والجودي : جبل بعينه بالموصل . وقيل : بل كل جبل يقال له جودي ومنه قول عمرو بن نفيل :
2667 - سبحانه ثم سبحانا نعوذ به وقبلنا سبح الجودي والجمد
ولا أدري ما في ذلك من الدلالة على أنه عام في كل جبل . وقرأ الأعمش بتخفيف " الجودي " . قال وابن أبي عبلة : " وهما لغتان " . والصواب أن يقال : خففت ياء النسب ، وإن كان لا يجوز ذلك في كلامهم الفاشي . ابن عطيةقوله : " بعدا " منصوب على المصدر بفعل مقدر ، أي : وقيل : ابعدوا بعدا ، فهو مصدر بمعنى الدعاء عليهم نحو : جدعا ، يقال : بعد يبعد بعدا إذا هلك ، قال :
2668 - يقولون لا تبعد وهم يدفنونه ولا بعد إلا ما تواري الصفائح
[ ص: 335 ] قال : " ومجيء إخباره على الفعل المبني للمفعول للدلالة على الجلال والكبرياء ، وأن تلك الأمور العظام لا تكون إلا بفعل قادر وتكوين مكون قاهر ، وأن فاعل هذه الأفعال فاعل واحد لا يشارك في أفعاله ، فلا يذهب الوهم إلى أن يقول غيره : يا أرض ابلعي ماءك ، ولا أن يقضي ذلك الأمر الهائل إلا هو ، ولا أن تستوي السفينة على الجودي وتستقر عليه إلا بتسويته وإقراره ، ولما ذكرنا من المعاني والنكت استفصح علماء البيان هذه الآية ورقصوا لها رءوسهم لا لتجانس الكلمتين وهما قوله : ابلعي وأقلعي ، وذلك وإن كان الكلام لا يخلو من حسن فهو كغير الملتفت إليه بإزاء تلك المحاسن التي هي اللب وما عداها قشور " . يعني أن بعض الناس عد من فصاحة الآية التجانس فقال : إن هذا ليس بطائل بالنسبة إلى ما ذكر من المعاني ، ولعمري لقد صدق . الزمخشري
ولما حكى الشيخ عنه هذا الكلام الرائع لم يكن جزاؤه عنده إلا " وأكثره خطابة " .
وقول " ورقصوا لها رؤوسهم " يحتمل أن يريد ما يحكى أن جماعة من بلغاء زمانهم اجتمعوا في الموسم بعرفة وتفرقوا على أن يعارض كل منهم شيئا من القرآن ليروزوا قواهم في الفصاحة ، فتفرقوا على أن يجتمعوا في القابل ففتح أحدهم - قيل هو الزمخشري ابن المقفع - المصحف فوجد هذه الآية ، فكع لها وأذعن ، وقال : " لا يقدر أحد أن يصنع مثل هذا " .