الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

رائحة الفم الكريهة أثرت على نفسيتي، فهي لا تفارقني نهائيا!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

نعلم كثرة الأسباب وتعددها لرائحة الفم الكريهة، ولكن هناك رائحة فم لا سبب لها كما هو الحال معي.

أشتكي من رائحة الفم الكريهة (النفاثة جدا) منذ سنوات طويلة وهذا سبب لي الكثير من الإحراج، وأثر على نفسيتي كثيرا، فذهبت لطبيبة الأسنان، وأخبرتني أن لثتي سليمة، وأن لدي سوسة في عدد من أسناني، وقالت لعل هذا السبب، وبدأت بجلسات العلاج، وأصلحتها جميعا، ولكن ما زالت الرائحة تلازمني، وهي نفسها أخبرتني أنه ليس لدي جير إلا الشيء اليسير ولا داعي للتنظيف، ولكنني سمعت من التجارب الكثير في أن التنظيف يزيل رائحة الفم.

ذهبت فورا لأفضل طبيبة أسنان للتنظيف ومشهود لها ومجربة من ناس كثر ولكن دون فائدة، في البداية خفت معي الرائحة بنسبة بسيطة جدا ولكن سرعان ما رجعت كما كانت تماما، فقالت لي الطبيبة: ربما يكون شيء باطني متعلق بالمعدة، فذهبت إلى طبيب الباطنية المختص، وقال: لا يوجد شيء، وقال ممكن أنه بسبب القولون، وأنا القولون فيني بسيط جدا غازات فقط، ولا يوجد هناك ألم -ولله الحمد والشكر-، واستبعدت هذا السبب، فقال لي الطبيب ممكن أن يكون السبب متعلقا بالأنف من الجيوب الأنفية وغيرها.

ذهبت للطبيب المختص بالجيوب، وقال لي: سليمة، ولكنه نصحني باستنشاق الماء والملح، وأعطاني بخاخات للأنف، واستخدمت طريقته فخفت الرائحة قليلا، ولكن بعد ترك البخاخات رجعت الرائحة كما هي، واحترت جدا في موضوعي، علما أن هناك من أعرفهم كان لديه رائحة فم مثلي تماما واختفت منهم، ولم تعود لهم وذلك بسبب فقط التنظيف، وأيضا بعضهم كان التهاب في اللثة بسيط فعالجه، وعمل تنظيفًا وزالت رائحة الفم منه تماما، فتمنيت أن يكون لدي سبب واضح لأعالجه ولكن للأسف، لم يوجد.

ومع مرور الوقت سمعت عن جرثومة تصيب الحلق وتسبب رائحة الفم الكريهة، فذهبت مؤخرا إلى طبيب الحنجرة المختص وسألته هل ممكن أن تكون هناك جرثومة في حلقي هي سبب رائحة فمي؟ فقال نعم، وأخذ مني مسحة من حلقي كتحليل، وأظهرت نتائج التحليل بأن هناك جرثومة وسماه أيضا التهابا في الحلق، وفرحت جدا على الأقل يوجد سبب، وأخبرني أن علاجها هو مضاد حيوي، علما أنه في الكشف المبدئي لم يكن هناك التهاب، وأيضا أنا لا أشكو من آلام في الحلق -ولله الحمد-، ولكنني أشعر بشيء لزج دائما في حلقي في الأعلى من جهة أنفي، وأيضا أسفل حلقي، وحاليا أصبح في بعض الأحيان يخرج إلى فمي وحول أسناني، وأيضا أشعر بانسداد في أغلب الأوقات في أنفي، ولكنه لا يوجد رشح لدي بتاتا، وحاسة الشم تضعف في بعض الأحيان لدي، علما أن طبيب الأنف السابق شكوت له انسداد أنفي، وقال ليس لديك انسداد وأنت سليمة، ولا أعلم ما السبب.

عموما السؤال هنا: هل يوجد فعلا جرثومة في الحلق تسبب رائحة الفم الكريهة؟ وما هو علاجها؟ أنا عملت التحليل في مستشفى خاص، وأنا لا أثق صراحة فيهم بسبب جشعهم فأخاف أن يكون ليس لدي جرثومة، وفي نفس الوقت أطباء الحكومة في الغالب كل شيء لديهم سليم، والتحاليل لديهم والمواعيد على فترات، والمواعيد جدا متباعدة، فما الحل؟ فهل أتابع عند الطبيب الخاص؟ علما أن المادة لدي تكاد تكون معدومة والتحاليل جدا غالية، أم لديكم كلام آخر؟ وما هو المضاد الحيوي المناسب لحالتي؟ وهل لجرثومة الحلق أعراض معينة؟ وآسفة جدا على الإطالة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخت الفاضلة/ رشا حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

