المسألة الثانية
اتفق أصحابنا على أن
nindex.php?page=treesubj&link=27844النهي عن الفعل لا يدل على صحته ، ونقل
أبو زيد عن
محمد بن الحسن [1] وأبي حنيفة أنهما قالا : يدل على صحته .
والمختار مذهب أصحابنا لوجهين : الأول : أن النهي لو دل على الصحة فإما أن يدل عليها بلفظه أو بمعناه ، إذ
[2] الأصل عدم ما سوى ذلك ، واللازم ممتنع .
وبيان امتناع دلالته على الصحة بلفظه أن صحة الفعل لا معنى لها سوى ترتب أحكامه الخاصة به عليه ، والنهي لغة لا يزيد على طلب ترك الفعل ولا إشعار له بغير ذلك نفيا ولا إثباتا .
[ ص: 193 ] وبيان امتناع دلالته على ما بيناه من أن النهي بمعناه يدل على الفساد في المسألة المتقدمة ، فلا يكون ذلك مفيدا لنقيضه وهو الصحة .
الوجه الثاني : أنا أجمعنا على وجود النهي حيث لا صحة كالنهي عن بيع الملاقيح والمضامين وبيع حبل الحبلة ، وكالنهي عن الصلاة في أيام الحيض بقوله - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10355227دعي الصلاة أيام أقرائك " ، والنهي عن نكاح ما نكح الآباء بقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=22ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء ) ، ولو كان النهي مقتضيا للصحة لكان تخلف الصحة مع وجود النهي على خلاف الدليل وهو خلاف الأصل ، وسواء كان لمعارض أو لا لمعارض .
فإن قيل : إذا نهى الشرع عن صوم يوم النحر وعن الصلاة في الأوقات والأماكن المكروهة وعن بيع الربا ، فالأصل تنزيل لفظ الصلاة والصوم والبيع على عرف الشارع وعرف الشارع في ذلك إنما هو الفعل المعتبر في حكمه شرعا ، فلو لم يكن التصرف المنهي عنه كذلك لما كان هو التصرف الشرعي وهو ممتنع .
قلنا : أولا لا نسلم وجود عرف الشرع في هذه الأسماء لما سبق ،
[3] وإن سلمنا أن له عرفا لكن في طرف الأوامر أو النواهي ؟ الأول مسلم والثاني ممنوع .
وعلى هذا فالنهي إنما هو عن التصرف اللغوي دون الشرعي وإن سلمنا عرف الشارع في هذه الأسماء ، ولكن لا نسلم أن عرفه فيها ما ذكروه ، بل ما هو بحال يصح ويمكن صحته ، ويجب الحمل على ذلك جمعا بين الأدلة ، ولا يلزم من كون التصرف ممكن الصحة وقوع الصحة ، كيف وإن ما ذكروه منتقض بما ذكرناه من المناهي
[4] مع انتفاء الصحة عن منهياتها .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ
اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=27844النَّهْيَ عَنِ الْفِعْلِ لَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهِ ، وَنَقَلَ
أَبُو زَيْدٍ عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ [1] وَأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُمَا قَالَا : يَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهِ .
وَالْمُخْتَارُ مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا لِوَجْهَيْنِ : الْأَوَّلُ : أَنَّ النَّهْيَ لَوْ دَلَّ عَلَى الصِّحَّةِ فَإِمَّا أَنْ يَدُلَّ عَلَيْهَا بِلَفْظِهِ أَوْ بِمَعْنَاهُ ، إِذْ
[2] الْأَصْلُ عَدَمُ مَا سِوَى ذَلِكَ ، وَاللَّازِمُ مُمْتَنِعٌ .
