آ . (2) قوله تعالى : ألا تعبدوا : فيها أوجه ، أحدها : أن تكون مخففة من الثقيلة ، و " لا تعبدوا " جملة نهي في محل رفع خبرا لـ " أن " المخففة ، واسمها على ما تقرر ضمير الأمر والشأن محذوف . والثاني : أنها المصدرية الناصبة ، ووصلت هنا بالنهي ويجوز أن تكون " لا " نافية ، والفعل بعدها منصوب بـ " أن " نفسها ، وعلى هذه التقادير فـ " أن " : إما في محل جر أو نصب أو رفع ، فالنصب والجر على أن الأصل : لأن لا تعبدوا ، أو بأن لا تعبدوا ، فلما حذف الخافض جرى الخلاف المشهور ، والعامل : إما " فصلت " وهو المشهور ، وإما " أحكمت " عند الكوفيين ، فتكون المسألة من الإعمال ، لأن المعنى : أحكمت لئلا تعبدوا أو بأن لا تعبدوا أو فصلت لأن لا تعبدوا ، أو بأن لا تعبدوا . وقيل : نصب بفعل مقدر تقديره ضمن آي الكتاب أن لا تعبدوا ، فـ " أن لا تعبدوا " هو المفعول الثاني لـ " ضمن " والأول قام مقام الفاعل .
والرفع فمن أوجه ، أحدها : أنها مبتدأ ، وخبرها محذوف فقيل : تقديره : من النظر أن لا تعبدوا إلا الله . وقيل : تقديره : في الكتاب أن لا تعبدوا إلا الله . والثاني : خبر مبتدأ محذوف ، فقيل : تقديره : تفصيله أن لا تعبدوا إلا الله . وقيل : تقديره : هي أن لا تعبدوا إلا الله . والثالث : أنه مرفوع على البدل من " آياته " قال الشيخ : " وأما من أعربه أنه بدل من لفظ " آيات " أو من [ ص: 281 ] موضعها " قلت : يعني أنها في الأصل مفعول بها فموضعها نصب وهي مسألة خلاف : هل يجوز أن يراعى أصل المفعول القائم مقام الفاعل فيتبع لفظه تارة وموضعه أخرى فيقال : " ضربت هند العاقلة " بنصب " العاقلة " باعتبار المحل ، ورفعها باعتبار اللفظ ، أم لا ، مذهبان ، المشهور مراعاة اللفظ فقط .
والثالث : أن تكون تفسيرية ؛ لأن في تفصيل الآيات معنى القول ، فكأنه قيل : لا تعبدوا إلا الله أو أمركم ، وهذا أظهر الأقوال ؛ لأنه لا يحوج إلى إضمار .
قوله : " منه " في هذا الضمير وجهان : أحدهما - وهو الظاهر - أنه يعود على الله تعالى ، أي : إنني لكم من جهة الله نذير وبشير . قال الشيخ : " فيكون في موضع الصفة فيتعلق بمحذوف ، أي : كائن من جهته " . وهذا على ظاهره ليس بجيد ؛ لأن الصفة لا تتقدم على الموصوف فكيف تجعل صفة لـ " نذير " ؟ كأنه يريد أنه صفة في الأصل لو تأخر ، ولكن لما تقدم صار حالا ، وكذا صرح به ، فكان صوابه أن يقول : فيكون في موضع الحال ، والتقدير : كائنا من جهته . الثاني : أنه يعود على الكتاب ، أي : نذير لكم من مخالفته وبشير منه لمن آمن وعمل صالحا . أبو البقاء
وفي متعلق هذا الجار أيضا وجهان ، أحدهما : أنه حال من " نذير " ، فيتعلق بمحذوف كما تقدم . والثاني : أنه متعلق بنفس " نذير " أي : أنذركم منه ومن عذابه إن كفرتم ، وأبشركم بثوابه إن آمنتم . وقدم الإنذار لأن التخويف أهم إذ يحصل به الانزجار .