( ( و ) ) من ( ( صفة النزول ) ) أي ما يثبته السلف ولا يتأولونه كما أخرجه صفة نزول الباري ، جل وعلا إلى سماء الدنيا ، الإمام أحمد ، والترمذي ، عن وابن ماجه عائشة - رضي الله عنها - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " " . إن الله ينزل ليلة النصف من شعبان إلى سماء الدنيا فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم بني كلب
ولحديث ، الإمام أحمد ومسلم ، عن أبي سعيد ، - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : " وأبي هريرة " . إن الله يمهل حتى إذا كان ثلث الليل الأخير ، نزل إلى السماء فنادى هل من مستغفر ، هل من تائب ، هل من سائل ، هل من داع - حتى ينفجر الفجر
ورواه ولفظه - البخاري - وروي أيضا من حديث ينزل ربنا عز وجل إلى السماء ، وحديث جابر بن عبد الله رفاعة بن غرابة الجهني ، ومن حديث ، ومن حديث جبير بن مطعم ، ومن حديث عثمان بن أبي العاص ، ومن حديث أبي الدرداء ، عن أبيه أو عمه ، عن جده ، وغيرهم - رضي الله عنهم أجمعين - . القاسم بن محمد
وذكر أحاديث هؤلاء الحافظ أبو بكر بن خزيمة في كتاب السنة - له بأسانيده من أوجه متعددة
قال الحافظ ابن حجر في كتابه ( فتح الباري في شرح صحيح ) قد اختلف في معنى النزول على أقوال ، فمنهم من حمله على ظاهره وحقيقته وهم المشبهة ، تعالى الله عن قولهم ، ومنهم من أنكر صحة الأحاديث وهم البخاري الخوارج ، ومنهم من أجراه على ما ورد مؤمنا به على طريق الإجمال منزها لله تعالى عن الكيفية والتشبيه وهم جمهور السلف .
ونقله البيهقي وغيره عن الأئمة الأربعة ، والسفيانين ، والحمادين ، ، والأوزاعي والليث ، وغيرهم ، ومنهم من أفرط في التأويل حتى كاد يخرج إلى نوع التحريف ، قال الإمام : وأسلمها الإيمان بلا كيف ، والسكوت عن المراد إلا أن يرد ذلك عن الصادق ، فيصار إليه ، قال : ومن الدليل على ذلك اتفاقهم على أن التأويل المعين غير واجب فحينئذ التفويض [ ص: 243 ] أسلم ، انتهى . الحافظ البيهقي
وقال العلامة الطوفي في ( قواعد الاستقامة والاعتدال ) : المشهور عند أصحاب - رضي الله عنه - أنهم لا يتأولون الصفات التي من جنس الحركة ، كالمجيء والإتيان والنزول والهبوط والدنو والتدلي ، كما لا يتأولون غيرها متابعة للسلف الصالح ، وقال : وكلام السلف في هذا الباب يدل على إثبات المعنى المتنازع فيه ، وقال الإمام أحمد لما سئل عن حديث النزول : يفعل الله ما يشاء . وقال الأوزاعي : يدنو من خلقه كيف يشاء . حماد بن زيد
وهو الذي حكاه الأشعري عن أهل السنة والحديث ، وقال إذا قال لك الجهمي أنا أكفر برب يزول عن مكانه ، فقل أنا أؤمن برب يفعل ما يشاء . الفضل بن عياض
وقال أبو الطيب : حضرت عند وهو من كبار فقهاء الشافعية ، وأثنى عليه أبي جعفر الترمذي وغيره ، فسأله سائل عن حديث " الدارقطني " وقال له : فالنزول كيف يكون ؟ يبقى فوقه علو ؟ ! فقال إن الله ينزل إلى سماء الدنيا : النزول معقول ، والكيف مجهول ، والإيمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة . فقد قال في النزول كما قال أبو جعفر الترمذي مالك في الاستواء ، وهكذا القول في سائر الصفات .
