[ ص: 5 ] النصيب الثاني في بيان الاعتصام بالسنة والاجتناب عن البدعة وهو معنى أشهد أن
محمدا رسول الله
وإنك إذا جمعت هذين النصيبين ، وأسفر لك الصبح في العينين ، عرفت أن هذا الكتاب كالشرح للكلمة الطيبة التي هي «لا إله إلا الله ،
محمد رسول الله» .
اللهم أحينا على هذه الكلمة ، وأمتنا عليها .
[ ص: 6 ] [ ص: 7 ] باب في الاعتصام بالسنة والاجتناب عن البدعة
قال الله تعالى :
nindex.php?page=treesubj&link=28974nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=103واعتصموا بحبل الله جميعا [آل عمران : 103] الحبل : لفظ مشترك وأصله في اللغة : السبب الذي يتوصل به إلى البغية .
وهو إما تمثيل ، أو استعارة مصرحة أصلية ، تحقيقية .
أمرهم سبحانه بأن يجتمعوا على التمسك بدين الإسلام ، أو بالقرآن ، وقد وردت أحاديث بأن كتاب الله هو حبل الله ، وأن القرآن هو حبل الله المتين .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=11873أبو العالية : بالإخلاص لله وحده . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن : بطاعته . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة : بعهده وأمره .
وعن
ابن زيد : بالإسلام . ولا تفرقوا بعد الإسلام كما تفرقت اليهود والنصارى ، أو كما كنتم في الجاهلية متدابرين .
وقيل : لا تحدثوا ما يكون عنه التفرق ، ويزول معه الاجتماع .
والمعنى : نهاهم عن التفرق الناشئ عن الاختلاف في الدين ، وعن الفرقة; لأن كل ذلك عادة الجاهلية .
والنهي أصل في التحريم ، وقد خالف أكثر الناس هذا النهي ، وتفرقوا فرقا ، وتحزبوا أحزابا ، وتحنفوا ، وتشفعوا ، وتملكوا ، وتحنبلوا ، وأحدثوا بدعا وأقيسة ، زال معها الاجتماع والائتلاف ، وجلس موضعهما التباين والاختلاف ، وقد كانوا مسمين بأهل السنة والجماعة ، فصاروا مسمين بأهل البدعة والفرقة .
[ ص: 8 ] nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=103واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا [ آل عمران : 103] .
أمرهم بأن يذكروا نعمة الله عليهم; لأن
nindex.php?page=treesubj&link=19606_29485الشكر على الفعل أبلغ من الشكر على أثره .
وبين لهم من هذه النعمة ما يناسب المقام ، وهو أنهم كانوا أعداء مختلفين ، يقتل بعضهم بعضا ، وينهب بعضهم بعضا ، فأصبحوا بسبب هذه النعمة إخوانا في الدين والولاية .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : كانت الحرب بين «الأوس» و «الخزرج» عشرين ومئة سنة ، حتى قام الإسلام ، وأطفأ الله ذلك ، وألف بينهم .
قلت : وسياق الآية الشريفة يشير إلى إيثار الائتلاف ، والكون على صفة الأخوة ، ويرشد سياقها إلى
nindex.php?page=treesubj&link=29613الاعتصام بالكتاب والسنة ، في حكمة ، وينهى عن الافتراق .
وكل آفة جاءت في الإسلام ، وكل بلاء شمل المسلمين ، فإنما هو من هذه الفرقة ، وترك الاعتصام بالقرآن والحديث ، وصار أهل الملة الإسلامية اليوم يضلل بعضهم بعضا ، ويبدع أحدهم الآخر ، ويكفر بعضهم بعضا ، ويرد بعضهم على بعض في التأليفات ، من غير قرآن ولا برهان ، وعاد الزمان كما كان في الجاهلية ، إلا من رحمه الله تعالى .
وهذا من أشراط الساعة ، وأسباب غربة الإسلام وأهله ، فإنا لله وإنا إليه راجعون .
وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=105ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا [آل عمران : 105] هم اليهود والنصارى ، عند جمهور المفسرين; فقد تفرق كل منهم فرقا ، واختلف كل منهم باستخراج التأويلات الزائغة ، وكتم الآيات النافعة وتحريفها ، لما أخلدوا إليه من حطام الدنيا .
ويدل له حديث
nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=664935«إن بني [ ص: 9 ] إسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين ملة ، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة ، كلهم في النار إلا ملة واحدة» ، قالوا : من هي يا رسول الله؟ قال : «ما أنا عليه وأصحابي» رواه
nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي .
وفي رواية
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد ،
nindex.php?page=showalam&ids=11998وأبي داود ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية :
nindex.php?page=hadith&LINKID=675904«ثنتان وسبعون في النار ، وواحدة في الجنة ، وهي الجماعة . . . إلخ» .
وهذا الحديث نص في محل النزاع; فإنه يدل على أن
nindex.php?page=treesubj&link=28826_28828الفرقة الناجية هي التي يقال لها اليوم : أهل السنة والجماعة .
وفي حق هذه الجماعة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=664463«ويد الله على الجماعة ، ومن شذ ، شذ في النار» أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر . وقال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=937865«وإياكم والشعاب ، وعليكم بالجماعة والعامة» رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد عن
nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ بن جبل .
وروى أيضا
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد ،
nindex.php?page=showalam&ids=11998وأبو داود ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=1584أبي ذر مرفوعا :
nindex.php?page=hadith&LINKID=676054«من فارق الجماعة شبرا ، فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه» .
وفي الباب أحاديث ، كلها تدل على أن الجماعة هي عصابة أهل الكتاب والسنة ، وأن الفرق غيرها هي الشعاب ، كانت ما كانت ، وأن هذه الفرقة دخلت في هذه الأمة من جهة تقليد بني إسرائيل; فإن أصل الداء من عندهم ، والناس مقتدون بهم .
وفيه : إشارة إلى أن المتمذهب بالمذاهب المتفرقة ، خلاف مفهوم الجماعة ، وأنه يخرج أهلها من الاجتماع الذي هو النور إلى الظلمات التي هي الشعاب والمذاهب .
وقيل في الآية : هم المبتدعة من هذه الأمة ، والبدعة تخالف الاعتصام بالقرآن والحديث; لأن في الإتيان بها رفعهما; كما في حديث غضيف بن الحارث يرفعه :
nindex.php?page=hadith&LINKID=931015«ما أحدث قوم بدعة ، إلا رفع مثلها من السنة ، فتمسك بسنة خير من إحداث بدعة» رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=144حسان ، قال : «ما ابتدع قوم بدعة في دينهم ، إلا نزع الله من سنتهم
[ ص: 10 ] مثلها ، ثم لا يعيدها إليهم إلى يوم القيامة» رواه
nindex.php?page=showalam&ids=14274الدارمي .
وقيل : المراد بالآية : «الحرورية» ، والأول الظاهر ، وكذا الثاني .
قال بعض أهل العلم : هذا النهي عن التفرق والاختلاف يختص بالمسائل الأصولية .
وأما المسائل الفروعية الاجتهادية ، فالاختلاف فيها جائز ، وما زال الصحابة فمن بعدهم مختلفين في أحكام الحوادث . انتهى .
وتعقبه في «فتح البيان» ، وقال : فيه نظر; فإنه ما زال في تلك العصور المنكر للاختلاف موجودا ، وتخصيص بعض المسائل بجواز الاختلاف فيها ، دون البعض الآخر ، ليس بصواب; فالمسائل الشرعية متساوية الأقدام في انتسابها إلى الشرع . انتهى .
ويوضحه : أن المذاهب في الأصول ثلاثة لا غير : مذهب
الماتريدية ، ومذهب
الأشعرية ، ومذهب
الحنابلة . ولا اختلاف فيما بينهم إلا في مسائل قليلة عديدة لا تزيد على اثنتي عشرة مسألة أو نحوها .
وإنما الاختلاف الكثير الواقع هو في المسائل الفروعية التي لأجلها صارت الأمة جنودا متفرقة ، وأحزابا متباينة ، وهذا هو المنهي عنه ، المذموم على لسان الله ولسان رسوله .
وكم من آيات وأحاديث كثيرة في الأمر بالكون في الجماعة ، والنهي عن الفرقة .
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=105من بعد ما جاءهم البينات [آل عمران : 105]; أي : الحجج الواضحات المبينات للحق ، الموجبات لعدم الاختلاف والفرقة ، فعلموها ثم خالفوها .
