باب
بني هاشم بن عبد مناف
وبني المطلب بن عبد مناف في الشعب
وما لقوا من سائر قريش في ذلك ذكر دخول
أخبرنا عبد الله بن محمد ، قال: أخبرنا ، قال: حدثنا محمد بن بكر ، قال: أخبرنا أبو داود محمد بن سلمة المرادي، قال: حدثنا ، قال: أخبرني ابن وهب عن ابن لهيعة محمد بن عبد الرحمن أبي الأسود . وأخبرنا قال: أخبرنا عبد الوارث بن سفيان، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، مطرف بن عبد الرحمن بن قيس، قال: حدثنا وأخبرنا يعقوب بن حميد بن كاسب، عبد الله بن محمد قال: حدثنا ، قال: حدثنا محمد بن بكر ، قال: حدثنا أبو داود محمد بن إسحاق المسيبي، قالا: حدثنا محمد بن فليح، عن ، عن موسى بن عقبة . دخل حديث بعضهم في بعض، قال: ابن شهاب
ثم إن كفار قريش أجمعوا أمرهم واتفق رأيهم على قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالوا: قد أفسد أبناءنا ونساءنا. فقالوا لقومه: خذوا منا ديته مضاعفة ويقتله رجل من غير قريش، وتريحوننا وتريحون أنفسكم. فأبى قومه بنو هاشم من ذلك وظاهرهم بنو المطلب بن عبد مناف. فأجمع المشركون من قريش على منابذتهم وإخراجهم من مكة إلى الشعب. فلما دخلوا الشعب أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان بمكة من المؤمنين أن يخرجوا إلى [ ص: 54 ] أرض الحبشة ، وكان متجرا لقريش، وكان يثني على بأنه لا يظلم عنده أحد. فانطلق المسلمون إلى بلده. وانطلق إليها عامة من آمن بالله ورسوله ودخل النجاشي بنو هاشم وبنو المطلب شعبهم: مؤمنهم وكافرهم، فالمؤمن دينا، والكافر حمية. فلما عرفت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد منعه قومه أجمعوا على ألا يبايعوهم ولا يدخلوا إليهم شيئا من الرفق - وقطعوا عنهم الأسواق ولم يتركوا طعاما ولا إداما ولا بيعا إلا بادروا إليه واشتروه دونهم - ولا يناكحوهم، ولا يقبلوا منهم صلحا أبدا، ولا تأخذهم بهم رأفة، حتى يسلموا رسول الله صلى الله عليه وسلم للقتل. وكتبوا بذلك صحيفة وعلقوها في الكعبة، وتمادوا على العمل بما فيها من ذلك ثلاث سنين. فاشتد البلاء على بني هاشم في شعبهم وعلى كل من معهم. فلما كان رأس ثلاث سنين تلاوم قوم من بني قصي، ممن ولدتهم بنو هاشم وممن سواهم، فأجمعوا أمرهم على نقض ما تعاهدوا عليه من الغدر والبراءة، وكان وبعث الله على صحيفتهم الأرضة، فأكلت ولحست ما في الصحيفة من ميثاق وعهد. أبو طالب في طول مدتهم في الشعب يأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأتي فراشه كل ليلة حتى يراه من أراد به شرا أو غائلة. فإذا نام الناس أمر أحد بنيه أو إخوته أو بني عمه، فاضطجع على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمر رسول الله أن يأتي بعض فرشهم فيرقد عليها. فلم يزالوا في الشعب على ذلك إلى تمام ثلاث سنين. فلما أكملوها تلاوم رجال من قريش وحلفائهم وأجمعوا أمرهم على نقض ما كانوا تظاهروا عليه من القطيعة والبراءة. وبعث الله على صحيفتهم الأرضة، فلحست كل ما كان فيها من عهد لهم وميثاق، ولم تترك فيها اسما لله عز وجل إلا لحسته، وبقي ما كان فيها من شرك أو ظلم أو قطيعة رحم. فأطلع الله عز وجل رسوله [ ص: 55 ] على ذلك. فذكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي طالب ، فقال أبو طالب : لا والثواقب ما كذبتني، فانطلق في عصابة من بني عبد المطلب حتى أتوا المسجد، وهم خائفون، لقريش . فلما رأتهم قريش في جماعة أنكروا ذلك، وظنوا أنهم خرجوا من شدة البلاء ليسلموا رسول الله صلى الله عليه وسلم برمته إلى قريش. فتكلم أبو طالب ، فقال: قد جرت أمور بيننا وبينكم لم نذكرها لكم، فأتوا بصحيفتكم التي فيها مواثيقكم، فلعله أن يكون بيننا وبينكم صلح. وإنما قال ذلك أبو طالب خشية أن ينظروا في الصحيفة قبل أن يأتوا بها. فأتوا بصحيفتهم متعجبين لا يشكون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدفع إليهم. فوضعوها بينهم، وقالوا لأبي طالب : قد آن لكم أن ترجعوا عما أخذتم علينا وعلى أنفسكم فقال أبو طالب : إنما أتيتكم في أمر هو نصف بيننا وبينكم، إن ابن أخي أخبرني، ولم يكذبني، أن هذه الصحيفة التي بين أيديكم قد بعث الله عليها دابة، فلم تترك فيها اسما له إلا لحسته، وتركت فيها غدركم وتظاهركم علينا بالظلم، فإن كان الحديث كما يقول فأفيقوا، فلا والله لا نسلمه حتى نموت من عند آخرنا، وإن كان الذي يقول باطلا دفعنا إليكم صاحبنا فقتلتم أو استحييتم. فقالوا قد رضينا بالذي تقول. ففتحوا الصحيفة، فوجدوا الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم قد أخبر بخبرها قبل أن تفتح. فلما رأت قريش صدق ما جاء به أبو طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: هذا سحر ابن أخيك. وزادهم ذلك بغيا وعدوانا.
وأما ابن هشام فقال: قد ذكر بعض أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي طالب : يا عم إن ربي قد سلط الأرضة على صحيفة قريش، فلم تدع فيها اسما لله [ ص: 56 ] إلا أثبتته، ونفت منها القطيعة والظلم والبهتان. قال: أربك أخبرك بهذا؟ قال: نعم، قال: فوالله ما يدخل عليك أحد. ثم خرج إلى قريش، فقال: يا معشر قريش إن ابن أخي أخبرني. وساق الخبر بمعنى ما ذكرنا.