( ( أول واجب على العبيد معرفة الإله بالتسديد ) ) ( ( بأنه واحد لا نظير
له ولا شبه ولا وزير ) ) ( ( صفاته كذاته قديمة
أسماؤه ثابتة عظيمة ) )
[ ص: 113 ]
عباد عبيد جمع عبد وأعبد أعابد معبوداء معبدة عبد
كذلك عبدان وعبدان أثبتا كذاك العبدى وامدد إن شئت أن تمد
لا تدعني إلا بيا عبدها فإنه أشرف أسمائي
وقال الآخر :
أصم إذا نوديت باسمي وإنني إذا قيل لي يا عبدها لسميع
( معرفة الإله ) - سبحانه وتعالى - وهي عبارة عن معرفة وجود ذاته - تعالى - بصفات الكمال ، فيما لم يزل ولا يزال ، دون معرفة حقيقية ذاته وصفاته لاستحالة ذلك عقلا عند الأكثرين ، يعني أن العقل يحيل معرفة كنه ذاته . وقوله : أول واجب يعني لنفسه على كل مكلف بالنظر في الوجود والموجود ، ووجوب ذلك بالشرع دون العقل ; لأن العقل لا يوجب ولا يحرم ، وهذا مذهب أهل السنة . وقالت المعتزلة : وجبت معرفة الله عقلا لا شرعا ; لأنها دافعة للضرر المظنون ، وهو خوف العقاب في الآخرة ، حيث أخبر جمع كثير بذلك ، وخوف ما يترتب في الدنيا على اختلاف الفرق في معرفة الصانع من المحاربات وهلاك النفوس ، وتلف الأموال ، وكل ما يدافع الضرر المظنون بل والمشكوك واجب عقلا ، كما إذا أردت سلوك طريق فأخبرت بأن فيها عدوا أو سبعا ، فإنه يجب عليك اجتنابها خوف الوقوع في الهلكة . ورد قولهم بمنع ظن الخوف في الأعم الأغلب ، إذ لا يلزم الشعور بالاختلاف ، ولا بما يترتب عليه من الضرر ولا بالصانع ، وبما رتب في الآخرة من الثواب والعقاب ، والإخبار بذلك إنما يصل إلى بعض البعض ، وعلى فرض الوصول لا رجحان لجانب الصدق ; لأن التقدير عدم معرفة الصانع ، وبعثة الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام ، ودلالة المعجزات ، ولو سلم ظن خوف ، فلا نسلم أن تحصيل المعرفة يدفعه ; لأن احتمال الخطأ قائم ، فخوف العقاب أو الاختلاف بحاله والعناء زيادة . وفي كتاب الشيرازي ( جامع الأنوار لتوحيد الملك الجبار ) من الأشعرية أن وجوب معرفة الله بالعقل والشرع معا . والتحقيق وجوب معرفة الباري - جل شأنه - شرعا ، وقوله ( بالتسديد ) أي التقويم [ ص: 114 ] والتوفيق للسداد ، أي الصواب ; يعني بالنظر الصائب في الوجود والموجود ; كما مر آنفا ، ويجب النظر قبلها لتوقفها عليه ، فهو أول واجب لغيره ، وقال القاضي : أول واجب وطاعة اكتساب إرادة النظر المؤدي إلى المعرفة ، فمن تركه مع القدرة عليه لغير عذر أثم ، ولا إثم على الناظر في مدة نظره ، والنظر والمعرفة اكتساب ، وقد يوهبان لمن أراد الله هداه ، ولا يقعان ضرورة ، وقيل : بلى ، وحمل ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية على المعرفة النظرية ، كمعرفة إبليس لا المعرفة الإيمانية ، وقال : مثبتو النبوات تحصل لهم المعرفة بالله بثبوت النبوة من غير نظر ولا استدلال في دلائل العقول ، ذكره القاضي أبو يعلى في ( عيون المسائل ) وغيره من كتبه ، وذكر ابن حمدان في ( نهاية المبتدئين ) أن معرفة الله تحصل باكتساب موجب ، أي أن البداية سبقت بالتوفيق لإصابة الدليل الموصل إلى المعرفة ، واختصاص المريد بمعرفته سبق بفضله ومقارنة عونه بالوصول إلى تمام أدلته ، فتكون المعرفة الحقيقية معرفة الدليل الموصل إلى حقيقة معرفة الله تعالى ، وهو اكتساب موهوب كقصة إبراهيم الخليل عليه السلام في النظر ، والمعرفة تزيد وتنقص كالإيمان . نص عليه رضي الله عنه فمعرفة التفصيل أزيد من معرفة الجملة . الإمام أحمد
وأول نعم الله تعالى الدينية على المؤمن وأعظمها أن أقدره على إرادة النظر والاستدلال لمعرفته - تعالى ، وقال خاتمة المحققين العلامة الشيخ عثمان النجدي في تعليقته في أصول الدين : أول نعم الله الدينية على عبده أن أقدره على معرفته ، وقال ابن حمدان بعد أن ذكر الأول : وقيل أن هداه للإيمان ، وأول نعمه الدنيوية الحياة العرية عن ضرر ، وقال القاضي : إدراك اللذات ونيل المشتهيات ، التي لا يتعقبها ضرر لأجلها ، وهو يعم كل حيوان ، ولكن يقيد المكلف بالشكر ، وهو اعترافه بنعمة المنعم على جهة الخضوع والإذعان ، وصرف كل نعمة في طاعة ، فشكر المنعم واجب شرعا ، خلافا للمعتزلة في قولهم بوجوب شكر المنعم عقلا ، فيجب على كل مكلف [ ص: 115 ] شرعا أن يعرف الله - تعالى - بصفات الكمال ، ويجزم ( بأنه ) - سبحانه وتعالى - ( واحد ) لا يتجزأ ولا ينقسم ، فرد صمد ، ( لا نظير له ) ، أي لا مثل له ، ( ولا شبه ) له في ذاته ، ولا في صفاته ، ولا في أفعاله ، ولا شريك له في ملكه ، ( ولا وزير ) له - تعالى ، والوزير حبا الملك الذي يحمل ثقله ويعينه برأيه ، فلا وزير للباري - جل شأنه - يحمل ثقله ، ويعينه في تدبير خلقه ، ولا [ ص: 116 ] ظهير له في صنعه ، ولا معين له في ملكه .