آ . (11) قوله تعالى : ولو يعجل : هذا الامتناع نفي في المعنى تقديره : لا يعجل لهم الشر . قال : " فإن قلت : كيف اتصل به قوله : " فنذر الذين لا يرجون لقاءنا وما معناه ؟ قلت : قوله : الزمخشري " ولو يعجل " متضمن معنى نفي التعجيل كأنه قيل : ولا نعجل لهم بالشر ولا نقضي إليهم أجلهم " .
قوله : استعجالهم فيه أوجه ، أحدها : أنه منصوب على المصدر التشبيهي تقديره : استعجالا مثل استعجالهم ، ثم حذف الموصوف وهو " استعجال " وأقام صفته مقامه وهي " مثل " فبقي : ولو يعجل الله مثل استعجالهم ، ثم حذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه . قال : " وهذا مذهب مكي " قلت : وقد تقدم غير مرة أن مذهب سيبويه في مثل هذا أنه منصوب على الحال من ذلك المصدر المقدر ، وإن كان مشهور أقوال المعربين غيره ، ففي نسبة ما ذكرته أولا سيبويه نظر . لسيبويه
الثاني : أن تقديره : تعجيلا مثل استعجالهم ، ثم فعل به ما تقدم قبله . وهذا تقدير ، فقدر المحذوف مطابقا للفعل الذي قبله ، فإن " تعجيلا " مصدر لـ " عجل " وما ذكره أبي البقاء موافق للمصدر الذي بعده ، والذي يظهر ما قدره مكي لأن موافقة الفعل أولى ، ويكون قد شبه تعجيله [ ص: 158 ] تعالى باستعجالهم ، بخلاف ما قدره أبو البقاء فإنه لا يظهر ، إذ ليس " استعجال " مصدرا لـ " عجل " . مكي
وقال : أصله : ولو يعجل الله للناس الشر تعجيله لهم الخير ، فوضع " استعجالهم بالخير " موضع " تعجيله لهم الخير " إشعارا بسرعة إجابته لهم وإسعافه بطلبهم ، كأن استعجالهم بالخير تعجيل لهم " . قال الشيخ : " ومدلول " عجل " غير مدلول " استعجل " " لأن " عجل " يدل على الوقوع ، و " استعجل " يدل على طلب التعجيل ، وذلك واقع من الله ، وهذا مضاف إليهم ، فلا يكون التقدير على ما قاله الزمخشري ، فيحتمل وجهين ، أحدهما : أن يكون التقدير : تعجيلا مثل استعجالهم بالخير ، فشبه التعجيل بالاستعجال ؛ لأن طلبهم [للخير] ووقوع تعجيله مقدم عندهم على كل شيء . والثاني : أن يكون ثم محذوف يدل عليه المصدر تقديره : ولو يعجل الله للناس الشر إذا استعجلوا به استعجالهم بالخير ، لأنهم كانوا يستعجلون بالشر ووقوعه على سبيل التهكم كما كانوا يستعجلون بالخير " . الثالث : أنه منصوب على إسقاط كاف التشبيه ، والتقدير : كاستعجالهم . قال الزمخشري . " وهو بعيد ، إذ لو جاز ذلك لجاز " زيد غلام عمرو " أي : كغلام عمرو " وبهذا ضعفه جماعة وليس بتضعيف صحيح ، إذ ليس في المثال الذي ذكر فعل يتعدى بنفسه عند حذف الجار ، وفي الآية فعل يصح فيه ذلك وهو قوله " يعجل " . أبو البقاء
وقال : " ويلزم من يجوز حذف حرف الجر منه أن يجيز " زيد الأسد " أي : كالأسد " قلت : قوله " ويلزم إلى آخره " لا رد فيه على هذا القائل [ ص: 159 ] إذ يلتزمه ، وهو التزام صحيح سائغ ، إذ لا ينكر أحد " زيد الأسد " على معنى " كالأسد " ، وعلى تقدير التسليم فالفرق ما ذكره مكي أي : إن الفعل يطلب مصدرا مشبها فصار مدلولا عليه . وقال بعضهم : تقديره : في استعجالهم ، نقله أبو البقاء ، فلما حذفت " في " انتصب ، وهذا لا معنى له . مكي
قوله : لقضي قرأ " لقضى " بفتح الفاء والعين مبنيا للفاعل وهو الله تعالى ، " أجلهم " نصبا . والباقون " لقضي " بالضم والكسر مبنيا للمفعول ، ابن عامر " أجلهم " رفعا لقيامه مقام الفاعل . وقرأ " لقضينا " مسندا لضمير المعظم نفسه ، وهي مؤيدة لقراءة الأعمش . ابن عامر
قوله : فنذر فيه ثلاثة أوجه ، أحدها : أنه معطوف على قوله ولو يعجل الله على معنى أنه في قوة النفي ، وقد تقدم تحقيق ذلك في سؤال وجوابه فيه . إلا أن الزمخشري رد عطفه على " يعجل " فقال : " ولا يجوز أن يكون معطوفا على " يعجل " إذ لو كان كذلك لدخل في الامتناع الذي تقتضيه " لو " وليس كذلك ، لأن التعجيل لم يقع ، وتركهم في طغيانهم وقع " . قلت : إنما يتم هذا الرد لو كان معطوفا على " يعجل " فقط باقيا على معناه ، وقد تقدم أن الكلام صار في قوة لا نعجل لهم الشر فنذرهم فيكون " فنذرهم " معطوفا على جملة النفي لا على الفعل الممتنع وحده حتى يلزم ما قال . والثاني : أنه معطوف على جملة مقدرة : " ولكن نمهلهم فنذر " قاله أبا البقاء . والثالث : أن تكون جملة مستأنفة ، أي : فنحن نذر الذين . قاله أبو البقاء . الحوفي