في أحكام الميم الساكنة
محتويات الباب
1 – . تعريف الميم الساكنة وإخراج محترزات القيود وأقسامها
2 – الكلام على الحكم الأول «الإخفاء الشفوي» وأقوال أهل العلم فيه.
3 – الكلام على الحكم الثاني «الإدغام الصغير» ووجهه وضابطه.
4 – الكلام على الحكم الثالث «الإظهار الشفوي» ووجهه وضابطه.
[ ص: 190 ] [ ص: 191 ] تعريف الميم الساكنة وإخراج محترزات القيود وأقسامها
الميم الساكنة: هي التي سكونها ثابت في الوصل والوقف نحو: الحمد لله رب العالمين [الفاتحة: 2] فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون [الروم: 17].
فقولنا: الميم الساكنة خرج به الميم المتحركة مطلقا نحو: ما أنت بنعمة ربك بمجنون [القلم: 2] وكذلك الميم المشددة نحو: ثم جعلناه نطفة في [المؤمنون: 13] فتم ميقات ربه أربعين ليلة [الأعراف: 142] وقد تقدم الكلام عليها قريبا.
وقولنا: "التي سكونها ثابت" خرج به ما كان ثابتا وزال للتخلص من التقاء الساكنين نحو: قم الليل [المزمل: 2] أم ارتابوا [النور: 50].
وقولنا: "في الوصل والوقف" خرج به السكون العارض كسكون الميم المتطرفة في الوقف، كما لو وقف على نحو: حكيم عليم [الأنعام: 128].
هذا، وتقع الميم الساكنة المقصودة في هذا الباب متوسطة ومتطرفة، وتكون في الاسم نحو: له الحمد في الأولى والآخرة [القصص: 70] وفي الفعل نحو: قمتم [المائدة: 6] [ ص: 192 ] و ويمكرون [الأنفال: 30] قم فأنذر [المدثر: 2] وفي الحرف نحو: أم لم ينبأ [النجم: 36].
وتكون للجمع نحو: ولهم فيها أزواج مطهرة [البقرة: 25] " ولكم ما كسبتم " [البقرة: 134، 141] [ ص: 193 ] ولغير الجمع كما مثلنا سابقا، ويصح وقوعها ساكنة قبل الحروف الهجائية عموما إلا الألف اللينة - ألف المد - فلا يتأتى سكون الميم قبلها بحال؛ لأن ما قبلها لا يكون إلا مفتوحا دائما، كما هو مقرر في محله.
وهذا ما أشار إليه العلامة الجمزوري في تحفته بقوله فيها:
والميم إن تسكن تجي قبل الهجا لا ألف لينة لذي الحجا
اهـوللميم الساكنة في الحالين - على ما ذكرنا - أحكام ثلاثة، وهي: الإخفاء [ ص: 194 ] الشفوي، والإدغام الصغير، والإظهار الشفوي، وقد تقدم معنى كل في اللغة والاصطلاح.
وقد أشار إليها العلامة الجمزوري في تحفته بقوله فيها:
أحكامها ثلاثة لمن ضبط إخفاء إدغام وإظهار فقط
ولكل من الأحكام الثلاثة هذه كلام خاص نوضحه فيما يلي:
[ ص: 195 ] الكلام على الحكم الأول «الإخفاء الشفوي» وأقوال أهل العلم فيه، ووجهه وضابطه
الإخفاء الشفوي له حرف واحد وهو الباء، فإذا وقع بعد الميم الساكنة - ولا يكون ذلك إلا من كلمتين - جاز إخفاؤها عنده مع الغنة، ويسمى إخفاء شفويا نحو: أم بظاهر [الرعد: 33] فاحكم بينهم بما أنـزل الله [المائدة: 48] يوم هم بارزون [غافر: 16].
والإخفاء مع الغنة هو المختار، وعليه أهل الأداء بمصر والشام والأندلس وغيرها، واختاره أكثر المحققين كالحافظ ، أبي عمرو الداني وابن الجزري ، ، وغيرهم. وابن مجاهد
[ ص: 196 ] وقد أشار صاحب التحفة إلى الإخفاء الشفوي مقتصرا عليه بقوله فيها:
فالأول الإخفاء عند الباء وسمه الشفوي للقراء
كما أشار إليه أيضا الحافظ ابن الجزري في المقدمة الجزرية مختارا له بقوله فيها:
......................... ........ وأخفين
الميم إن تسكن بغنة لدى باء على المختار من أهل الأدا
وسمي إخفاء لإخفاء الميم الساكنة لدى الباء، وشفويا لخروج الميم والباء من الشفتين، ووجهه التجانس في المخرج وفي أكثر الصفات.