وقال : حضرت مجلس الأمير أبو عبد الله أحمد بن سعيد الرباطي وحضر عبد الله بن طاهر فسئل عن حديث النزول أصحيح هو ؟ قال : نعم . فقال له بعض قواد الأمير : يا إسحاق بن راهويه أبا يعقوب ، أتزعم أن الله ينزل كل ليلة ؟ قال : نعم : قال : وكيف ينزل ؟ قال له إسحاق : أثبت الحديث حتى أصف لك النزول . فقال له الرجل : أثبته . فقال إسحاق : ( وجاء ربك والملك صفا صفا ) ، فقال الأمير : يا عبد الله بن طاهر أبا يعقوب ، هذا يوم القيامة . فقال إسحاق : أعز الله الأمير ، ومن يجيء يوم القيامة من يمنعه اليوم ؟ ذكره . أبو عبد الله الحاكم
[ ص: 244 ] وروي بإسناده أيضا عن قال : قال لي الأمير إسحاق بن راهويه : يا عبد الله بن طاهر أبا يعقوب هذا الحديث الذي تروونه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : " " كيف ينزل ؟ قال : قلت : أعز الله الأمير ، لا يقال لأمر الرب كيف ينزل ؟ إنما ينزل بلا كيف . ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا
وقال إسحاق : لا يجوز الخوض في أمر الله كما يجوز الخوض في أمر المخلوقين ؛ لقوله تعالى لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ولا يجوز أن يتوهم على الله بصفاته وأفعاله يفهم ما يجوز التفكر والنظر في أمر المخلوقين ، وذلك أنه يمكن أن يكون موصوفا بالنزول كل ليلة إذا مضى ثلثها إلى السماء الدنيا كما شاء ، ولا يسأل كيف نزوله لأن الخالق يصنع ما يشاء كما شاء .
وذكر شيخ الإسلام ( في شرح الأصفهانية ) عن الإمام - رضي الله عنه - أنه سأله سائل عن النزول ليلة النصف من شعبان ، فقال : يا ضعيف ، ليلة النصف من شعبان وحدها ؟ ينزل الله في كل ليلة ، فقال الرجل : كيف ينزل ؟ أليس يخلو ذلك المكان ؟ فقال عبد الله بن المبارك : ينزل كيف شاء . عبد الله بن المبارك
وقال أبو عثمان النيسابوري : لما صح خبر النزول عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقر به أهل السنة ، وقبلوا الحديث ، وأثبتوا النزول على ما قاله الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، ولم يعتقدوا تشبيها بنزول خلقه ، وعلموا ، وعرفوا واعتقدوا ، وتحققوا أن صفات الرب لا تشبه صفات الخلق ، كما أن ذاته لا تشبه ذوات الخلق ، سبحانه وتعالى عما يقول المشبهة والمعطلة علوا كبيرا .
وروى البيهقي بإسناده ، عن ، قال : جمعني وهذا المبتدع - يعني إسحاق بن راهويه - مجلس الأمير إبراهيم بن صالح ، فسألني الأمير عن أخبار النزول فثبتها ، فقال عبد الله بن طاهر : كفرت برب ينزل من سماء إلى سماء . فقلت : آمنت برب يفعل ما يشاء . فرضي إبراهيم بن صالح عبد الله كلامي وأنكر على إبراهيم .
وقال شيخ الإسلام : وقال أبو عثمان النيسابوري الملقب بشيخ الإسلام في رسالته المشهورة في السنة : ، بل يثبتون ما أثبته له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وينتهون فيه إليه ، ويمرون الخبر الصحيح الوارد بذكره على ظاهره ، ويكلون علمه إلى الله ، وكذلك يثبتون ما أنزل الله في كتابه من ذكر المجيء والإتيان في ظلل الغمام والملائكة ، وقوله عز وجل ( ويثبت أهل الحديث نزول الرب سبحانه في [ ص: 245 ] كل ليلة إلى السماء الدنيا من غير تشبيه له بنزول المخلوقين ، ولا تمثيل ولا تكييف وجاء ربك والملك صفا صفا ) .
وقال الإمام عثمان بن سعيد الدرامي في كتابه المعروف ( بنقض على عثمان بن سعيد المريسي الجهمي العنيد ، فيما افترى على الله في التوحيد ) ما لفظه : وادعى المعارض أن قول النبي - صلى الله عليه وسلم - . إن الله ينزل إلى السماء الدنيا حين يمضي من الليل الثلث ؟ فيقول : هل من مستغفر ، هل من تائب ، هل من داع
قال فادعى أن الله لا ينزل بنفسه إنما ينزل أمره ورحمته وهو على العرش ، وكل مكان من غير زوال ، لأنه الحي القيوم ، والقيوم بزعمه من لا يزول ،