وهذه حال هذه الأمة الإسلامية اليوم ، فإنها علمت ما ورد من الله تعالى ورسوله في ذمها والنهي عنها ، ثم خالفت أوامر نبيها ونواهيه ، وتمسكت
[ ص: 11 ] بتقليدات الرجال وآراء الأحبار والرهبان ، فكان اختلافها أشد كراهة; لأن العصيان بعد العلم أقبح منه على الجهل .
هذه دواوين السنة المطهرة من كتب الصحاح الستة ونحوها ، قد عمت وطابت ، وهي في أيدي أهل الزمان ، بل في يد كل إنسان ، وقد وقف عليه الفقهاء وأصحاب الرأي ، وإن كان وقوفهم عليها لتأييد المذهب وتشييد النحلة ، فشقاقهم - بعد هذا العبور والعثور - تفرقة واختلاف بعد مجيء البينات القرآنية والحديثية ، وعلى هذا يترتب قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=105وأولئك لهم ; أي : لهؤلاء الذين تفرقوا واختلفوا
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=105عذاب عظيم في الآخرة .
قال في «فتح البيان» : فيه
nindex.php?page=treesubj&link=28827_30232زجر عظيم للمؤمنين عن التفرقة والاختلاف ، ثم ذكر حديث
nindex.php?page=showalam&ids=1584أبي ذر المتقدم وقال عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=912277«من سره أن يسكن بحبوبة الجنة ، فعليه بالجماعة ، فإن الشيطان مع الفذ ، وهو من الاثنين أبعد» رواه
nindex.php?page=showalam&ids=13889البغوي بسنده . انتهى .
وفيه : إشارة إلى أن الاثنين وما فوقهما جماعة .
ومن نعم الله تعالى على هذه الأمة : أن جماعة أهل الحديث قديما وحديثا كثيرة أضعاف أضعاف الاثنين بل ثلث الأمة ، يصدق ذلك كتب طبقات المحدثين ، وأنه لا يزال طائفة منهم ظاهرين على الحق ، لا يضرهم من خالفهم وخذلهم حتى يأتي أمر الله .
اللهم أحينا جماعة ، وأمتنا جماعة ، واحشرنا في زمرة السلف الصلحاء ، وجماعتهم يوم القرار .
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=106يوم تبيض وجوه وتسود وجوه [آل عمران : 106] . قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : يقول : تبيض وجوه أهل السنة والجماعة ، وتسود وجوه أهل البدعة والضلالة . وروي نحوه عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ،
nindex.php?page=showalam&ids=44وأبي سعيد .
قيل : إن البياض كناية عن الفرح والسرور ، والسواد كناية عن الغم والحزن والشرور .
[ ص: 12 ] وقيل : هما حقيقة يحصلان في الوجه ، وقيل : المراد : وجوه المؤمنين ووجوه الكفار .
ولا مانع من الحمل على الجميع ، فيدخل فيه أهل السنة وأهل البدعة دخولا أوليا .
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=106فأما الذين اسودت وجوههم . قيل : هم أهل الكتاب ، وقيل : المرتدون ، وقيل : المبتدعون ، وقيل : الكافرون . والعموم أولى .
ويقال لهم :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=106أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب أمر إهانة
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=106بما كنتم تكفرون ; أي : تنكرون السنة ، وتأخذون البدعة ، وتشركون لا توحدون .
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=107وأما الذين ابيضت وجوههم هم المؤمنون المتبعون للكتاب والسنة ، المجانبون عن البدعة والمحدثات
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=107ففي رحمة الله هم فيها خالدون ; أي : مستقرون في الجنة دار الكرامة .
وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=159إن الذين فرقوا دينهم [الأنعام : 159]; أي : تركوه وخرجوا عنه باختلافهم فيه .
يعني : جعلوا دينهم متفرقا ، فأخذوا ببعضه ، وتركوا بعضه ، وتمسكوا بالبدع والمحدثات; من التقليد ، والرأي ، ورفضوا السنة والاتباع .
قيل : المراد بهم : أهل الكتاب ، وقيل : المشركون . وقال أبو هريرة : هم أهل الضلالة من هذه الأمة . وقيل : عام في جميع الكفار ، وفي كل من ابتدع وجاء بما لم يأمر به الله .
وهذا هو الراجح الأظهر; لأن اللفظ يفيد العموم ، فيدخل فيه طوائف أهل الكتاب ، وأهل الشرك والبدع من أهل الإسلام .
أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير ،
nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني ،
nindex.php?page=showalam&ids=13507وابن مردويه ،
nindex.php?page=showalam&ids=14155والحكيم الترمذي ،
والشيرازي في «الألقاب» عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، عنه صلى الله عليه وسلم في الآية ، قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=907604هم أهل البدع والأهواء من هذه الأمة» ، والصحيح أنه موقوف .
[ ص: 13 ] وعن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر - رضي الله عنه - : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعائشة :
nindex.php?page=hadith&LINKID=931018«يا nindex.php?page=showalam&ids=25عائش! nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=159إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا هم أصحاب البدع ، وأصحاب الأهواء ، وأصحاب الضلالة من هذه الأمة ، ليست لهم توبة ، وهم مني براء» رواه
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني ،
nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي ،
nindex.php?page=showalam&ids=12181وأبو نعيم ، وغيرهم .
قال
ابن كثير : هو غريب لا يصح رفعه ، يعني : أنه موقوف .
ولكن مثل هذا لا يقال من الرأي ، فله حكم الرفع ، ويدل له أحاديث أخرى مرفوعة .
وعلى كل حال ، المراد بهذه الآية : الحث على أن تكون كلمة المسلمين واحدة ، وألا يتفرقوا في الدين ، ولا يبتدعوا البدع المضلة .
روى
nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي عن
nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية ، قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=711208قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : «ألا إن من كان قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على اثنتين وسبعين ملة ، وإن هذه الملة ستفترق على ثلاثة وسبعين ، ثنتان وسبعون في النار ، وواحدة في الجنة ، وهي الجماعة» .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=13ابن عمرو بن العاص يرفعه :
nindex.php?page=hadith&LINKID=664935«إن بني إسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين ملة ، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة ، كلها في النار ، إلا ملة واحدة» ، قالوا : ومن هي يا رسول الله؟ قال : «من كان على ما أنا عليه وأصحابي» رواه
nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي .
وقد بين صاحب كتاب «خبيئة الأكوان في افتراق الأمم على المذاهب والأديان» ، وكتاب «حجج الكرامة» حال هذه الفرق الثلاثة والسبعين ، وسماهم ، وعين الفرقة الناجية منهم .
ومن هذا التفريق : هذه المذاهب الأربعة في أهل السنة ، وهذه الجماعات الأربعة في الحرم الشريف ، نص على ذلك جماعة من أهل السنة في مؤلفاتهم .
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=159وكانوا شيعا ; أي : فرقا وأحزابا .
[ ص: 14 ] فيصدق على كل قوم كان أمرهم في الدين واحدا [وهم] مجتمعون ، ثم اتبع كل جماعة منهم رأي كبير من كبرائهم ، يخالف الصواب وبيان الحق .
وما أبلغ هذه الآية ! فإنها تشير إلى ذم التشيع ، وصحة إطلاق هذه اللفظة على كل مخالف للجماعة وأهل السنة .
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=159لست منهم ; أي : من تفرقهم ، أو من السؤال عن سبب تفرقهم ، والبحث عن موجب تحزبهم
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=159في شيء من الأشياء ، فلا يلزمك من ذلك شيء ، ولا تخاطب به ، إنما عليك البلاغ . والمعنى : أنت بريء منهم . وقال الفراء : لست من عقابهم في شيء ، وإنما عليك الإنذار .
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=159إنما أمرهم إلى الله في الجزاء والمكافأة على تشيعهم وتشعبهم ،
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=159ثم ينبئهم يوم القيامة ، ويخبرهم بما ينزل بهم من المجازاة
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=159بما كانوا يفعلون من الأعمال التي تخالف ما شرعه الله لهم ، وأوجب عليهم من
nindex.php?page=treesubj&link=28328_29613اتباع الكتاب والسنة ، واجتناب البدع والضلالة ، وإيثار التوحيد على الشرك والتنديد ، واختيار الاعتصام وترك التقليد .
وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=31ولا تكونوا من المشركين [الروم : 31]; أي : من يشرك به تعالى غيره في العبادة
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=32من الذين فرقوا دينهم باختلافهم فيما يعبدونه
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=32وكانوا شيعا «الشيع» : الفرق; أي : ولا تكونوا من الذين تفرقوا في الدين ، يشايع بعضهم بعضا ، من أهل البدع والأهواء ، فيصلي بعضهم في مصلى
الحنفية ، وبعضهم في مصلى الحنبلية ، وبعضهم في مصلى
المالكية ، وبعضهم في مصلى
الشافعية في
«الحرم الشريف المكي» حيث اختار كل ذي مذهب معين شخصي مقلد لإمامه ، مصلى خاصا له ولأهل جلدته ، وهذا من أقبح البدعات .
