[ ص: 187 ] الصنف الثاني في النهي
اعلم أنه لما كان النهي مقابلا للأمر فكل ما قيل في حد الأمر على أصولنا وأصول
المعتزلة من المزيف والمختار .
فقد قيل مقابله في
nindex.php?page=treesubj&link=21079حد النهي ولا يخفى وجه الكلام فيه .
والكلام في النهي " على أصول أصحابنا "
nindex.php?page=treesubj&link=21080هل له صيغة تخصه وتدل عليه ؟ فعلى ما سبق في الأمر أيضا ، وأن صيغة " لا تفعل " وإن ترددت بين سبعة محامل : وهي التحريم والكراهة والتحقير كقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=131ولا تمدن عينيك ) ، وبيان العاقبة كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=42ولا تحسبن الله غافلا ) ، والدعاء كقوله : " لا تكلنا إلى أنفسنا " ، واليأس كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=7لا تعتذروا اليوم ) ، والإرشاد كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=101لا تسألوا عن أشياء ) .
فهي حقيقة في طلب الترك واقتضائه ، ومجاز فيما عداه .
وأنها هل هي حقية
[1] في التحريم أو الكراهة أو مشتركة بينهما أو موقوفة ؟ فعلى ما سبق في الأمر من المزيف ، والمختار ، والخلاف في أكثر مسائله ، فعلى وزان الخلاف في مقابلاتها من مسائل الأمر ومأخذها كمأخذها فعلى الناظر بالنقل والاعتبار .
غير أنه لا بد من الإشارة إلى ما تدعو الحاجة إلى معرفته من المسائل الخاصة بالنهي ، لاختصاصها بمأخذ لا تحقق له في مقابلاتها من مسائل الأمر ، وهي ثلاث مسائل .
[ ص: 188 ] المسألة الأولى
[2]
اختلفوا في أن
nindex.php?page=treesubj&link=27844النهي عن التصرفات والعقود المفيدة لأحكامها كالبيع والنكاح ونحوهما هل يقتضي فسادها أو لا ؟
فذهب جماهير الفقهاء من أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ومالك وأبي حنيفة ، والحنابلة وجميع أهل الظاهر ، وجماعة من المتكلمين إلى فسادها ، لكن اختلفوا في جهة الفساد ، فمنهم من قال : إن ذلك من جهة اللغة ، ومنهم من قال : إنه من جهة الشرع دون اللغة ، ومنهم من لم يقل بالفساد وهو اختيار المحققين من أصحابنا
كالقفال وإمام الحرمين
nindex.php?page=showalam&ids=14847والغزالي وكثير من الحنفية ، وبه قال جماعة من
المعتزلة كأبي عبد الله البصري وأبي الحسين الكرخي nindex.php?page=showalam&ids=14959والقاضي عبد الجبار وأبي الحسين البصري وكثير من مشايخهم .
ولا نعرف خلافا في أن ما نهي عنه لغيره أنه لا يفسد كالنهي عن البيع في وقت النداء يوم الجمعة إلا ما نقل عن مذهب
مالك nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد بن حنبل في إحدى الروايتين عنه .
والمختار أن ما نهي عنه لعينه
[3] فالنهي لا يدل على فساده من جهة اللغة بل من جهة المعنى .
أما أنه لا يدل على الفساد من جهة اللغة فلأنه لا معنى لكون التصرف فاسدا سوى انتفاء أحكامه وثمراته المقصودة منه وخروجه عن كونه سببا مفيدا لها ، والنهي هو طلب ترك الفعل ولا إشعار له بسلب أحكامه وثمراته وإخراجه عن كونه سببا مفيدا لها .
ولهذا فإنه لو قال : نهيتك عن ذبح شاة الغير بغير إذنه لعينه ، ولكن إن فعلت حلت الذبيحة وكان ذلك سببا للحل ، ونهيتك عن استيلاد جارية الابن لعينه وإن فعلت ملكتها ، ونهيتك عن بيع مال الربا بجنسه متفاضلا لعينه وإن فعلت
[ ص: 189 ] ثبت الملك ، وكان البيع سببا له فإنه لا يكون متناقضا .
ولو كان النهي عن التصرف لعينه مقتضيا لفساده لكان ذلك متناقضا
[4] .
