(
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=98فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=99ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=100وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون ) .
هذه الآيات الثلاث تفريع على اللواتي قبلهن ، وتكميل لهن في بيان سنة الله في الأمم مع رسلهم وفي خلق البشر مستعدين للأمور المتضادة من الإيمان والكفر ، وفي
nindex.php?page=treesubj&link=28783تعلق مشيئة الله وحكمته بأفعاله وأفعال عباده ووقوعها على وفقهما .
nindex.php?page=treesubj&link=28981_31975 ( nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=98فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها ) لولا هذه للتخصيص كما قال أئمة اللغة والنحو ،
[ ص: 394 ] والمراد بالقرية أهلها وهم أقوام الأنبياء ، فإنهم كلهم بعثوا في أهل الحضارة والعمران دون البادية ، أي فهلا كان أهل قرية من قرى أقوام أولئك الرسل آمنت بدعوتهم وإقامة الحجة عليهم ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=98فنفعها إيمانها ) قبل وقوع العذاب الذي أنذروا به ، أي أنه لم يؤمن قوم منهم برمتهم فإن التخصيص يستلزم الجحد
nindex.php?page=treesubj&link=31975_28981 ( nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=98إلا قوم يونس لما آمنوا ) قبل وقوع العذاب بهم بالفعل ، وكانوا علموا بقربه من خروج نبيهم من بينهم وروي أنهم رأوا علاماته ، ويجوز في هذا الاستثناء الاتصال والانفصال (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=98كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ) أي صرفنا عنهم عذاب الذل والهوان في الدنيا لأن نبيهم خرج بدون إذن الله تعالى له ، فلم تتم عليهم الحجة ولا حقت عليهم كلمة العذاب ، وقد استدلوا بذهابه مغاضبا لهم على قرب وقوع العذاب كما أنذرهم فتابوا وآمنوا فكشفناه عنهم (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=98ومتعناهم إلى حين ) أي ومتعناهم بمنافعها إلى زمن معلوم هو عمرهم الطبيعي الذي يعيشه كل منهم بحسب سنته تعالى في استعداد بنيته ومعيشته . وقد فصلنا الكلام في الأجل الذي يسمى الطبيعي وغيره في تفسير : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=2ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده ) ( 6 : 2 ) من سورة الأنعام ، ولا محل للبحث عن تعذيبهم في الآخرة كما فعل بعض المفسرين فإن شهادة الله تعالى لهم بالإيمان النافع ظاهرة في قبوله منهم ، صريحة في أنه لا يعذبهم في الآخرة على سابق كفرهم ، وإنما يجزون بغيره من أعمالهم بعد الإيمان .
هذا الذي فسرنا به الآية هو المتبادر من عبارتها ، والموافق للسياق ولسنة الله تعالى في أقوام الأنبياء عليهم السلام ، وفيه تعريض
بأهل مكة وإنذارهم ، وحض على أن يكونوا كقوم
يونس الذين استحقوا عذاب الخزي بعنادهم ، حتى إذا أنذرهم نبيهم قرب وقوعه وخرج من بينهم اعتبروا وآمنوا قبل اليأس ، وحلول البأس وسيأتي إن شاء الله تعالى ما ثبت من خبره عليه السلام في تفسير سورتي الأنبياء والصافات ، وهو موافق في جملته لما عند أهل الكتاب .