[ ص: 197 ] الكلام على الحكم الثاني «الإدغام الصغير» ووجهه وضابطه
الإدغام الصغير له حرف واحد وهو "الميم" فإذا وقع بعد الميم الساكنة - سواء كان معها في كلمة أم كان في كلمتين - وجب إدغام الميم الساكنة في الميم المتحركة، ويسمى إدغام مثلين صغيرا مع الغنة.
فالذي من كلمة نحو: الم [البقرة: 1] المص [الأعراف: 1] المر تلك آيات الكتاب والذي أنـزل إليك من ربك الحق ولكن أكثر الناس لا يؤمنون [الرعد: 1].
والذي من كلمتين نحو: كم من فئة [البقرة: 249] " ولكم ما كسبتم " [البقرة: 134، 141] أم من خلقنا [الصافات: 11].
ومنه إدغام النون الساكنة والتنوين في الميم نحو: من مال الله [النور: 33] كتاب مبين [الأنعام: 59] وذلك لقلب المدغم من جنس المدغم فيه، وكذلك يطلق على كل ميم مشددة، قال في النشر: "ويطلق ذلك في كل ميم مشددة نحو: دمر [القتال: 10] و يعمر [فاطر: 11] و حمالة [المسد: 4] و " هم " [يوسف: 24] أم من أسس [التوبة: 109] اهـ.
[ ص: 198 ] وبهذا قد انتفى ما قاله بعض المحدثين من أن الإدغام الصغير هنا لا يكون إلا في كلمتين، فقد اتضح مما تقدم أنه يكون في كلمة أيضا.
وسمي إدغاما لإدغام الميم الساكنة في المتحركة، وسمي بالمثلين لكون المدغم والمدغم فيه مؤلفان من حرفين اتحدا مخرجا وصفة، أو اتحدا اسما ورسما، كما سيأتي.
وسمي صغيرا لكون الأول من المثلين ساكنا والثاني متحركا، أو لقلة عمل المدغم، وقيل غير ذلك، وسمي بالغنة لكون الغنة مصاحبة له، وهي هنا غنة المدغم بالإجماع، ووجهه التماثل.
وقد أشار صاحب التحفة إلى حكم الإدغام الصغير بقوله فيها:
والثاني إدغام بمثلها أتى وسم إدغاما صغيرا يا فتى
وكذلك ينطوي دليل هذا الإدغام أيضا تحت قول الحافظ ابن الجزري في المقدمة الجزرية الآتي بعد:
وأولي مثل وجنس إن سكن أدغم ...... إلخ
وهو هنا من باب إدغام المثلين.
[ ص: 199 ] الكلام على الحكم الثالث «الإظهار الشفوي» ووجهه وضابطه
وحروف الإظهار الشفوي ستة وعشرون حرفا، وهي الباقية من الحروف الهجائية بعد إسقاط حرف الباء الذي تقدم ذكره في الإخفاء الشفوي، وحرف الميم الذي تقدم ذكره في الإدغام الصغير، فإذا وقع حرف من هذه الأحرف بعد الميم الساكنة - سواء كان معها في كلمة واحدة أو في كلمتين - وجب إظهارها، ويسمى إظهارا شفويا.
فالذي من كلمة نحو: الحمد لله [الفاتحة: 1] أنعمت عليهم [الفاتحة: 7] ويمسك السماء [الحج: 65] قمتم إلى الصلاة [المائدة: 6] الر [يونس: 1] والميم الثانية من نحو: المر [الرعد: 1] المص [الأعراف: 1].
والذي من كلمتين نحو: ذلكم أزكى لكم وأطهر [البقرة: 232] أم زاغت [ص: 63] ألم يروا [النحل: 79] وما إلى ذلك.
وسمي إظهارا لإظهار الميم الساكنة عند ملاقاتها بحرف من حروف الإظهار [ ص: 200 ] الستة والعشرين.
وسمي شفويا لخروج الميم الساكنة المظهرة من الشفتين.
ووجهه التباعد، أي: بعد مخرج الميم عن أكثر مخارج حروف الإظهار.
ثم إن إظهار الميم الساكنة يكون عند الفاء والواو آكد؛ خوفا من أن يسبق اللسان إلى إخفائها عند هذين الحرفين لقربها من الفاء في المخرج واتحادها مع الواو فيه، وذلك كقوله تعالى: الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون [البقرة: 15] وإظهار هذه الميم في هذه الحالة يسمى إظهارا شفويا أشد إظهار.
وقد أشار العلامة الجمزوري إلى الإظهار الشفوي مع التحذير من إخفاء الميم لدى الواو والفاء في تحفته بقوله فيها:
والثالث الإظهار في البقيه من أحرف وسمها شفويه
واحذر لدى واو وفا أن تختفي لقربها والاتحاد فاعرف
كما أشار إليه أيضا الحافظ ابن الجزري في المقدمة الجزرية بقوله فيها:
وأظهرنها عند باقي الأحرف واحذر لدى وواو وفا أن تختفي
والله تعالى أعلى وأعلم.