ولم يذكروا هنا وجها رابعا وكان ينبغي أن يكون هو الأظهر - وهو أن يكون الكون تاما بمعنى : كيف يوجد عهد للمشركين عند الله ؟ ، والاستفهام [ ص: 15 ] هنا بمعنى النفي ، ولذلك وقع بعده الاستثناء بـ " إلا " ، ومن مجيئه بمعنى النفي أيضا قوله :
2454 - فهذي سيوف يا صدي بن مالك كثير ولكن كيف بالسيف ضارب
أي : ليس ضارب بالسيف .
قوله : إلا الذين عاهدتم فيه وجهان أحدهما : أنه استثناء منقطع أي : لكن الذين عاهدتم فإن حكمهم كيت وكيت . والثاني : أنه متصل وفيه حينئذ احتمالان ، أحدهما : أنه منصوب على أصل الاستثناء من المشركين . والثاني : أنه مجرور على البدل منهم ، لأن معنى الاستفهام المتقدم نفي ، أي : ليس يكون للمشركين عهد إلا للذين لم ينكثوا . فقياس قول فيما تقدم أن يكون مرفوعا بالابتداء ، والجملة من قوله أبي البقاء " فما استقاموا " خبره .
قوله : " فما " يجوز في " ما " أن تكون مصدرية ظرفية ، وهي في محل نصب على ذلك أي : فاستقيموا لهم مدة استقامتهم لكم . ويجوز أن تكون شرطية ، وحينئذ ففي محلها وجهان ، أحدهما : أنها في محل نصب على الظرف الزماني ، والتقدير : أي زمان استقاموا لكم فاستقيموا لهم . ونظره بقوله تعالى : أبو البقاء
ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها . والثاني : أنها في محل رفع بالابتداء ، وفي الخبر الأقوال المشهورة ، و " فاستقيموا " : جواب الشرط . وهذا نحا إليه ، ويحتاج إلى حذف عائد أي : أي زمان [ ص: 16 ] استقاموا لكم فيه ، فاستقيموا لهم . وقد جوز الحوفي الشيخ جمال الدين ابن مالك في " ما " المصدرية الزمانية أن تكون شرطية جازمة ، وأنشد على ذلك :
2455 - فما تحي لا نسأم حياة وإن تمت فلا خير في الدنيا ولا العيش أجمعا
ولا دليل فيه لأن الظاهر الشرطية من غير تأويل بمصدرية وزمان ، قال : " ولا يجوز أن تكون نافية لفساد المعنى ، إذ يصير المعنى : استقيموا لهم لأنهم لم يستقيموا لكم " . أبو البقاء