[ ص: 184 ] لآيات واختلاف الليل والنهار ... بنصب " آيات " في قراءة الأخوين على ما سيأتي ، وكقوله :
2585 - أكل امرئ تحسبين امرأ ونار توقد بالليل نارا
وقول الآخر :
2586 - أوصيت من توه قلبا حرا بالكلب خيرا والحماة شرا
وسيأتي لهذا مزيد بيان في غضون هذا التصنيف . وممن ذهب إلى أن هذا الموصول مجرور عطفا على الموصول قبله ابن عطية . الثاني : أن " الذين " مبتدأ ، وجزاء سيئة مبتدأ ثان ، وخبره وأبو القاسم الزمخشري " بمثلها " ، والباء فيه زائدة ، أي : وجزاء سيئة مثلها كقوله تعالى : وجزاء سيئة سيئة مثلها ، كما زيدت في الخبر كقوله :
2587 - فلا تطمع - أبيت اللعن - فيها ومنعكها بشيء يستطاع
أي : شيء يستطاع ، كقول امرئ القيس :
2588 - فإن تنأ عنها حقبة لا تلاقها فإنك مما أحدثت بالمجرب
[ ص: 185 ] أي : المجرب ، وهذا قول ابن كيسان في الآية . الثالث : أن الباء ليست بزائدة والتقدير : مقدر بمثلها أو مستقر بمثلها ، والمبتدأ الثاني وخبره خبر عن الأول . الرابع : أن خبر " جزاء سيئة " محذوف ، فقدره بقوله : " لهم جزاء سيئة " قال : ودل على تقدير " لهم " قوله : الحوفي للذين أحسنوا الحسنى حتى تتشاكل هذه بهذه . وقدره : جزاء سيئة بمثلها واقع ، وهو وخبره أيضا خبر عن الأول . وعلى هذين التقديرين فالباء متعلقة بنفس جزاء ، لأن هذه المادة تتعدى بالباء ، قال تعالى : أبو البقاء جزيناهم بما كفروا ، وجزاهم بما صبروا إلى غير ذلك . فإن قلت : أين الرابط بين هذه الجملة والموصول الذي هو المبتدأ ؟ ، قلت : على تقدير هو الضمير المجرور باللام المقدر خبرا ، وعلى تقدير الحوفي هو الضمير المجرور باللام المقدر خبرا ، وعلى تقدير أبي البقاء هو محذوف تقديره : جزاء سيئة بمثلها منهم واقع ، نحو : " السمن منوان بدرهم " وهو حذف مطرد لما عرفته غير مرة . أبي البقاء
الخامس : أن يكون الخبر الجملة المنفية من قوله : ما لهم من الله من عاصم ، ويكون " من عاصم " إما فاعلا بالجار قبله لاعتماده على النفي ، وإما مبتدأ ، وخبره الجار مقدما عليه ، و " من " مزيدة فيه على كلا القولين .
و " من الله " متعلق بـ " عاصم " . وعلى كون هذه الجملة خبر الموصول يكون قد فصل بين المبتدأ وخبره بجملتي اعتراض . وفي ذلك خلاف عن تقدم التنبيه عليه وما استدل به عليه . الفارسي
السادس : أن الخبر هو الجملة التشبيهية من قوله : كأنما أغشيت [ ص: 186 ] وجوههم ، و " كأنما " حرف مكفوف ، و " ما " هذه زائدة تسمى كافة ومهيئة ، وتقدم ذلك . وعلى هذا الوجه فيكون قد فصل بين المبتدأ وخبره بثلاث جمل اعتراض .
السابع : أن الخبر هو الجملة من قوله : أولئك أصحاب النار ، وعلى هذا القول فيكون قد فصل بأربع جمل معترضة وهي : جزاء سيئة بمثلها ، والثانية : " وترهقهم ذلة " ، والثالث : ما لهم من الله من عاصم ، الرابع : " كأنما أغشيت " . وينبغي أن لا يجوز الفصل بثلاث جمل فضلا عن أربع .