nindex.php?page=treesubj&link=28981_28783 ( nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=99ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا ) أي ولو شاء ربك - أيها الرسول الحريص على إيمان الناس - أن يؤمن أهل الأرض كلهم جميعا لا يشذ أحد منهم لآمنوا ، بأن يلجئهم إلى الإيمان إلجاء ، ويوجره في قلوبهم إيجارا ، ولو شاء لخلقهم مؤمنين طائعين كالملائكة لا استعداد في فطرتهم لغير الإيمان ، وفي معنى هذا قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=107ولو شاء الله ما أشركوا ) ( 6 : 107 ) وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=118ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ) ( 11 : 118 ) والمعنى الجامع في هذه الآيات أنه لو شاء الله ألا يخلق هذا النوع المسمى بالإنسان المستعد بفطرته للإيمان والكفر ، والخير والشر ، الذي يرجح أحد الأمور الممكنة المستطاعة له على ما يقابله ويخالفه بإرادته واختياره ، لفعل ذلك ولما وجد الإنسان في الأرض ، ولكن اقتضت حكمته أن يخلق هذا
[ ص: 395 ] النوع العجيب ويجعله خليفة في الأرض ، كما تقدم بيانه في قصة
آدم من سورة البقرة وفي آيات أخرى ، هكذا
nindex.php?page=treesubj&link=30458_24925خلق الله الإنسان ، منهم من يؤمن به ومنهم من لا يؤمن به كما تقدم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=99أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ) أي إن هذا ليس في استطاعتك أيها الرسول ، ولا من وظائف الرسالة التي بعثت بها أنت وسائر الرسل: (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=48إن عليك إلا البلاغ ) ( 42 : 48 ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=45وما أنت عليهم بجبار ) ( 50 : 45 ) وهذه أول آية نزلت في أن الدين لا يكون بالإكراه أي لا يمكن للبشر ولا يستطاع ، ثم نزل عند التنفيذ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=256لا إكراه في الدين ) ( 2 : 256 ) أي لا يجوز ولا يصح به ، وذكرنا في تفسيرنا سبب نزولها ، وهو عزم بعض المسلمين على منع أولاد لهم كانوا تهودوا من الجلاء مع
بني النضير من
الحجاز ، فأمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن يخيروهم وأجمع علماء المسلمين على أن
nindex.php?page=treesubj&link=24925إيمان المكره باطل لا يصح ، لكن
نصارى الإفرنج ومقلديهم من أهل الشرق لا يستحون من افتراء الكذب على الإسلام والمسلمين ، ومنه رميهم بأنهم كانوا يكرهون الناس على الإسلام ، ويخيرونهم بينه وبين السيف يقط رقابهم ، على حد المثل : ( ( رمتني بدائها وانسلت ) ) .
nindex.php?page=treesubj&link=28981_30458 ( nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=100وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله ) أي وما كان لنفس ولا من شأنها فيما أشير إليه من استقلالها في أفعالها ، ولا مما أعطاها الله من الاختيار فيما هداها من النجدين ، وما ألهمها من فجورها وتقواها الفطريين ، أن تؤمن إلا بإرادة الله ومقتضى سنته في استطاعة الترجيح بين المتعارضين ، فهي مختارة في دائرة الأسباب والمسببات ، ولكنها غير مستقلة في اختيارهم أتم الاستقلال ، بل مقيدة بنظام السنن والأقدار ، فالمنفي هو استطاعة الخروج عن هذا النظام العام ، لا الاستطاعة الخاصة الموافقة له ، ومثله قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=145وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله ) ( 3 : 145 ) أي إلا بمشيئته الموافقة لحكمته وسنته في أسباب الموت ، فكم من إنسان يعرض نفسه للموت شهيدا أو منتحرا بما يتراءى له من أسبابه ، ثم لا يموت بها لنقصها أو لمعارض مناف في نظام القدر الذي لا يحيط به علما إلا الله تعالى ، ومعنى الإذن في اللغة الإعلام بالرخصة في الأمر أي تسهيله وعدم المانع منه .
nindex.php?page=treesubj&link=28981_29494_30539_30558 ( nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=100ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون ) هذا عطف على محذوف يدل عليه المذكور دلالة الضد على الضد أو النقيض على النقيض ، أي وإذ كان كل شيء بإذنه وتيسيره ومشيئته التي تجري بقدره وسنته ، فهو يجعل الإذن وتيسير الإيمان للذين يعقلون آياته في كتابه وفي خلقه ، ويوازنون بين الأمور فيختارون خير الأعمال على شرها ، ويرجحون نفعها على ضرها بإذنه وتيسيره ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=100ويجعل الرجس ) أي الخذلان والخزي المرجح للكفر والفجور ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=100على الذين لا يعقلون ) ولا يتدبرون فهم لأفن رأيهم ، واتباع أهوائهم ، يختارون الكفر على الإيمان والفجور على التقوى ، وتقدم في تفسير آيات الخمر والميسر من سورة المائدة وفي الكلام
[ ص: 396 ] على المنافقين من أواخر سورة التوبة ، أن الرجس لفظ يعبر عن أقبح الخبث المعنوي الذي هو مبعث الشر والإثم .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=98فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةً آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=99وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=100وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ ) .