وكذلك حال من لا يصلي في مسجد أهل الحديث ، ولا يترك أهل الحديث يصلون في مساجدهم .
وقرئ : (فارقوا دينهم) ; أي : الذي يجب اتباعه ، وهو التوحيد ، وهي قراءة سبعية .
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=32كل حزب ; أي : كل فريق من فرق الضلال ، والبدع ، والأهواء ، والآراء ،
[ ص: 15 ] والإشراك ، والكفر
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=32بما لديهم من الدين المبني على غير الصواب ، وجاءهم من الأمهات والآباء والأحبار والرهبان الذين هم لهم أرباب
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=32فرحون [الروم : 32]; أي : مسرورون مبتهجون ، يظنون أنهم على الحق ، وليس بأيديهم منه شيء .
ومعيار ذلك يظهر عند عرض المجتهدات ، والأقيسة الباطلات ، والآراء الفاسدات ، والتأويلات الكاسدات ، على نصوص الكتاب العزيز ، وأدلة السنة المطهرة .
وهذا تسجيل من الله - عز وجل - ، وتوقيع منه سبحانه لتاركي القرآن والحديث ، على أن ظنهم هذا وفرحهم بذلك باطل ، وليس لهم من أصل الحق والصواب شيء ، ولنعم ما قيل :
وكل يدعي وصلا لليلى وليلى لا تقر لهم بذاكا
وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=153وأن هذا صراطي مستقيما [الأنعام : 153]; أي : ما ذكر في هذه الآيات من الأوامر والنواهي . قاله
مقاتل . وقيل : الإشارة إلى ما ذكر في السورة; فإنها بأسرها في إثبات التوحيد والنبوة ، وبيان الشريعة .
و «الصراط» : هو طريق دين الإسلام . و «المستقيم» : المستوي ، الذي لا اعوجاج فيه .
وقد تشعبت منه طرق ، فمن سلك الجادة ، نجا ، ومن خرج إلى الطرق ، أفضت به إلى النار .
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=153فاتبعوه وأمرهم باتباع جملته وتفصيله
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=153ولا تتبعوا السبل نهاهم عن اتباع سائر الأديان المتباينة طرقها ، والمذاهب المستحدثة سبلها ، والأهواء المضلة ، والبدع والآراء المختلفة .
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=153فتفرق بكم عن سبيله ; أي : فتميل بكم عن سبيل الله المستقيم ، الذي هو اتباع الكتاب والسنة .
قال
ابن عطية : هذه السبل تعم اليهودية ، والنصرانية ، والمجوسية ، وسائر
[ ص: 16 ] أهل الملل ، وأهل البدع والضلالات ، من أهل الأهواء والشذوذ ، في الفروع ، وغير ذلك ، من أهل التعمق في الجدل ، والخوض في الكلام ، وهذه كلها عرضة للزلل ، ومظنة لسوء المعتقد .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة : اعلموا أن السبيل واحد : جماعة الهدى ، ومصيره الجنة ، وأن إبليس استبدع سبلا متفرقة : جماعة الضلالة ، ومصيره إلى النار .
ثم ذكر حديث :
nindex.php?page=hadith&LINKID=664748«خط رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا» ، وسيأتي . قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : السبل : الضلالات .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود : من سره أن ينظر إلى الصحيفة التي عليها خاتم
محمد صلى الله عليه وسلم ، فليقرأ هؤلاء الآيات . أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي ، وحسنه .
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=153ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون ; أي : أكد عليكم الوصية بما تقدم ذكره ، من اتباع سبيل واحد ، هو اقتداء الكتاب والسنة; لعلكم تخافون ما نهاكم عنه من الطرق المختلفة ، والسبل البدعية المضلة .
وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=31قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله [آل عمران : 31] . الحب والمحبة : ميل النفس إلى الشيء لكمال أدركته فيه .
يقال : أحبه ، فهو محب . وحبه يحبه - بالكسر - فهو محبوب .
قال :
ابن الدهان في «حب» لغتان : حب ، و «أحب» ، وقد فسرت المحبة لله سبحانه بإرادة طاعته .
قال
الأزهري : محبة العبد لله ولرسوله : طاعته لهما ، واتباعه أمرهما . ومحبة الله للعباد : إنعامه عليهم بالغفران .
وقيل : العبد إذا علم أن الكمال الحقيقي ليس إلا لله ، وأن كل ما يراه كمالا من نفسه أو من غيره ، فهو من الله وبالله ، لم يكن حبه إلا لله ، وفي الله ، وذلك يقتضي إرادة طاعته والرغبة فيما يقربه إليه .
فلذلك فسرت المحبة بإرادة الطاعة ، وجعلت مستلزمة لاتباع الرسول صلى الله عليه وسلم في عبادته ، والحث على مطاوعته ، قاله القاضي .
[ ص: 17 ] أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير ،
nindex.php?page=showalam&ids=12918وابن المنذر ،
nindex.php?page=showalam&ids=11970وابن أبي حاتم عن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن ، من طرق ، قال :
قال أقوام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا محمد! إنا لنحب ربنا ، فأنزل الله هذه الآية ، وفي حديث
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة عند
nindex.php?page=showalam&ids=11970ابن أبي حاتم ،
وأبي نعيم في «الحلية» مرفوعا :
وهل الدين إلا الحب والبغض في الله» .
قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=31قل إن كنتم تحبون الله الآية . والمعنى : إن كنتم صادقين في ادعاء محبة الله ، فكونوا منقادين لأوامره وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم ، مطيعين لهما ، فإن اتباع الرسول من محبة الله وطاعته .
وفيه : حث على اتباع النبي صلى الله عليه وسلم ، وإشارة إلى ترك التقليد المشؤوم عند وضوح النص من الكتاب والسنة ، وأن دعوى محبة الله ، أو محبة الرسول بدون اتباع القرآن والحديث ، وترجيحهما على كل قول قديم وحديث باطلة لا تصح من قائلها ، وأن محبة الله لعباده موقوفة على الاعتصام بكتابه وسنة رسوله .
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=31ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم [آل عمران : 31] يغفر ذنوب الموحدين المتبعين ، ويرحمهم بفضله وكرمه .
وهذا تذييل مقرر لما قبله
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=32قل أطيعوا الله والرسول حذف المتعلق مشعر بالتعميم; أي : في جميع الأوامر والنواهي .
والمقلد غير مطيع لله وللرسول ، بل يطيع من يقلده من الأئمة والكبراء ، بل هو مشاق بهذا لهما ، حيث ترك إطاعة الله واتباع الرسول ، وأطاع غيرهما ، من غير حجة نيرة وبرهان جلي .
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=32فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين [آل عمران : 32] فيه : أن الإعراض عن إطاعة الله ، واتباع رسوله من شأن الكفار ، وأنه سبحانه لا يرضى بفعلهم ، ولا يغفر لهم .
والآية دليل على أن الدين المرضي هو الإسلام ، وأن
محمدا هو الرسول صلى الله عليه وسلم ، الذي لا يصح لأحد أن يحب الله إلا باتباعه .
[ ص: 18 ] وأن من تعلق بغير كتابه وسنة رسوله ، فهو عن الاتباع المطلوب منه بمعزل . وفي هذا وعيد عظيم لا يقادر قدره ، ولا يبلغ مداه .
[ ص: 5 ] النَّصِيبُ الثَّانِي فِي بَيَانِ الِاعْتِصَامِ بِالسُّنَّةِ وَالِاجْتِنَابِ عَنِ الْبِدْعَةِ وَهُوَ مَعْنَى أَشْهَدُ أَنَّ
مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ
وَإِنَّكَ إِذَا جَمَعْتَ هَذَيْنِ النَّصِيبَيْنِ ، وَأَسْفَرَ لَكَ الصُّبْحُ فِي الْعَيْنَيْنِ ، عَرَفْتَ أَنَّ هَذَا الْكِتَابَ كَالشَّرْحِ لِلْكَلِمَةِ الطَّيِّبَةِ الَّتِي هِيَ «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ،
مُحَمَّدُ رَسُولُ اللَّهِ» .
اللَّهُمَّ أَحْيِنَا عَلَى هَذِهِ الْكَلِمَةِ ، وَأَمِتْنَا عَلَيْهَا .
[ ص: 6 ] [ ص: 7 ] بَابٌ فِي الِاعْتِصَامِ بِالسُّنَّةِ وَالِاجْتِنَابِ عَنِ الْبِدْعَةِ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=treesubj&link=28974nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=103وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا [آلِ عِمْرَانَ : 103] الْحَبْلُ : لَفْظٌ مُشْتَرَكٌ وَأَصْلُهُ فِي اللُّغَةِ : السَّبَبُ الَّذِي يُتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى الْبُغْيَةِ .
وَهُوَ إِمَّا تَمْثِيلٌ ، أَوِ اسْتِعَارَةٌ مُصَرَّحَةٌ أَصْلِيَّةٌ ، تَحْقِيقِيَّةٌ .
أَمَرَهُمْ سُبْحَانَهُ بِأَنْ يَجْتَمِعُوا عَلَى التَّمَسُّكِ بِدِينِ الْإِسْلَامِ ، أَوْ بِالْقُرْآنِ ، وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ بِأَنَّ كِتَابَ اللَّهِ هُوَ حَبْلُ اللَّهِ ، وَأَنَّ الْقُرْآنَ هُوَ حَبْلُ اللَّهِ الْمَتِينُ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11873أَبُو الْعَالِيَةِ : بِالْإِخْلَاصِ لِلَّهِ وَحْدَهُ . وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الْحَسَنِ : بِطَاعَتِهِ . وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16815قَتَادَةَ : بِعَهْدِهِ وَأَمْرِهِ .
وَعَنِ
ابْنِ زَيْدٍ : بِالْإِسْلَامِ . وَلَا تَفَرَّقُوا بَعْدَ الْإِسْلَامِ كَمَا تَفَرَّقَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى ، أَوْ كَمَا كُنْتُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مُتَدَابِرِينَ .
وَقِيلَ : لَا تُحْدِثُوا مَا يَكُونُ عَنْهُ التَّفَرُّقُ ، وَيَزُولُ مَعَهُ الِاجْتِمَاعُ .
وَالْمَعْنَى : نَهَاهُمْ عَنِ التَّفَرُّقِ النَّاشِئِ عَنِ الِاخْتِلَافِ فِي الدِّينِ ، وَعَنِ الْفُرْقَةِ; لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ عَادَةُ الْجَاهِلِيَّةِ .
وَالنَّهْيُ أَصْلٌ فِي التَّحْرِيمِ ، وَقَدْ خَالَفَ أَكْثَرُ النَّاسِ هَذَا النَّهْيَ ، وَتَفَرَّقُوا فِرَقًا ، وَتَحَزَّبُوا أَحْزَابًا ، وَتَحَنَّفُوا ، وَتَشَفَّعُوا ، وَتَمَلَّكُوا ، وَتَحَنْبَلُوا ، وَأَحْدَثُوا بِدَعًا وَأَقْيِسَةً ، زَالَ مَعَهَا الِاجْتِمَاعُ وَالِائْتِلَافُ ، وَجَلَسَ مَوْضِعَهُمَا التَّبَايُنُ وَالِاخْتِلَافُ ، وَقَدْ كَانُوا مُسَمَّيْنَ بِأَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ ، فَصَارُوا مُسَمَّيْنَ بِأَهْلِ الْبِدْعَةِ وَالْفُرْقَةِ .
[ ص: 8 ] nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=103وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا [ آلِ عِمْرَانَ : 103] .
أَمَرَهُمْ بِأَنْ يَذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْهِمْ; لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=19606_29485الشُّكْرَ عَلَى الْفِعْلِ أَبْلَغُ مِنَ الشُّكْرِ عَلَى أَثَرِهِ .
وَبَيَّنَ لَهُمْ مِنْ هَذِهِ النِّعْمَةِ مَا يُنَاسِبُ الْمَقَامَ ، وَهُوَ أَنَّهُمْ كَانُوا أَعْدَاءَ مُخْتَلِفِينَ ، يَقْتُلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ، وَيَنْهَبُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ، فَأَصْبَحُوا بِسَبَبِ هَذِهِ النِّعْمَةِ إِخْوَانًا فِي الدِّينِ وَالْوِلَايَةِ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : كَانَتِ الْحَرْبُ بَيْنَ «الْأَوْسِ» وَ «الْخَزْرَجِ» عِشْرِينَ وَمِئَةِ سَنَةٍ ، حَتَّى قَامَ الْإِسْلَامُ ، وَأَطْفَأَ اللَّهُ ذَلِكَ ، وَأَلَّفَ بَيْنَهُمْ .
قُلْتُ : وَسِيَاقُ الْآيَةِ الشَّرِيفَةِ يُشِيرُ إِلَى إِيثَارِ الِائْتِلَافِ ، وَالْكَوْنِ عَلَى صِفَةِ الْأُخُوَّةِ ، وَيُرْشِدُ سِيَاقُهَا إِلَى
nindex.php?page=treesubj&link=29613الِاعْتِصَامِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، فِي حِكْمَةٍ ، وَيَنْهَى عَنِ الِافْتِرَاقِ .
وَكُلُّ آفَةٍ جَاءَتْ فِي الْإِسْلَامِ ، وَكُلُّ بَلَاءٍ شَمَلَ الْمُسْلِمِينَ ، فَإِنَّمَا هُوَ مِنْ هَذِهِ الْفُرْقَةِ ، وَتَرْكِ الِاعْتِصَامِ بِالْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ ، وَصَارَ أَهْلُ الْمِلَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ الْيَوْمَ يُضَلِّلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ، وَيُبَدِّعُ أَحَدُهُمُ الْآخَرَ ، وَيُكَفِّرُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ، وَيَرُدُّ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي التَّأْلِيفَاتِ ، مِنْ غَيْرِ قُرْآنٍ وَلَا بُرْهَانٍ ، وَعَادَ الزَّمَانُ كَمَا كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، إِلَّا مَنْ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى .
وَهَذَا مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ ، وَأَسْبَابِ غُرْبَةِ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ .
وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=105وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا [آلِ عِمْرَانَ : 105] هُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى ، عِنْدَ جُمْهُورِ الْمُفَسِّرِينَ; فَقَدْ تَفَرَّقَ كُلٌّ مِنْهُمْ فِرَقًا ، وَاخْتَلَفَ كُلٌّ مِنْهُمْ بِاسْتِخْرَاجِ التَّأْوِيلَاتِ الزَّائِغَةِ ، وَكَتْمِ الْآيَاتِ النَّافِعَةِ وَتَحْرِيفِهَا ، لِمَا أَخْلَدُوا إِلَيْهِ مِنْ حُطَامِ الدُّنْيَا .
وَيَدُلُّ لَهُ حَدِيثُ
nindex.php?page=showalam&ids=13عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=664935«إِنَّ بَنِي [ ص: 9 ] إِسْرَائِيلَ تَفَرَّقَتْ عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً ، وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً ، كُلُّهُمْ فِي النَّارِ إِلَّا مِلَّةً وَاحِدَةً» ، قَالُوا : مَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ : «مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي» رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13948التِّرْمِذِيُّ .
وَفِي رِوَايَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=11998وَأَبِي دَاوُدَ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=33مُعَاوِيَةَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=675904«ثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ ، وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ ، وَهِيَ الْجَمَاعَةُ . . . إِلَخْ» .
وَهَذَا الْحَدِيثُ نَصٌّ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ; فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28826_28828الْفِرْقَةَ النَّاجِيَةَ هِيَ الَّتِي يُقَالُ لَهَا الْيَوْمَ : أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ .
وَفِي حَقِّ هَذِهِ الْجَمَاعَةِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=664463«وَيَدُ اللَّهِ عَلَى الْجَمَاعَةِ ، وَمَنْ شَذَّ ، شَذَّ فِي النَّارِ» أَخْرَجَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13948التِّرْمِذِيُّ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ . وَقَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=937865«وَإِيَّاكُمْ وَالشِّعَابَ ، وَعَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ وَالْعَامَّةِ» رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدُ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=32مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ .
وَرَوَى أَيْضًا
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدُ ،
nindex.php?page=showalam&ids=11998وَأَبُو دَاوُدَ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=1584أَبِي ذَرٍّ مَرْفُوعًا :
nindex.php?page=hadith&LINKID=676054«مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا ، فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ مِنْ عُنُقِهِ» .
وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ ، كُلُّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْجَمَاعَةَ هِيَ عِصَابَةُ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، وَأَنَّ الْفِرَقَ غَيْرَهَا هِيَ الشِّعَابُ ، كَانَتْ مَا كَانَتْ ، وَأَنَّ هَذِهِ الْفِرْقَةَ دَخَلَتْ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ مِنْ جِهَةِ تَقْلِيدِ بَنِي إِسْرَائِيلَ; فَإِنَّ أَصْلَ الدَّاءِ مِنْ عِنْدِهِمْ ، وَالنَّاسُ مُقْتَدُونَ بِهِمْ .
وَفِيهِ : إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْمُتَمَذْهِبَ بِالْمَذَاهِبِ الْمُتَفَرِّقَةِ ، خِلَافَ مَفْهُومِ الْجَمَاعَةِ ، وَأَنَّهُ يُخْرِجُ أَهْلَهَا مِنَ الِاجْتِمَاعِ الَّذِي هُوَ النُّورُ إِلَى الظُّلُمَاتِ الَّتِي هِيَ الشِّعَابُ وَالْمَذَاهِبُ .
وَقِيلَ فِي الْآيَةِ : هُمُ الْمُبْتَدِعَةُ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ ، وَالْبِدْعَةُ تُخَالِفُ الِاعْتِصَامَ بِالْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ; لِأَنَّ فِي الْإِتْيَانِ بِهَا رَفْعَهُمَا; كَمَا فِي حَدِيثِ غُضَيْفِ بْنِ الْحَارِثِ يَرْفَعُهُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=931015«مَا أَحْدَثَ قَوْمٌ بِدْعَةً ، إِلَّا رُفِعَ مِثْلُهَا مِنَ السُّنَّةِ ، فَتَمَسُّكٌ بِسُنَّةِ خَيْرٌ مِنْ إِحْدَاثِ بِدَعَةٍ» رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدُ .
وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=144حَسَّانَ ، قَالَ : «مَا ابْتَدَعَ قَوْمٌ بِدْعَةً فِي دِينِهِمْ ، إِلَّا نَزَعَ اللَّهُ مِنْ سُنَّتِهِمْ
[ ص: 10 ] مِثْلَهَا ، ثُمَّ لَا يُعِيدُهَا إِلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14274الدَّارِمِيُّ .
وَقِيلَ : الْمُرَادُ بِالْآيَةِ : «الْحَرُورِيَّةُ» ، وَالْأَوَّلُ الظَّاهِرُ ، وَكَذَا الثَّانِي .
قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ : هَذَا النَّهْيُ عَنِ التَّفَرُّقِ وَالِاخْتِلَافِ يَخْتَصُّ بِالْمَسَائِلِ الْأُصُولِيَّةِ .
وَأَمَّا الْمَسَائِلُ الْفُرُوعِيَّةُ الِاجْتِهَادِيَّةُ ، فَالِاخْتِلَافُ فِيهَا جَائِزٌ ، وَمَا زَالَ الصَّحَابَةُ فَمَنْ بَعْدَهُمْ مُخْتَلِفِينَ فِي أَحْكَامِ الْحَوَادِثِ . انْتَهَى .
وَتَعَقَّبَهُ فِي «فَتْحِ الْبَيَانِ» ، وَقَالَ : فِيهِ نَظَرٌ; فَإِنَّهُ مَا زَالَ فِي تِلْكَ الْعُصُورِ الْمُنْكِرُ لِلِاخْتِلَافِ مَوْجُودًا ، وَتَخْصِيصُ بَعْضِ الْمَسَائِلِ بِجَوَازِ الِاخْتِلَافِ فِيهَا ، دُونَ الْبَعْضِ الْآخَرِ ، لَيْسَ بِصَوَابٍ; فَالْمَسَائِلُ الشَّرْعِيَّةُ مُتَسَاوِيَةُ الْأَقْدَامِ فِي انْتِسَابِهَا إِلَى الشَّرْعِ . انْتَهَى .
وَيُوَضِّحُهُ : أَنَّ الْمَذَاهِبَ فِي الْأُصُولِ ثَلَاثَةٌ لَا غَيْرَ : مَذْهَبُ
الْمَاتُرِيدِيَّةِ ، وَمَذْهَبُ
الْأَشْعَرِيَّةِ ، وَمَذْهَبُ
الْحَنَابِلَةِ . وَلَا اخْتِلَافَ فِيمَا بَيْنَهُمْ إِلَّا فِي مَسَائِلَ قَلِيلَةٍ عَدِيدَةٍ لَا تَزِيدُ عَلَى اثْنَتَيْ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً أَوْ نَحْوِهَا .
وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ الْكَثِيرُ الْوَاقِعُ هُوَ فِي الْمَسَائِلِ الْفُرُوعِيَّةِ الَّتِي لِأَجْلِهَا صَارَتِ الْأُمَّةُ جُنُودًا مُتَفَرِّقَةً ، وَأَحْزَابًا مُتَبَايِنَةً ، وَهَذَا هُوَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ ، الْمَذْمُومُ عَلَى لِسَانِ اللَّهِ وَلِسَانِ رَسُولِهِ .
وَكَمْ مِنْ آيَاتٍ وَأَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ فِي الْأَمْرِ بِالْكَوْنِ فِي الْجَمَاعَةِ ، وَالنَّهْيِ عَنِ الْفُرْقَةِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=105مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ [آلِ عِمْرَانَ : 105]; أَيِ : الْحُجَجُ الْوَاضِحَاتُ الْمُبَيِّنَاتُ لِلْحَقِّ ، الْمُوجِبَاتُ لِعَدَمِ الِاخْتِلَافِ وَالْفُرْقَةِ ، فَعَلِمُوهَا ثُمَّ خَالَفُوهَا .
وَهَذِهِ حَالُ هَذِهِ الْأُمَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ الْيَوْمَ ، فَإِنَّهَا عَلِمَتْ مَا وَرَدَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ فِي ذَمِّهَا وَالنَّهْيِ عَنْهَا ، ثُمَّ خَالَفَتْ أَوَامِرَ نَبِيِّهَا وَنَوَاهِيَهُ ، وَتَمَسَّكَتْ
[ ص: 11 ] بِتَقْلِيدَاتِ الرِّجَالِ وَآرَاءِ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ ، فَكَانَ اخْتِلَافُهَا أَشَدَّ كَرَاهَةً; لِأَنَّ الْعِصْيَانَ بَعْدَ الْعِلْمِ أَقْبَحُ مِنْهُ عَلَى الْجَهْلِ .
هَذِهِ دَوَاوِينُ السُّنَّةِ الْمُطَهَّرَةِ مِنْ كُتُبِ الصِّحَاحِ السِّتَّةِ وَنَحْوِهَا ، قَدْ عَمَّتْ وَطَابَتْ ، وَهِيَ فِي أَيْدِي أَهْلِ الزَّمَانِ ، بَلْ فِي يَدِ كُلِّ إِنْسَانٍ ، وَقَدْ وَقَفَ عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ ، وَإِنْ كَانَ وُقُوفُهُمْ عَلَيْهَا لِتَأْيِيدِ الْمَذْهَبِ وَتَشْيِيدِ النِّحْلَةِ ، فَشِقَاقُهُمْ - بَعْدَ هَذَا الْعُبُورِ وَالْعُثُورِ - تَفْرِقَةٌ وَاخْتِلَافٌ بَعْدَ مَجِيءِ الْبَيِّنَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ وِالْحَدِيثِيَّةِ ، وَعَلَى هَذَا يَتَرَتَّبُ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=105وَأُولَئِكَ لَهُمْ ; أَيْ : لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=105عَذَابٌ عَظِيمٌ فِي الْآخِرَةِ .
قَالَ فِي «فَتْحِ الْبَيَانِ» : فِيهِ
nindex.php?page=treesubj&link=28827_30232زَجْرٌ عَظِيمٌ لِلْمُؤْمِنِينَ عَنِ التَّفْرِقَةِ وَالِاخْتِلَافِ ، ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ
nindex.php?page=showalam&ids=1584أَبِي ذَرٍّ الْمُتَقَدِّمَ وَقَالَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=912277«مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَسْكُنَ بَحْبُوبَةَ الْجَنَّةِ ، فَعَلَيْهِ بِالْجَمَاعَةِ ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْفَذِّ ، وَهُوَ مِنَ الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ» رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13889الْبَغَوِيُّ بِسَنَدِهِ . انْتَهَى .
وَفِيهِ : إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الِاثْنَيْنِ وَمَا فَوْقَهُمَا جَمَاعَةٌ .
