تمهيد
شهد المجتمع الإنساني في النصف الثاني للقرن العشرين -وحتى الآن- تطورا هائلا وسريعا في مجال العلاقات الدولية، وشكلت المنظمات الدولية ظاهرة أساسيـة ومحورية في تفاعلات وحدات هذا المجتمع الإنساني، وخاصة بين الدول، وأصبحت هذه المنظمات مكونا أساسيا من مكونات العلاقات الدولية.
من ناحية أخرى، فإن ما يعيشه المجتمع الإنساني من أزمة غياب قيادة حضارية عالمية (أحادية أو متعددة)، تقوم على مبادئ العدالة والقيم والعيش المشترك في آن واحد، تسبب بها - إلى حد كبير- هيمنة المشروع الحضاري الغربي المادي المنطلق والغاية.
وقد انعكست آثار هذه الأزمة سلبا على فعالية أدوات تحقيق التعاون المشترك والأمن والسلام في المجتمع الإنساني، مثل: المنظمات الدولية، وعلى رأسها الأمم المتحدة. [ ص: 27 ]
إن هذه الأزمة الحضارية تجعل من الضرورة البحث أو النظر في نموذج قادر على أن يقدم بديـلا حضاريا يصلح لأن يكون أحد مكونات قيادة المجتمع الإنساني وخدمته، والبحث عن هذا البديل ليس بالضرورة يعني إلغاء أو الاستغناء عن أدوات أو خبرات المجتمع السياسي الإنساني في إدارة وقيادة المجتمع الإنسـاني وتطويره، مثل المنظمات الدولية، التي تشـكل حاجـة إنسـانية في مجال العـلاقات الدولية، وإنما المطـلوب هو معرفة كيفية الاستـفادة منها حضاريا، مع محاولة إزالة العـوامـل التي تحدث خـللا أو انحرافا في مسيرتـها أو دورها في خدمة جميع المجتمع الإنسـاني الدولـي على أساس من العدالة والمساواة والمصالح المشتركة. [ ص: 28 ]