غدا الرجل : خرج غدوة . والغدو يكون في أول النهار . وفي استعمال غدا بمعنى صار فيكون فعلا ناقصا - خلاف .
الهم : دون العزم ، والفعل منه هم يهم . وتقول العرب : هممت وهمت ، يحذفون أحد المضعفين كما قالوا : أمست ، وظلت ، وأحست ، في مسست وظللت وأحسست . وأول ما يمر الأمر بالقلب يسمى خاطرا ، فإذا تردد صار حديث نفس ، فإذا ترجح فعله صار هما ، فإذا قوي واشتد صار عزما ، فإذا قوي العزم واشتد حصل الفعل أو القول .
الفشل في البدن : الإعياء . وفي الحرب : الجبن والخور ، وفي الرأي : العجز والفساد . وفعله : فشل ، بكسر الشين .
التوكل : تفعل من وكل أمره إلى فلان ، إذا فوضه له . قال ابن فارس : هو إظهار العجز والاعتماد على غيرك ، يقال : فلان وكلة تكلة ، أي عاجز بكل أمره إلى غيره . وقيل : هو من الوكالة ، وهو تفويض الأمر إلى غيره ثقة بحسن تدبيره .
بدر في الآية : اسم علم لما بين مكة والمدينة . سمي بذلك لصفائه ، أو لرؤية البدر فيه لصفائه ، أو لاستدارته . قيل : وسمي باسم صاحبه بدر بن كلدة . قيل : بل بدر بن بجيل بن النضر بن كنانة . وقيل : هو بئر لغفار . وقيل : هو اسم وادي الصفراء . وقيل : اسم قرية بين المدينة والجار .
الفور : العجلة والإسراع . تقول : اصنع هذا على الفور . وأصله من فارت القدر : اشتد غليانها وبادر ما فيها إلى الخروج . ويقال : فار غضبه ، إذا جاش وتحرك . وتقول : خرج من فوره ، أي من ساعته ، لم يلبث ، استعير الفور للسرعة ، ثم سميت به الحالة التي لا ريب فيها ولا تعريج على شيء من صاحبها .
الخمسة : رتبة من العدد معروفة ، ويصرف منها فعل ، يقال : خمست الأربعة أي صيرتهم في خمسة .
الطرف : جانب الشيء الأخير ، ثم يستعمل للقطعة من الشيء ، وإن لم يكن جانبا أخيرا . الكبت : الهزيمة . وقيل : الصرع على الوجه أو إلى اليدين . وقال النقاش وغيره : التاء بدل من الدال . أصله : كبده ، أي فعل فعلا يؤذي كبده . الخيبة : عدم الظفر بالمطلوب .
( وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال ) قال : قلت المسور بن مخرمة : أي خال ، أخبرني عن قصتكم يوم لعبد الرحمن بن عوف أحد ، فقال : اقرأ العشرين ومائة من آل عمران تجد : ( وإذ غدوت من أهلك ) إلى ( ثم أنزل عليكم ) ومناسبة هذه الآية لما قبلها أنه لما نهاهم عن اتخاذ بطانة من الكفار ووعدهم أنهم إن صبروا واتقوا فلا يضركم كيدهم . ذكرهم بحالة اتفق فيها بعض طواعية ، واتباع لبعض المنافقين ، وهو ما جرى يوم أحد لعبد الله بن أبي بن سلول حين انخذل عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واتبعه في الانخذال ثلاثمائة رجل من المنافقين وغيرهم من المؤمنين . والجمهور على أن ذلك كان في غزوة أحد ، وفيها نزلت هذه الآيات كلها ، وهو قول ، عبد الرحمن بن عوف ، وابن مسعود ، وابن عباس وقتادة ، ، والزهري والسدي ، وابن إسحاق . وقال الحسن : كان هذا الغدو في غزوة الأحزاب . وهو قول [ ص: 45 ] مجاهد ومقاتل ، وهو ضعيف ؛ لأن يوم الأحزاب كان فيه ظفر المؤمنين ، ولم يجر فيه شيء مما ذكر في هذه الآيات ، بل قصتاهما متباينتان . وقال الحسن أيضا : كان هذا الغدو يوم بدر . وذكر المفسرون قصة غزوة أحد ، وهي مستوعبة في كتب السير ، ونحن نذكر منها ما يتعلق بألفاظ الآية بعض تعلق عند تفسيرها . وظاهر قوله : " وإذ غدوت " خروجه غدوة من عند أهله . وفسر ذلك بخروجه من حجرة عائشة يوم الجمعة غدوة حين استشار الناس ، فمن مشير بالإقامة وعدم الخروج إلى القتال ، وأن المشركين إن جاءوا قاتلوهم بالمدينة ، وكان ذلك رأيه ، ومن مشير بالخروج ، وهم جماعة من صالحي المؤمنين فاتتهم وقعة بدر . وتبوئة المؤمنين مقاعد للقتال على هذا القول هو أن يقسم أقطار المدينة على قبائل الأنصار . وقيل : غدوه هو نهوضه يوم الجمعة بعد الصلاة وتبوئته في وقت حضور القتال . وسماه غدوا إذ كان قد عزم عليه غدوة . وقيل : غدوه كان يوم السبت للقتال . ولما لم تكن تلك الليلة موافقة للغدو وكأنه كان في أهله ، والعامل في " إذ " اذكر . وقيل : هو معطوف على قوله : ( قد كان لكم آية في فئتين التقتا ) أي وآية إذ غدوت ، وهذا في غاية البعد ، ولولا أنه مسطور في الكتب ما ذكرته . وكذلك قول من جعل " من " في معنى مع ، أي : وإذ غدوت مع أهلك . وهذه تخريجات يقولها وينقلها على سبيل التجويز من لا بصر له بلسان العرب .