وقوله : وترهقهم فيها وجهان أحدهما : أنها في محل نصب على الحال . ولم يبين صاحبها ، وصاحبها هو الموصول أو ضميره . وفيه ضعف لمباشرته الواو ، إلا أن يجعل خبر مبتدأ محذوف . الثاني : أنها معطوفة على أبو البقاء " كسبوا " . قال : " وهو ضعيف لأن المستقبل لا يعطف على الماضي . فإن قيل : هو بمعنى الماضي فضعيف جدا " . وقرئ : " ويرهقهم " بالياء من تحت ، لأن تأنيثها مجازي . أبو البقاء
قوله : قطعا قرأ ابن كثير " قطعا " بسكون الطاء ، والباقون بفتحها . فأما القراءة الأولى فاختلفت عبارات الناس فيها ، فقال أهل اللغة : " القطع " ظلمة آخر الليل . وقال والكسائي في قوله : " بقطع من الليل " بسواد من الليل . وقال بعضهم : " طائف من الليل " ، وأنشد الأخفش : [ ص: 187 ] الأخفش
2589 - افتحي الباب فانظري في النجوم كم علينا من قطع ليل بهيم
وأما قراءة الباقين فجمع " قطعة " نحو : دمنة ودمن ، وكسرة وكسر وعلى القراءتين يختلف إعراب " مظلما " ، فإنه على قراءة الكسائي يجوز أن يكون نعتا لـ " قطعا " ، ووصف بذلك مبالغة في وصف وجوههم بالسواد ، ويجوز أن يكون حالا فيه ثلاثة أوجه ، أحدها : أنه حال من " قطعا " ، وجاز ذلك لتخصصه بالوصف بالجار بعده وهو " من الليل " ، والثاني : أنه حال من " الليل " ، والثالث : أنه حال من الضمير المستتر في الجار لوقوعه صفة . وابن كثير
قال : " فإن قلت : إذا جعلت " مظلما " حالا من " الليل " فما العامل فيه ؟ قلت : لا يخلو : إما أن يكون " أغشيت " من قبل أن " من الليل " صفة لقوله : " قطعا " ، وكان إفضاؤه إلى الموصوف كإفضائه إلى الصفة ، وإما أن يكون معنى الفعل في " من الليل " . الزمخشري
قال الشيخ : " أما الوجه الأول فهو بعيد لأن الأصل أن يكون العامل في الحال هو العامل في ذي الحال ، والعامل في " من الليل " هو الاستقرار ، و " أغشيت " عامل في قوله : " قطعا " الموصوف بقوله : " من الليل " فاختلفا ، فلذلك كان الوجه الأخير أولى ، أي : قطعا مستقرة من الليل ، أو كائنة من الليل في حال إظلامه " . قلت : ولا يعني بقوله : " إن العامل أغشيت " إلا أن الموصوف وهو " قطعا " معمول لأغشيت والعامل في الموصوف هو عامل في الصفة ، والصفة هي الزمخشري " من الليل " فهي معمولة لـ " أغشيت " ، وهي صاحبة الحال ، والعامل في الحال هو العامل في ذي الحال ، فجاء من ذلك أن العامل في الحال هو العامل في صاحبها بهذه الطريقة . ويجوز أن يكون " قطعا " جمع قطعة ، أي : اسم جنس ، فيجوز حينئذ وصفه بالتذكير نحو : " نخل منقعر " والتأنيث نحو : " نخل خاوية " .
[ ص: 188 ] وأما قراءة الباقين فقال وغيره : " إن " مظلما " حال من " الليل " فقط . ولا يجوز أن يكون صفة لـ " قطعا " ، ولا حالا منه ، ولا من الضمير في " من الليل " ، لأنه كان يجب أن يقال فيه : مظلمة " . قلت : يعنون أن الموصوف حينئذ جمع ، وكذا صاحب الحال فتجب المطابقة . وأجاز بعضهم ما منعه هؤلاء وقالوا : جاز ذلك لأنه في معنى الكثير ، وهذا فيه تعسف . مكي
وقرأ ( تغشى وجوههم قطع ) بالرفع ، " مظلم " . وقرأ أبي كذلك ، إلا أنه فتح الطاء . وإذا جعلت " مظلما " نعتا لـ " قطعا " ، فتكون قد قدمت النعت غير الصريح على الصريح . قال ابن أبي عبلة : " فإذا كان نعتا - يعني مظلما نعتا لقطع - فكان حقه أن يكون قبل الجملة ، ولكن قد يجيء بعد هذا ، وتقدير الجملة : قطعا استقر من الليل مظلما على نحو قوله : ابن عطية وهذا كتاب أنزلناه مبارك . قال الشيخ : " ولا يتعين تقدير العامل في المجرور بالفعل فيكون جملة ، بل الظاهر تقديره باسم الفاعل فيكون من قبيل الوصف بالمفرد ، والتقدير : قطعا كائنا من الليل مظلما " . قلت : المحذور تقديم غير الصريح على الصريح ولو كان مقدرا بمفرد .
و " قطعا " منصوب بـ " أغشيت " مفعولا ثانيا .