( تنبيه ) : ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره من علماء الكلام - منها : إيجاده - سبحانه وتعالى - الأشياء لاستحالة إيجاده الأشياء مع الجهل ، قال أدلة عقلية على إثبات صفة العلم لله - تعالى شيخ الإسلام : هذا الدليل مشهور عند نظار المسلمين أولهم وآخرهم ، والقرآن قد دل عليه ، كما في قوله - تعالى : ( ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير ) ، قال : والفلاسفة أيضا سلكوه ، وبيانه من وجوه : ( أحدها ) : أن إيجاده الأشياء هو بإرادته ، والإرادة تستلزم تصور المراد وهو العلم ، فكان الإيجاد مستلزما للإرادة ، والإرادة مستلزمة للعلم ، فالإيجاد [ ص: 149 ] مستلزم للعلم .
( الثاني ) : أن المخلوقات فيها من الإحكام والإتقان ما يستلزم علم الفاعل بها ; لأن الفعل المحكم المتقن يمتنع صدوره عن غير عالم . قال : وبهذين الطريقين يتقرر ما ذكره - أي الأصفهاني - في عقيدته . قال شيخ الإسلام : ولهم طرق أخرى منها أن من المخلوقات ما هو عالم ، والعلم صفة كمال ، ويمتنع أن يكون المخلوق أكمل من الخالق ، إذ كل كمال فيه فهو منه ، فيجب أن يكون الخالق عالما . قال : وهذا له طريقان : إحداهما أن يقال : يعلم بالضرورة أن الخالق أكمل من المخلوق ، وأن الواجب أكمل من الممكن ، ويعلم بالضرورة أنا إذا فرضنا شيئين أحدهما عالم ، والآخر غير عالم ، كان العالم أكمل ، فلو لم يكن الواجب عالما ، لزم أن يكون الممكن أكمل منه ، وهو ممتنع .
الثاني : أن يقال كل علم في الممكنات التي هي المخلوقات فهو منه ، ومن الممتنع أن يكون فاعل الكمال ومبدعه عاريا منه ، بل هو أحق به ، والله - سبحانه - له المثل الأعلى ، لا يستوي هو والمخلوق في قياس شمول ، ولا في قياس تمثيل ، بل كل ما ثبت لمخلوق من كمال ، فالخالق - تعالى - أحق به ، وكل نقص تنزه عنه مخلوق ما ، فتنزيه الخالق عنه أولى . وقال شيخ الإسلام في موضع آخر : ولهذا كان المستعمل في الكتاب والسنة وكلام السلف في حقه - تعالى - هو القياس الأولى ، مثل أن يعلم أن ما ثبت لغيره من كمال مطلق لا نقص فيه ، فهو أحق بأن يثبت له من ذلك الكمال ما هو أحق به مما سواه ، فإذا كان الحياة والعلم والقدرة كمالا لا نقص فيه ، وقد اتصف به المخلوق ، فالخالق - تعالى - أحق أن يتصف بالحياة والعلم والقدرة . وما ينزه عنه غيره من العيوب ، فهو - سبحانه - أحق بتنزيهه عنه ، كما في قوله - تعالى : ( ولله المثل الأعلى ) ، انتهى ملخصا . من الكتاب والسنة كثير جدا ، كقوله - تعالى : ( ودليل ثبوت صفة العلم لله - تعالى - سمعا عالم الغيب والشهادة - لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون - إليه يرد علم الساعة - ولا يحيطون بشيء من علمه - يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ) ، وما لا يحصى من الآيات إلا بكلفة ، وفي حديث أنه - صلى الله عليه وسلم - قال : أبي هريرة سبق علم الله في خلقه ، فهم صائرون إليه . وفي حديث - رضي الله عنهما : ابن عمر . . . إلى غير ذلك من الآيات [ ص: 150 ] والأخبار ، والله ولي الأسرار . مفاتيح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله