والجملة من قوله : " وقعدوا " حالية أي : وقد قعدوا . ووقوع الماضي حالا في مثل هذا التركيب مصحوبا بقد ، أو بالواو ، أو بهما ، أو دونهما - ثابت من لسان العرب بالسماع . ومتعلق الطاعة هو ترك الخروج . والقعود كما قعدوا هم ، وهذا منهم قول بالأجلين أي : لو وافقونا في التخلف والقعود ما قتلوا ، كما لم نقتل نحن . وقرأ الحسن : ما قتلوا بالتشديد .
( قل فادرءوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين ) : أكذبهم الله تعالى في دعواهم ذلك ، فكأنه قيل : القتل ضرب من الموت ، فإن كان لكم سبيل إلى دفعه عن أنفسكم بفعل اختياري فادفعوا عنها الموت ، وإن لم يكن ذلك دل على أنكم مبطلون في دعواكم . والدرء : الدفع ، وتقدمت مادته في قوله : " فادارأتم فيها " وقال دغفل النسابة :
صادف درء السيل درأ يدفعه والعبء لا تعرفه أو ترفعه
والمعنى : إن كنتم صادقين في دعواكم أن التحيل والتحرز ينجي من الموت ، فجدوا أنتم في دفعه ، ولن تجدوا إلى ذلك سبيلا ، بل لا بد أن يتعلق بكم بعض أسباب المنون . وهب أنكم على زعمكم دفعتم بالقعود هذا السبب الخاص ، فادفعوا سائر أسباب الموت ، وهذا لا يمكن لكم ألبتة . قال : ( فإن قلت ) : فقد كانوا صادقين في أنهم دفعوا القتل عن أنفسهم بالقعود ، فما معنى قوله : إن كنتم صادقين ؟ ( قلت ) : معناه أن النجاة من القتل يجوز أن يكون سببها القعود عن القتال ، وأن يكون غيره ؛ لأن أسباب النجاة كثيرة . وقد يكون قتال الرجل نجاته ، ولو لم يقاتل لقتل ، فما يدريكم أن سبب نجاتكم القعود ، وأنكم صادقون في مقاتلتكم وما أنكرتم أن يكون السبب غيره ؟ ووجه آخر : إن كنتم صادقين في قولكم : لو أطاعونا وقعدوا ما قتلوا ، يعني : أنهم لو أطاعوكم وقعدوا لقتلوا قاعدين ، كما قتلوا مقاتلين . وقوله : فادرءوا عن أنفسكم الموت ، استهزاء بهم ، أي إن كنتم رجالا دفاعين لأسباب الموت فادرءوا جميع أسبابه حتى لا تموتوا . انتهى كلامه . وهو حسن على طوله . الزمخشري