[ ص: 457 ] باب في بيان الإفراط في التزين
قال الله تعالى: زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب [آل عمران: 14].
هذه الآية فيها في هذه الدار، وتزهيد الناس فيها، وتوجيه رغباتهم إلى ما عند الله. بيان حقارة ما تستلذه الأنفس
والمزين هو الله سبحانه، وبه قال كما حكاه عنه عمر، وغيره. البخاري
ويؤيده قوله تعالى: إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم [الكهف: 7]، ويؤيده قراءة (زين) على البناء للفاعل. مجاهد:
وقيل: المزين: هو الشيطان، وبه قال الحسن.
وقد جاء صريحا في قوله: وزين لهم الشيطان أعمالهم [العنكبوت: 38]، والآية في معرض الذم، وهو قول طائفة من المعتزلة، والأول أولى.
والمراد بـ: "الناس": الجنس. و "الشهوات": جمع شهوة، وهي نزوع النفس إلى ما تريده، وتوقان النفس إلى الشيء المشتهى.
والمراد هنا: المشتهيات، عبر عنها بالشهوة، مبالغة في كونها مرغوبا فيها، أو تحقيرا لها، لكونها مسترذلة عند العقلاء من صفات الطبائع البهيمية.
والشهوة إما كاذبة؛ كقوله تعالى: أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات [مريم: 59]، أو صادقة كقوله: وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين [الزخرف: 71]، قاله الكرخي.
[ ص: 458 ] ووجه تزيين الله لها، ابتلاء عباده، كما صرح به في الآية الأخرى.
وبدأ بالنساء؛ لكثرة تشوق النفوس إليهن، والاستئناس والالتذاذ بهن؛ لأنهن حبائل الشيطان، وأقرب إلى الافتتان.
وخص "البنين" دون البنات بعدم الاطراد في محبتهن، ولأن حب الولد الذكر أكثر من حب الأنثى.