الزعم : قول يقترن به الاعتقاد الظني . وهو بضم الزاي وفتحها وكسرها . قال الشاعر ، وهو أبو ذؤيب الهذلي :
فإن تزعميني كنت أجهل فيكم فإني شريت الحلم بعدك بالجهل
وقال ابن دريد : أكثر ما يقع على الباطل . وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " مطية الرجل زعموا " . وقال الأعشى :
ونبئت قيسا ولم أبله كما زعموا خير أهل اليمن
زعمتني شيخا ولست بشيخ إنما الشيخ من يدب دبيبا
( وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ) سبب نزولها فيما رواه أبو صالح عن . وقاله ابن عباس مجاهد ، والزهري وابن جريج ومقاتل : ما ذكروا في قصة مطولة مضمونها : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ مفتاح الكعبة من سادنيها ، وابن عمه عثمان بن طلحة بعد تأب من شيبة بن عثمان عثمان ، ولم يكن أسلم ، فسأل العباس الرسول صلى الله عليه وسلم أن يجمع له بين السقاية والسدانة ؛ فنزلت فرد المفتاح إليهما ، وأسلم عثمان . وقال الرسول [ ص: 277 ] صلى الله عليه وسلم : خذوها يا بني طلحة خالدة تالدة لا يأخذها منكم إلا ظالم . وروى عن ابن أبي طلحة ، وقاله ابن عباس ، زيد بن أسلم ومكحول ، واختاره أبو سليمان الدمشقي : نزلت في الأمراء أن يؤدوا الأمانة فيما ائتمنهم الله من أمر رعيته . وقيل نزلت عامة ، وهو مروي عن : أبي ، وابن عباس والحسن وقتادة .
ومناسبة هذه الآية لما قبلها هو أنه تعالى لما ذكر وعد المؤمنين ، وذكر عمل الصالحات ، نبه على هذين العملين الشريفين اللذين من اتصف بهما كان أحرى أن يتصف بغيرهما من الأعمال الصالحة ؛ فأحدهما ما يختص به الإنسان فيما بينه وبين غيره ، وهو أداء الأمانة التي عرضت على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها ، والثاني ما يكون بين اثنين من الفصل بينهما بالحكم العدل الخالي عن الهوى ، وهو من الأعمال العظيمة التي أمر الله بها رسله وأنبياءه والمؤمنين . ولما كان الترتيب الصحيح أن يبدأ الإنسان بنفسه في جلب المنافع ودفع المضار ، ثم يشتغل بحال غيره ، أمر بأداء الأمانة أولا ثم بعده بالأمر بالحكم بالحق . والظاهر في : يأمركم أن الخطاب عام لكل أحد في كل أمانة .
وقال : خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم في شأن مفتاح الكعبة . وقال ابن جريج علي وابن أسلم وشهر وابن زيد : خطاب لولاة المسلمين خاصة ؛ فهو للنبي صلى الله عليه وسلم ، وأمرائه ، ثم يتناول من بعدهم . وقال : في الولاة أن يعظوا النساء في النشوز ، ونحوه ، ويردوهن إلى الأزواج . وقيل خطاب لليهود أمروا برد ما عندهم من الأمانة ، من نعت الرسول أن يظهروه لأهله ; إذ الخطاب معهم قبل هذه الآية . ونقل ابن عباس التبريزي : أنها خطاب لأمراء السرايا بحفظ الغنائم ، ووضعها في أهلها . وقيل ذلك عام فيما كلفه العبد من العبادات . والأظهر ما قدمناه من أن الخطاب عام يتناول الولاة فيما إليهم من الأمانات في قسمة الأموال ، ورد الظلامات وعدل الحكومات . ومنه دونهم من الناس في الودائع والعواري والشهادات ، والرجل يحكم في نازلة . قال : لم يرخص الله لموسر ، ولا معسر أن يمسك الأمانة . ابن عباس
وقرئ : " أن تؤدوا الأمانة " على التوحيد ، وأن تحكموا ؛ ظاهره : أن يكون معطوفا على " أن تؤدوا " ، وفصل بين حرف العطف والمعطوف بإذا . وقد ذهب إلى ذلك بعض أصحابنا ، وجعله كقوله : ( ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة ) ( وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا ) ( سبع سماوات ومن الأرض مثلهن ) ففصل في هذه الآية بين الواو والمعطوف بالمجرور . وأبو علي يخص هذا بالشعر ، وليس بصواب . فإن كان المعطوف مجرورا أعيد الجار نحو : امرر بزيد ، وغدا بعمرو . ولكن قوله : وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا ؛ ليس من هذه الآيات ; لأن حرف الجر يتعلق في هذه الآيات بالعامل في المعطوف ؛ والظرف هنا ظاهره أنه منصوب بأن تحكموا ، ولا يمكن ذلك ; لأن الفعل في صلة ( أن ) ، ولا يمكن أن ينتصب بالناصب ; لـ ( أن تحكموا ) ; لأن الأمر ليس واقعا وقت الحكم . وقد خرجه على هذا بعضهم . والذي يظهر أن ( إذا ) معمولة ; لـ ( أن تحكموا ) مقدرة ، وأن تحكموا المذكورة مفسرة لتلك المقدرة ؛ هذا إذا فرعنا على قول الجمهور . وأما إذا قلنا بمذهب الفراء فإذا منصوبة بـ ( أن تحكموا ) هذه الملفوظ بها ; لأنه يجيز : يعجبني العسل أن يشرب ، فتقدم معمول صلة ( أن ) عليها .
( إن الله نعما يعظكم به ) أصله : نعم ما ، و ( ما ) معرفة تامة على مذهب سيبويه . كأنه قال : نعم الشيء يعظكم به ; أي شيء يعظكم به . ويعظكم صفة لشيء ، وشيء هو المخصوص بالمدح وموصولة على مذهب والكسائي الفارسي في أحد قوليه . والمخصوص محذوف التقدير : نعم الذي يعظكم به تأدية الأمانة والحكم بالعدل ، ونكرة في موضع نصب على التمييز ، ويعظكم صفة له على مذهب الفارسي في أحد قوليه ، والمخصوص محذوف تقديره كتقدير ما قبله . وقد تأولت ( ما ) هنا على كل هذه [ ص: 278 ] الأقوال ، وتحقيق ذلك في علم النحو . وقال ابن عطية : وما المردفة على نعم إنما هي مهيئة لاتصال الفعل بها كما هي في ( ربما ) ، و ( مما ) في قوله : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يحرك شفتيه ، وكقول الشاعر :
وإنا لمما نضرب الكبش ضربة على رأسه تلقي اللسان من الفم
( إن الله كان سميعا ) ; أي لأقوالكم الصادرة منكم في الأحكام .
( بصيرا ) برد الأمانات إلى أهلها .