وأما أنه يدل على الفساد من جهة المعنى فذلك لأن النهي طلب ترك الفعل ، وهو إما أن يكون لمقصود دعا الشارع إلى طلب ترك الفعل
[5] أو لا لمقصود لا جائز أن يقال إنه لا لمقصود .
أما على أصول
المعتزلة فلأنه عبث والعبث قبيح والقبيح لا يصدر من الشارع .
وأما على أصولنا
[6] فإنا وإن جوزنا خلو أفعال الله تعالى عن الحكم والمقاصد غير أنا نعتقد أن الأحكام المشروعة لا تخلو عن حكمة ومقصود راجع إلى العبد ، لكن لا بطريق الوجوب بل بحكم الوقوع .
فالإجماع إذا منعقد على امتناع خلو الأحكام الشرعية عن الحكم ، وسواء ظهرت لنا أم لم تظهر .
وبتقدير تسليم خلو بعض الأحكام عن الحكمة إلا أنه نادر ، والغالب عدم الخلو .
وعند ذلك فإدراج ما وقع فيه النزاع تحت الغالب يكون أغلب .
وإذا بطل أن يكون ذلك لا لمقصود تعين أن يكون لمقصود ، وإذا كان لمقصود فلو صح التصرف وكان سببا لحكمه المطلوب منه فإما أن يكون مقصود النهي راجحا على مقصود الصحة أو مساويا أو مرجوحا ، لا جائز أن يكون مرجوحا إذ المرجوح لا يكون مقصودا مطلوبا في نظر العقلاء .
والغالب من الشارع إنما هو التقرير لا التغيير .
وما لا يكون مقصودا فلا يرد طلب الترك لأجله ، وإلا كان الطلب خليا عن الحكمة وهو ممتنع لما سبق .
[ ص: 190 ] وبمثل ذلك يتبين أنه لا يكون مساويا
[7] فلم يبق إلا أن يكون راجحا على مقصود الصحة ، ويلزم من ذلك امتناع الصحة وامتناع انعقاد التصرف لإفادة أحكامه ، وإلا كان الحكم بالصحة خليا عن حكمة ومقصود ، ضرورة كون مقصودها مرجوحا على ما تقدم تقريره ، وإثبات الحكم خليا عن الحكمة في نفس الأمر ممتنع لما فيه من مخالفة الإجماع ، وهو المطلوب .
فإن قيل ما ذكرتموه من كون النهي لا يدل على الفساد لغة معارض بما يدل عليه .
وبيانه من جهة النص والإجماع والمعنى .
أما من جهة النص فقوله - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10355223من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد " وفي رواية : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10355224أدخل في ديننا ما ليس منه فهو رد " والمردود ما ليس بصحيح ولا مقبول .
ولا يخفى أن المنهي ليس بمأمور ولا هو من الدين فكان مردودا .
وأما الإجماع فهو أن الصحابة استدلوا على فساد العقود بالنهي ، فمن ذلك احتجاج
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر على فساد نكاح المشركات بقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=221ولا تنكحوا المشركات ) ، ولم ينكر عليه منكر فكان إجماعا .
ومنها احتجاج الصحابة على فساد عقود الربا بقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=278وذروا ما بقي من الربا ) ، وبقوله - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10355225لا تبيعوا الذهب بالذهب ولا الورق بالورق " الحديث إلى آخره .
وأما المعنى فمن وجهين :
الأول : أنا أجمعنا على حمل بعض المناهي على الفساد كالنهي عن بيع الجزء المجهول ، ولو لم يكن ذلك مقتضى النهي لكان لأمر خارج ، والأصل عدمه فكان مقتضى النهي ، ويلزم منه الفساد حيث وجد ، وإلا كان فيه نفي المدلول مع تحقق دليله ، وهو ممتنع مخالف للأصل .
الثاني : النهي مشارك للأمر في الطلب والاقتضاء ومخالف له في طلب الترك ، والأمر دليل الصحة فليكن النهي دليل الفساد المقابل للصحة ، ضرورة كون النهي مقابلا للأمر ، وأنه يجب أن يكون حكم أحد المتقابلين مقابلا لحكم الآخر .
[ ص: 191 ] ثم ما ذكرتموه منقوض بالنهي عن العبادة لعينها ، فإنا أجمعنا على أنها لا تصح ولو صرح الناهي بالصحة لكان متناقضا .
وإن سلمنا أن النهي لا يدل على الفساد لغة ، ولكن لا نسلم دلالته على الفساد من جهة المعنى .
