أطرد اليأس بالرجاء فكأين ألما عم يسره بعد عسر
وقول الآخر :
وكأين لنا فضلا عليكم ونعمة قديما ولا تدرون ما من منعم
الرعب : الخوف ، رعبته فهو مرعوب . وأصله من الملئ . يقال : سيل راعب يملأ الوادي ، ورعبت الحوض : ملأته .
السلطان : الحجة والبرهان ، ومنه قيل للوالي : سلطان . وقيل : اشتقاق السلطان من السليط ، وهو ما يضيء به السراج من دهن السمسم . وقيل : السليط الحديد ، والسلاطة الحدة ، والسلاطة من التسليط وهو القهر والسلطان من ذلك ، فالنون زائدة . والسليطة : المرأة الصخابة . والسليط : الرجل الفصيح اللسان .
المثوى : مفعل من ثوى يثوي أقام . يكون للمصدر والزمان والمكان ، والثواء : الإقامة بالمكان .
الحس : القتل الذريع ، يقال : حسه يحسه . قال الشاعر :
حسسناهم بالسيف حسا فأصبحت بقيتهم قد شردوا وتبددوا
وجراد محسوس : قتله البرد ، وسنة حسوس : أتت على كل شيء .
التنازع : الاختلاف ، وهو من النزع وهو الجذب . ونزع ينزع جذب ، وهو متعد إلى واحد . ونازع متعد إلى اثنين ، وتنازع متعد إلى واحد . قال :
فلما تنازعنا الحديث وأسمحت هصرت بغصن ذي شماريخ ميال
( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين ) هذه الآية وما بعدها عتب شديد لمن وقعت منهم الهفوات يوم أحد . واستفهم على سبيل الإنكار أن يظن أحد أن يدخل الجنة وهو مخل بما افترض عليه من الجهاد والصبر عليه . والمراد بنفي العلم انتفاء متعلقه ؛ لأنه منتف بانتفائه كما قال تعالى : ( ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ) المعنى : لم يكن فيهم خير ؛ لأن ما لم يتعلق به علم الله تعالى موجودا لا يكون موجودا أبدا .
و " أم " هنا منقطعة في قول الأكثرين تتقدر ببل ، والهمزة على ما قرر في النحو . وقيل : هي بمعنى الهمزة . وقيل : " أم " متصلة . قال ابن بحر : هي عديلة همزة تتقدر من معنى ما تتقدم ، وذلك أن قوله : ( إن يمسسكم قرح فقد مس القوم ) إلى آخر القصة يقتضي أن يتبع ذلك : أتعلمون أن التكليف يوجب ذلك ، أم حسبتم أن تدخلوا الجنة من غير اختبار وتحمل مشقة ، [ ص: 66 ] وأن تجاهدوا فيعلم الله ذلك منكم واقعا . انتهى كلامه . وتقدم لنا إبطال مثل هذا القول . وهذا الاستفهام الذي تضمنته معناه الإنكار والإضراب الذي تضمنته أيضا هو ترك لما قبله من غير إبطال وأخذ فيما بعده .
وقال أبو مسلم الأصبهاني : " أم حسبتم " نهي وقع بلفظ الاستفهام الذي يأتي للتبكيت . وتلخيصه : لا تحسبوا أن تدخلوا الجنة ولما يقع منكم الجهاد . لما قال : ( ولا تهنوا ولا تحزنوا ) كان في معنى : أتعلمون أن ذلك كما تؤمرون به ، أم تحسبون أن تدخلوا الجنة من غير مجاهدة وصبر . وإنما استبعد هذا لأن الله تعالى أوجب الجهاد قبل هذه الواقعة ، وأوجب الصبر على تحمل مشاقها ، وبين وجوه مصالحها في الدين والدنيا . فلما كان كذلك كان من البعد أن يصل الإنسان إلى السعادة والجنة مع إهمال هذه القاعدة . انتهى كلامه . وظاهره : أن " أم " متصلة ، وحسبتم هنا بمعنى ظننتم الترجيحية ، وسد مسد مفعوليها " أن " وما بعدها على مذهب ، وسد مسد مفعول واحد والثاني محذوف على مذهب سيبويه أبي الحسن .
