في الاستعاذة
وكلامنا في الاستعاذة عام لجميع القراء كما أنه خاص بالقراءة خارج الصلاة ويتعلق به سبع مسائل :
الأولى : في صيغتها .
الثانية : في حكم الجهر والإخفاء بها .
الثالثة : في حكمها وجوبا أو استحبابا .
الرابعة : في محلها .
الخامسة : في معناها .
السادسة : في بيان أوجهها .
السابعة : فيما إذا قطع القارئ قراءته ثم عاد إليها وبيان ما يترتب عليه عندئذ .
[ ص: 554 ] [ ص: 555 ] ولكل مسألة من هذه المسائل كلام خاص نوضحه فيما يلي :
المسألة الأولى : في . صيغة الاستعاذة
أما صيغتها فهي " أعوذ بالله من الشيطان الرجيم " وهذه هي المشهورة والمختارة من حيث الرواية لجميع القراء العشرة دون غيرها من الصيغ الواردة فيها لقوله تعالى : فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم
قال الحافظ في التيسير : " اعلم أن المستعمل عند الحذاق من أهل الأداء في لفظ الاستعاذة " أعوذ بالله من الشيطان الرجيم " دون غيره وذلك لموافقة الكتاب والسنة . أبو عمرو الداني
فأما الكتاب فقوله تعالى : فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم
وأما السنة فما رواه عن أبيه نافع بن جبير بن مطعم عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه استعاذ قبل القراءة بهذا اللفظ بعينه . " وبذلك قرأت وبه آخذ " ا هـ بلفظه، وكما أن هذا اللفظ هو المشهور والمختار لجميع القراء هو المأخوذ به عند عامة الفقهاء كالشافعي وأبي حنيفة وغيرهم . وقد ادعى بعضهم الإجماع على هذا اللفظ بعينه وهو مردود بما جاء من تغيير في هذا اللفظ تارة بالزيادة عليه وتارة بالنقص عنه . وأحمد
أما الزيادة فمنها " أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم " أو " أعوذ بالله العظيم من الشيطان الرجيم " أو " أعوذ بالله من الشيطان الرجيم إن الله هو السميع العليم " أو " أعوذ بالله العظيم السميع العليم من الشيطان الرجيم " إلى غير [ ص: 556 ] ذلك من الصيغ الواردة عن أئمة القراء وأهل الأداء .
وأما النقص فقد قال الحافظ ابن الجزري في النشر لم يتعرض للتنبيه عليه أكثر أئمتنا وكلام رحمه الله يقتضي عدمه والصحيح جوازه لما ورد : فقد نص الشاطبي الحلواني في جامعه على جواز ذلك فقال وليس للاستعاذة حد ينتهى إليه من شاء زاد ومن شاء نقص أي بحسب الرواية . وفي سنن من حديث أبي داود جبير بن مطعم من غير ذكر الرجيم وكذا رواه غيره ا هـ منه بلفظه . " أعوذ بالله من الشيطان "
هذا : ولم أر فيما وقفت عليه من صيغ النقص غير ما ذكر الحافظ ابن الجزري في النشر .
قال العلامة المارغني " فإن قلت " حيث ورد في الكتاب والسنة لفظ أعوذ بالله من الشيطان كما تقدم فلم جوزوا غيره؟ " قلت " الآية لا تقتضي إلا طلب أن يستعيذ القارئ بالله من الشيطان لأن الأمر فيها وهو استعذ مطلق وجميع ألفاظ الاستعاذة بالنسبة إليه سواء فبأي لفظ استعاذ القارئ جاز وكان ممتثلا والحديث ضعيف كما ذكره الأئمة، ومع ذلك فالمختار أن يقال أعوذ بالله من الشيطان الرجيم لموافقة لفظ الآية وإن كان الأمر فيها مطلقا ولورود الحديث به، وإن لم يصح لاحتمال الصحة وإنما اختاروا أعوذ مع أن الآية تقتضي استعيذ لوروده في مواضع كثيرة من القرآن كقوله تعالى : وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين الآية . قل أعوذ برب الفلق قل أعوذ برب الناس ولوروده في [ ص: 557 ] عدة أحاديث ا هـ .
وأما ما قاله الإمام في الدرر اللوامع : ابن بري
وقد أتت في لفظه أخبار وغير ما في النحل لا يختار
ا هـفأقول لعله قصد بقوله : " وغير ما في النحل لا يختار " أنه لم ينعقد إجماع القراء على غير التعوذ بلفظ سورة النحل أو أن القارئ يسعه التعوذ بأي لفظ وارد وقد اختار هو لفظ النحل وهذا أشبه بقوله وأحب إلي إذ كل هذه الألفاظ التي تقدمت وكذلك غيرها من ما لم تذكر واردة والقارئ مأمور بالعمل بإحداها على التخيير وكل حق وصواب، وقد تقدم ما يفيد ذلك في كلام العلامة المارغني شارح كلام الإمام رحمهما الله تعالى ورحمنا معهما بمنه وكرمه آمين . ابن بري