وما ذكرتموه من وجوب ترجيح مقصود النهي على مقصود الصحة فغايته أنه يناسب نفي الصحة ، وليس يلزم من ذلك نفي الصحة إلا أن يتبين له شاهد بالاعتبار .
ولو بينتم له شاهدا بالاعتبار كان الفساد لازما من القياس ، لا من نفس النهي ولا من معناه .
والجواب عن قوله - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10355224من أدخل في ديننا ما ليس منه فهو رد " من ثلاثة أوجه : الأول : لا نسلم أن الفعل المأتي به من حيث إنه سبب لترتب أحكامه عليه ليس من الدين حتى يكون مردودا .
الثاني : أنه أراد به الفاعل وتقديره : من أدخل في ديننا ما ليس منه ، فالفاعل رد أي مردود ومعنى كونه مردودا أنه غير مثاب عليه ونحن نقول به .
فإن قيل : عود الضمير إلى الفعل أولى إذ هو أقرب مذكور .
قلنا : إلا أنه يلزم منه المعارضة بينه وبين ما ذكرناه من الدليل ، ولا كذلك فيما إذا عاد إلى نفس الفاعل فكان عوده إلى الفاعل أولى .
الثالث : أنه وإن عاد إلى نفس الفعل المنهي عنه إلا أن معنى كونه ردا أنه مردود بمعنى أنه غير مقبول ، وما لا يكون مقبولا هو الذي لا يكون مثابا عليه ، ولا يلزم من مثاب غير مثاب عليه أن لا يكون سببا لترتب أحكامه الخاصة به عليه ، وهو عين محل النزاع .
وعن الحديث الآخر ما ذكرناه من الوجه الثاني والثالث .
ثم وإن سلمنا دلالتهما على الفساد فليس في ذلك ما يدل على أن الفساد من مقتضيات النهي ، بل من دليل آخر وهو قوله : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10355226فهو رد " ونحن لا ننكر ذلك
[8] .
[ ص: 192 ] وعن الإجماع لا نسلم صحة احتجاجهم بدلالة النهي لغة على الفساد ، بل إن صح ذلك فإنما يصح بالنظر إلى دلالة الالتزام على ما قررنا
[9] ، ويجب الحمل عليه جمعا بينه وبين ما ذكرناه من الدليل ، وبه يخرج الجواب عن الوجه الأول من المعنى .
وعن الثاني من المعنى أن النهي وإن كان مقابلا للأمر فلا نسلم أن الأمر مقتض للصحة ، حتى يكون النهي مقتضيا للفساد .
وإن سلمنا اقتضاء الأمر للصحة وأن النهي مقابل له فلا نسلم لزوم اختلاف حكميهما لجواز اشتراك المتقابلات في لازم واحد .
وإن سلم أنه يلزم من ذلك تقابل حكميهما فيلزم أن لا يكون النهي مقتضيا للصحة .
أما أن يكون مقتضيا للفساد فلا ، وأما النقض بالنهي عن العبادة فمندفع ، لأنه مهما كان النهي عن الفعل لعينه فلا يتصور أن يكون عبادة مأمورا بها ، وما لم يكن عبادة فلا يتصور صحته عبادة ، وإن قيل بفساده من جهة خروجه عن كونه سببا لترتيب الأحكام الخاصة به عليه فهو محل النزاع .
وعن الاعتراض الأخير أنا لا نقضي بالفساد لوجود مناسب الفساد ليفتقر إلى شاهد بالاعتبار ، وإنما قضينا بالفساد لعدم المناسب المعتبر بما بيناه من استلزام النهي لذلك .
[ ص: 187 ] الصِّنْفُ الثَّانِي فِي النَّهْيِ
اعْلَمْ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ النَّهْيُ مُقَابِلًا لِلْأَمْرِ فَكُلُّ مَا قِيلَ فِي حَدِّ الْأَمْرِ عَلَى أُصُولِنَا وَأُصُولِ
الْمُعْتَزِلَةِ مِنَ الْمُزَيَّفِ وَالْمُخْتَارِ .
فَقَدْ قِيلَ مُقَابِلُهُ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=21079حَدِّ النَّهْيِ وَلَا يَخْفَى وَجْهُ الْكَلَامِ فِيهِ .
