(56) السادس والخمسون من شعب الإيمان " وهو باب في صلة الأرحام "
قال الله تعالى : ( فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم )
فجعل قطع الأرحام من الإفساد في الأرض ، ثم أتبع (كل) الإخبار بأن ذلك من فعل من حقت عليه لعنته ، فسلبه الانتفاع بسمعه وبصره ، فهو يسمع دعوة الله ، ويبصر آياته وبيناته ، فلا يجيب الدعوة ، ولا ينقاد للحق ، كأنه لم يسمع النداء ، ولم يقع له من الله البيان ، وجعله كالبهيمة أو أسوء حالا منها ، فقال : ( أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم ) .
وقال في الواصل والقاطع :
( إنما يتذكر أولو الألباب الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية ويدرؤون بالحسنة السيئة أولئك لهم عقبى الدار جنات عدن يدخلونها ) إلى آخرها .
( والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار ) .
[ ص: 318 ] فقرن وصل الرحم وهو الذي أمر الله به أن يوصل بخشيته ، والخوف من حسابه ، والصبر عن محارمه ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة لوجهه ، وجعل ذلك كله من فعل أولي الألباب ، ثم وعد به الجنة ، وزيارة الملائكة إياهم فيها ، وتسليمهم عليهم ، ومدحهم لهم ، وقرن قطيعة الرحم بنقض عهد الله ، والإفساد في الأرض ، ثم أخبر بأن لهم عند الله اللعنة ، وسوء المنقلب ، فثبت بالآيتين ما في صلة الرحم من الفضل ، وما في قطعها من الوزر والإثم . وذكر سائر ما ورد في هذا المعنى أبو عبد الله الحليمي رحمه الله .