وَمِنْ نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ : أَنَّ جَمَاعَةَ أَهْلِ الْحَدِيثِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا كَثِيرَةٌ أَضْعَافُ أَضْعَافِ الِاثْنَيْنِ بَلْ ثُلُثُ الْأُمَّةِ ، يُصَدِّقُ ذَلِكَ كُتُبُ طَبَقَاتِ الْمُحَدِّثِينَ ، وَأَنَّهُ لَا يَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ وَخَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ .
اللَّهُمَّ أَحْيِنَا جَمَاعَةً ، وَأَمِتْنَا جَمَاعَةً ، وَاحْشُرْنَا فِي زُمْرَةِ السَّلَفِ الصُّلَحَاءِ ، وَجَمَاعَتِهِمْ يَوْمَ الْقَرَارِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=106يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ [آلِ عِمْرَانَ : 106] . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : يَقُولُ : تَبْيَضُّ وُجُوهُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ ، وَتَسْوَدُّ وُجُوهُ أَهْلِ الْبِدْعَةِ وَالضَّلَالَةِ . وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=44وَأَبِي سَعِيدٍ .
قِيلَ : إِنَّ الْبَيَاضَ كِنَايَةٌ عَنِ الْفَرَحِ وَالسُّرُورِ ، وَالسَّوَادَ كِنَايَةٌ عَنِ الْغَمِّ وَالْحُزْنِ وَالشُّرُورِ .
[ ص: 12 ] وَقِيلَ : هُمَا حَقِيقَةٌ يَحْصُلَانِ فِي الْوَجْهِ ، وَقِيلَ : الْمُرَادُ : وُجُوهُ الْمُؤْمِنِينَ وَوُجُوهُ الْكُفَّارِ .
وَلَا مَانِعَ مِنَ الْحَمْلِ عَلَى الْجَمِيعِ ، فَيَدْخُلُ فِيهِ أَهْلُ السُّنَّةِ وَأَهْلُ الْبِدْعَةِ دُخُولًا أَوَّلِيًّا .
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=106فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ . قِيلَ : هُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ ، وَقِيلَ : الْمُرْتَدُّونَ ، وَقِيلَ : الْمُبْتَدِعُونَ ، وَقِيلَ : الْكَافِرُونَ . وَالْعُمُومُ أَوْلَى .
وَيُقَالُ لَهُمْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=106أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ أَمْرُ إِهَانَةٍ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=106بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ ; أَيْ : تُنْكِرُونَ السُّنَّةَ ، وَتَأْخُذُونَ الْبِدْعَةَ ، وَتُشْرِكُونَ لَا تُوَحِّدُونَ .
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=107وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ هَمُ الْمُؤْمِنُونَ الْمُتَّبِعُونَ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، الْمُجَانَبُونَ عَنِ الْبِدْعَةِ وَالْمُحْدَثَاتِ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=107فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ; أَيْ : مُسْتَقِرُّونَ فِي الْجَنَّةِ دَارَ الْكَرَامَةِ .
وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=159إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ [الْأَنْعَامِ : 159]; أَيْ : تَرَكُوهُ وَخَرَجُوا عَنْهُ بِاخْتِلَافِهِمْ فِيهِ .
يَعْنِي : جَعَلُوا دِينَهُمْ مُتَفَرِّقًا ، فَأَخَذُوا بِبَعْضِهِ ، وَتَرَكُوا بَعْضَهُ ، وَتَمَسَّكُوا بِالْبِدَعِ وَالْمُحْدَثَاتِ; مِنَ التَّقْلِيدِ ، وَالرَّأْيِ ، وَرَفَضُوا السُّنَّةَ وَالِاتِّبَاعِ .
قِيلَ : الْمُرَادُ بِهِمْ : أَهْلُ الْكِتَابِ ، وَقِيلَ : الْمُشْرِكُونَ . وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : هُمْ أَهْلُ الضَّلَالَةِ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ . وَقِيلَ : عَامٌّ فِي جَمِيعِ الْكَفَّارِ ، وَفِي كُلِّ مَنِ ابْتَدَعَ وَجَاءَ بِمَا لَمْ يَأْمُرْ بِهِ اللَّهُ .
وَهَذَا هُوَ الرَّاجِحُ الْأَظْهَرُ; لِأَنَّ اللَّفْظَ يُفِيدُ الْعُمُومَ ، فَيَدْخُلُ فِيهِ طَوَائِفُ أَهْلِ الْكِتَابِ ، وَأَهْلِ الشِّرْكِ وَالْبِدَعِ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ .
أَخْرَجَ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=14687وَالطَّبَرَانِيُّ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13507وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=14155وَالْحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ ،
وَالشِّيرَازِيُّ فِي «الْأَلْقَابِ» عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْآيَةِ ، قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=907604هُمْ أَهْلُ الْبِدَعِ وَالْأَهْوَاءِ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ» ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ .
[ ص: 13 ] وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعَائِشَةَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=931018«يَا nindex.php?page=showalam&ids=25عَائِشُ! nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=159إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا هُمْ أَصْحَابُ الْبِدَعِ ، وَأَصْحَابُ الْأَهْوَاءِ ، وَأَصْحَابُ الضَّلَالَةِ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ ، لَيْسَتْ لَهُمْ تَوْبَةٌ ، وَهُمْ مِنِّي بَرَاءٌ» رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطَّبَرَانِيُّ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13933وَالْبَيْهَقِيُّ ،
nindex.php?page=showalam&ids=12181وَأَبُو نُعَيْمٍ ، وَغَيْرُهُمْ .
قَالَ
ابْنُ كَثِيرٍ : هُوَ غَرِيبٌ لَا يَصِحُّ رَفْعُهُ ، يَعْنِي : أَنَّهُ مَوْقُوفٌ .
وَلَكِنْ مِثْلُ هَذَا لَا يُقَالُ مِنَ الرَّأْيِ ، فَلَهُ حُكْمُ الرَّفْعِ ، وَيَدُلُّ لَهُ أَحَادِيثُ أُخْرَى مَرْفُوعَةٌ .
وَعَلَى كُلِّ حَالٍ ، الْمُرَادُ بِهَذِهِ الْآيَةِ : الْحَثُّ عَلَى أَنْ تَكُونَ كَلِمَةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةً ، وَأَلَّا يَتَفَرَّقُوا فِي الدِّينِ ، وَلَا يَبْتَدِعُوا الْبِدَعَ الْمُضِلَّةَ .
رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=11998أَبُو دَاوُدَ nindex.php?page=showalam&ids=13948وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=33مُعَاوِيَةَ ، قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=711208قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : «أَلَا إِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ افْتَرَقُوا عَلَى اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً ، وَإِنَّ هَذِهِ الْمِلَّةَ سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثَلَاثَةٍ وَسَبْعِينَ ، ثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ ، وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ ، وَهِيَ الْجَمَاعَةُ» .
وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=13ابْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يَرْفَعُهُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=664935«إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ تَفَرَّقَتْ عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً ، وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً ، كُلُّهَا فِي النَّارِ ، إِلَّا مِلَّةً وَاحِدَةً» ، قَالُوا : وَمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ : «مَنْ كَانَ عَلَى مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي» رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13948التِّرْمِذِيُّ .
وَقَدْ بَيَّنَ صَاحِبُ كِتَابِ «خَبِيئَةِ الْأَكْوَانِ فِي افْتِرَاقِ الْأُمَمِ عَلَى الْمَذَاهِبِ وَالْأَدْيَانِ» ، وَكِتَابِ «حُجَجِ الْكَرَامَةِ» حَالَ هَذِهِ الْفِرَقِ الثَّلَاثَةِ وَالسَّبْعِينَ ، وَسَمَّاهُمْ ، وَعَيَّنَ الْفِرْقَةَ النَّاجِيَةَ مِنْهُمْ .
وَمِنْ هَذَا التَّفْرِيقِ : هَذِهِ الْمَذَاهِبُ الْأَرْبَعَةُ فِي أَهْلِ السُّنَّةِ ، وَهَذِهِ الْجَمَاعَاتُ الْأَرْبَعَةُ فِي الْحَرَمِ الشَّرِيفِ ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي مُؤَلَّفَاتِهِمْ .
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=159وَكَانُوا شِيَعًا ; أَيْ : فِرَقًا وَأَحْزَابًا .
[ ص: 14 ] فَيَصْدُقُ عَلَى كُلِّ قَوْمٍ كَانَ أَمْرُهُمْ فِي الدِّينِ وَاحِدًا [وَهُمْ] مُجْتَمِعُونَ ، ثُمَّ اتَّبَعَ كُلُّ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ رَأْيَ كَبِيرٍ مِنْ كُبَرَائِهِمْ ، يُخَالِفُ الصَّوَابَ وَبَيَانَ الْحَقِّ .