وَالْكَلَامُ فِي النَّهْيَ " عَلَى أُصُولِ أَصْحَابِنَا "
nindex.php?page=treesubj&link=21080هَلْ لَهُ صِيغَةٌ تَخُصُّهُ وَتَدُلُّ عَلَيْهِ ؟ فَعَلَى مَا سَبَقَ فِي الْأَمْرِ أَيْضًا ، وَأَنَّ صِيغَةَ " لَا تَفْعَلْ " وَإِنْ تَرَدَّدَتْ بَيْنَ سَبْعَةِ مَحَامِلَ : وَهِيَ التَّحْرِيمُ وَالْكَرَاهَةُ وَالتَّحْقِيرُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=131وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ ) ، وَبَيَانُ الْعَاقِبَةِ كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=42وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا ) ، وَالدُّعَاءُ كَقَوْلِهِ : " لَا تَكِلْنَا إِلَى أَنْفُسِنَا " ، وَالْيَأْسُ كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=7لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ ) ، وَالْإِرْشَادُ كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=101لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ ) .
فَهِيَ حَقِيقَةٌ فِي طَلَبِ التَّرْكِ وَاقْتِضَائِهِ ، وَمَجَازٌ فِيمَا عَدَاهُ .
وَأَنَّهَا هَلْ هِيَ حَقِّيَّةٌ
[1] فِي التَّحْرِيمِ أَوِ الْكَرَاهَةِ أَوْ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُمَا أَوْ مَوْقُوفَةٌ ؟ فَعَلَى مَا سَبَقَ فِي الْأَمْرِ مِنَ الْمُزَيَّفِ ، وَالْمُخْتَارِ ، وَالْخِلَافُ فِي أَكْثَرِ مَسَائِلِهِ ، فَعَلَى وَزَانِ الْخِلَافِ فِي مُقَابَلَاتِهَا مِنْ مَسَائِلِ الْأَمْرِ وَمَأْخَذِهَا كَمَأْخَذِهَا فَعَلَى النَّاظِرِ بِالنَّقْلِ وَالِاعْتِبَارِ .
غَيْرَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنَ الْإِشَارَةِ إِلَى مَا تَدْعُو الْحَاجَةُ إِلَى مَعْرِفَتِهِ مِنَ الْمَسَائِلِ الْخَاصَّةِ بِالنَّهْيِ ، لِاخْتِصَاصِهَا بِمَأْخَذٍ لَا تَحَقُّقَ لَهُ فِي مُقَابَلَاتِهَا مِنْ مَسَائِلِ الْأَمْرِ ، وَهِيَ ثَلَاثُ مَسَائِلَ .
[ ص: 188 ] الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى
[2]
اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=27844النَّهْيَ عَنِ التَّصَرُّفَاتِ وَالْعُقُودِ الْمُفِيدَةِ لِأَحْكَامِهَا كَالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ وَنَحْوِهِمَا هَلْ يَقْتَضِي فَسَادَهَا أَوْ لَا ؟
فَذَهَبَ جَمَاهِيرُ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَصْحَابِ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ ، وَالْحَنَابِلَةِ وَجَمِيعِ أَهْلِ الظَّاهِرِ ، وَجَمَاعَةٍ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ إِلَى فَسَادِهَا ، لَكِنِ اخْتَلَفُوا فِي جِهَةِ الْفَسَادِ ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : إِنَّ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : إِنَّهُ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ دُونَ اللُّغَةِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَقُلْ بِالْفَسَادِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا
كَالْقَفَّالِ وَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14847وَالْغَزَالِيِّ وَكَثِيرٍ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ ، وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ
الْمُعْتَزِلَةِ كَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيِّ وَأَبِي الْحُسَيْنِ الْكَرْخِيِّ nindex.php?page=showalam&ids=14959وَالْقَاضِي عَبْدِ الْجَبَّارِ وَأَبِي الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيِّ وَكَثِيرٍ مِنْ مَشَايِخِهِمْ .
وَلَا نَعْرِفُ خِلَافًا فِي أَنَّ مَا نُهِيَ عَنْهُ لِغَيْرِهِ أَنَّهُ لَا يَفْسَدُ كَالنَّهْيِ عَنِ الْبَيْعِ فِي وَقْتِ النِّدَاءِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلَّا مَا نُقِلَ عَنْ مَذْهَبِ
مَالِكٍ nindex.php?page=showalam&ids=12251وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ .
وَالْمُخْتَارُ أَنَّ مَا نُهِيَ عَنْهُ لِعَيْنِهِ
[3] فَالنَّهْيُ لَا يَدُلُّ عَلَى فَسَادِهِ مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ بَلْ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى .
أَمَّا أَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى الْفَسَادِ مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ فَلِأَنَّهُ لَا مَعْنًى لِكَوْنِ التَّصَرُّفُ فَاسِدًا سِوَى انْتِفَاءِ أَحْكَامِهِ وَثَمَرَاتِهِ الْمَقْصُودَةِ مِنْهُ وَخُرُوجِهِ عَنْ كَوْنِهِ سَبَبًا مُفِيدًا لَهَا ، وَالنَّهْيُ هُوَ طَلَبُ تَرْكِ الْفِعْلِ وَلَا إِشْعَارَ لَهُ بِسَلْبِ أَحْكَامِهِ وَثَمَرَاتِهِ وَإِخْرَاجِهِ عَنْ كَوْنِهِ سَبَبًا مُفِيدًا لَهَا .
وَلِهَذَا فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ : نَهَيْتُكَ عَنْ ذَبْحِ شَاةِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ لِعَيْنِهِ ، وَلَكِنْ إِنْ فَعَلْتَ حُلَّتِ الذَّبِيحَةُ وَكَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِلْحِلِّ ، وَنَهَيْتُكَ عَنِ اسْتِيلَادِ جَارِيَةِ الِابْنِ لِعَيْنِهِ وَإِنْ فَعَلْتَ مَلَكْتَهَا ، وَنَهَيْتُكَ عَنْ بَيْعِ مَالِ الرِّبَا بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا لِعَيْنِهِ وَإِنْ فَعَلْتَ
[ ص: 189 ] ثَبَتَ الْمِلْكُ ، وَكَانَ الْبَيْعُ سَبَبًا لَهُ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ مُتَنَاقِضًا .
وَلَوْ كَانَ النَّهْيُ عَنِ التَّصَرُّفِ لِعَيْنِهِ مُقْتَضِيًا لِفَسَادِهِ لَكَانَ ذَلِكَ مُتَنَاقِضًا
[4] .
وَأَمَّا أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْفَسَادِ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى فَذَلِكَ لِأَنَّ النَّهْيَ طَلَبُ تَرْكِ الْفِعْلِ ، وَهُوَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ لِمَقْصُودٍ دَعَا الشَّارِعُ إِلَى طَلَبِ تَرْكِ الْفِعْلِ
[5] أَوْ لَا لِمَقْصُودٍ لَا جَائِزٌ أَنْ يُقَالَ إِنَّهُ لَا لِمَقْصُودٍ .
أَمَّا عَلَى أُصُولِ
الْمُعْتَزِلَةِ فَلِأَنَّهُ عَبَثٌ وَالْعَبَثُ قَبِيحٌ وَالْقَبِيحُ لَا يَصْدُرُ مِنَ الشَّارِعِ .
وَأَمَّا عَلَى أُصُولِنَا
[6] فَإِنَّا وَإِنْ جَوَّزْنَا خُلُوَّ أَفْعَالِ اللَّهِ تَعَالَى عَنِ الْحِكَمِ وَالْمَقَاصِدِ غَيْرَ أَنَّا نَعْتَقِدُ أَنَّ الْأَحْكَامَ الْمَشْرُوعَةَ لَا تَخْلُو عَنْ حِكْمَةٍ وَمَقْصُودٍ رَاجِعٍ إِلَى الْعَبْدِ ، لَكِنْ لَا بِطْرِيقَ الْوُجُوبِ بَلْ بِحُكْمِ الْوُقُوعِ .
فَالْإِجْمَاعُ إِذًا مُنْعَقِدٌ عَلَى امْتِنَاعِ خُلُوِّ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ عَنِ الْحُكْمِ ، وَسَوَاءٌ ظَهَرَتْ لَنَا أَمْ لَمْ تَظْهَرْ .
وَبِتَقْدِيرِ تَسْلِيمِ خُلُوِّ بَعْضِ الْأَحْكَامِ عَنِ الْحِكْمَةِ إِلَّا أَنَّهُ نَادِرٌ ، وَالْغَالِبُ عَدَمُ الْخُلُوِّ .
