[ ص: 306 ] 2 ( الفصل الثاني )
3 ( في كيفية الغسل )
nindex.php?page=treesubj&link=267وصفة سائر الأغسال واحدة ، وهو مشتمل على فروض ، وسنن ، وفضائل .
ففروضه خمسة :
الأول :
nindex.php?page=treesubj&link=268الماء الطهور ، وقد تقدم تحريره ، لكن كره مالك - رحمه الله - في الكتاب الاغتسال في الماء الدائم ، والقصرية ، والبئر القليلة الماء إذا وجد من ذلك بدا ، وفي
مسلم قال عليه السلام : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=10348334يغتسل أحدكم في الماء الدائم ، وهو جنب ) وهو يفسده إما لنجاسته على رأي الحنفية ، وإما لأن النفوس تعافه للطعام ، والشراب بعد ذلك ، وإن كان طهورا .
وفي الكتاب : قال
ابن القاسم : سألت
مالكا عن البئر القليلة الماء يأتيها الجنب ، وليس معه ما يغرف به ، وفي يده قذره قال : يحتال حتى يغسل يده .
قال صاحب الطراز : وجه الحيلة أن يرفع الماء بفيه ، ويغسل يديه به أعلى البئر مرارا إن أمكن الصعود ، أو يسكب على يده من فمه ، ويغسلها عند حائط البئر إن تعذر الصعود حتى لا يبقى في يده ما يظهر له أثر في إفساد الماء .
الفرض الثاني :
nindex.php?page=treesubj&link=269النية ، وقد تقدمت مباحثها في الوضوء ، فلنكتف بما هناك ، ونذكر ما يختص بهذا الباب ، وهو قوله في الكتاب : إذا
nindex.php?page=treesubj&link=27365اغتسل للجمعة ، أو للتبرد ، ولم ينو الجنابة لا يجزئه ؛ لقوله عليه السلام : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=10348335إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى ) .
قال صاحب الطراز : روى
أشهب ،
وابن نافع ،
nindex.php?page=showalam&ids=13469وابن كنانة عن
مالك - رحمه الله تعالى - الإجزاء ، وأفتوا به قياسا على من توضأ لنافلة ، فإنه يجزئ للفريضة .
ولأن غسل الجمعة إنما شرع لصلاة الجمعة إذ لا يؤمر به من لا يصليها ، فالغسل لها يتضمن رفع ما يمنع منها كالوضوء للنافلة .
[ ص: 307 ] والفرق للمشهور أن النافلة تتضمن رفع الحدث لتحريم فعلها بالحدث ، فإذا نواها ، فقد نوى لازمها على وجه الالتزام بخلاف غسل الجمعة ، فليس من شرطه رفع الحدث ، ويمكن أن يقال : إنه لا يصح إلا بعد رفع الحدث فيتضمن القياس السابق بل يؤكد ذلك ، ونقول : كل سببين بينهما تلازم شرعي ، فإن القصد إلى أحدهما قصد للآخر كالصلاة مع رفع الحدث ، والعبادة مع أجزائها .
فإن
nindex.php?page=treesubj&link=27365اغتسل لجنابة ناسيا لجمعته . قال صاحب الطراز : قال
ابن حبيب : لا يختلف أصحاب
مالك في عدم الإجزاء خلافا ش ح ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16991ابن عبد الحكم ،
وأشهب ،
وابن أبي سلمة : يجزئه . قال : وهذا لا يقتضي العكس ; لأن
nindex.php?page=showalam&ids=16991ابن عبد الحكم قال : لا تجزئ الجمعة عن الجنابة ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12873ابن الماجشون : تجزئ الجمعة عن الجنابة ، ولا تجزئ الجنابة عن الجمعة .
أما
nindex.php?page=showalam&ids=16991ابن عبد الحكم ، فرأى أن غسل الجمعة لا يتضمن رفع الحدث ، والجنابة تتضمن النظافة فيحصل المقصودان ، وأما
عبد الملك ، فرأى أن غسل الجمعة لا يصح من الجنب ، وإنما شرع في حق الطاهر ، فالقصد إليها قصد للازمها كما تقدم .
