( ومن كفر فإن الله غني عن العالمين ) قال بوجوب الحج ، فمن زعم أنه ليس بفرض عليه فقد كفر . وقال مثله : ابن عباس الضحاك ، وعطاء ، والحسن ، ومجاهد ، . وقال وعمران القطان وغيره : ومن كفر بالله واليوم الآخر . وقال ابن عمر ابن زيد : ومن كفر بهذه الآيات التي في البيت . وقال وجماعة : ومن كفر بأن وجد ما يحج به فلم يحج ، فهذا كفر معصية ، بخلاف القول الأول فإنه كفر جحود . ويصير على قول السدي ؛ لقوله : " السدي " ، " من ترك الصلاة فقد كفر " . على أحد التأويلين . وقال لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض : ومنها - يعني من أنواع التأكيد والتشديد - قوله : ومن كفر ، مكان ومن لم يحج ، تغليظا على تارك الحج ؛ ولذلك قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " الزمخشري " ونحوه من التغليظ : من ترك الصلاة متعمدا فقد كفر . انتهى كلامه ، وهو من معنى كلام من مات ولم يحج فليمت إن شاء يهوديا أو نصرانيا . وقال السدي : ومن كفر بكون البيت قبلة الحق ، فعلى هذا يكون راجعا إلى سعيد بن المسيب اليهود الذين قالوا حين حولت القبلة : ( ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها ) وكفروا بها وقالوا : لا نحج إليها أبدا . و " من " شرطية ، [ ص: 13 ] وجواب الشرط الجملة المصدرة بالفاء ، والرابط لها بجملة الشرط هو العموم الذي في قوله : ( عن العالمين ) إذ من كفر فهو مندرج تحت هذا العموم . وفي هذا اللفظ وعيد شديد لمن كفر . قال ابن عطية : والقصد بالكلام : فإن الله غني عنهم ، ولكن عم اللفظ ليبرع المعنى ويتنبه الفكر على قدرة الله وسلطانه واستغنائه عن جميع الوجوه ، حتى ليس به افتقار إلى شيء ، لا رب سواه . انتهى . وقال : ومنها - يعني من أنواع التأكيد - ذكر الاستغناء عنه ، وذلك مما يدل على المقت والسخط والخذلان . ومنها قوله : عن العالمين ، ولم يقل عنه ، وما فيه من الدلالة على الاستغناء عنه ببرهان ؛ لأنه إذا استغنى عن العالمين تناوله الاستغناء عنه لا محالة ، ولأنه يدل على الاستغناء الكامل ، فكان أدل على عظم السخط الذي وقع عبارة عنه . وقيل : في الكلام محذوف تقديره : فإن الله غني عن حج العالمين . الزمخشري