[ ص: 162 ] [ ص: 163 ] كتاب الطهارة
الباب الأول : في الطهارة
nindex.php?page=treesubj&link=3الطهارة في اللغة : التبرئة من الأدناس ، ويقال طهر بضم الهاء ، وفتحها طهارة فيهما ، والطهر ، وهو أيضا ضد الحيض ، والمرأة طاهرة من الدنس ، والعيوب ، وطاهر من الحيض بالتاء في الأول دون الثاني ، والمطهرة الإداوات : بفتح الميم ، وكسرها ، والفتح أفصح ، وتستعمل الطهارة مجازا في التنزه عن العيوب ، فيقال قلب طاهر ، وعرض طاهر تشبيها للدنس المعلوم بالدنس المحسوس .
وأما
nindex.php?page=treesubj&link=3الطهارة في الشرع ، فليست شيئا من أنواع العلاج بالماء ولا بغيره لجزمنا بطهارة بطون الجبال ، وتخوم الأرض بل هي حكم شرعي قديم ، وهي إباحة ، فالمعنى بطهارة العين إباحة الله تعالى لعباده ملابستها في صلواتهم ، وأغذيتهم ، ونحو ذلك ، وتطلق على العلاج بالماء ، وغيره مجازا ، وهي على قسمين : طهارة حدث ، وطهارة خبث ،
nindex.php?page=treesubj&link=513والنجاسة في اللغة : ملابسة الأدناس ، وتستعمل مجازا في العيوب كقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=28إنما المشركون نجس ) . تشبيها للدنس المعلوم بالمحسوس ، ويقال نجس الشيء بكسر الجيم ينجس بفتحها نجسا بفتحها أيضا ، فهو نجس بكسرها .
وهي في الشرع : حكم شرعي قديم ، وهي تحريم ، فمعنى نجاسة العين تحريم الله تعالى على عباده ملابستها في صلواتهم ، وأغذيتهم ، ونحوها ، ثم يطلق على المعفو عنه أنه نجس نحو دم الجراح السائلة ، وبول السلس تغليبا لحكم جنسها
[ ص: 164 ] عليها مجازا ، ولأجل هذا التحديد لا تكون العذرة قبل ورود الشرع نجسة ولا طاهرة لعدم الأحكام الشرعية في الأفعال قبل ورود الشرع .
تتميم : كل حكم شرعي لا بد له من سبب شرعي ،
nindex.php?page=treesubj&link=512وسبب الطهارة عدم سبب النجاسة لأن عدم العلة علة لعدم المعلول ، ولما كانت علة النجاسة الاستقذار عملا بالمناسبة ، والاستقراء ، والدوران ، وكانت النجاسة تحريما كان عدم الاستقذار علة لعدم ذلك التحريم ، وإذا عدم التحريم ثبتت الإباحة ، وهي الطهارة كما تقدم ، وهذه قاعدة مطردة في الشرع ، وغيره ، فكل علة لتحريم يكون عدمها علة للإباحة كالإسكار لما كان علة لتحريم الخمر كان عدمه علة لإباحتها .
فإن قيل : تعليل النجاسة بالاستقذار غير مطرد ، ولا منعكس أما الأول : فبدليل المخاط ، والبصاق ، والعرق المنتن ، ونحو ذلك ، فإنها مستقذرة ، وليست نجسة ، وأما الثاني : فلنجاسة الخمر ، وليست مستقذرة .
قلنا : أما الأول : فمستثنى لضرورة الملابسة ، وأما الثاني : فالعكس غير لازم في العلل الشرعية لأن بعضها يخلف بعضا ، ونجاسة الخمر معللة بالإسكار ، وبطلب الإبعاد ، والقول بنجاستها يفضي إلى إبعادها ، وما أفضى إلى المطلوب ، فهو مطلوب ، فيكون التنجيس مطلوبا .
وقدمت هذه المقدمة تكميلا لفائدة الكلام على لفظ الطهارة ، والاكتفاء به عند الكلام على النجاسة .
