( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) قيل نزلت في أمراء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذكروا قصة طويلة مضمونها : أن عمارا أجار رجلا قد أسلم ، وفر أصحابه حين أنذروا بالسرية فهربوا ، وأقام الرجل ، وإن أميرها خالدا أخذ الرجل ، وماله ، فأخبره عمار بإسلامه ، وإجارته إياه فقال خالد : وأنت تجير ؟ فاستبا ، وارتفعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأجاز أمان عمار ، ونهاه أن يجير على أمير .
ومناسبتها لما قبلها أنه لما أمر الولاة أن يحكموا بالعدل أمر الرعية بطاعتهم . قال عطاء : أطيعوا الله في فريضته والرسول صلى الله عليه وسلم في سنته . وقال ابن زيد : في أوامره ونواهيه ، والرسول ما دام حيا ، وسنته بعد وفاته . وقيل فيما شرع والرسول صلى الله عليه وسلم فيما شرح . وقال ، ابن عباس ، وأبو هريرة والسدي ، وابن زيد : أولو الأمر هم الأمراء . وقال مجاهد : أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم . وقال التبريزي : المهاجرون والأنصار . وقيل الصحابة والتابعون . وقيل الخلفاء الأربع . وقال عكرمة : أبو بكر وعمر . وقال جابر والحسن وعطاء وأبو العالية ومجاهد أيضا : العلماء ، واختاره مالك . وقال ميمون ، ومقاتل ، والكلبي أمراء السرايا ، أو الأئمة من أهل البيت قاله الشيعة . أو علي وحده قالوه أيضا . والظاهر أنه كل من ولي أمر شيء ولاية صحيحة . قالوا : حتى المرأة يجب عليها طاعة زوجها ، والعبد مع سيده والولد مع والديه واليتيم مع وصيه فيما يرضي الله ، وله فيه مصلحة .
وقال : والمراد بـ أولي الأمر منكم أمراء الحق ; لأن أمراء الجور الله ورسوله بريئان منهم ؛ فلا يعطفون على الله ورسوله . وكان أول الخلفاء يقول : أطيعوني ما عدلت فيكم ، فإن خالفت فلا طاعة لي عليكم . وعن الزمخشري أبي حازم : أن قال له : ألستم أمرتم بطاعتنا في قوله : مسلمة بن عبد الملك وأولي الأمر منكم ؟ قال : أليس قد نزعت منكم إذ خالفتم الحق بقوله : ( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول ) . وقيل هم أمراء السرايا .
وعن النبي صلى الله عليه وسلم : ، وقيل هم العلماء الدينون الذين يعلمون الناس الدين ؛ يأمرونهم بالمعروف ، وينهونهم عن المنكر انتهى . وقال من أطاعني فقد أطاع الله ، ومن عصاني فقد عصى الله ومن يطع أميري فقد أطاعني ، ومن يعص أميري فقد عصاني سهل التستري : أطيعوا السلطان في سبعة : ضرب الدنانير والدراهم والمكاييل والأوزان والأحكام والحج والجمعة والعيدين والجهاد . وإذا نهى السلطان العالم أن يفتي فليس له أن يفتي ؛ فإن أفتى فهو عاص ، وإن كان أميرا جائرا . قيل ، ويحمل قول سهل على أنه يترك الفتيا إذا خاف منه على نفسه . وقال ابن خويزمنداد : وأما طاعة السلطان فتجب فيما كان فيه طاعة ، ولا تجب فيما كان فيه معصية . قال : ولذلك قلنا : إن أمراء زماننا لا تجوز طاعتهم ولا معاونتهم ولا تعظيمهم ، ويجب الغزو معهم متى [ ص: 279 ] غزوا ، والحكم من قبلهم ، وتولية الإمامة والحسبة ، وإقامة ذلك على وجه الشريعة . فإن صلوا بنا ، وكانوا فسقة من جهة المعاصي جازت الصلاة معهم ، وإن كانوا مبتدعة لم تجز الصلاة معهم إلا أن يخافوا فتصلى معهم تقية ، وتعاد الصلاة فيما بعد . انتهى .
واستدل بعض أهل العلم على إبطال قول من قال : بإمام معصوم بقوله : وأولي الأمر منكم . فإن الأمراء والفقهاء يجوز عليهم الغلط والسهو ، وقد أمرنا بطاعتهم . ومن شرط الإمام العصمة فلا يجوز ذلك عليه ؛ ولا يجوز أن يكون المراد الإمام ; لأنه قال في نسق الخطاب : فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول ؛ فلو كان هناك إمام مفروض الطاعة لكان الرد إليه واجبا ، وكان هو يقطع التنازع ؛ فلما أمر برد المتنازع فيه إلى الكتاب والسنة دون الإمام ؛ دل على بطلان الإمامة . وتأويلهم : أن أولي الأمر علي رضي الله عنه فاسد ; لأن أولي الأمر جمع ، وعلي واحد . وكان الناس مأمورين بطاعة أولي الأمر في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وعلي لم يكن إماما في حياته فثبت أنهم كانوا أمراء .
وعلى المولى عليهم طاعتهم ما لم يأمروا بمعصية . فكذلك بعد موتهم في لزوم اتباعهم طاعتهم ما لم تكن معصية . وقال أبو عبد الله الرازي : وأولي الأمر منكم إشارة إلى الإجماع ، والدليل عليه أنه أمر بطاعة أولي الأمر على سبيل الجزم في هذه الآية ؛ ومن أمر بطاعته على الجزم والقطع لا بد أن يكون معصوما عن الخطأ وإلا لكان بتقدير إقدامه على الخطأ مأمورا باتباعه والخطأ منهي عنه ؛ فيؤدي إلى اجتماع الأمر والنهي في فعل واحد باعتبار واحد ، وأنه محال . وليس أحد معصوما بعد الرسول إلا جمع الأمة أهل العقد والحل ، وموجب ذلك أن إجماع الأمة حجة .
( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول ) قال مجاهد ، وقتادة ، والسدي ، ، والأعمش : فردوه إلى كتاب الله ، وسؤال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته وإلى سنته بعد وفاته . وقال قوم منهم وميمون بن مهران الأصم : معناه قولوا : الله ورسوله أعلم . وقال : فإن اختلفتم أنتم وأولوا الأمر في شيء من أمور الدين فردوه ارجعوا فيه إلى الكتاب والسنة انتهى . وقد استدل نفاة القياس ، ومثبتوه بقوله : فردوه إلى الله ورسوله ، وهي مسألة يبحث فيها في أصول الفقه . الزمخشري
( إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ) شرط ، وجوابه محذوف ; أي فردوه إلى الله والرسول . وهو شرط يراد به الحض على اتباع الحق ; لأنه ناداهم أولا بـ ياأيها الذين آمنوا ؛ فصار نظير : إن كنت ابني فأطعني . وفيه إشعار بوعيد من لم يرد إلى الله والرسول .
( ذلك خير وأحسن تأويلا ) ذلك الرد إلى الكتاب والسنة ، أو إلى أن تقولوا : الله ورسوله أعلم . وقال قتادة والسدي ، وابن زيد : أحسن عاقبة . وقال مجاهد : أحسن جزاء . وقيل أحسن تأويلا من تأويلكم أنتم . وقالت فرقة : المعنى : أن الله ورسوله أحسن نظرا ، وتأويلا منكم إذا انفردتم بتأويلكم .