وَعِنْدَ ذَلِكَ فَإِدْرَاجُ مَا وَقَعَ فِيهِ النِّزَاعُ تَحْتَ الْغَالِبِ يَكُونُ أَغْلَبَ .
وَإِذَا بَطَلَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لَا لِمَقْصُودٍ تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ لِمَقْصُودٍ ، وَإِذَا كَانَ لِمَقْصُودٍ فَلَوْ صَحَّ التَّصَرُّفُ وَكَانَ سَبَبًا لِحُكْمِهِ الْمَطْلُوبِ مِنْهُ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَقْصُودَ النَّهْيِ رَاجِحًا عَلَى مَقْصُودِ الصِّحَّةِ أَوْ مُسَاوِيًا أَوْ مَرْجُوحًا ، لَا جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ مَرْجُوحًا إِذِ الْمَرْجُوحُ لَا يَكُونُ مَقْصُودًا مَطْلُوبًا فِي نَظَرِ الْعُقَلَاءِ .
وَالْغَالِبُ مِنَ الشَّارِعِ إِنَّمَا هُوَ التَّقْرِيرُ لَا التَّغْيِيرُ .
وَمَا لَا يَكُونُ مَقْصُودًا فَلَا يُرَدُّ طَلَبُ التَّرْكِ لِأَجْلِهِ ، وَإِلَّا كَانَ الطَّلَبُ خَلِيًّا عَنِ الْحِكْمَةِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ لِمَا سَبَقَ .
[ ص: 190 ] وَبِمِثْلِ ذَلِكَ يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُسَاوِيًا
[7] فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ رَاجِحًا عَلَى مَقْصُودِ الصِّحَّةِ ، وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ امْتِنَاعُ الصِّحَّةِ وَامْتِنَاعُ انْعِقَادِ التَّصَرُّفِ لِإِفَادَةِ أَحْكَامِهِ ، وَإِلَّا كَانَ الْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ خَلِيًّا عَنْ حِكْمَةٍ وَمَقْصُودٍ ، ضَرُورَةَ كَوْنِ مَقْصُودِهَا مَرْجُوحًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ ، وَإِثْبَاتُ الْحُكْمِ خَلِيًّا عَنِ الْحِكْمَةِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مُمْتَنِعٌ لِمَا فِيهِ مِنْ مُخَالَفَةِ الْإِجْمَاعِ ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ .
فَإِنْ قِيلَ مَا ذَكَرْتُمُوهُ مِنْ كَوْنِ النَّهْيِ لَا يَدُلُّ عَلَى الْفَسَادِ لُغَةً مُعَارَضٌ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ .
وَبَيَانُهُ مِنْ جِهَةِ النَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ وَالْمَعْنَى .
أَمَّا مِنْ جِهَةِ النَّصِّ فَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10355223مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ " وَفِي رِوَايَةٍ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10355224أَدْخَلَ فِي دِينِنَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ " وَالْمَرْدُودُ مَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَلَا مَقْبُولٍ .
وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمَنْهِيَّ لَيْسَ بِمَأْمُورٍ وَلَا هُوَ مِنَ الدِّينِ فَكَانَ مَرْدُودًا .
وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فَهُوَ أَنَّ الصَّحَابَةَ اسْتَدَلُّوا عَلَى فَسَادِ الْعُقُودِ بِالنَّهْيِ ، فَمِنْ ذَلِكَ احْتِجَاجُ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ عَلَى فَسَادِ نِكَاحِ الْمُشْرِكَاتِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=221وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ ) ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ مُنْكِرٌ فَكَانَ إِجْمَاعًا .
وَمِنْهَا احْتِجَاجُ الصَّحَابَةِ عَلَى فَسَادِ عُقُودِ الرِّبَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=278وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا ) ، وَبِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10355225لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ وَلَا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ " الْحَدِيثَ إِلَى آخِرِهِ .
وَأَمَّا الْمَعْنَى فَمِنْ وَجْهَيْنِ :
الْأَوَّلُ : أَنَّا أَجْمَعْنَا عَلَى حَمْلِ بَعْضِ الْمَنَاهِي عَلَى الْفَسَادِ كَالنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْجُزْءِ الْمَجْهُولِ ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُقْتَضَى النَّهْيِ لَكَانَ لِأَمْرٍ خَارِجٍ ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ فَكَانَ مُقْتَضَى النَّهْيِ ، وَيَلْزَمُ مِنْهُ الْفَسَادُ حَيْثُ وُجِدَ ، وَإِلَّا كَانَ فِيهِ نَفْيُ الْمَدْلُولِ مَعَ تَحَقُّقِ دَلِيلِهِ ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ مُخَالِفٌ لِلْأَصْلِ .