وَمَا أَبْلَغَ هَذِهِ الْآيَةَ ! فَإِنَّهَا تُشِيرُ إِلَى ذَمِّ التَّشَيُّعِ ، وَصِحَّةِ إِطْلَاقِ هَذِهِ اللَّفْظَةِ عَلَى كُلِّ مُخَالِفٍ لِلْجَمَاعَةِ وَأَهْلِ السُّنَّةِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=159لَسْتَ مِنْهُمْ ; أَيْ : مِنْ تَفَرُّقِهِمْ ، أَوْ مِنَ السُّؤَالِ عَنْ سَبَبِ تَفَرُّقِهِمْ ، وَالْبَحْثِ عَنْ مُوجِبِ تَحَزُّبِهِمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=159فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ ، فَلَا يَلْزَمُكَ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ ، وَلَا تُخَاطَبُ بِهِ ، إِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ . وَالْمَعْنَى : أَنْتَ بَرِيءٌ مِنْهُمْ . وَقَالَ الْفَرَّاءُ : لَسْتَ مِنْ عِقَابِهِمْ فِي شَيْءٍ ، وَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْإِنْذَارُ .
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=159إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ فِي الْجَزَاءِ وَالْمُكَافَأَةِ عَلَى تَشَيُّعِهِمْ وَتَشَعُّبِهِمْ ،
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=159ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَيُخْبِرُهُمْ بِمَا يَنْزِلُ بِهِمْ مِنَ الْمُجَازَاةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=159بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ مِنَ الْأَعْمَالِ الَّتِي تُخَالِفُ مَا شَرَعَهُ اللَّهُ لَهُمْ ، وَأَوْجَبَ عَلَيْهِمْ مِنِ
nindex.php?page=treesubj&link=28328_29613اتِّبَاعِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، وَاجْتِنَابِ الْبِدَعِ وَالضَّلَالَةِ ، وَإِيثَارِ التَّوْحِيدِ عَلَى الشِّرْكِ وَالتَّنْدِيدِ ، وَاخْتِيَارِ الِاعْتِصَامِ وَتَرْكِ التَّقْلِيدِ .
وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=31وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ [الرُّومِ : 31]; أَيْ : مَنْ يُشْرِكُ بِهِ تَعَالَى غَيْرَهُ فِي الْعِبَادَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=32مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ بِاخْتِلَافِهِمْ فِيمَا يَعْبُدُونَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=32وَكَانُوا شِيَعًا «الشِّيَعُ» : الْفِرَقُ; أَيْ : وَلَا تَكُونُوا مِنَ الَّذِينَ تَفَرَّقُوا فِي الدِّينِ ، يُشَايِعُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ، مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالْأَهْوَاءِ ، فَيُصَلِّي بَعْضُهُمْ فِي مُصَلَّى
الْحَنَفِيَّةِ ، وَبَعْضُهُمْ فِي مُصَلَّى الْحَنْبَلِيَّةِ ، وَبَعْضُهُمْ فِي مُصَلَّى
الْمَالِكِيَّةِ ، وَبَعْضُهُمْ فِي مُصَلَّى
الشَّافِعِيَّةِ فِي
«الْحَرَمِ الشَّرِيفِ الْمَكِّيِّ» حَيْثُ اخْتَارَ كُلُّ ذِي مَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ شَخْصِيٍّ مُقَلِّدٍ لِإِمَامِهِ ، مُصَلًّى خَاصًّا لَهُ وَلِأَهْلِ جِلْدَتِهِ ، وَهَذَا مِنْ أَقْبَحِ الْبِدْعَاتِ .
وَكَذَلِكَ حَالُ مَنْ لَا يُصَلِّي فِي مَسْجِدِ أَهْلِ الْحَدِيثِ ، وَلَا يَتْرُكُ أَهْلَ الْحَدِيثِ يُصَلُّونَ فِي مَسَاجِدِهِمْ .
وَقُرِئَ : (فَارَقُوا دِينَهُمْ) ; أَيِ : الَّذِي يَجِبُ اتِّبَاعُهُ ، وَهُوَ التَّوْحِيدُ ، وَهِيَ قِرَاءَةٌ سَبُعِيَّةٌ .
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=32كُلُّ حِزْبٍ ; أَيْ : كُلُّ فَرِيقٍ مِنْ فِرَقِ الضَّلَالِ ، وَالْبِدَعِ ، وَالْأَهْوَاءِ ، وَالْآرَاءِ ،
[ ص: 15 ] وَالْإِشْرَاكِ ، وَالْكُفْرِ
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=32بِمَا لَدَيْهِمْ مِنَ الدِّينِ الْمَبْنِيِّ عَلَى غَيْرِ الصَّوَابِ ، وَجَاءَهُمْ مِنَ الْأُمَّهَاتِ وَالْآبَاءِ وَالْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ الَّذِينَ هُمْ لَهُمْ أَرْبَابٌ
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=32فَرِحُونَ [الرُّومِ : 32]; أَيْ : مَسْرُورُونَ مُبْتَهِجُونَ ، يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ عَلَى الْحَقِّ ، وَلَيْسَ بِأَيْدِيهِمْ مِنْهُ شَيْءٌ .
وَمِعْيَارُ ذَلِكَ يَظْهَرُ عِنْدَ عَرْضِ الْمُجْتَهَدَاتِ ، وَالْأَقْيِسَةِ الْبَاطِلَاتِ ، وَالْآرَاءِ الْفَاسِدَاتِ ، وَالتَّأْوِيلَاتِ الْكَاسِدَاتِ ، عَلَى نُصُوصِ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ ، وَأَدِلَّةِ السُّنَّةِ الْمُطَهَّرَةِ .
وَهَذَا تَسْجِيلٌ مِنَ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - ، وَتَوْقِيعٌ مِنْهُ سُبْحَانَهُ لِتَارِكِي الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ ، عَلَى أَنَّ ظَنَّهُمْ هَذَا وَفَرَحَهُمْ بِذَلِكَ بَاطِلٌ ، وَلَيْسَ لَهُمْ مِنْ أَصْلِ الْحَقِّ وَالصَّوَابِ شَيْءٌ ، وَلَنِعْمَ مَا قِيلَ :
وَكُلٌّ يَدَّعِي وَصْلًا لِلَيْلَى وَلَيْلَى لَا تُقِرُّ لَهُمْ بِذَاكَا
وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=153وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا [الْأَنْعَامِ : 153]; أَيْ : مَا ذُكِرَ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ مِنَ الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي . قَالَهُ
مُقَاتِلٌ . وَقِيلَ : الْإِشَارَةُ إِلَى مَا ذُكِرَ فِي السُّورَةِ; فَإِنَّهَا بِأَسْرِهَا فِي إِثْبَاتِ التَّوْحِيدِ وَالنُّبُوَّةِ ، وَبَيَانِ الشَّرِيعَةِ .
وَ «الصِّرَاطُ» : هُوَ طَرِيقُ دِينِ الْإِسْلَامِ . وَ «الْمُسْتَقِيمُ» : الْمُسْتَوِي ، الَّذِي لَا اعْوِجَاجَ فِيهِ .
وَقَدْ تَشَعَّبَتْ مِنْهُ طُرُقٌ ، فَمَنْ سَلَكَ الْجَادَّةَ ، نَجَا ، وَمَنْ خَرَجَ إِلَى الطُّرُقِ ، أَفْضَتْ بِهِ إِلَى النَّارِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=153فَاتَّبِعُوهُ وَأَمَرَهُمْ بِاتِّبَاعِ جُمْلَتِهِ وَتَفْصِيلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=153وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ نَهَاهُمْ عَنِ اتِّبَاعِ سَائِرِ الْأَدْيَانِ الْمُتَبَايِنَةِ طُرُقُهَا ، وَالْمَذَاهِبُ الْمُسْتَحْدَثَةُ سُبُلُهَا ، وَالْأَهْوَاءُ الْمُضِلَّةُ ، وَالْبِدَعُ وَالْآرَاءُ الْمُخْتَلِفَةُ .
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=153فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ; أَيْ : فَتَمِيلُ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ الْمُسْتَقِيمِ ، الَّذِي هُوَ اتِّبَاعُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ .
قَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : هَذِهِ السُّبُلُ تَعُمُّ الْيَهُودِيَّةَ ، وَالنَّصْرَانِيَّةَ ، وَالْمَجُوسِيَّةَ ، وَسَائِرَ
[ ص: 16 ] أَهْلِ الْمِلَلِ ، وَأَهْلِ الْبِدَعِ وَالضَّلَالَاتِ ، مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَالشُّذُوذِ ، فِي الْفُرُوعِ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ ، مِنْ أَهْلِ التَّعَمُّقِ فِي الْجَدَلِ ، وَالْخَوْضِ فِي الْكَلَامِ ، وَهَذِهِ كُلُّهَا عُرْضَةٌ لِلزَّلَلِ ، وَمَظِنَّةٌ لِسُوءِ الْمُعْتَقَدِ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16815قَتَادَةُ : اعْلَمُوا أَنَّ السَّبِيلَ وَاحِدٌ : جَمَاعَةُ الْهُدَى ، وَمَصِيرَهُ الْجَنَّةُ ، وَأَنَّ إِبْلِيسَ اسْتَبْدَعَ سُبُلًا مُتَفَرِّقَةً : جَمَاعَةَ الضَّلَالَةِ ، وَمَصِيرُهُ إِلَى النَّارِ .
ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=664748«خَطَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطًّا» ، وَسَيَأْتِي . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : السُّبُلُ : الضَّلَالَاتُ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنُ مَسْعُودٍ : مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى الصَّحِيفَةِ الَّتِي عَلَيْهَا خَاتَمُ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلْيَقْرَأْ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ . أَخْرَجَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13948التِّرْمِذِيُّ ، وَحَسَّنَهُ .
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=153ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ; أَيْ : أَكَّدَ عَلَيْكُمُ الْوَصِيَّةَ بِمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ ، مِنِ اتِّبَاعِ سَبِيلٍ وَاحِدٍ ، هُوَ اقْتِدَاءُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ; لَعَلَّكُمْ تَخَافُونَ مَا نَهَاكُمْ عَنْهُ مِنَ الطُّرُقِ الْمُخْتَلِفَةِ ، وَالسُّبُلِ الْبِدْعِيَّةِ الْمُضِلَّةِ .
وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=31قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهَ [آلِ عِمْرَانَ : 31] . الْحُبُّ وَالْمَحَبَّةُ : مَيْلُ النَّفْسِ إِلَى الشَّيْءِ لِكَمَالٍ أَدْرَكْتَهُ فِيهِ .
يُقَالُ : أَحَبَّهُ ، فَهُوَ مُحِبٌّ . وَحَبَّهُ يُحِبُّهُ - بِالْكَسْرِ - فَهُوَ مَحْبُوبٌ .
قَالَ :
ابْنُ الدَّهَّانِ فِي «حَبَّ» لُغَتَانِ : حَبَّ ، وَ «أَحَبَّ» ، وَقَدْ فُسِّرَتِ الْمَحَبَّةُ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ بِإِرَادَةِ طَاعَتِهِ .
قَالَ
الْأَزْهَرِيُّ : مَحَبَّةُ الْعَبْدِ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ : طَاعَتُهُ لَهُمَا ، وَاتِّبَاعُهُ أَمْرَهُمَا . وَمَحَبَّةُ اللَّهِ لِلْعِبَادِ : إِنْعَامُهُ عَلَيْهِمْ بِالْغُفْرَانِ .
وَقِيلَ : الْعَبْدُ إِذَا عَلِمَ أَنَّ الْكَمَالَ الْحَقِيقِيَّ لَيْسَ إِلَّا لِلَّهِ ، وَأَنَّ كُلَّ مَا يَرَاهُ كَمَالًا مِنْ نَفْسِهِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ ، فَهُوَ مِنَ اللَّهِ وَبِاللَّهِ ، لَمْ يَكُنْ حُبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ ، وَفِي اللَّهِ ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي إِرَادَةَ طَاعَتِهِ وَالرَّغْبَةَ فِيمَا يُقَرِّبُهُ إِلَيْهِ .
فَلِذَلِكَ فُسِّرَتِ الْمَحَبَّةُ بِإِرَادَةِ الطَّاعَةِ ، وَجُعِلَتْ مُسْتَلْزِمَةً لِاتِّبَاعِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عِبَادَتِهِ ، وَالْحَثِّ عَلَى مُطَاوَعَتِهِ ، قَالَهُ الْقَاضِي .
[ ص: 17 ] أَخْرَجَ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=12918وَابْنُ الْمُنْذِرِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=11970وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الْحَسَنِ ، مِنْ طُرُقٍ ، قَالَ :
قَالَ أَقْوَامٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا مُحَمَّدُ! إِنَّا لَنُحِبُّ رَبَّنَا ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ ، وَفِي حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=25عَائِشَةَ عِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=11970ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ ،
وَأَبِي نُعَيْمٍ فِي «الْحِلْيَةِ» مَرْفُوعًا :
وَهَلِ الدِّينُ إِلَّا الْحُبُّ وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ» .
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=31قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ الْآيَةَ . وَالْمَعْنَى : إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فِي ادِّعَاءِ مَحَبَّةِ اللَّهِ ، فَكُونُوا مُنْقَادِينَ لِأَوَامِرِهِ وَأَوَامِرِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، مُطِيعِينَ لَهُمَا ، فَإِنَّ اتِّبَاعَ الرَّسُولِ مِنْ مَحَبَّةِ اللَّهِ وَطَاعَتِهِ .
وَفِيهِ : حَثٌّ عَلَى اتِّبَاعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَإِشَارَةٌ إِلَى تَرْكِ التَّقْلِيدِ الْمَشْؤُومِ عِنْدَ وُضُوحِ النَّصِّ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، وَأَنَّ دَعْوَى مَحَبَّةِ اللَّهِ ، أَوْ مَحَبَّةِ الرَّسُولِ بِدُونِ اتِّبَاعِ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ ، وَتَرْجِيحِهِمَا عَلَى كُلِّ قَوْلٍ قَدِيمٍ وَحَدِيثٍ بَاطِلَةٌ لَا تَصِحُّ مِنْ قَائِلِهَا ، وَأَنَّ مَحَبَّةَ اللَّهِ لِعِبَادِهِ مَوْقُوفَةٌ عَلَى الِاعْتِصَامِ بِكِتَابِهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=31وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [آلِ عِمْرَانَ : 31] يَغْفِرُ ذُنُوبَ الْمُوَحِّدِينَ الْمُتَّبِعِينَ ، وَيَرْحَمُهُمْ بِفَضْلِهِ وَكَرَمِهِ .
وَهَذَا تَذْيِيلٌ مُقَرِّرٌ لِمَا قَبْلَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=32قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ حَذْفُ الْمُتَعَلِّقِ مُشْعِرٌ بِالتَّعْمِيمِ; أَيْ : فِي جَمِيعِ الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي .
وَالْمُقَلِّدُ غَيْرُ مُطِيعٍ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ ، بَلْ يُطِيعُ مَنْ يُقَلِّدُهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ وَالْكُبَرَاءِ ، بَلْ هُوَ مُشَاقٌّ بِهَذَا لَهُمَا ، حَيْثُ تَرَكَ إِطَاعَةَ اللَّهِ وَاتِّبَاعَ الرَّسُولِ ، وَأَطَاعَ غَيْرَهُمَا ، مِنْ غَيْرِ حُجَّةٍ نَيِّرَةٍ وَبُرْهَانٍ جَلِيٍّ .
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=32فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنْ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ [آلِ عِمْرَانَ : 32] فِيهِ : أَنَّ الْإِعْرَاضَ عَنْ إِطَاعَةِ اللَّهِ ، وَاتِّبَاعِ رَسُولِهِ مِنْ شَأْنِ الْكُفَّارِ ، وَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَا يَرْضَى بِفِعْلِهِمْ ، وَلَا يَغْفِرُ لَهُمْ .
وَالْآيَةُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الدِّينَ الْمَرْضِيَّ هُوَ الْإِسْلَامُ ، وَأَنَّ
مُحَمَّدًا هُوَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، الَّذِي لَا يَصِحُّ لِأَحَدٍ أَنْ يُحِبَّ اللَّهَ إِلَّا بِاتِّبَاعِهِ .
[ ص: 18 ] وَأَنَّ مَنْ تَعَلَّقَ بِغَيْرِ كِتَابِهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ ، فَهُوَ عَنِ الِاتْبِاعِ الْمَطْلُوبِ مِنْهُ بِمَعْزِلٍ . وَفِي هَذَا وَعِيدٌ عَظِيمٌ لَا يُقَادِرُ قَدْرَهُ ، وَلَا يَبْلُغُ مَدَاهُ .