قال فيقال لهذا المعارض : وهذا أيضا من حجج النساء والصبيان ، ومن ليس عنده بيان ، ولا لمذهبه برهان ، لأن أمر الله ورحمته تنزل في كل ساعة ووقت وأوان ، فما بال النبي - صلى الله عليه وسلم - يحد لنزوله الليل دون النهار ، ويوقت من الليل شطره أو الأسحار ، أفأمره ورحمته يدعوان العباد إلى الاستغفار ، أو يقدر الأمر والرحمة أن يتكلما دونه فيقولا : هل من داع فأجيب له ، هل من مستغفر فأغفر له ، هل من سائل فأعطيه ؟
فإن قررت مذهبك لزمك أن تدعي أن الرحمة والأمر هما اللذان يدعوان إلى الإجابة والاستغفار بكلامهما دون الله ، وهذا محال عند السفهاء فكيف عند الفقهاء ، قد علمتم ذلك ولكن تكابرون ، وما بال أمره ورحمته ينزلان من عنده الليل ثم يمكثان إلى طلوع الفجر ثم يرفعان ، لأن رفاعة يرويه يقول في حديثه حتى ينفجر الفجر ، وقد علمتم إن شاء الله أن هذا التأويل أبطل باطل ، ولا يقبله إلا كل جاهل - إلى أن قال : ثم أجمل المعارض جميع ما أنكره الجهمية من صفات الله تعالى المسماة في كتابه وآثار رسوله صلى الله عليه وسلم - فعد منها بضعة وعشرين صفة نفسا واحدا ، يتكلم عليها ويفسرها بما حكى ، وفسرها وتأولها حرفا حرفا ، خلاف ما عنى الله ورسوله ( وخلاف ما تأولها الفقهاء والصالحون لا يعتمد في أكثرها [ ص: 246 ] إلا على بشر بن غياث المريسي ) فبدأ منها بالوجه ، ثم بالسمع والبصر ، والغضب والرضا ، والحب والبغض ، والفرح والكره ، والضحك والعجب والسخط ، والإرادة والمشيئة ، والأصابع والكف والقدم واليد واليمين والعين ، والإتيان ، والمجيء ، والنفس والتكليم . المريسي
قال : عمد المخالف إلى هذه الصفات فنسقها ، ونظم بعضها إلى بعض ، ثم قررها أبوابا في كتابه ، وتلطف بردها بالتأويل كتلطف الجهمية ، معتمدا فيها على ، ويدلس عند الجهال بالتشنيع بها على قوم يؤمنون بالله ويصدقون الله ورسوله فيها بغير تكييف ولا تمثيل ، فزعم أن هؤلاء المؤمنين بها يكيفونها ويشبهونها بذوات أنفسهم ، وأن العلماء قالوا بزعمه ليس شيء منها اجتهاد رأي ، ليدرك كيفية ذلك أو يشبه شيء منها بشيء مما هو في الخلق ، قال : وهذا خطأ كما أن الله ليس كمثله شيء فكذلك ليس كصفاته شيء . المريسي
قال : فقلنا للمعارض المدلس بالتشنيع أن قوله كيفية هذه الصفات وتشبيهها بما هو في الخلق خطأ ، فإنا لا نقول كما قلت ، فنحن لا نكيفها ، ولا نشبهها ولا نكفر بها ، ولا نكذبها ، ولا نبطلها بتأويل الضلال كما أبطلها أبو سعيد عثمان بن سعيد ، وأما ما ذكرت من اجتهاد الرأي في تكييف صفات الله ، فإنا لا نجيز اجتهاد الرأي في كثير من الفرائض والأحكام التي نراها بأعيننا ، ونسمعها بآذاننا ، فكيف في صفات الله تعالى التي لم ترها العيون ، وقصرت عنها الظنون ، غير أنا لا نقول فيها كما قال المريسي أن هذه الصفات كلها شيء واحد ، وليس السمع منه غير البصر وأن الرحمن ، بزعمكم ليس يعلم لنفسه سمعا من بصر ، ولا بصرا من سمع ، ولا وجها من يدين ، ولا يدين من وجه ، وهو كله - بزعمكم - سمع وبصر ووجه ويد ونفس وعلم ، وقد قال الله تعالى المريسي إنني معكما أسمع وأرى ، وقال ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم ، وقال تعالى قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها ولم يقل يسمع الله فلم يذكر الرؤية فيما يسمع ، ولا السمع فيما يرى - إلى آخر كلامه الذي رد به على المريسية .
وقال الحافظ أبو بكر بن خزيمة : باب ذكر أخبار ثابتة السند صحيحة القوام ، رواها علماء الحجاز والعراق عن النبي صلى الله [ ص: 247 ] عليه السلام في نزول الرب جل وعلا إلى سماء الدنيا كل ليلة ، فنشهد شهادة مقر بلسانه ، مصدق بقلبه ، مستيقن بما في هذه الأخبار من ذكر نزول الرب ، من غير أن نصف الكيفية لأن نبينا المصطفى لم يصف لنا كيفية نزول خالقنا إلى سماء الدنيا ، وأعلمنا أنه ينزل ، والله جل وعلا ولى نبيه - عليه السلام - بيان ما بالمسلمين إليه الحاجة من أمر دينهم ، فنحن قائلون ومصدقون بما في هذه الأخبار من ذكر النزول غير مكلفين للعقول بصفة الكيفية ، إذ النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يصف لنا كيفية النزول . ثم ذكر الأخبار بأسانيده .