والتوفيق والإقدار ، وجعلهم مهتدين ، وليس مطلوبهم مجرد البيان والدلالة كما ظنته القدرية ، لأن هذا القدر وحده لا يوجب الهدى ، ولا ينجي من الردى ، وهو حاصل لغيرهم من الكفار ، الذين استحبوا العمى على الهدى ، واشتروا الضلالة بالهدى .
فَصْلٌ
[ ص: 85 ] ثُمَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28659الْمُثْبِتُونَ لِلْخَالِقِ تَعَالَى نَوْعَانِ :
أَهْلُ تَوْحِيدٍ ، وَأَهْلُ إِشْرَاكٍ ، وَأَهْلُ الْإِشْرَاكِ نَوْعَانِ :
أَحَدُهُمَا : أَهْلُ الْإِشْرَاكِ بِهِ فِي رُبُوبِيَّتِهِ وَإِلَهِيَّتِهِ ،
كَالْمَجُوسِ وَمَنْ ضَاهَاهُمْ مِنَ
الْقَدَرِيَّةِ ، فَإِنَّهُمْ يُثْبِتُونَ مَعَ اللَّهِ خَالِقًا آخَرَ ، وَإِنْ لَمْ يَقُولُوا : إِنَّهُ مُكَافِئٌ لَهُ ،
nindex.php?page=treesubj&link=30239وَالْقَدَرِيَّةُ الْمَجُوسِيَّةُ تُثْبِتُ مَعَ اللَّهِ خَالِقِينَ لِلْأَفْعَالِ ، لَيْسَتْ أَفْعَالُهُمْ مَقْدُورَةً لِلَّهِ ، وَلَا مَخْلُوقَةً لَهُمْ ، وَهِيَ صَادِرَةٌ بِغَيْرِ مَشِيئَتِهِ ، وَلَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَيْهَا ، وَلَا هُوَ الَّذِي جَعَلَ أَرْبَابَهَا فَاعِلِينَ لَهَا ، بَلْ هُمُ الَّذِينَ جَعَلُوا أَنْفُسَهُمْ شَائِينَ مُرِيدِينَ فَاعِلِينَ .
فَرُبُوبِيَّةُ الْعَالَمِ الْكَامِلَةُ الْمُطْلَقَةُ الشَّامِلَةُ تُبْطِلُ أَقْوَالَ هَؤُلَاءِ كُلِّهِمْ ، لِأَنَّهَا تَقْتَضِي رُبُوبِيَّتَهُ لِجَمِيعِ مَا فِيهِ مِنَ الذَّوَاتِ وَالصِّفَاتِ وَالْحَرَكَاتِ وَالْأَفْعَالِ .
وَحَقِيقَةُ قَوْلِ
الْقَدَرِيَّةِ الْمَجُوسِيَّةِ : أَنَّهُ تَعَالَى لَيْسَ رَبًّا لِأَفْعَالِ الْحَيَوَانِ ، وَلَا تَنَاوَلَتْهَا رُبُوبِيَّتُهُ ، وَكَيْفَ تَتَنَاوَلُ مَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ قُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ وَخَلْقِهِ ؟ مَعَ أَنَّ فِي عُمُومِ حَمْدِهِ مَا يَقْتَضِي حَمْدَهُ عَلَى طَاعَاتِ خَلْقِهُ ، إِذْ هُوَ الْمُعِينُ عَلَيْهَا وَالْمُوَفِّقُ لَهَا ، وَهُوَ الَّذِي شَاءَهَا مِنْهُمْ كَمَا قَالَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=30وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ فَهُوَ مَحْمُودٌ عَلَى أَنْ شَاءَهَا لَهُمْ ، وَجَعَلَهُمْ فَاعِلِيهَا بِقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ ، فَهُوَ الْمَحْمُودُ عَلَيْهَا فِي الْحَقِيقَةِ ، وَعِنْدَهُمْ أَنَّهُمْ هُمُ الْمَحْمُودُونَ عَلَيْهَا ، وَلَهُمُ الْحَمْدُ عَلَى فِعْلِهَا ، وَلَيْسَ لِلَّهِ حَمْدٌ عَلَى نَفْسِ فَاعِلِيَّتِهَا عِنْدَهُمْ ، وَلَا عَلَى ثَوَابِهِ وَجَزَائِهِ عَلَيْهَا .
أَمَّا الْأَوَّلُ : فَلِأَنَّ فَاعِلِيَّتَهَا بِهِمْ لَا بِهِ ، وَأَمَّا الثَّانِي : فَلِأَنَّ الْجَزَاءَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ اسْتِحْقَاقَ الْأُجْرَةِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ ، فَهُوَ مَحْضُ حَقِّهِمْ ، الَّذِي عَاوَضُوهُ عَلَيْهِ .
[ ص: 86 ] وَفِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=5وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ رَدٌّ ظَاهِرٌ عَلَيْهِمْ ، إِذِ اسْتِعَانَتُهُمْ بِهِ إِنَّمَا تَكُونُ عَنْ شَيْءٍ هُوَ بِيَدِهِ وَتَحْتَ قُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ ، فَكَيْفَ يَسْتَعِينُ مَنْ بِيَدِهِ الْفِعْلُ وَهُوَ مُوجِدُهُ ، إِنْ شَاءَ أَوْجَدَهُ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يُوجِدْهُ بِمَنْ لَيْسَ ذَلِكَ الْفِعْلُ بِيَدِهِ ، وَلَا هُوَ دَاخِلٌ تَحْتَ قُدْرَتِهِ وَلَا مَشِيئَتِهِ ؟ .
وَفِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=6nindex.php?page=treesubj&link=28972اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ أَيْضًا رَدٌّ عَلَيْهِمْ ، فَإِنَّ الْهِدَايَةَ الْمُطْلَقَةَ التَّامَّةَ هِيَ الْمُسْتَلْزِمَةُ لِحُصُولِ الِاهْتِدَاءِ ، وَلَوْلَا أَنَّهَا بِيَدِهِ تَعَالَى دُونَهُمْ لَمَا سَأَلُوهُ إِيَّاهَا ، وَهِيَ الْمُتَضَمِّنَةُ لِلْإِرْشَادِ وَالْبَيَانِ ، وَالتَّوْفِيقِ وَالْإِقْدَارِ ، وَجَعْلِهِمْ مُهْتَدِينَ ، وَلَيْسَ مَطْلُوبُهُمْ مُجَرَّدَ الْبَيَانِ وَالدِّلَالَةِ كَمَا ظَنَّتْهُ الْقَدَرِيَّةُ ، لِأَنَّ هَذَا الْقَدَرَ وَحْدَهُ لَا يُوجِبُ الْهُدَى ، وَلَا يُنْجِي مِنَ الرَّدَى ، وَهُوَ حَاصِلٌ لِغَيْرِهِمْ مِنَ الْكُفَّارِ ، الَّذِينَ اسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى ، وَاشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى .