الثاني : أن الجار الأول متعلق أيضا بمحذوف دل عليه السياق والمعنى ، لا نفس الفعل الملفوظ به والتقدير : بفضل الله وبرحمته فليعتنوا فبذلك فليفرحوا قاله . الزمخشري
الثالث : أن يتعلق الجار الأول بـ " جاءتكم " قال : " ويجوز أن يراد " قد جاءتكم موعظة بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا ، أي فبمجيئها فليفرحوا " . قال الشيخ : " أما إضمار " فليعتنوا " فلا دليل عليه " قلت : الدلالة عليه من السياق واضحة ، وليس شرط الدلالة أن تكون لفظية . الزمخشري
وقال الشيخ : " وأما تعلقه بقوله : " قد جاءتكم " فينبغي أن يقدر [ ص: 224 ] محذوفا بعد " قل " ، ولا يكون متعلقا بـ " جاءتكم " الأولى للفصل بينهما بـ " قل " . قلت : هذا إيراد واضح ، ويجوز أن تكون " بفضل الله " صفة لـ " موعظة " أي : موعظة مصاحبة أو ملتبسة بفضل الله .
الرابع : قال : " الباء متعلقة بما دل عليه المعنى أي : قد جاءتكم الموعظة بفضل الله " . الحوفي
الخامس : أن الفاء الأولى زائدة ، وأن قوله " بذلك " بدل مما قبله وهو بفضل الله وبرحمته وأشير بذلك إلى اثنين وهما الفضل والرحمة كقوله : لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك ، وكقوله :
2601 - إن للخير وللشر مدى وكلا ذلك وجه وقبل
وفي هاتين الفاءين أوجه ، أحدهما : أن الأولى زائدة ، وقد تقدم تحريره في الوجه الخامس . الثاني : أن الفاء الثانية مكررة للتوكيد ، فعلى هذا لا تكون الأولى زائدة ، ويكون أصل التركيب : فبذلك ليفرحوا ، وعلى القول الأول قبله يكون أصل التركيب : بذلك فليفرحوا . الثالث : قال : " الفاء الأولى مرتبطة بما قبلها ، والثانية بفعل محذوف تقديره : فليعجبوا بذلك فليفرحوا كقولهم : " زيدا فاضربه أي : تعمد زيدا فاضربه " . أبو البقاء
والجمهور على " فليفرحوا " بياء الغيبة . وقرأ عثمان بن عفان وأبي وأنس والحسن وأبو رجاء وابن هرمز بتاء الخطاب ، وهي قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال وابن سيرين : " وهو الأصل والقياس " . الزمخشري
[ ص: 225 ] وقال الشيخ : " إنها لغة قليلة " يعني أن القياس أن يؤمر المخاطب بصيغة افعل ، وبهذا الأصل قرأ " فافرحوا " وهي في مصحفه كذلك ، وهذه قاعدة كلية : وهي أن الأمر باللام يكثر في الغائب والمخاطب المبني للمفعول مثال الأول : " ليقم زيدا " وكالآية الكريمة في قراءة الجمهور ، ومثال الثاني : ليعن بحاجتي ، ولتضرب يا زيد . فإن كان مبنيا للفاعل كان قليلا كقراءة أبي ومن معه . وفي الحديث عثمان " لتأخذوا مصافكم " بل الكثير في هذا النوع الأمر بصيغة افعل نحو : قم يا زيد وقوموا ، وكذلك يضعف الأمر باللام للمتكلم وحده أو ومعه غيره ، فالأول نحو " لأقم " تأمر نفسك بالقيام ، ومنه قوله عليه السلام : . " قوموا فلأصل لكم "
ومثال الثاني : لنقم أي : نحن وكذلك النهي ، ومنه قول الشاعر :
2602 - إذا ما خرجنا من دمشق فلا نعد بها أبدا ما دام فيها الجراضم
ونقل عن ابن عطية أنه قرأ " فلتفرحوا " خطابا ، وهذه ليست مشهورة عنه . وقرأ ابن عامر الحسن وأبو التياح " فليفرحوا " بكسر اللام ، وهو الأصل .
قوله : هو خير مما يجمعون " هو " عائد على الفضل والرحمة ، وإن [ ص: 226 ] كانا شيئين ؛ لأنهما بمعنى شيء واحد ، عبر عنه بلفظتين على سبيل التأكيد ، ولذلك أشير إليهما بإشارة الواحد . وقرأ " تجمعون " بالتاء خطابا وهو يحتمل وجهين أحدهما : أن يكون من باب الالتفات فيكون في المعنى كقراءة الجماعة ، فإن الضمير يراد به من يراد بالضمير في قوله : ابن عامر " فليفرحوا " . والثاني : أنه خطاب لقوله : يا أيها الناس قد جاءتكم ، وهذه القراءة تناسب قراءة الخطاب في قوله : " فليفرحوا " ، وقد تقدم أن نقلها عنه أيضا . ابن عطية