ومعنى تبوئ : تنزل ، من المباءة وهي المرجع ، ومنه ( لنبوئنهم من الجنة غرفا ) ، فليتبوأ مقعده من النار ، وقال الشاعر :
كم صاحب لي صالح بوأته بيدي لحدا
وقال الأعشى :
وما بوأ الرحمن بيتك منزلا بشرقي أجياد الصفا والمحرم
ومقاعد : جمع مقعد ، وهو هناك مكان القعود . والمعنى : مواطن ومواقف . وقد استعمل المقعد والمقام في معنى المكان ، ومنه : ( في مقعد صدق ) ( قبل أن تقوم من مقامك ) .
وقال : وقد اتسع في قعد وقام حتى أجريا مجرى صار . انتهى . أما إجراء قعد مجرى صار فقال أصحابنا : إنما جاء في لفظة واحدة ، وهي شاذة لا تتعدى ، وهي في قولهم : شحذ شفرته حتى قعدت كأنها حربة ، أي صارت . وقد نقد على الزمخشري تخريج قوله تعالى : ( الزمخشري فتقعد ملوما ) على أن معناه : فتصير ؛ لأن ذلك عند النحويين لا يطرد . وفي اليواقيت لأبي عمر الزاهد قال : القعد : الصيرورة ، والعرب تقول : قعد فلان أميرا بعدما كان مأمورا ، أي صار . وأما إجراء قام مجرى صار فلا أعلم أحدا عدها في أخوات كان ، ولا ذكر أنها تأتي بمعنى صار ، ولا ذكر لها خبرا إلا ابن الأعرابي أبا عبد الله بن هشام الحضراوي فإنه قال في قول الشاعر :
على ما قام يشتمني لئيم
إنها من أفعال المقاربة . وقال ابن عطية : لفظة القعود أدل على الثبوت ، ولا سيما أن الرماة إنما كانوا قعودا ، وكذلك كانت صفوف المسلمين أولا ، والمبارزة والسرعان يجولون . وجمع المقاعد ؛ لأنه عين لهم مواقف يكونون فيها ، كالميمنة والميسرة ، والقلب ، والشاقة ، وبين لكل فريق منهم موضعهم الذي يقفون فيه .خرج - صلى الله عليه وسلم - بعد صلاة الجمعة ، وأصبح بالشعب يوم السبت للنصف من شوال ، فمشى على رجليه ، فجعل يصف أصحابه للقتال كأنما يقوم بهم القدح . إن رأى صدرا خارجا قال : " تأخر " ، وكان نزوله في [ ص: 46 ] غدوة الوادي ، وجعل ظهره وعسكره إلى أحد ، وأمر على الرماة ، وقال لهم : " انضحوا عنا بالنبل لا يأتونا من ورائنا " . عبد الله بن جبير
و " تبوئ " جملة حالية من ضمير المخاطب . فقيل : هي حال مقدرة ، أي خرجت قاصد التبوئة ؛ لأن وقت الغدو لم يكن وقت التبوئة . وقرأ الجمهور تبوئ من بوأ . وقرأ عبد الله : تبوئ من أبوأ ، عداه الجمهور بالتضعيف ، وعبد الله بالهمزة . وقرأ : تبوى بوزن تحيا ، عداه بالهمزة ، وسهل لام الفعل بإبدال الهمزة ياء نحو : يقري في يقرئ . وقرأ يحيى بن وثاب عبد الله : " للمؤمنين " بلام الجر على معنى : ترتب وتهيئ . ويظهر أن الأصل تعديته لواحد بنفسه ، وللآخر باللام ؛ لأن ثلاثيه لا يتعدى بنفسه ، إنما يتعدى بحرف جر .
وقرأ الأشهب : " مقاعد القتال " على الإضافة ، وانتصاب " مقاعد " على أنه مفعول ثان لـ " تبوئ " . ومن قرأ للمؤمنين كان مفعولا لـ " تبوئ " ، وعداه باللام كما في قوله : ( لإبراهيم مكان البيت وإذ بوأنا ) وقيل : اللام في " لإبراهيم " زائدة ، واللام في " للقتال " لام العلة ، تتعلق بـ " تبوئ " . وقيل : في موضع الصفة لـ " مقاعد " . وفي الآية دليل على أن الأئمة هم الذين يتولون أمر العساكر ، ويختارون لهم المواضع للحرب ، وعلى الأجناد طاعتهم . قاله الماتريدي ، وهو ظاهر .
( والله سميع عليم ) أي سميع لأقوالكم ، عليم بنياتكم . وجاءت هاتان الصفتان هنا لأن في ابتداء هذه الغزوة مشاورة ومجاوبة بأقوال مختلفة ، وانطواء على نيات مضطربة حسبما تضمنته قصة غزوة أحد .