فرق :
nindex.php?page=treesubj&link=22638يجزئ غسل الجنابة عن الوضوء من غير أن ينويه ، ولا يجزئه عن غسل الجمعة حتى ينويه مع أنه سنة ، وأخفض رتبة ، وإذا أجزأ عن الأعلى ، فأولى أن يجزئ عن الأدنى ، والفرق من وجهين :
أحدهما : أن الوضوء بعض أجزاء الجنابة ، والأقل تابع للأكثر ، وغسل الجمعة في كل أعضاء الجنابة .
وثانيهما : أن الوضوء واجب من الجنس ، فضم الشيء إلى جنسه أقرب من ضمه إلى غير جنسه .
ولو اغتسل لجمعته ، وجنابته ، ونواهما معا ، فالإجزاء في الكتاب ; لأن المقصود
[ ص: 308 ] من الجنابة رفع الحدث ، ومن غسل الجمعة النظافة ، ولا منافاة بين المقصودين .
وقال
الشيخ أبو القاسم بنفي الإجزاء لأنه مأمور بغسل جملة جسده للجنابة ، فلم يفعل ذلك بل جعل الجمعة مشتركة ، فلا يكون آتيا بما أمر به في واحد منهما ، فلا يجزئه عن واحد منهما .
قال
ابن الجلاب : ويحتمل أن يجزئه عن جمعته دون جنابته لضعف الغسل بالتشريك ، وهو أضعف الغسلين ، وتوهم - رحمه الله - أنها مخرجة على من مشى في حجة واحدة لنذره ، وفرضه ، فإن فيها اختلافا ، وقال
مالك : أحقهما بالقضاء أوجبهما عند الله تعالى ، وليس كما توهمه بل المسألة مذكورة في المدونة كما ترى .
وقال في الكتاب : إذا حاضت أخرت غسلها حتى تطهر . قال
ابن يونس : ينبغي إذا طهرت من الحيض ، ولم تغتسل أن يكون حكمها حكم الجنب في القراءة ، والوضوء قبل النوم لتمكنها من الغسل حينئذ قال
ابن حبيب : يجزئها غسل واحد لهما ، وقال
ابن القاسم في المجموعة : إن نسيت الجنابة أجزأها ; لأن الحيض أشدهما منعا ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15968سحنون : إن نسيت الحيض لم يجزئها لاختصاص الحيض بالمنع من الوطء ، ولأنه الناسخ لحكم الجنابة ، والحكم للناسخ لبطلان المنسوخ ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16991ابن عبد الحكم : يجزئها قياسا على أسباب الأحداث في الطهارة الصغرى . قال
ابن يونس : وهذا هو الصواب ، وهو موافق لقول
ابن القاسم في المدونة في الشجة إذا كانت موضع الوضوء إن غسلها بنية الوضوء يجزئ عن الجنابة ، وقال
اللخمي : تجزئ نية الوضوء عن الغسل ، ويبني على المغسول ، ونية الغسل عن الوضوء ; لأن كليهما فرض طهارة .
الفرض الثالث :
nindex.php?page=treesubj&link=272تعميم الجسد بالغسل لقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=6وإن كنتم جنبا فاطهروا ) وقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43حتى تغتسلوا ) واللفظ ظاهر في الاستغراق .
[ ص: 309 ] الفرض الرابع :
nindex.php?page=treesubj&link=268التدليك قال في الكتاب : في الجنب ، والمتوضئ يأتي النهر ينغمس فيه ناويا الطهر لا يجزئه إلا أن يتدلك خلافا ش ح .
قال في الرسالة : وما شك فيه عاوده بالماء ، والدلك ، ويتابع عمق سرته ، وتحت حلقه ، وحاجبيه ، وباطن ركبتيه ، ورفغيه . قال
nindex.php?page=showalam&ids=16991ابن عبد الحكم ،
وأبو الفرج : إذا والى الصب بالماء ، أو أطال المكث تحت الماء حتى علم وصوله للبشرة أجزأه ، فرأى أن الدلك لا يجب لنفسه ، وإنما يجب للإيصال .
