قوله : مكانكم ، " مكانكم " اسم فعل ، ففسره النحويون بـ " اثبتوا " فيحمل ضميرا ، ولذلك أكد بقوله : " أنتم " وعطف عليه " شركاؤكم " ، ومثله قول الشاعر :
2590 - وقولي كلما جشأت وجاشت مكانك تحمدي أو تستريحي
أي : اثبتي ، ويدل على جزم جوابه وهو " تحمدي " . وفسره بـ " الزموا " قال : " مكانكم " أي : الزموا مكانكم ، ولا تبرحوا حتى تنظروا ما يفعل بكم " . قال الشيخ : " وتقديره له بـ " الزموا " ليس بجيد ، إذ لو كان كذلك لتعدى كما يتعدى ما ناب هذا عنه ، فإن اسم الفعل يعامل معاملة مسماه ، ولذلك لما قدروا " عليك " بمعنى " الزم " عدوه تعديته نحو : عليك زيدا . و [عند] الزمخشري " مكانكم " نصب بإضمار فعل ، أي : الزموا مكانكم أو اثبتوا " . قلت : الحوفي قد سبق بهذا التفسير . والعذر لمن فسره بذلك أنه قصد تفسير المعنى ، وكذلك فسره فالزمخشري فقال : " مكانكم " ظرف مبني لوقوعه موقع الأمر ، أي : الزموا " . أبو البقاء
وهذا الذي ذكره من كونه مبنيا فيه خلاف للنحويين : منهم من ذهب إلى ما ذكر ، ومنهم من ذهب إلى أنها حركة إعراب ، وهذان الوجهان مبنيان على خلاف في أسماء الأفعال : هل لها محل من الإعراب أو لا ؟ ، فإن قلنا [ ص: 190 ] لها محل كانت حركات الظرف حركات إعراب ، وإن قلنا : لا موضع لها كانت حركات بناء . وأما تقديره بـ " الزموا " فقد تقدم جوابه .
وقوله : أنتم فيه وجهان أحدهما : أنه تأكيد للضمير المستتر في الظرف لقيامه مقام الفاعل كما تقدم التنبيه عليه . والثاني : أجازه ، وهو أن يكون مبتدأ ، و " شركاؤكم " معطوف عليه ، وخبره محذوف قال : " تقديره : أنتم وشركاؤكم مهانون أو معذبون " ، وعلى هذا فيوقف على قوله : ابن عطية " مكانكم " ثم يبتدأ بقوله : " أنتم " ، وهذا لا ينبغي أن يقال ، لأن فيه تفكيكا لأفصح كلام وتبتيرا لنظمه من غير داعية إلى ذلك ، ولأن قراءة من قرأ " وشركاءكم " نصبا تدل على ضعفه ، إذ لا تكون إلا من الوجه الأول ، ولقوله : " فزيلنا بينهم " ، فهذا يدل على أنهم أمروا هم وشركاؤهم بالثبات في مكان واحد حتى يحصل التزييل بينهم .
وقال أيضا : " ويجوز أن يكون " أنتم " تأكيدا للضمير الذي في الفعل المقدر الذي هو " قفوا " ونحوه " . ابن عطية
قال الشيخ " وهذا ليس بجيد ، إذ لو كان تأكيدا لذلك الضمير المتصل بالفعل لجاز تقديمه على الظرف ، إذ الظرف لم يتحمل ضميرا على هذا القول فيلزم تأخيره [عنه] وهو غير جائز ، لا تقول : " أنت مكانك " ولا يحفظ من كلامهم . والأصح أنه لا يجوز حذف المؤكد في التأكيد المعنوي ، فكذلك هذا لأن التأكيد ينافي الحذف ، وليس من كلامهم : " أنت زيدا " لمن رأيته قد شهر سيفا ، وأنت تريد : " اضرب [ ص: 191 ] أنت زيدا " إنما كلام العرب : " زيدا " تريد : اضرب زيدا " . قلت : لم يعن أن " أنت " تأكيد لذلك الضمير في " قفوا " من حيث إن الفعل مراد غير منوب عنه ، بل لأنه ناب عنه هذا الظرف ، فهو تأكيد له في الأصل قبل النيابة عنه بالظرف ، وإنما قال : الذي هو " قفوا " تفسيرا للمعنى المقدر . ابن عطية
وقرأت فرقة " وشركاءكم " نصبا على المعية . والناصب له اسم الفعل .
قوله : فزيلنا ، أي : فرقنا وميزنا كقوله تعالى : لو تزيلوا لعذبنا . واختلفوا في " زيل " هل وزنه فعل أو فيعل ؟ والظاهر الأول ، والتضعيف فيه للتكثير لا للتعدية لأن ثلاثيه متعد بنفسه . حكى " زلت الضأن من المعز فلم تزل " ، ويقال : زلت الشيء من مكانه أزيله ، وهو على هذا من ذوات الياء . والثاني : أنه فيعل كبيطر وبيقر وهو من زال يزول ، والأصل : زيولنا فاجتمعت الياء والواو وسبقت إحداهما بالسكون فأعلت الإعلال المشهور وهو قلب الواو ياء وإدغام الياء فيها كميت وسيد في ميوت وسيود ، وعلى هذا فهو من مادة الواو . وإلى هذا ذهب الفراء ، وتبعه ابن قتيبة . أبو البقاء
وقال : " ولا يجوز أن يكون فعلنا من زال يزول لأنه [يلزم] فيه الواو فيكون زولنا " ، قلت : هذا صحيح ، وقد تقدم تحرير ذلك في قوله : مكي أو متحيزا إلى فئة . وقد رد الشيخ كونه فيعل بأن فعل أكثر من فيعل ، [ ص: 192 ] ولأن مصدره التزييل ، ولو كان فيعل لكان مصدره فيعلة كبيطرة ؛ لأن فيعل ملحق بفعلل ، ولقولهم في معناه زايل ، ولم يقولوا : زاول بمعنى فارق ، إنما قالوه بمعنى حاول وخالط " . وحكى " " فزايلنا " وبها قرأت فرقة . قال الفراء : " مثل صاعر خده وصعره ، وكالمته وكلمته " ، قلت : يعني أن فاعل بمعنى فعل . وزايل بمعنى فارق . قال : الزمخشري
2591 - وقال العذارى إنما أنت عمنا وكان الشباب كالخليط نزايله
2592 - لعمري لموت لا عقوبة بعده لذي البث أشفى من هوى لا يزايله