وقوله : من الأعراب لبيان الجنس . وقوله : ومن أهل المدينة يجوز أن يكون نسقا على " من " المجرورة بـ " من " فيكون المجروران مشتركين في الإخبار عن المبتدأ وهو " منافقون " ، كأنه قيل : المنافقون من قوم حولكم ومن أهل المدينة ، وعلى هذا هو من عطف المفردات إذ عطفت خبرا على خبر ، وعلى هذا فيكون قوله " مردوا " مستأنفا لا محل له . ويجوز أن يكون الكلام تم عند قوله " منافقون " ، ويكون قوله : ومن أهل المدينة خبرا مقدما ، والمبتدأ بعده محذوف قامت صفته مقامه ، وحذف الموصوف وإقامة صفته [ ص: 112 ] مقامه- وهي جملة- مطرد مع " من " التبعيضية وقد مر تحريره نحو : " منا ظعن ومنا أقام " والتقدير : ومن أهل المدينة قوم أو ناس مردوا ، وعلى هذا فهو من عطف الجمل . ويجوز أن يكون " مردوا " على الوجه الأول صفة لـ " منافقون " ، وقد فصل بينه وبين صفته بقوله : ومن أهل المدينة . والتقدير : وممن حولكم ومن أهل المدينة منافقون ماردون . قال ذلك ، وتبعه الزجاج الزمخشري أيضا . واستبعده الشيخ للفصل بالمعطوف بين الصفة وموصوفها ، قال : " فيصير نظير : " في الدار زيد وفي القصر العاقل " يعني ففصلت بين زيد والعاقل بقولك : " وفي القصر " . وشبه وأبو البقاء حذف المبتدأ الموصوف في الوجه الثاني وإقامة صفته مقامه بقوله : الزمخشري
2538 - أنا ابن جلا ... ... ... ... ... ... ... ...
قال الشيخ : " إن عنى في مطلق حذف الموصوف فحسن ، وإن كان شبهه به في خصوصيته فليس بحسن ؛ لأن حذف الموصوف مع " من " مطرد ، وقوله : " أنا ابن جلا " ضرورة كقوله :2539 - يرمي بكفي كان من أرمى البشر
[ ص: 113 ] قلت : البيت المشار إليه هو قوله :
2540 - أنا ابن جلا وطلاع الثنايا متى أضع العمامة تعرفوني
وللنحاة في هذا البيت تأويلات ، أحدها : ما تقدم . والآخر : أن هذه الجملة محكية لأنها قد سمي بها هذا الرجل ، فإن " جلا " فيه ضمير فاعل ، ثم سمي بها وحكيت كما قالوا : " شاب قرناها " و " ذرى حبا " وقوله :
2541 - نبئت أخوالي بني يزيد ظلما علينا لهم فديد
والثالث : وهو مذهب أنه فعل فارغ من الضمير ، وإنما لم ينون لأنه عنده غير منصرف فإنه يمنع بوزن الفعل المشترك ، فلو سمي بضرب وقتل منعهما . أما مجرد الوزن من غير نقل من فعل فلا يمنع به البتة نحو جمل وجبل . عيسى بن عمر
و " مردوا " أي : مهروا وتمرنوا . وقد تقدم الكلام على هذه المادة في النساء عند قوله : شيطانا مريدا .
قوله : لا تعلمهم هذه الجملة في محل رفع أيضا صفة لـ " منافقون " ويجوز أن تكون مستأنفة ، والعلم هنا يحتمل أن يكون على بابه فيتعدى لاثنين أي : لا نعلمهم منافقين ، فحذف الثاني للدلالة عليه بتقدم ذكر المنافقين ، ولأن النفاق من صفات القلب لا يطلع عليه . وأن تكون العرفانية فتتعدى لواحد ، قاله . وأما أبو البقاء " نحن نعلمهم " فلا يجوز أن تكون إلا على [ ص: 114 ] بابها لبحث ذكرته لك في الأنفال ، وإن كان في " إيضاحه " صرح بإسناد المعرفة إليه تعالى ، وهو محذور لما عرفته . الفارسي
وقوله : مرتين قد تقدم الكلام في نصب " مرة " وأنه من وجهين : إما المصدرية وإما الظرفية فكذلك هذا . وهذه التثنية يحتمل أن يكون المراد بها شفع الواحد وعليه الأكثر ، واختلفوا في تفسيرهما ، وأن لا يراد بها التثنية الحقيقية بل يراد بها التكثير كقوله تعالى : " فارجع البصر كرتين " أي : كرات ، بدليل قوله : " ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير " أي مزدجرا وهو كليل ، ولا يصيبه ذلك " إلا بعد كرات ، ومثله : لبيك وسعديك وحنانيك .
وروى عباس عن : " سنعذبهم " بسكون الباء وهو على عادته في تخفيف توالي الحركات كينصركم وبابه وإن كان باب " ينصركم " أحسن تسكينا لكون الراء حرف تكرار ، فكأنه توالى ضمتان بخلاف غيره . وقد تقدم تحرير هذا . وقال الشيخ : " وفي مصحف أبي عمرو : " سيعذبهم " بالياء " . وقد تقدم أن المصاحف كانت مهملة من النقط والضبط بالشكل فكيف يقال هذا ؟ أنس