[ ص: 162 ] [ ص: 163 ] كِتَابُ الطَّهَارَةِ
الْبَابُ الْأَوَّلُ : فِي الطَّهَارَةِ
nindex.php?page=treesubj&link=3الطَّهَارَةُ فِي اللُّغَةِ : التَّبْرِئَةُ مِنَ الْأَدْنَاسِ ، وَيُقَالُ طَهُرَ بِضَمِّ الْهَاءِ ، وَفَتْحِهَا طَهَارَةً فِيهِمَا ، وَالطُّهْرُ ، وَهُوَ أَيْضًا ضِدُّ الْحَيْضِ ، وَالْمَرْأَةُ طَاهِرَةٌ مِنَ الدَّنَسِ ، وَالْعُيُوبِ ، وَطَاهِرٌ مِنَ الْحَيْضِ بِالتَّاءِ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي ، وَالْمَطْهَرَةُ الْإِدَاوَاتُ : بِفَتْحِ الْمِيمِ ، وَكَسْرِهَا ، وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ ، وَتُسْتَعْمَلُ الطَّهَارَةُ مَجَازًا فِي التَّنَزُّهِ عَنِ الْعُيُوبِ ، فَيُقَالُ قَلْبٌ طَاهِرٌ ، وَعِرْضٌ طَاهِرٌ تَشْبِيهًا لِلدَّنَسِ الْمَعْلُومِ بِالدَّنَسِ الْمَحْسُوسِ .
وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=3الطَّهَارَةُ فِي الشَّرْعِ ، فَلَيْسَتْ شَيْئًا مِنْ أَنْوَاعِ الْعِلَاجِ بِالْمَاءِ وَلَا بِغَيْرِهِ لِجَزْمِنَا بِطَهَارَةِ بُطُونِ الْجِبَالِ ، وَتُخُومِ الْأَرْضِ بَلْ هِيَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ قَدِيمٌ ، وَهِيَ إِبَاحَةٌ ، فَالْمَعْنَى بِطَهَارَةِ الْعَيْنِ إِبَاحَةُ اللَّهِ تَعَالَى لِعِبَادِهِ مُلَابَسَتَهَا فِي صَلَوَاتِهِمْ ، وَأَغْذِيَتِهِمْ ، وَنَحْوِ ذَلِكَ ، وَتُطْلَقُ عَلَى الْعِلَاجِ بِالْمَاءِ ، وَغَيْرِهِ مَجَازًا ، وَهِيَ عَلَى قِسْمَيْنِ : طَهَارَةُ حَدَثٍ ، وَطَهَارَةُ خَبَثٍ ،
nindex.php?page=treesubj&link=513وَالنَّجَاسَةُ فِي اللُّغَةِ : مُلَابَسَةُ الْأَدْنَاسِ ، وَتُسْتَعْمَلُ مَجَازًا فِي الْعُيُوبِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=28إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ) . تَشْبِيهًا لِلدَّنَسِ الْمَعْلُومِ بِالْمَحْسُوسِ ، وَيُقَالُ نَجِسَ الشَّيْءُ بِكَسْرِ الْجِيمِ يَنْجَسُ بِفَتْحِهَا نَجَسًا بِفَتْحِهَا أَيْضًا ، فَهُوَ نَجِسٌ بِكَسْرِهَا .
وَهِيَ فِي الشَّرْعِ : حُكْمٌ شَرْعِيٌّ قَدِيمٌ ، وَهِيَ تَحْرِيمٌ ، فَمَعْنَى نَجَاسَةِ الْعَيْنِ تَحْرِيمُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ مُلَابَسَتَهَا فِي صَلَوَاتِهِمْ ، وَأَغْذِيَتِهِمْ ، وَنَحْوِهَا ، ثُمَّ يُطْلَقُ عَلَى الْمَعْفُوِّ عَنْهُ أَنَّهُ نَجِسٌ نَحْوَ دَمِ الْجِرَاحِ السَّائِلَةِ ، وَبَوْلِ السَّلَسِ تَغْلِيبًا لِحُكْمِ جِنْسِهَا
[ ص: 164 ] عَلَيْهَا مَجَازًا ، وَلِأَجْلِ هَذَا التَّحْدِيدِ لَا تَكُونُ الْعَذِرَةُ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ نَجِسَةً وَلَا طَاهِرَةً لِعَدَمِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ فِي الْأَفْعَالِ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ .
