( واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ) : قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وعاصم ، وحمزة ، ، والجمهور : واتخذوا ، بكسر الخاء على الأمر . وقرأ والكسائي نافع ، وابن عامر : بفتحها ، جعلوه فعلا ماضيا . فأما قراءة : واتخذوا على الأمر ، فاختلف من المواجه به ، فقيل : إبراهيم وذريته ، أي وقال الله لإبراهيم وذريته : اتخذوا . وقيل : [ ص: 381 ] النبي - صلى الله عليه وسلم - وأمته ، أي : وقلنا اتخذوا . ويؤيده ما روي عن عمر أنه قال : وافقت ربي في ثلاث ، فذكر منها وقلت : يا رسول الله ، لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى . وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أخذ بيد عمر فقال : " هذا مقام إبراهيم " ، فقال عمر : أفلا نتخذه مصلى ؟ فقال : " لم أومر بذلك " . فلم تغب الشمس حتى نزلت . وعلى هذين القولين يكون اتخذوا معمولا لقول محذوف . وقيل : المواجه به بنو إسرائيل ، وهو معطوف على قوله : ( اذكروا نعمتي ) . وقيل : هو معطوف على قوله : ( وإذ جعلنا البيت مثابة ) ، قالوا : لأن المعنى : ثوبوا إلى البيت ، فهو معطوف على المعنى . وهذان القولان بعيدان . وأما قراءة : واتخذوا - بفتح الخاء - فمعطوف على ما قبله ، فإما على مجموع إذ جعلنا فيحتاج إلى إضمار إذ ، وإما على نفس جعلنا فلا يحتاج إلى تقديرها ، بل يكون في صلة إذ . والمعنى : واتخذ الناس من مكان إبراهيم الذي وسم به لاهتمامه به ، وإسكان ذريته عنده قبلة يصلون إليها ، قاله . " من مقام " : جوزوا في من أن تكون تبعيضية ، وبمعنى في ، وزائدة على مذهب الزمخشري الأخفش ، والأظهر الأول . وقال القفال : هي مثل اتخذت من فلان صديقا ، وأعطاني الله من فلان أخا صالحا ، دخلت من لبيان المتخذ الموهوب ، وتميزه في ذلك المعنى ، والمقام مفعل من القيام ، يراد به المكان ، أي مكان قيامه ، وهو الحجر الذي ارتفع عليهإبراهيم حين ضعف عن رفع الحجارة التي كان إسماعيل يناوله إياها في بناء البيت ، وغرقت قدماه فيه ، قاله ابن عباس وجابر وقتادة وغيرهم ، وخرجه ، وهو الآن موضع ذلك الحجر والمسمى البخاري مقام إبراهيم . وعن عمر أنه سأل المطلب بن أبي رفاعة : هل تدري أين كان موضعه الأول ؟ قال : نعم ، فأراه موضعه اليوم . قال أنس : رأيت في المقام أثر أصابعه وعقبه وأخمص قدميه ، غير أنه أذهبه مسح الناس بأيديهم . حكاه القشيري . أو حجر جاءت به أم إسماعيل إليه وهو راكب ، فاغتسل عليه ، فغرقت رجلاه فيه حين اعتمد عليه ، قاله ; أو مواقف الحج كلها ، قاله الربيع بن أنس أيضا ابن عباس وعطاء ومجاهد ، أو عرفة والمزدلفة والجمار ، قاله عطاء ; لأنه قام في هذه المواضع ودعا فيها ; أو الحرم كله ، قاله والشعبي النخعي ومجاهد ; أو المسجد الحرام ، قاله قوم . واتفق المحققون على القول الأول ورجح بحديث عمر : أفلا نتخذه مصلى ؟ الحديث ، وبقراءة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما فرغ من الطواف وأتى المقام : ( واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ) ، فدل على أن المراد منه ذلك الموضع ، ولأن هذا الاسم في العرف مختص بذلك الموضع ، ولأن الحجر صار تحت قدميه في رطوبة الطين حين غاصت فيه رجلاه ، وفي ذلك معجزة له ، فكان اختصاصه به أقوى من اختصاص غيره . فكان إطلاق هذا الاسم عليه أولى ، ولأن المقام هو موضع القيام ، وثبت قيامه على الحجر ولم يثبت على غيره . " مصلى " : قبلة ، قاله الحسن . موضع صلاة ، قاله قتادة . موضع دعاء ، قاله مجاهد ، والأولى الحمل على الصلاة الشرعية لا على الصلاة لغة . قال ابن عطية : موضع صلاة على قول من قال " المقام : الحجر " ، ومن قال غيره قال : مصلى ، مدعى على أصل الصلاة ، يعني في اللغة . انتهى .