ومنشأ الخلاف هل حقيقة الغسل لغة الإيصال مع الدلك فيجب ، وهو الصحيح ، ولذلك تفرق العرب بين الغسل ، والغمس لأجل التدليك ، فتقول غمست اللقمة في المرق ، ولا تقول غسلتها ، أو نقول حقيقته الإيصال فقط لقول العرب غسلت السماء الأرض إذا أمطرتها ، واعتبر أصحابنا التدليك في الوضوء ، والغسل ، ومسح الرأس ، والتيمم ، والخفين لأنها طهارات ، فتسوى في ذلك .
وقال بعض الشافعية : لو ألقت الريح التراب على وجهه ويديه ، أو تلقى المطر برأسه أجزأه .
حجتنا : أن المحدث ممنوع من العبادات وفاقا ، والأصل بقاؤه على ذلك في صورة النزاع ، وأما ما في
مسلم من قوله عليه السلام لأم سلمة : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=10348336إنما يكفيك أن تحثي الماء على رأسك ثلاث حثيات ، ثم تفيضي الماء عليك ، فتطهرين ) ، وفي
أبي داود ،
nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي عنه عليه الصلاة والسلام : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=10348337الصعيد الطيب وضوء المسلم ، ولو لم يجد الماء عشر سنين ) فهي مطلقة في كيفية الاستعمال ، فتحمل على ما ذكرناه جمعا بين الأدلة ، ولأنه مجمع عليه فيكون أرجح مما ذكره الخصم .
فرع : إن
nindex.php?page=treesubj&link=267عجز عن تدليك بعض جسده . قال صاحب الطراز : قال
nindex.php?page=showalam&ids=15968سحنون : يعد له خرقة ، وقال
ابن القصار : يسقط كما يسقط فرض القراءة عن
[ ص: 310 ] الأخرس ، ولأنه لم ينقل عن أحد من السلف اتخاذ خرقة ، ونحوها ، فلو كان واجبا لشاع من فعلهم ، وفرق أيضا بين القليل ، والكثير .
الفرض الخامس :
nindex.php?page=treesubj&link=272الفور . قاله
ابن يونس ، ودليله ما تقدم في الوضوء .
[ ص: 306 ] 2 ( الْفَصْلُ الثَّانِي )
3 ( فِي كَيْفِيَّةِ الْغُسْلِ )
nindex.php?page=treesubj&link=267وَصِفَةُ سَائِرِ الْأَغْسَالِ وَاحِدَةٌ ، وَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى فُرُوضٍ ، وَسُنَنٍ ، وَفَضَائِلَ .
فَفُرُوضُهُ خَمْسَةٌ :
الْأَوَّلُ :
nindex.php?page=treesubj&link=268الْمَاءُ الطَّهُورُ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَحْرِيرُهُ ، لَكِنْ كَرِهَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْكِتَابِ الِاغْتِسَالَ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ ، وَالْقَصْرِيَّةِ ، وَالْبِئْرِ الْقَلِيلَةِ الْمَاءِ إِذَا وَجَدَ مِنْ ذَلِكَ بُدًّا ، وَفِي
مُسْلِمٍ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=10348334يَغْتَسِلُ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ ، وَهُوَ جُنُبٌ ) وَهُوَ يُفْسِدُهُ إِمَّا لِنَجَاسَتِهِ عَلَى رَأْيِ الْحَنَفِيَّةِ ، وَإِمَّا لِأَنَّ النُّفُوسَ تَعَافُهُ لِلطَّعَامِ ، وَالشَّرَابِ بَعْدَ ذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَ طَهُورًا .
وَفِي الْكِتَابِ : قَالَ
ابْنُ الْقَاسِمِ : سَأَلْتُ
مَالِكًا عَنِ الْبِئْرِ الْقَلِيلَةِ الْمَاءِ يَأْتِيهَا الْجُنُبُ ، وَلَيْسَ مَعَهُ مَا يَغْرِفُ بِهِ ، وَفِي يَدِهِ قَذَرُهُ قَالَ : يَحْتَالُ حَتَّى يَغْسِلَ يَدَهُ .
قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ : وَجْهُ الْحِيلَةِ أَنْ يَرْفَعَ الْمَاءَ بِفِيهِ ، وَيَغْسِلَ يَدَيْهِ بِهِ أَعْلَى الْبِئْرِ مِرَارًا إِنْ أَمْكَنَ الصُّعُودُ ، أَوْ يَسْكُبَ عَلَى يَدِهِ مِنْ فَمِهِ ، وَيَغْسِلَهَا عِنْدَ حَائِطِ الْبِئْرِ إِنْ تَعَذَّرَ الصُّعُودُ حَتَّى لَا يَبْقَى فِي يَدِهِ مَا يَظْهَرُ لَهُ أَثَرٌ فِي إِفْسَادِ الْمَاءِ .
الْفَرْضُ الثَّانِي :
nindex.php?page=treesubj&link=269النِّيَّةُ ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ مَبَاحِثُهَا فِي الْوُضُوءِ ، فَلْنَكْتَفِ بِمَا هُنَاكَ ، وَنَذْكُرْ مَا يَخْتَصُّ بِهَذَا الْبَابِ ، وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ : إِذَا
nindex.php?page=treesubj&link=27365اغْتَسَلَ لِلْجُمُعَةِ ، أَوْ لِلتَّبَرُّدِ ، وَلَمْ يَنْوِ الْجَنَابَةَ لَا يُجْزِئُهُ ؛ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=10348335إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى ) .
قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ : رَوَى
أَشْهَبُ ،
وَابْنُ نَافِعٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13469وَابْنُ كِنَانَةَ عَنْ
مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْإِجْزَاءَ ، وَأَفْتَوْا بِهِ قِيَاسًا عَلَى مَنْ تَوَضَّأَ لِنَافِلَةٍ ، فَإِنَّهُ يُجْزِئُ لِلْفَرِيضَةِ .
وَلِأَنَّ غُسْلَ الْجُمُعَةِ إِنَّمَا شُرِعَ لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ إِذْ لَا يُؤْمَرُ بِهِ مَنْ لَا يُصَلِّيهَا ، فَالْغُسْلُ لَهَا يَتَضَمَّنُ رَفْعَ مَا يَمْنَعُ مِنْهَا كَالْوُضُوءِ لِلنَّافِلَةِ .
[ ص: 307 ] وَالْفَرْقُ لِلْمَشْهُورِ أَنَّ النَّافِلَةَ تَتَضَمَّنُ رَفْعَ الْحَدَثِ لِتَحْرِيمِ فِعْلِهَا بِالْحَدَثِ ، فَإِذَا نَوَاهَا ، فَقَدْ نَوَى لَازِمَهَا عَلَى وَجْهِ الِالْتِزَامِ بِخِلَافِ غُسْلِ الْجُمُعَةِ ، فَلَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ رَفْعُ الْحَدَثِ ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ : إِنَّهُ لَا يَصِحُّ إِلَّا بَعْدَ رَفْعِ الْحَدَثِ فَيَتَضَمَّنُ الْقِيَاسَ السَّابِقَ بَلْ يُؤَكِّدُ ذَلِكَ ، وَنَقُولُ : كُلُّ سَبَبَيْنِ بَيْنَهُمَا تَلَازُمٌ شَرْعِيٌّ ، فَإِنَّ الْقَصْدَ إِلَى أَحَدِهِمَا قَصْدٌ لِلْآخَرِ كَالصَّلَاةِ مَعَ رَفْعِ الْحَدَثِ ، وَالْعِبَادَةِ مَعَ أَجْزَائِهَا .
فَإِنِ
nindex.php?page=treesubj&link=27365اغْتَسَلَ لِجَنَابَةٍ نَاسِيًا لِجُمُعَتِهِ . قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ : قَالَ
ابْنُ حَبِيبٍ : لَا يَخْتَلِفُ أَصْحَابُ
مَالِكٍ فِي عَدَمِ الْإِجْزَاءِ خِلَافًا ش ح ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16991ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ ،
وَأَشْهَبُ ،
وَابْنُ أَبِي سَلَمَةَ : يُجْزِئُهُ . قَالَ : وَهَذَا لَا يَقْتَضِي الْعَكْسَ ; لِأَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=16991ابْنَ عَبْدِ الْحَكَمِ قَالَ : لَا تُجْزِئُ الْجُمُعَةُ عَنِ الْجَنَابَةِ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12873ابْنُ الْمَاجِشُونِ : تُجْزِئُ الْجُمُعَةُ عَنِ الْجَنَابَةِ ، وَلَا تُجْزِئُ الْجَنَابَةُ عَنِ الْجُمُعَةِ .
