( الوظيفة الرابعة - ) وذلك واجب على العوام لأنه بالسؤال متعرض لما لا يطيقه وخائض فيما ليس أهلا له ، فإن سأل جاهلا زاده جوابه جهلا ، وربما ورطه في الكفر من حيث لا يشعر ، وإن سأل عارفا عجز العارف عن تفهيمه ، بل عجز عن تفهيم ولده مصلحته في خروجه إلى المكتب ، بل عجز الصائغ عن تفهيم النجار صناعته ، فإن النجار - وإن كان بصيرا بصناعته - [ ص: 176 ] فهو عاجز عن دقائق الصياغة ; لأنه إنما يعلم دقائق النجر لاستغراقه العمر في تعلمه وممارسته ، فكذلك يفهم الصائغ أيضا لصرف العمر إلى تعلمه وممارسته ، وقبل ذلك لا يفهمه ، فالمشغولون بالدنيا وبالعلوم التي ليست من قبيل معرفة الله عاجزون عن معرفة الأمور الإلهية عجز كافة المعرضين عن الصناعات عن فهمها ، بل عجز الصبي الرضيع عن الاغتذاء بالخبز واللحم لقصور في فطرته لا لعدم الخبز واللحم ، ولا لأنه قاصر على تغذية الأقوياء ، لكن طبع الضعفاء قاصر عن التغذي به ، فمن أطعم الصبي الضعيف اللحم والخبز أو مكنه من تناوله فقد أهلكه ، وكذلك العامة إذا طلبوا بالسؤال هذه المعاني يجب زجرهم ومنعهم وضربهم بالدرة ، كما كان يفعله السكوت عن السؤال عمر - رضي الله عنه - بكل من سأل عن الآيات المتشابهات وكما فعله - صلى الله عليه وسلم - في الإنكار على وقال : قوم رآهم خاضوا في مسألة القدر وسألوا عنه : فقال - عليه السلام - : أفبهذا أمرتم ؟ أو لفظ هذا معناه كما اشتهر في الخبر . ولهذا أقول : يحرم على الوعاظ على رءوس المنابر الجواب على هذه المسألة بالخوض في التأويل والتفصيل ، بل الواجب عليهم الاقتصار على ما ذكرناه وذكره السلف ، وهو المبالغة في التقديس ونفي التشبيه وأنه - تعالى - عن الجسمية وعوارضها ، وله المبالغة في هذا بما أراد حتى يقول : كل ما خطر ببالكم وهجس في ضميركم وتصور في خاطركم ، فالله - تعالى - خالقها وهو منزه عنها وعن مشابهتها ، وأن ليس المراد بالإخبار شيئا من ذلك . وأما حقيقة المراد فلستم من أهل معرفتها والسؤال عنها فاشتغلوا بالتقوى ، فما أمركم الله - تعالى - به فافعلوه وما نهاكم عنه فاجتنبوه ، وهذا قد نهيتم عنه فلا تسألوا عنه ، ومهما سمعتم شيئا من ذلك فاسكتوا ، وقولوا آمنا وصدقنا وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ، وليس هذا من جملة ما أوتينا . إنما هلك من كان قبلكم بكثرة السؤال