هَذِهِ الْآيَاتُ الثَّلَاثُ تَفْرِيعٌ عَلَى اللَّوَاتِي قَبْلَهُنَّ ، وَتَكْمِيلٌ لَهُنَّ فِي بَيَانِ سُنَّةِ اللَّهِ فِي الْأُمَمِ مَعَ رُسُلِهِمْ وَفِي خَلْقِ الْبَشَرِ مُسْتَعِدِّينَ لِلْأُمُورِ الْمُتَضَادَّةِ مِنَ الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ ، وَفِي
nindex.php?page=treesubj&link=28783تَعَلُّقِ مَشِيئَةِ اللَّهِ وَحِكْمَتِهِ بِأَفْعَالِهِ وَأَفْعَالِ عِبَادِهِ وَوُقُوعِهَا عَلَى وَفْقِهِمَا .
nindex.php?page=treesubj&link=28981_31975 ( nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=98فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا ) لَوْلَا هَذِهِ لِلتَّخْصِيصِ كَمَا قَالَ أَئِمَّةُ اللُّغَةِ وَالنَّحْوِ ،
[ ص: 394 ] وَالْمُرَادُ بِالْقَرْيَةِ أَهْلُهَا وَهُمْ أَقْوَامُ الْأَنْبِيَاءِ ، فَإِنَّهُمْ كُلَّهُمْ بُعِثُوا فِي أَهْلِ الْحَضَارَةِ وَالْعُمْرَانِ دُونَ الْبَادِيَةِ ، أَيْ فَهَلَّا كَانَ أَهْلُ قَرْيَةٍ مِنْ قُرَى أَقْوَامِ أُولَئِكَ الرُّسُلِ آمَنَتْ بِدَعْوَتِهِمْ وَإِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=98فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا ) قَبْلَ وُقُوعِ الْعَذَابِ الَّذِي أُنْذِرُوا بِهِ ، أَيْ أَنَّهُ لَمْ يُؤْمِنْ قَوْمٌ مِنْهُمْ بَرُمَّتِهِمْ فَإِنَّ التَّخْصِيصَ يَسْتَلْزِمُ الْجَحْدَ
nindex.php?page=treesubj&link=31975_28981 ( nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=98إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا ) قَبْلَ وُقُوعِ الْعَذَابِ بِهِمْ بِالْفِعْلِ ، وَكَانُوا عَلِمُوا بِقُرْبِهِ مِنْ خُرُوجِ نَبِيِّهِمْ مِنْ بَيْنِهِمْ وَرُوِيَ أَنَّهُمْ رَأَوْا عَلَامَاتِهِ ، وَيَجُوزُ فِي هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ الِاتِّصَالُ وَالِانْفِصَالُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=98كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) أَيْ صَرَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الذُّلِّ وَالْهَوَانِ فِي الدُّنْيَا لِأَنَّ نَبِيَّهُمْ خَرَجَ بِدُونِ إِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ ، فَلَمْ تَتِمَّ عَلَيْهِمُ الْحُجَّةُ وَلَا حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ ، وَقَدِ اسْتَدَلُّوا بِذَهَابِهِ مُغَاضِبًا لَهُمْ عَلَى قُرْبِ وُقُوعِ الْعَذَابِ كَمَا أَنْذَرَهُمْ فَتَابُوا وَآمَنُوا فَكَشَفْنَاهُ عَنْهُمْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=98وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ ) أَيْ وَمَتَّعْنَاهُمْ بِمَنَافِعِهَا إِلَى زَمَنٍ مَعْلُومٍ هُوَ عُمْرُهُمُ الطَّبِيعِيُّ الَّذِي يَعِيشُهُ كُلٌّ مِنْهُمْ بِحَسْبِ سُنَّتِهِ تَعَالَى فِي اسْتِعْدَادِ بِنْيَتِهِ وَمَعِيشَتِهِ . وَقَدْ فَصَّلْنَا الْكَلَامَ فِي