أَمَّا
nindex.php?page=showalam&ids=16991ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ ، فَرَأَى أَنَّ غُسْلَ الْجُمُعَةِ لَا يَتَضَمَّنُ رَفْعَ الْحَدَثِ ، وَالْجَنَابَةُ تَتَضَمَّنُ النَّظَافَةَ فَيَحْصُلُ الْمَقْصُودَانِ ، وَأَمَّا
عَبْدُ الْمَلِكِ ، فَرَأَى أَنَّ غُسْلَ الْجُمُعَةِ لَا يَصِحُّ مِنَ الْجُنُبِ ، وَإِنَّمَا شُرِعَ فِي حَقِّ الطَّاهِرِ ، فَالْقَصْدُ إِلَيْهَا قَصْدٌ لِلَازِمِهَا كَمَا تَقَدَّمَ .
فَرْقٌ :
nindex.php?page=treesubj&link=22638يُجْزِئُ غُسْلُ الْجَنَابَةِ عَنِ الْوُضُوءِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْوِيَهُ ، وَلَا يُجْزِئُهُ عَنْ غُسْلِ الْجُمُعَةِ حَتَّى يَنْوِيَهُ مَعَ أَنَّهُ سُنَّةٌ ، وَأَخْفَضُ رُتْبَةً ، وَإِذَا أَجْزَأَ عَنِ الْأَعْلَى ، فَأَوْلَى أَنْ يُجْزِئَ عَنِ الْأَدْنَى ، وَالْفَرْقُ مِنْ وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّ الْوُضُوءَ بَعْضُ أَجْزَاءِ الْجَنَابَةِ ، وَالْأَقَلُّ تَابِعٌ لِلْأَكْثَرِ ، وَغُسْلُ الْجُمُعَةِ فِي كُلِّ أَعْضَاءِ الْجَنَابَةِ .
وَثَانِيهِمَا : أَنَّ الْوُضُوءَ وَاجِبٌ مِنَ الْجِنْسِ ، فَضَمُّ الشَّيْءِ إِلَى جِنْسِهِ أَقْرَبُ مِنْ ضَمِّهِ إِلَى غَيْرِ جِنْسِهِ .
وَلَوِ اغْتَسَلَ لِجُمُعَتِهِ ، وَجَنَابَتِهِ ، وَنَوَاهُمَا مَعًا ، فَالْإِجْزَاءُ فِي الْكِتَابِ ; لِأَنَّ الْمَقْصُودَ
[ ص: 308 ] مِنَ الْجَنَابَةِ رَفْعُ الْحَدَثِ ، وَمِنْ غُسْلِ الْجُمُعَةِ النَّظَافَةُ ، وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْمَقْصُودَيْنِ .
وَقَالَ
الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ بِنَفْيِ الْإِجْزَاءِ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِغُسْلِ جُمْلَةِ جَسَدِهِ لِلْجَنَابَةِ ، فَلَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ بَلْ جَعَلَ الْجُمُعَةَ مُشْتَرَكَةً ، فَلَا يَكُونُ آتِيًا بِمَا أُمِرَ بِهِ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، فَلَا يُجْزِئُهُ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا .
قَالَ
ابْنُ الْجَلَّابِ : وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُجْزِئَهُ عَنْ جُمُعَتِهِ دُونَ جَنَابَتِهِ لِضَعْفِ الْغُسْلِ بِالتَّشْرِيكِ ، وَهُوَ أَضْعَفُ الْغُسْلَيْنِ ، وَتَوَهَّمَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهَا مُخَرَّجَةٌ عَلَى مَنْ مَشَى فِي حَجَّةٍ وَاحِدَةٍ لِنَذْرِهِ ، وَفَرْضِهِ ، فَإِنَّ فِيهَا اخْتِلَافًا ، وَقَالَ
مَالِكٌ : أَحَقُّهُمَا بِالْقَضَاءِ أَوْجَبُهُمَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى ، وَلَيْسَ كَمَا تَوَهَّمَهُ بَلِ الْمَسْأَلَةُ مَذْكُورَةٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ كَمَا تَرَى .
