( ولو كره المشركون هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ) هو محمد صلى الله عليه وسلم ، و ( الهدى ) : التوحيد ، أو القرآن ، أو بيان الفرائض ، أقوال ثلاثة . و ( دين الحق ) : الإسلام ( إن الدين عند الله الإسلام ) . والظاهر أن الضمير في ( ليظهره ) عائد على الرسول صلى الله عليه وسلم ; لأنه المحدث عنه ، والدين هنا جنس ; أي : ليعليه على أهل الأديان كلهم ، فهو على حذف مضاف . فهو صلى الله عليه وسلم غلبت أمته اليهود وأخرجوهم من بلاد العرب ، وغلبوا النصارى على بلاد الشام إلى ناحية الروم والمغرب ، وغلبوا المجوس على ملكهم ، وغلبوا عباد الأصنام على كثير من بلادهم مما يلي الترك والهند ، وكذلك سائر الأديان . وقيل : المعنى يطلعه على شرائع الدين حتى لا يخفى عليه شيء منه ، فالدين هنا شرعه الذي جاء به . وقال : قد أظهر الله رسوله صلى الله عليه وسلم على الأديان بأن أبان لكل من سمعه أنه الحق ، وما خالفه من الأديان باطل . وقيل : الضمير يعود على الدين ، فقال الشافعي ، أبو هريرة ، والباقر : إظهار الدين عند نزول وجابر بن عبد الله عيسى ابن مريم ورجوع الأديان كلها إلى دين الإسلام ، كأنها ذهبت هذه الفرقة إلى إظهاره على أتم وجوهه حتى لا يبقى معه دين آخر . وقالت فرقة : ليجعله أعلاها وأظهرها ، وإن كان معه غيره كان دونه ، وهذا القول لا يحتاج معه إلى نزول عيسى ، بل كان هذا في صدر الأمة ، وهو كذلك باق إن شاء الله تعالى . وقال : ذلك عند خروج السدي المهدي لا يبقى أحد إلا دخل في الإسلام وأدى الخراج . وقيل : مخصوص بجزيرة العرب ، وقد حصل ذلك ما أبقى فيها أحدا من الكفار . وقيل : مخصوص بقرب الساعة ، فإنه إذ ذاك يرجع الناس إلى دين آبائهم . وقيل : ليظهره بالحجة والبيان . وضعف هذا القول ; لأن ذلك كان حاصلا أول الأمر .
وقيل : نزلت على سبب ؛ وهو أنه كان لقريش رحلتان : رحلة الشتاء إلى اليمن ، ورحلة الصيف إلى الشام والعراقين ، فلما أسلموا انقطعت الرحلتان لمباينة الدين والدار ، فذكروا ذلك للرسول صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية . فالمعنى : ليظهره على الدين كله في بلاد الرحلتين ، وقد حصل هذا أسلم أهل اليمن وأهل الشام والعراقين . وفي الحديث : ( ) . قال بعض العلماء : ولذلك اتسع مجال الإسلام بالمشرق والمغرب ولم يتسع في الجنوب . انتهى . ولا سيما اتساع الإسلام بالمشرق في زماننا ، فقل ما بقي فيه كافر ، بل أسلم معظم الترك التتار والخطا وكل من كان يناوئ الإسلام ، ودخلوا في دين الله أفواجا والحمد لله [ ص: 34 ] وخص المشركون هنا بالذكر لما كانت كراهة مختصة بظهور دين زويت لي الأرض فأريت مشارقها ومغاربها ، وسيبلغ ملك أمتي ما زوي لي منها محمد صلى الله عليه وسلم ، وخص الكافرون قبل ; لأنها كراهة إتمام نور الله في قديم الدهر ، وباقيه يعم الكفرة من لدن خلق الدنيا إلى انقراضها ، ووقعت الكراهة والإتمام مرارا كثيرة .