الْأَجَلِ الَّذِي يُسَمَّى الطَّبِيعِيَّ وَغَيْرِهِ فِي تَفْسِيرِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=2ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ) ( 6 : 2 ) مِنْ سُورَةِ الْأَنْعَامِ ، وَلَا مَحَلَّ لِلْبَحْثِ عَنْ تَعْذِيبِهِمْ فِي الْآخِرَةِ كَمَا فَعَلَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ فَإِنَّ شَهَادَةَ اللَّهِ تَعَالَى لَهُمْ بِالْإِيمَانِ النَّافِعِ ظَاهِرَةٌ فِي قَبُولِهِ مِنْهُمْ ، صَرِيحَةٌ فِي أَنَّهُ لَا يُعَذِّبُهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَلَى سَابِقِ كُفْرِهِمْ ، وَإِنَّمَا يُجَزَوْنَ بِغَيْرِهِ مِنْ أَعْمَالِهِمْ بَعْدَ الْإِيمَانِ .
هَذَا الَّذِي فَسَّرْنَا بِهِ الْآيَةَ هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ عِبَارَتِهَا ، وَالْمُوَافِقُ لِلسِّيَاقِ وَلِسُنَّةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي أَقْوَامِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ ، وَفِيهِ تَعْرِيضٌ
بِأَهْلِ مَكَّةَ وَإِنْذَارُهُمْ ، وَحَضٌّ عَلَى أَنْ يَكُونُوا كَقَوْمِ
يُونُسَ الَّذِينَ اسْتَحَقُّوا عَذَابَ الْخِزْيِ بِعِنَادِهِمْ ، حَتَّى إِذَا أَنْذَرَهُمْ نَبِيُّهُمْ قُرْبَ وُقُوعِهِ وَخَرَجَ مِنْ بَيْنِهِمُ اعْتَبَرُوا وَآمَنُوا قَبْلَ الْيَأْسِ ، وَحُلُولِ الْبَأْسِ وَسَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مَا ثَبَتَ مِنْ خَبَرِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي تَفْسِيرِ سُورَتَيِ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّافَّاتِ ، وَهُوَ مُوَافِقٌ فِي جُمْلَتِهِ لِمَا عِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ .
nindex.php?page=treesubj&link=28981_28783 ( nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=99وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ) أَيْ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ - أَيُّهَا الرَّسُولُ الْحَرِيصُ عَلَى إِيمَانِ النَّاسِ - أَنْ يُؤْمِنَ أَهْلُ الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا لَا يَشِذُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ لَآمَنُوا ، بِأَنْ يُلْجِئَهُمْ إِلَى الْإِيمَانِ إِلْجَاءً ، وَيُوجِرَهُ فِي قُلُوبِهِمْ إِيجَارًا ، وَلَوْ شَاءَ لَخَلَقَهُمْ مُؤْمِنِينَ طَائِعِينَ كَالْمَلَائِكَةِ لَا اسْتِعْدَادَ فِي فِطْرَتِهِمْ لِغَيْرِ الْإِيمَانِ ، وَفِي مَعْنَى هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=107وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا ) ( 6 : 107 ) وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=118وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ) ( 11 : 118 ) وَالْمَعْنَى الْجَامِعُ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ أَنَّهُ لَوْ شَاءَ اللَّهُ أَلَّا يَخْلُقَ هَذَا النَّوْعَ الْمُسَمَّى بِالْإِنْسَانِ الْمُسْتَعِدِّ بِفِطْرَتِهِ لِلْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ ، وَالْخَيْرِ وَالشَّرِّ ، الَّذِي يُرَجِّحُ أَحَدَ الْأُمُورِ الْمُمْكِنَةِ الْمُسْتَطَاعَةِ لَهُ عَلَى مَا يُقَابِلُهُ وَيُخَالِفُهُ بِإِرَادَتِهِ وَاخْتِيَارِهِ ، لَفَعَلَ ذَلِكَ وَلَمَا وُجِدَ الْإِنْسَانُ فِي الْأَرْضِ ، وَلَكِنِ اقْتَضَتْ حِكْمَتُهُ أَنْ يَخْلُقَ هَذَا
[ ص: 395 ] النَّوْعَ الْعَجِيبَ وَيَجْعَلَهُ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ ، كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي قِصَّةِ
آدَمَ مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَفِي آيَاتٍ أُخْرَى ، هَكَذَا
nindex.php?page=treesubj&link=30458_24925خَلَقَ اللَّهُ الْإِنْسَانَ ، مِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهِ كَمَا تَقَدَّمَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=99أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ) أَيْ إِنَّ هَذَا لَيْسَ فِي اسْتِطَاعَتِكَ أَيُّهَا الرَّسُولُ ، وَلَا مِنْ وَظَائِفِ الرِّسَالَةِ الَّتِي بُعِثْتَ بِهَا أَنْتَ وَسَائِرُ الرُّسُلِ: (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=48إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ ) ( 42 : 48 ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=45وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ ) ( 50 : 45 ) وَهَذِهِ أَوَّلُ آيَةٍ نَزَلَتْ فِي أَنَّ الدِّينَ لَا يَكُونُ بِالْإِكْرَاهِ أَيْ لَا يُمْكِنُ لِلْبَشَرِ وَلَا يُسْتَطَاعُ ، ثُمَّ نَزَلَ عِنْدَ التَّنْفِيذِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=256لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ) ( 2 : 256 ) أَيْ لَا يَجُوزُ وَلَا يَصِحُّ بِهِ ، وَذَكَرْنَا فِي تَفْسِيرِنَا سَبَبَ نُزُولِهَا ، وَهُوَ عَزْمُ بَعْضِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى مَنْعِ أَوْلَادٍ لَهُمْ كَانُوا تَهَوَّدُوا مِنَ الْجَلَاءِ مَعَ
بَنِي النَّضِيرِ مِنَ
الْحِجَازِ ، فَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنْ يُخَيِّرُوهُمْ وَأَجْمَعَ عُلَمَاءُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=24925إِيمَانَ الْمُكْرَهِ بَاطِلٌ لَا يَصِحُّ ، لَكِنَّ
نَصَارَى الْإِفْرِنْجِ وَمُقَلِّدِيهِمْ مِنْ أَهْلِ الشَّرْقِ لَا يَسْتَحُونَ مِنَ افْتِرَاءِ الْكَذِبِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ ، وَمِنْهُ رَمْيُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يُكْرِهُونَ النَّاسَ عَلَى الْإِسْلَامِ ، وَيُخَيِّرُونَهُمْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّيْفِ يَقُطُّ رِقَابَهُمْ ، عَلَى حَدِّ الْمَثَلِ : ( ( رَمَتْنِي بِدَائِهَا وَانْسَلَّتْ ) ) .