وَقَالَ فِي الْكِتَابِ : إِذَا حَاضَتْ أَخَّرَتْ غُسْلَهَا حَتَّى تَطْهُرَ . قَالَ
ابْنُ يُونُسَ : يَنْبَغِي إِذَا طَهُرَتْ مِنَ الْحَيْضِ ، وَلَمْ تَغْتَسِلْ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهَا حُكْمَ الْجُنُبِ فِي الْقِرَاءَةِ ، وَالْوُضُوءِ قَبْلَ النَّوْمِ لِتَمَكُّنِهَا مِنَ الْغُسْلِ حِينَئِذٍ قَالَ
ابْنُ حَبِيبٍ : يُجْزِئُهَا غُسْلٌ وَاحِدٌ لَهُمَا ، وَقَالَ
ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ : إِنْ نَسِيَتِ الْجَنَابَةَ أَجْزَأَهَا ; لِأَنَّ الْحَيْضَ أَشَدُّهُمَا مَنْعًا ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15968سَحْنُونُ : إِنْ نَسِيَتِ الْحَيْضَ لَمْ يُجْزِئْهَا لِاخْتِصَاصِ الْحَيْضِ بِالْمَنْعِ مِنَ الْوَطْءِ ، وَلِأَنَّهُ النَّاسِخُ لِحُكْمِ الْجَنَابَةِ ، وَالْحُكْمُ لِلنَّاسِخِ لِبُطْلَانِ الْمَنْسُوخِ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16991ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ : يُجْزِئُهَا قِيَاسًا عَلَى أَسْبَابِ الْأَحْدَاثِ فِي الطَّهَارَةِ الصُّغْرَى . قَالَ
ابْنُ يُونُسَ : وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ
ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الشَّجَّةِ إِذَا كَانَتْ مَوْضِعَ الْوُضُوءِ إِنْ غَسَلَهَا بِنِيَّةِ الْوُضُوءِ يُجْزِئُ عَنِ الْجَنَابَةِ ، وَقَالَ
اللَّخْمِيُّ : تُجْزِئُ نِيَّةُ الْوُضُوءِ عَنِ الْغُسْلِ ، وَيَبْنِي عَلَى الْمَغْسُولِ ، وَنِيَّةُ الْغُسْلِ عَنِ الْوُضُوءِ ; لِأَنَّ كِلَيْهِمَا فَرْضُ طَهَارَةٍ .
الْفَرْضُ الثَّالِثُ :
nindex.php?page=treesubj&link=272تَعْمِيمُ الْجَسَدِ بِالْغُسْلِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=6وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا ) وَقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43حَتَّى تَغْتَسِلُوا ) وَاللَّفْظُ ظَاهِرٌ فِي الِاسْتِغْرَاقِ .
[ ص: 309 ] الْفَرْضُ الرَّابِعُ :
nindex.php?page=treesubj&link=268التَّدْلِيكُ قَالَ فِي الْكِتَابِ : فِي الْجُنُبِ ، وَالْمُتَوَضِّئِ يَأْتِي النَّهْرَ يَنْغَمِسُ فِيهِ نَاوِيًا الطُّهْرَ لَا يُجْزِئُهُ إِلَّا أَنْ يَتَدَلَّكَ خِلَافًا ش ح .
قَالَ فِي الرِّسَالَةِ : وَمَا شَكَّ فِيهِ عَاوَدَهُ بِالْمَاءِ ، وَالدَّلْكِ ، وَيُتَابِعُ عُمْقَ سُرَّتِهِ ، وَتَحْتَ حَلْقِهِ ، وَحَاجِبَيْهِ ، وَبَاطِنِ رُكْبَتَيْهِ ، وَرُفْغَيْهِ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16991ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ ،
وَأَبُو الْفَرَجِ : إِذَا وَالَى الصَّبَّ بِالْمَاءِ ، أَوْ أَطَالَ الْمُكْثَ تَحْتَ الْمَاءِ حَتَّى عَلِمَ وُصُولَهُ لِلْبَشَرَةِ أَجْزَأَهُ ، فَرَأَى أَنَّ الدَّلْكَ لَا يَجِبُ لِنَفْسِهِ ، وَإِنَّمَا يَجِبُ لِلْإِيصَالِ .
وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ هَلْ حَقِيقَةُ الْغُسْلِ لُغَةً الْإِيصَالُ مَعَ الدَّلْكِ فَيَجِبُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، وَلِذَلِكَ تُفَرِّقُ الْعَرَبُ بَيْنَ الْغُسْلِ ، وَالْغَمْسِ لِأَجْلِ التَّدْلِيكِ ، فَتَقُولُ غَمَسْتُ اللُّقْمَةَ فِي الْمَرَقِ ، وَلَا تَقُولُ غَسَلْتُهَا ، أَوْ نَقُولُ حَقِيقَتُهُ الْإِيصَالُ فَقَطْ لِقَوْلِ الْعَرَبِ غَسَلَتِ السَّمَاءُ الْأَرْضَ إِذَا أَمْطَرَتْهَا ، وَاعْتَبَرَ أَصْحَابُنَا التَّدْلِيكَ فِي الْوُضُوءِ ، وَالْغُسْلِ ، وَمَسْحِ الرَّأْسِ ، وَالتَّيَمُّمِ ، وَالْخُفَّيْنِ لِأَنَّهَا طَهَارَاتٌ ، فَتُسَوَّى فِي ذَلِكَ .
وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ : لَوْ أَلْقَتِ الرِّيحُ التُّرَابَ عَلَى وَجْهِهِ وَيَدَيْهِ ، أَوْ تَلَقَّى الْمَطَرَ بِرَأْسِهِ أَجْزَأَهُ .
حُجَّتُنَا : أَنَّ الْمُحْدِثَ مَمْنُوعٌ مِنَ الْعِبَادَاتِ وِفَاقًا ، وَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ عَلَى ذَلِكَ فِي صُورَةِ النِّزَاعِ ، وَأَمَّا مَا فِي
مُسْلِمٍ مِنْ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِأُمِّ سَلَمَةَ : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=10348336إِنَّمَا يَكْفِيكِ أَنْ تُحْثِي الْمَاءَ عَلَى رَأْسِكِ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ ، ثُمَّ تُفِيضِي الْمَاءَ عَلَيْكِ ، فَتَطْهُرِينَ ) ، وَفِي
أَبِي دَاوُدَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13948وَالتِّرْمِذِيِّ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=10348337الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ وُضُوءُ الْمُسْلِمِ ، وَلَوْ لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ عَشْرَ سِنِينَ ) فَهِيَ مُطْلَقَةٌ فِي كَيْفِيَّةِ الِاسْتِعْمَالِ ، فَتُحْمَلُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ ، وَلِأَنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ فَيَكُونُ أَرْجَحَ مِمَّا ذَكَرَهُ الْخَصْمُ .
فَرْعٌ : إِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=267عَجَزَ عَنْ تَدْلِيكِ بَعْضِ جَسَدِهِ . قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15968سَحْنُونُ : يُعِدُّ لَهُ خِرْقَةً ، وَقَالَ
ابْنُ الْقَصَّارِ : يَسْقُطُ كَمَا يَسْقُطُ فَرْضُ الْقِرَاءَةِ عَنِ
[ ص: 310 ] الْأَخْرَسِ ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنَ السَّلَفِ اتِّخَاذُ خِرْقَةٍ ، وَنَحْوِهَا ، فَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَشَاعَ مِنْ فِعْلِهِمْ ، وَفَرَّقَ أَيْضًا بَيْنَ الْقَلِيلِ ، وَالْكَثِيرِ .
الْفَرْضُ الْخَامِسُ :
nindex.php?page=treesubj&link=272الْفَوْرُ . قَالَهُ
ابْنُ يُونُسَ ، وَدَلِيلُهُ مَا تَقَدَّمَ فِي الْوُضُوءِ .