" ولما يعلم " جملة حالية ، وهي نفي مؤكد لمعادلته للمثبت المؤكد بقد . فإذا قلت : قد قام زيد ، ففيه من التثبيت والتأكيد ما ليس في قولك : قام زيد . فإذا نفيته قلت : لما يقم زيد . وإذا قلت : قام زيد كان نفيه لم يقم زيد ، قاله وغيره . وقال سيبويه : ولما بمعنى لم ، إلا أن فيه ضربا من التوقع ، فدل على نفي الجهاد فيما مضى ، وعلى توقعه فيما يستقبل . وتقول : وعدني أن يفعل كذا ، ولما تريد ، ولم يفعل ، وأنا أتوقع فعله . انتهى كلامه . وهذا الذي قاله في " لما " أنها تدل على توقع الفعل المنهي بها فيما يستقبل - لا أعلم أحدا من النحويين ذكره . بل ذكروا أنك إذا قلت : لما يخرج زيد ، دل ذلك على انتفاء الخروج فيما مضى متصلا نفيه إلى وقت الإخبار . أما أنها تدل على توقعه في المستقبل فلا ، لكنني وجدت في كلام الزمخشري الفراء شيئا يقارب ما قاله . قال : " لما " لتعريض الوجود بخلاف " لم " . الزمخشري
وقرأ الجمهور بكسر الميم ؛ لالتقاء الساكنين . وقرأ ابن وثاب والنخعي بفتحها ، وخرج على أنه إتباع لفتحة اللام وعلى إرادة النون الخفيفة وحذفها ، كما قال الشاعر :
لا تهين الفقير علك أن تركع يوما والدهر قد رفعه
وقرأ الجمهور : " ويعلم " برفع الميم ، فقيل : هو مجزوم ، وأتبع الميم اللام في الفتح كقراءة من قرأ : " ولما يعلم " بفتح الميم على أحد التخريجين . وقيل : هو منصوب . فعلى مذهب البصريين بإضمار " أن " بعد واو مـع نحو : لا تأكل السمك وتشرب اللبن . وعلى مذهب الكوفيين بواو الصرف ، وتقرير المذهبين في علم النحو . وقرأ الحسن وابن يعمر وأبو حيوة بكسر الميم عطفا على " وعمرو بن عبيد ولما يعلم " . وقرأ عبد الوارث عن أبي عمرو " ويعلم " برفع الميم . قال : على أن الواو للحال ، كأنه قيل : ولما تجاهدوا وأنتم صابرون . انتهى . ولا يصلح ما قال ؛ لأن واو الحال لا تدخل على المضارع ، يجوز : جاء زيد ويضحك ، وأنت تريد جاء زيد يضحك ؛ لأن المضارع واقع موقع اسم الفاعل . فكما لا يجوز جاء زيد وضاحكا ، كذلك لا يجوز جاء زيد ويضحك . فإن أول على أن المضارع خبر مبتدأ محذوف أمكن ذلك ، التقدير : وهو يعلم الصابرين ، كما أولوا قوله : نجوت وأرهنهم مالكا ، أي وأنا أرهنهم . وخرج غير الزمخشري قراءة الرفع على استئناف الإخبار ، أي : وهو يعلم الصابرين . الزمخشري
وفي إنكار الله تعالى على من [ ص: 67 ] ظن أن دخول الجنة يكون مع انتفاء الجهاد والصبر عند لقاء العدو - دليل على فرضية الجهاد إذ ذاك والثبات للعدو ، وقد ذكر في الحديث " " . أن التولي عند الزحف من السبع الموبقات