فصل
أصل كل فعل وحركة في العالم من الحب والإرادة.
فهما مبدأ لجميع الأفعال والحركات، كما أن البغض والكراهة مبدأ كل كف وترك.
فالمحبة هي التي تحرك المحب في طلب محبوبه الذي يكمل بحصوله له؛ كتحرك محب الرحمن، ومحب القرآن، ومحب العلم والإيمان، ومحب الأوثان، والصلبان، ومحب النسوان والمردان، ومحب الأوطان، ومحب الإخوان، فتثير من كل قلب حركة إلى محبوبه من هذه الأشياء، فيتحرك عند ذكر محبوبه منها دون غيره.
[ ص: 383 ] ولذا تجد محب النسوان والصبيان، ومحب قرآن الشيطان بالأصوات والألحان لا يتحرك عند سماع العلم وتلاوة القرآن، حتى إذا ذكر له محبوبه اهتز له وربا، وتحرك باطنه وظاهره؛ شوقا إليه وطربا.
وكل هذه المحاب باطلة مضمحلة، سوى محبة الله وما والاها؛ من محبة رسوله وكتابه به فهي التي تدوم ثمرتها.
وإذا انقطعت علائق المحبين وأسباب محابهم لم ينقطع سببها. قال تعالى: إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب [البقرة: 167].
قال عطاء، عن المودة، وقال ابن عباس: تواصلهم في الدنيا، وقال مجاهد: الضحاك: تقطعت بهم الأرحام، وتفرقت بهم المنازل في النار، وقال أبو صالح: الأعمال، والكل حق، فإن الأسباب هي الوصل التي كانت بينهم في الدنيا، تقطعت بهم أحوج ما كانوا إليها.
وأما أسباب الموحدين المخلصين لله، فاتصلت بهم، ودام اتصالها بدوام معبودهم ومحبوبهم.