الثَّانِي : النَّهْيُ مُشَارِكٌ لِلْأَمْرِ فِي الطَّلَبِ وَالِاقْتِضَاءِ وَمُخَالِفٌ لَهُ فِي طَلَبِ التَّرْكِ ، وَالْأَمْرُ دَلِيلُ الصِّحَّةِ فَلْيَكُنِ النَّهْيُ دَلِيلُ الْفَسَادِ الْمُقَابِلِ لِلصِّحَّةِ ، ضَرُورَةَ كَوْنِ النَّهْيِ مُقَابِلًا لِلْأَمْرِ ، وَأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُ أَحَدِ الْمُتَقَابِلَيْنِ مُقَابِلًا لِحُكْمِ الْآخَرِ .
[ ص: 191 ] ثُمَّ مَا ذَكَرْتُمُوهُ مَنْقُوضٌ بِالنَّهْيِ عَنِ الْعِبَادَةِ لِعَيْنِهَا ، فَإِنَّا أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّهَا لَا تَصِحُّ وَلَوْ صَرَّحَ النَّاهِي بِالصِّحَّةِ لَكَانَ مُتَنَاقِضًا .
وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ النَّهْيَ لَا يَدُلُّ عَلَى الْفَسَادِ لُغَةً ، وَلَكِنْ لَا نُسَلِّمُ دَلَالَتَهُ عَلَى الْفَسَادِ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى .
وَمَا ذَكَرْتُمُوهُ مِنْ وُجُوبِ تَرْجِيحِ مَقْصُودِ النَّهْيِ عَلَى مَقْصُودِ الصِّحَّةِ فَغَايَتُهُ أَنَّهُ يُنَاسِبُ نَفْيَ الصِّحَّةِ ، وَلَيْسَ يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ نَفْيُ الصِّحَّةِ إِلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ لَهُ شَاهِدٌ بِالِاعْتِبَارِ .
وَلَوْ بَيَّنْتُمْ لَهُ شَاهِدًا بِالِاعْتِبَارِ كَانَ الْفَسَادُ لَازِمًا مِنَ الْقِيَاسِ ، لَا مِنْ نَفْسِ النَّهْيِ وَلَا مِنْ مَعْنَاهُ .
وَالْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10355224مَنْ أَدْخَلَ فِي دِينِنَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ " مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ : الْأَوَّلُ : لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْفِعْلَ الْمَأْتِيَّ بِهِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ سَبَبٌ لِتَرَتُّبِ أَحْكَامِهِ عَلَيْهِ لَيْسَ مِنَ الدِّينِ حَتَّى يَكُونَ مَرْدُودًا .
الثَّانِي : أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْفَاعِلَ وَتَقْدِيرُهُ : مَنْ أَدْخَلَ فِي دِينِنَا مَا لَيْسَ مِنْهُ ، فَالْفَاعِلُ رَدٌّ أَيْ مَرْدُودٌ وَمَعْنَى كَوْنِهِ مَرْدُودًا أَنَّهُ غَيْرُ مُثَابٍ عَلَيْهِ وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ .
فَإِنْ قِيلَ : عَوْدُ الضَّمِيرِ إِلَى الْفِعْلِ أَوْلَى إِذْ هُوَ أَقْرَبُ مَذْكُورٍ .
قُلْنَا : إِلَّا أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ الْمُعَارَضَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الدَّلِيلِ ، وَلَا كَذَلِكَ فِيمَا إِذَا عَادَ إِلَى نَفْسِ الْفَاعِلِ فَكَانَ عَوْدُهُ إِلَى الْفَاعِلِ أَوْلَى .
