وقوله : من سبيل فاعل بالجار لاعتماده على النفي ، ويجوز أن يكون مبتدأ والجار قبله خبره ، وعلى كلا القولين فـ " من " مزيدة فيه ، أي : ما على المحسنين سبيل .
قال بعضهم : وفي هذه الآية نوع من البديع يسمى التمليح وهو : أن يشار إلى قصة مشهورة أو مثل سائر أو شعر نادر في فحوى كلامك من غير ذكره ، ومنه قوله : [ ص: 98 ]
2529 - اليوم خمر ويبدو بعده خبر والدهر من بين إنعام وإبآس
يشير لقول امرئ القيس لما بلغه قتل أبيه : " اليوم خمر وغدا أمر " ، وقول الآخر :
2530 - فوالله ما أدري أأحلام نائم ألمت بنا أم كان في الركب يوشع
يشير إلى قصة يوشع عليه السلام واستيقافه الشمس . وقول الآخر :
2531 - لعمرو مع الرمضاء والنار تلتظي أرق وأحفى منك في ساعة الكرب
أشار إلى البيت المشهور :
2532 - المستجير بعمرو عند كربته كالمستجير من الرمضاء بالنار
وكأن هذا الكلام وهو " ما على المحسنين من سبيل " اشتهر ما هو بمعناه بين الناس ، فأشار إليه من غير ذكر لفظه . ولما ذكر الشيخ التمليح لم يقيده بقوله " من غير ذكره " ولا بد منه ، لأنه إذا ذكره بلفظه كان اقتباسا وتضمينا .