بسم الله الرحمن الرحيم
آ. (1) قوله: هل أتى : في "هل" هذه وجهان، أحدهما: أنها على بابها من الاستفهام المحض، أي: هو ممن يسأل عنه لغرابته: أأتى عليه حين من الدهر لم يكن كذا، فإنه يكون الجواب: أتى عليه ذلك، وهو بالحال المذكورة، كذا قاله الشيخ ، وهو مدخول كما ستعرفه قريبا. وقال في تقرير كونها على بابها من الاستفهام: "والأحسن أن تكون على بابها للاستفهام الذي معناه التقرير، وإنما هو تقرير لمن أنكر البعث، فلا بد أن يقول: نعم قد مضى دهر طويل لا إنسان فيه. فيقال له: من أحدثه بعد أن لم يكن وكونه بعد عدمه، كيف يمتنع عليه بعثه وإحياؤه بعد موته؟ وهو معنى قوله: مكي ولقد علمتم النشأة الأولى فلولا تذكرون ، أي: فهلا تذكرون فتعلمون أن من أنشأ شيئا - بعد أن لم يكن - قادر على إعادته بعد موته وعدمه". انتهى. فقد جعلها لاستفهام التقرير لا للاستفهام المحض، وهذا هو الذي يجب أن يكون; لأن الاستفهام لا يرد من الباري تعالى إلا على هذا النحو [ ص: 590 ] وما أشبهه. والثاني: أنها بمعنى "قد". قال : "هل" بمعنى "قد" في الاستفهام خاصة. والأصل: أهل بدليل قوله: الزمخشري
4430- سائل فوارس يربوع بشدتنا أهل رأونا بوادي القف ذي الأكم
فالمعنى: أقد أتى، على التقرير والتقريب جميعا، أي: أتى على الإنسان قبل زمان قريب حين من الدهر لم يكن فيه شيئا مذكورا، أي: كان شيئا منسيا غير مذكور. انتهى. فقوله: "على التقرير" يعني المفهوم من الاستفهام، وهو الذي فهم من نفس "هل". وقوله: "والتقريب" يعني المفهوم من "قد" التي وقع موقعها "هل". ومعنى قوله: "في الاستفهام خاصة" أن "هل" لا تكون بمعنى "قد" إلا ومعها استفهام لفظا كالبيت المتقدم، أو تقديرا كالآية الكريمة. فلو قلت: "هل جاء زيد"، تعني: قد جاء، من غير استفهام لم يجز، وغيره جعلها بمعنى "قد" من غير هذا القيد. وبعضهم لا يجيزه البتة، ويتأول البيت: على أن مما جمع فيه بين حرفي معنى للتأكيد، وحسن ذلك اختلاف لفظهما كقول الشاعر: مكي
4331- فأصبحن لا يسألنني عن بما به . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
4432- فلا والله لا يلفى لما بي ولا للما بهم أبدا دواء
فلأن يؤكدوا مع اختلافه أحرى. ولم يذكر غير كونها بمعنى "قد"، وبقي على الزمخشري قيد آخر: وهو أن يقول: في الجمل الفعلية; لأنه متى دخلت "هل" على جملة اسمية استحال كونها بمعنى "قد" لأن "قد" مختصة بالأفعال. وعندي أن هذا لا يرد; لأنه تقرر أن "قد" لا تباشر الأسماء. الزمخشري
قوله: لم يكن في هذه الجملة وجهان، أحدهما: أنها في موضع نصب على الحال من "الإنسان"، أي: هل أتى عليه حين في هذه الحالة. والثاني: أنها في موضع رفع نعتا لـ "حين" بعد نعت. وعلى هذا فالعائد تقديره: حين لم يكن فيه شيئا مذكورا، والأول أظهر لفظا ومعنى.