الثالث : وهذا على طريقة كثير من الأصوليين ، لكن الفقهاء يخالفونهم وتابعهم في المحصول " وشرطوا أن يقوم دليل على الترجيح ، فإن أمكن ، ولو من وجه ، امتنع ، بل يصار إلى ذلك لأنه أولى من إلقاء أحدهما ، والاستعمال أولى من التعطيل قال في المحصول " : العمل بكل منهما من وجه أولى من العمل بالراجح من كل وجه وترك الآخر ، لأن دلالة الدليل على بعض مدلولاته تابعة لدلالته على كلها ، لأن دلالة التضمن تابعة لدلالة المطابقة ، [ ص: 149 ] وترك التبع أولى من ترك الأصل فإذا عملنا بكل واحد منهما من وجه دون وجه فقد تركنا العمل بالدلالة التضمينية ، وإن عملنا بأحدهما دون الثاني فقد تركنا العمل بالدلالة السمعية إذا علمت هذا فالعمل بكل واحد منهما من وجه يقع على ثلاثة أوجه : ( أحدها ) : توزيع متعلق الحكم إن أمكن ، كما تقسم الدار المدعى ملكها عند تعارض البينتين ( ثانيها ) : ينزل على الأحكام بعض كل واحد عند التعدد ، بأن يكون كل واحد منهما مقتضيا أحكاما ، فيعمل بواحد منهما في بعضها ، وبالآخر في البعض الآخر ، كالنهي عن الشرب والبول قائما ثم فعله ، فإن فعله يقتضي عدم الأولوية والحرج ، ونهيه بالعكس فيحمل النهي على عدم الأولوية والفعل على رفع الحرج وبيان الجواز وكنهيه عن الاغتسال بفضل وضوء المرأة ثم فعله مع أن لا يمكن العمل بكل واحد منهما ( ثالثها ) : التنزيل على بعض الأحوال عند الإطلاق ، كقوله : { عائشة } وقوله في حديث آخر : { ألا أخبركم عن خير الشهود ؟ أن يشهد الرجل قبل أن يستشهد } فيحمل الأول على حق الله تعالى والثاني على حق الآدميين . ثم يفشو الكذب حتى يشهد الرجل قبل أن يستشهد
[ ص: 150 ] وهذه الطريقة أطبق عليها الفقهاء ، أعني الجمع المستقل بنفسه من غير إقامة دليل ، وعزوا ذلك إلى تعارض القراءتين ، كقراءة " أرجلكم " بالنصب والخفض ، فحملوا إحداهما على مسح الخف والأخرى على غسل الرجلين ، وحمل بعضهم قوله " يطهرن " و " يطهرن " إحداهما على ما دون العشرة ، والأخرى على العشرة .