يجوز فى " هود " مرادا به السورة الصرف وتركه ، باعتبارين : وهما أنك إن عنيت أنه اسم للسوره تعين منعه من الصرف ، وهذا رأي الخليل ، وكذلك وسيبويه نوح ولوط إذا جعلتهما اسمين للسورتين المذكورتين هما فيهما ، فتقول : قرأت هود ونوح ولوط . فإن قلت قد نصوا على أن المؤنث الثلاثي الساكن الوسط نحو : هند ودعد ، والأعجمي الثلاثي الساكن الوسط نحو : هند ودعد ، والأعجمي الثلاثي الساكن الوسط نحو : نوح ولوط [حكمه] الصرف وتركه ، مع أن الصحيح وجوب صرف نوح . فالجواب أن شرط ذلك أن لا يكون المؤنث منقولا من مذكر إلى مؤنث ، فلو سميت امرأة بـ " زيد " تحتم منعه ، وشرط الأعجمي أن يكون مؤنثا فلو كان مؤنثا تحتم منعه نحو : ماه وجوه ، وهود ونوح من هذا القبيل فإن " هود " في الأصل مذكر وكذلك نوح ، ثم سمي بهما السورة وهي المؤنثة ، وإن كان تأنيثها مجازيا ، وإن اعتبرت أنها على حذف مضاف وجب صرفه ، فتقول : " قرأت هودا ونوحا " يعني سورة هود وسورة [ ص: 278 ] نوح . وقد جوز الصرف بالاعتبار الأول ، ورأيه ضعيف ، ولا خفاء أنك إذا قصدت بـ " هود " و " نوح " النبي نفسه صرفت فقط عند الجمهور في الأعجمي ، وأما " هود " فإنه عربي فيتحتم صرفه . عيسى بن عمر
وقد عقد النحويون لأسماء السور والألفاظ والأحياء والقبائل والأماكن بابا فى منع الصرف وعدمه ، حاصله : أنك إن عنيت قبيلة أو أما أو بقعة أو سورة أو كلمة منعت وأن عنيت حيا أو أبا أو مكانا أو غير سورة أو لفظا صرفت بتفصيل كثير وأمثلة طويلة حققتها في " شرح التسهيل " آ . (1) قوله تعالى : كتاب : يجوز أن يكون خبرا لـ " الر " أخبر عن هذه الأحرف بأنها كتاب موصوف بـ كيت وكيت وأن يكون خبر ابتداء مضمر تقديره : ذلك كتاب ، يدل على ذلك ظهوره في قوله تعالى : ذلك الكتاب ، وقد تقدم في أول هذا التصنيف ما يكفيك في ذلك .
قوله : أحكمت آياته في محل رفع صفة لـ " كتاب " ، والهمزة في " أحكمت " يجوز أن تكون للنقل من " حكم " بضم الكاف ، أي : صار حكيما بمعنى جعلت حكيمة ، كقوله تعالى : تلك آيات الكتاب الحكيم . ويجوز أن يكون من قولهم : " أحكمت الدابة " إذا وضعت عليها الحكمة لمنعها من الجماح كقول جرير :
2633 - أبني حنيفة أحكموا سفهاءكم إني أخاف عليكم أن أغضبا
فالمعنى أنها منعت من الفساد . ويجوز أن يكون لغير النقل ، من الإحكام وهو الإتقان كالبناء المحكم المرصف ، والمعنى : أنهى نظمت نظما رصينا متقنا .[ ص: 279 ] قوله : ثم فصلت " ثم " على بابها من التراخي لأنها أحكمت ثم فصلت بحسب أسباب النزول . وقرأ عكرمة والضحاك والجحدري وزيد ابن علي في رواية " فصلت " بفتحتين خفيفة العين . قال وابن كثير : " والمعنى : فرقت ، كقوله : أبو البقاء فلما فصل طالوت ، أي : فارق " . وفسر هنا غيره بمعنى فصلت بين المحق والمبطل وهو أحسن . وجعل " ثم " للترتيب في الإخبار لا لترتيب الوقوع في الزمان فقال : " فإن قلت : ما معنى " ثم " ؟ قلت : ليس معناها التراخي في الوقت ولكن في الحال ، كما تقول : هي محكمة أحسن الإحكام ثم مفصلة أحسن التفصيل ، وفلان كريم الأصل ثم كريم الفعل " وقرئ أيضا : " أحكمت آياته ثم فصلت " بإسناد الفعلين إلى تاء المتكلم ونصب " آياته " مفعولا بها ، أي : أحكمت أنا آياته ثم فصلتها ، حكى هذه القراءة الزمخشري . الزمخشري
قوله : من لدن يجوز أن تكون صفة ثانية لـ " كتاب " ، وأن تكون خبرا ثانيا عند من يرى جواز ذلك ، ويجوز أن تكون معمولة لأحد الفعلين المتقدمين أعني " أحكمت " أو " فصلت " ويكون ذلك من باب التنازع ، ويكون من إعمال الثاني ، إذ لو أعمل الأول لأضمر في الثاني ، وإليه نحا في [قوله] : " وأن يكون صلة " أحكمت " و " فصلت " ، أي : من عند أحكامها وتفصيلها ، وفيه طباق حسن لأن المعنى : أحكمها حكيم وفصلها ، أي : شرحها [ ص: 280 ] وبينها خبير بكيفيات الأمور " . قال الشيخ : " لا يريد أن " من لدن " متعلق بالفعلين معا من حيث صناعة الإعراب بل يريد أن ذلك من باب الإعمال فهي متعلقة بهما من حيث المعنى " وهو معنى قول الزمخشري أيضا " ويجوز أن يكون مفعولا ، والعامل فيه " فصلت " . أبي البقاء