في الغالبية العظمى لرائحة الفم يكون السبب متعلقا بالفم, وفي حالتك ذكرت بأن الرائحة تحسنت على استخدام الغسول الأنفي, وأن هناك مادة لزجة خلف الأنف في أعلى الحلق, من هنا علينا أن نبدأ باستقصاء الأنف والجيوب الأنفية بالفحص المباشر، وبالتنظير التلفزيوني في عيادة الأذن والأنف والحنجرة, كما قد يلزم التصوير الشعاعي بالتصوير الطبقي المحوري للأنف والجيوب الأنفية للتأكد من عدم وجود التهاب مزمن فيها، قد يكون مصدرا لهذا المخاط اللزج ومصدرا لهذه الرائحة الكريهة.

في حال وجود التهاب في الجيوب الأنفية فيجب علاجها بتسهيل تصريف المخاط منها، وهذا يتم عبر الفتحات الطبيعية لهذه الجيوب الأنفية, ويفضل الاستمرار على العلاج بمضادات التحسس الفموية (كلاريتين, فيكسوفينادين, سيتريزين)، بالإضافة لمذيبات البلغم (برومكسين, أمبروكسول)، والأهم من كل ما سبق بخاخات الأنف الكورتيزونية الموضعية (فليكسوناز, رينوكورت, أفاميس)، وهذه البخاخات يجب الاستمرار على استخدامها لأشهر لا تقل عن الثلاثة إلى ستة أشهر حتى التأكد من انتهاء الالتهاب في هذه الجيوب الأنفية, وبعض الحالات يتطلب الاستمرار على البخاخات لأكثر من عام.

طريقة استخدام البخاخات المذكورة هي كالتالي:
نمسك بالبخاخ ونرجه جيدا ثم وبوضعية الجلوس نضع البخاخ في المنخر ونغلق باليد الأخرى المنخر الآخر, ونضغط على البخاخ مع الاستنشاق السريع بحيث نأخذ كامل البخة لداخل الأنف بدون أن نسمح لها بالسيلان من مقدمة الأنف, تكرر نفس الطريقة للطرف الآخر مع التبديل بين اليدين بالنسبة للبخاخ الجرعة النظامية هي بخة واحدة في كل منخر صباحا ومساء، ويجب الاستمرار على استخدام البخاخ بشكل منتظم وبدون انقطاع مطلقا طالما يرى الطبيب المختص ضرورة ذلك.

وأما الحالات التي لا تستفيد على العلاجات السابقة فقد تحتاج للعلاج الجراحي بالتنظير للأنف والجيوب الأنفية. وأما في حال خلو الجيوب الأنفية من الالتهاب المزمن بعد إجراء الفحوص السابقة فلا بد من تركيز العلاج على الفم.

في الحقيقة هناك نوعان من الجراثيم التي تستوطن الفم وتسبب الرائحة الكريهة, النوع الأول (إيجابي الغرام)، ويكون فوق الخط اللثوي (أي على الأسنان وفي الفم)، النوع الثاني (سلبي الغرام) ويتوضع تحت مستوى الخط اللثوي (أي في باطن اللثة)، وهو المسؤول عن أغلب الرائحة الكريهة التي نعرفها.

هناك غازات تنتشر من هضم هذه الجراثيم للسكريات والبروتينات الموجودة مع الطعام، فالنوع الأول يتغذى غالبا على السكريات، والنوع الثاني على البروتينات، هذه الغازات تعطي رائحة مميزة لكل منها مثل: البيض المتعفن, الكرنب المتعفن, الثوم, السمك.

كل إنسان لديه مجموعة كبيرة من الجراثيم في باطن الفم، وعلى اللسان، والأسنان واللثة, هذه الجراثيم في حالة التوازن الصحيح نسبة تواجد كل منها لا تعطي الرائحة الكريهة، وأما إن غلبت بعض الجراثيم المعينة فتصبح الرائحة الناتجة عنها كريهة، وعلى هذا فالتوجه الحديث في علاج رائحة الفم الكريهة هي في محاولة تغيير نسب الجراثيم المستوطنة في الفم بحيث نستبدل الجراثيم السيئة بجراثيم جيدة لا تصدر الروائح وتأخذ مكانها، وتمنعها من العودة والاستيطان مجددا في الفم. إحدى هذه الطرق تكون عن طريق تعقيم الفم بالمطهر الفموي بالمضمضة بالكلورهيكزيدين، ثم بمص قرص لوزنج حاوي على جراثيم مفيدة (المكورات العقدية اللعابية K12 ) التي ستستوطن في الفم وتمنع استيطان الجراثيم المفرزة للغازات ذات الرائحة الكريهة التي تكلمت عنها سابقا والاسم التجاري لهذا اللوزنج هو (ORAL BIOTIC BLIS 12) حيث تكرر عملية المضمضة بالمطهر، ثم مص (وليس مضغ) قرص واحد من اللوزنج مرتين يوميا حتى نهاية العلبة، ويجب حفظ العلبة في البراد للمحافظة على الجراثيم التي تحتويها بشكل فعال لأخذ أفضل نتيجة منها.