وَبَيَانُ امْتِنَاعِ دَلَالَتِهِ عَلَى الصِّحَّةِ بِلَفْظِهِ أَنَّ صِحَّةَ الْفِعْلِ لَا مَعْنًى لَهَا سِوَى تَرَتُّبِ أَحْكَامِهِ الْخَاصَّةِ بِهِ عَلَيْهِ ، وَالنَّهْيُ لُغَةً لَا يَزِيدُ عَلَى طَلَبِ تَرْكِ الْفِعْلِ وَلَا إِشْعَارَ لَهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ نَفْيًا وَلَا إِثْبَاتًا .
[ ص: 193 ] وَبَيَانُ امْتِنَاعِ دَلَالَتِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ مِنْ أَنَّ النَّهْيَ بِمَعْنَاهُ يَدُلُّ عَلَى الْفَسَادِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ ، فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مُفِيدًا لِنَقِيضِهِ وَهُوَ الصِّحَّةُ .
الْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّا أَجْمَعْنَا عَلَى وُجُودِ النَّهْيِ حَيْثُ لَا صِحَّةَ كَالنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْمَلَاقِيحِ وَالْمَضَامِينِ وَبَيْعِ حَبَلِ الْحَبَلَةِ ، وَكَالنَّهْيِ عَنِ الصَّلَاةِ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10355227دَعِي الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِكِ " ، وَالنَّهْيُ عَنْ نِكَاحِ مَا نَكَحَ الْآبَاءُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=22وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ ) ، وَلَوْ كَانَ النَّهْيُ مُقْتَضِيًا لِلصِّحَّةِ لَكَانَ تَخَلُّفَ الصِّحَّةِ مَعَ وُجُودِ النَّهْيِ عَلَى خِلَافِ الدَّلِيلِ وَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ ، وَسَوَاءٌ كَانَ لِمُعَارَضٍ أَوْ لَا لِمُعَارَضٍ .
فَإِنْ قِيلَ : إِذَا نَهَى الشَّرْعُ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ النَّحْرِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ وَالْأَمَاكِنِ الْمَكْرُوهَةِ وَعَنْ بَيْعِ الرِّبَا ، فَالْأَصْلُ تَنْزِيلُ لَفْظِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْبَيْعِ عَلَى عُرْفِ الشَّارِعِ وَعُرْفِ الشَّارِعِ فِي ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ الْفِعْلُ الْمُعْتَبَرُ فِي حُكْمِهِ شَرْعًا ، فَلَوْ لَمْ يَكُنِ التَّصَرُّفُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ كَذَلِكَ لَمَا كَانَ هُوَ التَّصَرُّفُ الشَّرْعِيُّ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ .
قُلْنَا : أَوَّلًا لَا نُسَلِّمُ وُجُودَ عُرْفِ الشَّرْعِ فِي هَذِهِ الْأَسْمَاءِ لِمَا سَبَقَ ،
[3] وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ لَهُ عُرْفًا لَكِنْ فِي طَرَفِ الْأَوَامِرِ أَوِ النَّوَاهِي ؟ الْأَوَّلُ مُسَلَّمٌ وَالثَّانِي مَمْنُوعٌ .
وَعَلَى هَذَا فَالنَّهْيُ إِنَّمَا هُوَ عَنِ التَّصَرُّفِ اللُّغَوِيِّ دُونَ الشَّرْعِيِّ وَإِنْ سَلَّمْنَا عُرْفَ الشَّارِعِ فِي هَذِهِ الْأَسْمَاءِ ، وَلَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ عُرْفَهُ فِيهَا مَا ذَكَرُوهُ ، بَلْ مَا هُوَ بِحَالٍ يَصِحُّ وَيُمْكِنُ صِحَّتُهُ ، وَيَجِبُ الْحَمْلُ عَلَى ذَلِكَ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ التَّصَرُّفِ مُمْكِنُ الصِّحَّةِ وُقُوعُ الصِّحَّةِ ، كَيْفَ وَإِنَّ مَا ذَكَرُوهُ مُنْتَقِضٌ بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْمَنَاهِي
[4] مَعَ انْتِفَاءِ الصِّحَّةِ عَنْ مَنْهِيَّاتِهَا .