nindex.php?page=treesubj&link=28981_30458 ( nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=100وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ) أَيْ وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ وَلَا مِنْ شَأْنِهَا فِيمَا أُشِيرَ إِلَيْهِ مِنَ اسْتِقْلَالِهَا فِي أَفْعَالِهَا ، وَلَا مِمَّا أَعْطَاهَا اللَّهُ مِنَ الِاخْتِيَارِ فِيمَا هَدَاهَا مِنَ النَّجْدَيْنِ ، وَمَا أَلْهَمَهَا مِنْ فُجُورِهَا وَتَقْوَاهَا الْفِطْرِيَّيْنِ ، أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِرَادَةِ اللَّهِ وَمُقْتَضَى سُنَّتِهِ فِي اسْتِطَاعَةِ التَّرْجِيحِ بَيْنَ الْمُتَعَارِضَيْنِ ، فَهِيَ مُخْتَارَةٌ فِي دَائِرَةِ الْأَسْبَابِ وَالْمُسَبَّبَاتِ ، وَلَكِنَّهَا غَيْرُ مُسْتَقِلَّةٍ فِي اخْتِيَارِهِمْ أَتَمَّ الِاسْتِقْلَالِ ، بَلْ مُقَيَّدَةٌ بِنِظَامِ السُّنَنِ وَالْأَقْدَارِ ، فَالْمَنْفِيُّ هُوَ اسْتِطَاعَةُ الْخُرُوجِ عَنْ هَذَا النِّظَامِ الْعَامِّ ، لَا الِاسْتِطَاعَةُ الْخَاصَّةُ الْمُوَافِقَةُ لَهُ ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=145وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ) ( 3 : 145 ) أَيْ إِلَّا بِمَشِيئَتِهِ الْمُوَافِقَةِ لِحِكْمَتِهِ وَسُنَّتِهِ فِي أَسْبَابِ الْمَوْتِ ، فَكَمْ مِنْ إِنْسَانٍ يُعَرِّضُ نَفْسَهُ لِلْمَوْتِ شَهِيدًا أَوْ مُنْتَحِرًا بِمَا يَتَرَاءَى لَهُ مِنْ أَسْبَابِهِ ، ثُمَّ لَا يَمُوتُ بِهَا لِنَقْصِهَا أَوْ لِمُعَارِضٍ مُنَافٍ فِي نِظَامِ الْقَدَرِ الَّذِي لَا يُحِيطُ بِهِ عِلْمًا إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى ، وَمَعْنَى الْإِذْنِ فِي اللُّغَةِ الْإِعْلَامُ بِالرُّخْصَةِ فِي الْأَمْرِ أَيْ تَسْهِيلُهُ وَعَدَمُ الْمَانِعِ مِنْهُ .
nindex.php?page=treesubj&link=28981_29494_30539_30558 ( nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=100وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ ) هَذَا عَطْفٌ عَلَى مَحْذُوفٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ الْمَذْكُورُ دَلَالَةَ الضِّدِّ عَلَى الضِّدِّ أَوِ النَّقِيضِ عَلَى النَّقِيضِ ، أَيْ وَإِذْ كَانَ كُلُّ شَيْءٍ بِإِذْنِهِ وَتَيْسِيرِهِ وَمَشِيئَتِهِ الَّتِي تَجْرِي بِقَدَرِهِ وَسُنَّتِهِ ، فَهُوَ يَجْعَلُ الْإِذْنَ وَتَيْسِيرَ الْإِيمَانِ لِلَّذِينِ يَعْقِلُونَ آيَاتِهِ فِي كِتَابِهِ وَفِي خَلْقِهِ ، وَيُوَازِنُونَ بَيْنَ الْأُمُورِ فَيَخْتَارُونَ خَيْرَ الْأَعْمَالِ عَلَى شَرِّهَا ، وَيُرَجِّحُونَ نَفْعَهَا عَلَى ضُرِّهَا بِإِذْنِهِ وَتَيْسِيرِهِ ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=100وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ ) أَيِ الْخِذْلَانَ وَالْخِزْيَ الْمُرَجِّحَ لِلْكُفْرِ وَالْفُجُورِ ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=100عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ ) وَلَا يَتَدَبَّرُونَ فَهُمْ لِأَفَنِ رَأْيِهِمْ ، وَاتِّبَاعِ أَهْوَائِهِمْ ، يَخْتَارُونَ الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَالْفُجُورَ عَلَى التَّقْوَى ، وَتَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ آيَاتِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ مِنْ سُورَةِ الْمَائِدَةِ وَفِي الْكَلَامِ
[ ص: 396 ] عَلَى الْمُنَافِقِينَ مِنْ أَوَاخِرِ سُورَةِ التَّوْبَةِ ، أَنَّ الرِّجْسَ لَفْظٌ يُعَبِّرُ عَنْ أَقْبَحِ الْخُبْثِ الْمَعْنَوِيِّ الَّذِي هُوَ مَبْعَثُ الشَّرِّ وَالْإِثْمِ .