ثم عليك بحرمان الجراثيم الفموية من البروتينات والسكاكر باتباع حمية نباتية وقليلة السكر (تفيدك أيضا في تخفيض وزنك الزائد)، مع تنظيف الفم فور نهاية الطعام بالفرشاة وبالخيط السني، والمضمضة جيدا بالماء الفاتر، مع تعمد ترك فقاعات الماء فيه أثناء المضمضة، حيث تقوم هذه الفقاعات بدور ميكانيكي في الوصول لفراغات بين الأسنان واللثة وتنظيفها من بقايا الطعام.

طريقة تفريش الأسنان مهمة جدا للحصول على فم نظيف وهي كالتالي:
لا بد من أن تتخلل فرشاة الأسنان بين كل الأسنان ولا ننسى الأسنان الخلفية، وكذلك السطوح الداخلية للأسنان والتي قد تهمل تنظيفها عند استعمال السواك إذا لا بد من التنظيف في كامل السطوح السنية بدأً من حافة اللثة واتجاها نحو حافة الأسنان، وكذلك بين الأسنان باستعمال الخيط, وتنظيف اللثة بفرشاة الأسنان المعتدلة القساوة (الوسط), كما لا بد من تنظيف اللسان (وهو مهم جدا هنا) بفرشاة اللسان الخاصة التي تباع في الصيدليات، وهذا التنظيف يجب أن يتم بلطف حفاظا على الحليمات الذوقية، وهو يتم بدأً من القسم الخلفي للسان باتجاه الأمام ونحاول الوصول إلى أبعد ما يمكن من هذا القسم.

عليك بالتركيز على تناول اللبن (الرائب) الطازج وبعض الأطعمة مثل: الشاي بنوعيه الأخضر والأسود حيث يحتوي على مادة البولي فينول والتي تعمل كقاتل للبكتيريا، والشاي عموماً يعتبر مطهراً للفم وخاصةً إذا أضيف له أي من التوابل العطرية كالقرفة والهيل والقرنفل.

وهناك علاجات بديلة مثل:
استعمال الغسول الفموي باستخدام كيس سيروم ملحي 0.9% (نصف ليتر) يضاف له ملعقة صغيرة من الصودا (بيكنج صودا)، وأربع ملاعق صغيرة من الغليسرين الطبي ويحرك جيدا ثم يتم المضمضة والغرغرة به, وهناك غسولا آخرا يتكون من كيس نصف ليتر سيروم ملحي 0.9% مع ملعقة صودا صغيرة مع (10مل) من سائل الماء الأوكسيجيني (بتركيز 20%) حيث أن الماء الأوكسيجيني ينتج فقاعات الأوكسيجين ضمن الأثلام العميقة للوزتين واللسان والأسنان، وهذه الفقاعات تدفع فضلات الطعام للسطح حيث يتم التخلص منها, ويمكن بعدها دهن الغلسيرين الطبي بالإصبع على اللسان.

ويوجد غسول أيضا بخل التفاح، وفرك اللثة والأسنان واللسان بقشر البرتقال فهي تعمل من ناحيتين: فاحتوائها على حامض الستريك يساعد في تقليل البكتريا الناشئة في الفم والمسببة للرائحة، ومن ناحية أخرى فإن أغلب الحمضيات ذات رائحة مميزة وذات مفعول شبيه بمفعول غسول الفم المنعش.

يذكر أن البقدونس له فوائد أيضا لاحتوائه على مادة الكلوروفيل التي تقضي على البكتريا، إضافة إلى كونه مساعداً في تحسين الهضم مما يعني تقليل الرائحة بطريقة أخرى خاصة إذا تم مضغه نيئاً أو غمسته في القليل من الخل، ويمكنك أيضاً شرب عصير البقدونس من حين لآخر لضمان رائحة أفضل لفمك.

مع أطيب التمنيات بدوام الصحة والعافية من الله تعالى.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً