( يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون ) [ ص: 33 ] مثلهم ومثل حالهم في طلبهم أن يبطلوا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم بالتكذيب بحال من يريد أن ينفخ في نور عظيم منبث في الآفاق ، ونور الله هداه الصادر عن القرآن والشرع المنبث ، فمن حيث سماه نورا سمى محاولة إفساده إطفاء . وقالت فرقة : النور القرآن ، وكنى بالأفواه عن قلة حيلتهم وضعفها . أخبر أنهم يحاولون أمرا جسيما بسعي ضعيف ، فكان الإطفاء بنفخ الأفواه . ويحتمل أن يراد بأقوال لا برهان عليها ، فهي لا تتجاوز الأفواه إلى فهم سامع ، وناسب ذكر الإطفاء الأفواه . وقيل : إن الله لم يذكر قولا مقرونا بالأفواه والألسن إلا وهو زور ، ومجيء ( إلا ) بعد ( ويأبى ) يدل على مستثنى منه محذوف ; لأنه فعل موجب ، والموجب لا تدخل معه ( إلا ) ، لا تقول كرهت إلا زيدا . وتقدير المستثنى منه : ويأبى الله كل شيء إلا أن يتم ، قاله . وقال الزجاج علي بن سليمان : جاز هذا في أبى ; لأنه منع وامتناع ، فضارعت النفي . وقال الكرماني : معنى " أبى " هنا لا يرضى إلا أن يتم نوره بدوام دينه إلى أن تقوم الساعة . وقال الفراء : دخلت ( إلا ) ; لأن في الكلام طرفا من الجحد . وقال : أجرى " أبى " مجرى لم يرد . ألا ترى كيف قوبل ( الزمخشري يريدون أن يطفئوا ) بقوله : ( ويأبى الله ) ، وكيف أوقع موقع " ولا يريد الله إلا أن يتم نوره " ؟