آ . (92) قوله تعالى : ولا على الذين : فيه أوجه ، أحدها : أن يكون معطوفا على " الضعفاء " ، أي : ليس على الضعفاء ولا على الذين إذا [ ص: 99 ] ما أتوك ، فيكونون داخلين في خبر ليس ، مخبرا بمتعلقهم عن اسمها وهو " حرج " . الثاني : أن يكون معطوفا على " المحسنين " فيكونون داخلين فيما أخبر به عن قوله " من سبيل " ، فإن " من سبيل " يحتمل أن يكون مبتدأ ، وأن يكون اسم " ما " الحجازية ، و " من " مزيدة في الوجهين . الثالث : أن يكون ولا على الذين خبرا لمبتدأ محذوف تقديره : ولا على الذين إذا ما أتوك إلى آخر الصلة حرج أو سبيل ، وحذف لدلالة الكلام عليه ، قاله ، ولا حاجة إليه لأنه تقدير مستغنى عنه ، إذ قد قدر شيئا يقوم مقامه هذا الموجود في اللفظ والمعنى . وهذا الموصول يحتمل أن يكون مندرجا في قوله أبو البقاء ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون وذكروا على سبيل نفي الحرج عنهم وأن لا يكونوا مندرجين ، بأن يكون هؤلاء وجدوا ما ينفقون ، إلا أنهم لم يجدوا مركوبا .
وقرأ معقل بن هارون " لنحملهم " بنون العظمة . وفيها إشكال ، إذ كان مقتضى التركيب : قلت لا أجد ما يحملكم عليه الله .
قوله : " قلت " فيه أربعة أوجه ، أحدها : أنه جواب " إذا " الشرطية ، و " إذا " ، وجوابها في موضع الصلة ، وقعت الصلة جملة شرطية ، وعلى هذا فيكون قوله " تولوا " جوابا لسؤال مقدر ، كأن قائلا قال : " ما كان حالهم إذا أجيبوا بهذا الجواب ؟ فأجيب بقوله " تولوا " . الثاني : أنه في موضع نصب على الحال من كاف " أتوك " . أي : إذا أتوك وأنت قائل : لا أجد ما أحملكم عليه ، و " قد " مقدرة عند من يشترط ذلك في الماضي الواقع حالا كقوله : أو جاءوكم حصرت صدورهم في أحد أوجهه ، كما تقدم تحقيقه ، وإلى [ ص: 100 ] هذا نحا . الثالث : أن يكون معطوفا على الشرط ، فيكون في محل جر بإضافة الظرف إليه بطريق النسق ، وحذف حرف العطف ، والتقدير : وقلت : وقد تقدم لك كلام في هذه المسألة وما استشهد الناس به عليها . وإلى هذا ذهب الزمخشري ، وتبعه الجرجاني ، إلا أنه قدر العاطف فاء ، أي : فقلت . الرابع : أن يكون مستأنفا . قال ابن عطية : " فإن قلت : هل يجوز أن يكون قوله " قلت لا أجد " استئنافا مثله " يعني مثل الزمخشري رضوا بأن يكونوا مع الخوالف كأنه قيل : إذا ما أتوك لتحملهم تولوا ، فقيل : ما لهم تولوا باكين [فقيل] قلت : لا أجد ما أحملكم عليه ، إلا أنه وسط بين الشرط والجزاء كالاعتراض .
قلت : نعم ويحسن " انتهى .
قال الشيخ : " ولا يجوز ولا يحسن في كلام العرب فكيف في كلام الله ؟ وهو فهم أعجمي " . قلت : وما أدري ما سبب منعه وعدم استحسانه له مع وضوحه وظهوره لفظا ومعنى ؟ وذلك لأن توليهم على حاله ، فيصير الدمع ليس مترتبا على مجرد مجيئهم له عليه السلام ليحملهم ، بل على قوله لهم لا أجد ما أحملكم ، وإذا كان كذلك فقوله عليه السلام لهم ذلك سبب في بكائهم ، فحسن أن يجعل قوله قلت لا أجد ما أحملكم جوابا لمن سأل عن علة توليهم وأعينهم فائضة دمعا ، وهو المعنى الذي قصده . وعلى هذه الأوجه الثلاثة التي قدمتها في " قلت " يكون جوابه قوله أبو القاسم " تولوا " ، وقوله " [ ص: 101 ] " لتحملهم " علة لـ " أتوك " . وقوله " لا أجد " هي المتعدية لواحد لأنها من الوجد . و " ما " يجوز أن تكون موصولة أو موصوفة .
قوله : وأعينهم تفيض في محل نصب على الحال من فاعل " تولوا " ، قال : الزمخشري " تفيض من الدمع " كقولك : تفيض دمعا ، وقد تقدم هذا في المائدة مستوفى عند قوله : ترى أعينهم تفيض من الدمع وأنه جعل " من الدمع " تمييزا ، و " من " مزيدة ، وتقدم الرد عليه في ذلك هناك فعليك بالالتفات إليه .
قوله : حزنا في نصبه ثلاثة أوجه ، أحدها : أنه مفعول من أجله والعامل فيه " تفيض " قاله الشيخ . لا يقال إن الفاعل هنا قد اختلف ، فإن الفيض مسند للأعين والحزن صادر من أصحاب الأعين ، وإذا اختلف الفاعل وجب جره بالحرف لأنا نقول : إن الحزن يسند للأعين أيضا مجازا يقال : عين حزينة وسخينة ، وعين مسرورة وقريرة في ضد ذلك . ويجوز أن يكون الناصب له " تولوا " وحينئذ يتحد فاعلا العلة والمعلول حقيقة . الثاني : أنه في محل نصب على الحال ، أي : تولوا حزينين أو تفيض أعينهم حزينة على ما تقدم من المجاز . الثالث : أنه مصدر ناصبه مقدر من لفظه ، أي : يحزنون حزنا قاله . وهذه الجملة التي قدرها ناصبة لهذا المصدر هي أيضا في محل نصب على الحال : إما من فاعل " تولوا " وإما من فاعل " تفيض " . أبو البقاء
قوله : ألا يجدوا فيه وجهان ، أحدهما : أنه مفعول من أجله ، والعامل فيه " حزنا " إن أعربناه مفعولا له أو حالا ، وأما إذا أعربناه مصدرا فلا ، [ ص: 102 ] لأن المصدر لا يعمل إذا كان مؤكدا لعامله ، وعلى القول بأن " حزنا " مفعول من أجله يكون " أن لا يجدوا " علة العلة ، يعني أنه يكون علل فيض الدمع بالحزن ، وعلل الحزن بعدم وجدان النفقة ، وهذا واضح ، وقد تقدم لك نظير ذلك في قوله جزاء بما كسبا نكالا من الله . والثاني : أنه متعلق بـ " تفيض " . قال الشيخ : " قال : " ويجوز أن يتعلق بـ " تفيض " . ثم قال الشيخ : " ولا يجوز ذلك على إعرابه " حزنا " مفعولا له ، والعامل فيه " تفيض " ، إذ العامل لا يقتضي اثنين من المفعول له إلا بالعطف أو البدل " . أبو البقاء