الثَّالِثُ : أَنَّهُ وَإِنْ عَادَ إِلَى نَفْسِ الْفِعْلِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ إِلَّا أَنَّ مَعْنَى كَوْنِهِ رَدًّا أَنَّهُ مَرْدُودٌ بِمَعْنَى أَنَّهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ ، وَمَا لَا يَكُونُ مَقْبُولًا هُوَ الَّذِي لَا يَكُونُ مُثَابًا عَلَيْهِ ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ مُثَابٍ غَيْرُ مُثَابٍ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَكُونَ سَبَبًا لِتَرَتُّبِ أَحْكَامِهِ الْخَاصَّةِ بِهِ عَلَيْهِ ، وَهُوَ عَيْنُ مَحَلِّ النِّزَاعِ .
وَعَنِ الْحَدِيثِ الْآخَرِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْوَجْهِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ .
ثُمَّ وَإِنْ سَلَّمْنَا دَلَالَتَهُمَا عَلَى الْفَسَادِ فَلَيْسَ فِي ذَلِكَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْفَسَادَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ النَّهْيِ ، بَلْ مِنْ دَلِيلٍ آخَرَ وَهُوَ قَوْلُهُ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10355226فَهُوَ رَدٌّ " وَنَحْنُ لَا نُنْكِرُ ذَلِكَ
[8] .
[ ص: 192 ] وَعَنِ الْإِجْمَاعِ لَا نُسَلِّمُ صِحَّةَ احْتِجَاجِهِمْ بِدَلَالَةِ النَّهْيِ لُغَةً عَلَى الْفَسَادِ ، بَلْ إِنْ صَحَّ ذَلِكَ فَإِنَّمَا يَصِحُّ بِالنَّظَرِ إِلَى دَلَالَةِ الِالْتِزَامِ عَلَى مَا قَرَّرْنَا
[9] ، وَيَجِبُ الْحَمْلُ عَلَيْهِ جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الدَّلِيلِ ، وَبِهِ يَخْرُجُ الْجَوَابُ عَنِ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ مِنَ الْمَعْنَى .
وَعَنِ الثَّانِي مِنَ الْمَعْنَى أَنَّ النَّهْيَ وَإِنْ كَانَ مُقَابِلًا لِلْأَمْرِ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْأَمْرَ مُقْتَضٍ لِلصِّحَّةِ ، حَتَّى يَكُونَ النَّهْيُ مُقْتَضِيًا لِلْفَسَادِ .
وَإِنْ سَلَّمْنَا اقْتِضَاءَ الْأَمْرِ لِلصِّحَّةِ وَأَنَّ النَّهْيَ مُقَابِلٌ لَهُ فَلَا نُسَلِّمُ لُزُومَ اخْتِلَافِ حُكْمَيْهِمَا لِجَوَازِ اشْتِرَاكِ الْمُتَقَابِلَاتِ فِي لَازِمٍ وَاحِدٍ .
وَإِنْ سُلِّمَ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ تَقَابُلُ حُكْمَيْهِمَا فَيَلْزَمُ أَنْ لَا يَكُونَ النَّهْيُ مُقْتَضِيًا لِلصِّحَّةِ .
أَمَّا أَنْ يَكُونَ مُقْتَضِيًا لِلْفَسَادِ فَلَا ، وَأَمَّا النَّقْضُ بِالنَّهْيِ عَنِ الْعِبَادَةِ فَمُنْدَفِعٌ ، لِأَنَّهُ مَهْمَا كَانَ النَّهْيُ عَنِ الْفِعْلِ لِعَيْنِهِ فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ عِبَادَةً مَأْمُورًا بِهَا ، وَمَا لَمْ يَكُنْ عِبَادَةً فَلَا يُتَصَوَّرُ صِحَّتُهُ عِبَادَةً ، وَإِنْ قِيلَ بِفَسَادِهِ مِنْ جِهَةِ خُرُوجِهِ عَنْ كَوْنِهِ سَبَبًا لِتَرْتِيبِ الْأَحْكَامِ الْخَاصَّةِ بِهِ عَلَيْهِ فَهُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ .
وَعَنِ الِاعْتِرَاضِ الْأَخِيرِ أَنَّا لَا نَقْضِي بِالْفَسَادِ لِوُجُودِ مُنَاسِبِ الْفَسَادِ لِيَفْتَقِرَ إِلَى شَاهِدٍ بِالِاعْتِبَارِ ، وَإِنَّمَا قَضَيْنَا بِالْفَسَادِ لِعَدَمِ الْمُنَاسِبِ الْمُعْتَبِرِ بِمَا بَيَّنَاهُ مِنِ اسْتِلْزَامِ النَّهْيِ لِذَلِكَ .