تَتْمِيمٌ : كُلُّ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ سَبَبٍ شَرْعِيٍّ ،
nindex.php?page=treesubj&link=512وَسَبَبُ الطَّهَارَةِ عَدَمُ سَبَبِ النَّجَاسَةِ لِأَنَّ عَدَمَ الْعِلَّةِ عِلَّةٌ لِعَدَمِ الْمَعْلُولِ ، وَلَمَّا كَانَتْ عِلَّةُ النَّجَاسَةِ الِاسْتِقْذَارَ عَمَلًا بِالْمُنَاسَبَةِ ، وَالِاسْتِقْرَاءِ ، وَالدَّوَرَانِ ، وَكَانَتِ النَّجَاسَةُ تَحْرِيمًا كَانَ عَدَمُ الِاسْتِقْذَارِ عِلَّةً لِعَدَمِ ذَلِكَ التَّحْرِيمِ ، وَإِذَا عُدِمَ التَّحْرِيمُ ثَبَتَتِ الْإِبَاحَةُ ، وَهِيَ الطَّهَارَةُ كَمَا تَقَدَّمَ ، وَهَذِهِ قَاعِدَةٌ مُطَّرِدَةٌ فِي الشَّرْعِ ، وَغَيْرِهِ ، فَكُلُّ عِلَّةٍ لِتَحْرِيمٍ يَكُونُ عَدَمُهَا عِلَّةً لِلْإِبَاحَةِ كَالْإِسْكَارِ لَمَّا كَانَ عِلَّةً لِتَحْرِيمِ الْخَمْرِ كَانَ عَدَمُهُ عِلَّةً لِإِبَاحَتِهَا .
فَإِنْ قِيلَ : تَعْلِيلُ النَّجَاسَةِ بِالِاسْتِقْذَارِ غَيْرُ مُطَّرِدٍ ، وَلَا مُنْعَكِسٍ أَمَّا الْأَوَّلُ : فَبِدَلِيلِ الْمُخَاطِ ، وَالْبُصَاقِ ، وَالْعَرَقِ الْمُنْتِنِ ، وَنَحْوِ ذَلِكَ ، فَإِنَّهَا مُسْتَقْذَرَةٌ ، وَلَيْسَتْ نَجِسَةً ، وَأَمَّا الثَّانِي : فَلِنَجَاسَةِ الْخَمْرِ ، وَلَيْسَتْ مُسْتَقْذَرَةً .
قُلْنَا : أَمَّا الْأَوَّلُ : فَمُسْتَثْنَى لِضَرُورَةِ الْمُلَابَسَةِ ، وَأَمَّا الثَّانِي : فَالْعَكْسُ غَيْرُ لَازِمٍ فِي الْعِلَلِ الشَّرْعِيَّةِ لِأَنَّ بَعْضَهَا يَخْلُفُ بَعْضًا ، وَنَجَاسَةُ الْخَمْرِ مُعَلَّلَةٌ بِالْإِسْكَارِ ، وَبِطَلَبِ الْإِبْعَادِ ، وَالْقَوْلُ بِنَجَاسَتِهَا يُفْضِي إِلَى إِبْعَادِهَا ، وَمَا أَفْضَى إِلَى الْمَطْلُوبِ ، فَهُوَ مَطْلُوبٌ ، فَيَكُونُ التَّنْجِيسُ مَطْلُوبًا .
وَقُدِّمَتْ هَذِهِ الْمُقَدِّمَةُ تَكْمِيلًا لِفَائِدَةِ الْكَلَامِ عَلَى لَفْظِ الطَّهَارَةِ ، وَالِاكْتِفَاءِ بِهِ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى النَّجَاسَةِ .