ولما ذكر الرجعة ولم يبين لها غاية تنتهي بها فكانت الآية كالمجمل عرض سؤال: هل هي ممتدة كما كانوا يفعلون في الجاهلية متى راجعها في العدة له أن يطلقها ما دام يفعل ذلك ولو ألف مرة أو منقطعة؟ فقال:
nindex.php?page=treesubj&link=11482_11753_17941_19797_27326_28288_28328_30532_34423_34431_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=229الطلاق أي المحدث عنه وهو الذي تملك فيه الرجعة.
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14085الحرالي : لما كان الطلاق لما يتهيأ رده قصره الحق تعالى على المرتين اللتين يمكن فيهما تلافي النكاح بالرجعة - انتهى.
وقال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=229مرتان دون طلقتان تنبيها - على أنه ينبغي أن تكون مرة بعد مرة كل طلقة في مرة لا أن يجمعهما في مرة.
[ ص: 304 ] ولما كان له بعد الثانية في العدة حالان إعمال وإهمال وكان الإعمال إما بالرجعة وإما بالطلاق بدأ بالإعمال لأنه الأولى بالبيان لأنه أقرب إلى أن يؤذي به وأخر الإهمال إلى أن تنقضي العدة لأنه مع فهمه من آية الأقراء سيصرح به في قوله في الآية الآتية
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=231أو سرحوهن بمعروف فقال معقبا بالفاء
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=229فإمساك أي إن راجعها في عدة الثانية.
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14085الحرالي : هو من المسك وهو إحاطة تحبس الشيء، ومنه المسك - بالفتح - للجلد
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=229بمعروف
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14085الحرالي : فصرفهم بذلك عن ضرار الجاهلية الذي كانوا عليه بتكرير الطلاق إلى غير حد فجعل له حدا يقطع قصد الضرار - انتهى .
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=229أو تسريح أي إن طلقها الثالثة، ولا يملك بعد هذا التسريح عليها الرجعة لما كان عليه حال أهل الجاهلية.
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14085الحرالي : سمى الثالثة تسريحا لأنه إرسال لغير معنى الأخذ كتسريح الشيء الذي لا يراد إرجاعه. وقال أيضا: هو إطلاق الشيء على وجه لا يتهيأ للعود، فمن أرسل البازي
[ ص: 305 ] مثلا ليسترده فهو مطلق، ومن أرسله لا ليسترجعه فهو مسرح انتهى.
ويجوز أن يراد بالتسريح عدم المراجعة من الثانية لا أنه طلقة ثالثة، ولما كان
nindex.php?page=treesubj&link=10799مقصود النكاح حسن الصحبة وكانت من الرجل الإمتاع بالنفس والمال وكان الطلاق منعا للإمتاع بالنفس قال:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=229بإحسان تعريضا بالجبر بالملل لئلا يجتمع منعان: منع النفس
[ ص: 306 ] وذات اليد - أفاده
nindex.php?page=showalam&ids=14085الحرالي وقال: ففيه بوجه ما تعريض بما صرحت به آية المتعة الآتية - انتهى.
ومن ذلك بذل الصداق كاملا وأن لا يشاححها في شيء لها فيه حق مع طيب المقال وكرم الفعال.
ولما كان سبحانه وتعالى قد خيره بين شيئين: الرجعة والتسريح الموصوفين وكانت الرجعة أقرب إلى الخير بدأ بها ولكنها لما كانت قد تكون لأجل الافتداء بما أعطيته المرأة وكان أخذه أو شيء منه مشاركا للسراح في أنه يقطع عليه ما كان له من ملك الرجعة ولا يملك بعد هذا التسريح عليها الرجعة كما كان عليه حال أهل الجاهلية وكان الافتداء قد يكون في الأولى لم يفرعها بالقابل قال مشيرا إلى أن من إحسان التسريح سماح الزوج بما أعطاها عاطفا على ما تقديره: فلا يحل لكم مضارتهن:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=229ولا يحل لكم أي أيها المطلقون أو المتوسطون
[ ص: 307 ] من الحكام وغيرهم لأنهم لما كانوا آمرين عدوا آخذين
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=229أن تأخذوا إحسانا في السراح
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=229مما آتيتموهن من صداق وغيره
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=229شيئا أي بدون مخالفة.
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14085الحرالي : لأن إيتاء الرجل للمرأة إيتاء نحلة لإظهار مزية الدرجة لا في مقابلة الانتفاع فلذلك أمضاه ولم يرجع منه شيئا ولذلك
nindex.php?page=treesubj&link=11156لزم في النكاح الصداق لتظهر مزية الرجل بذات اليد كما ظهرت في ذات النفس - انتهى.
ولما كان إسناد الخوف إلى ضمير الجمع ربما ألبس قال:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=229إلا [ ص: 305 ] أن يخافا نصا على المراد بالإسناد إلى الزوجين، وعبر عن الظن بالخوف تحذيرا من عذاب الله، وعبر في هذا الاستثناء إن قلنا إنه منقطع بأداة المتصل تنفيرا من الأخذ ومعنى البناء للمفعول في قراءة
nindex.php?page=showalam&ids=15760حمزة nindex.php?page=showalam&ids=11962وأبي جعفر ويعقوب إلا أن يحصل لهما أمر من حظ أو شهوة يضطرهما إلى الخوف من التقصير في الحدود، ولا مفهوم للتقييد بالخوف لأنه لا يتصور من عاقل أن يفتدي بمال من غير أمر محوج ومتى حصل المحوج كان الخوف ومتى خاف أحدهما خافا لأنه متى خالفه الآخر حصل التشاجر المثير للحظوظ المقتضية للإقدام على ما لا يسوغ والله سبحانه وتعالى أعلم
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=229ألا يقيما أي في الاجتماع
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=229حدود الله العظيم فيفعل كل منهما ما وجب عليه من الحق.
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14085الحرالي : وفي إشعاره أن الفداء في حكم الكتاب مما أخذت الزوجة من زوجها لا من غير ذلك من مالها، والحدود جمع حد وهو النهاية في المتصرف المانع من الزيادة عليه - انتهى. ثم زاد الأمر بيانا لأنه في مقام
[ ص: 309 ] التحديد فقال مسندا إلى ضمير الجمع حثا على التحقق ليحل الفداء حلا نافيا لجميع الحرج:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=229فإن خفتم أي أيها المتوسطون بينهما من الحكام وغيرهم من الأئمة بما ترون منهما وما يخبرانكم به عن أنفسهما
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=229ألا يقيما حدود الله وتكرير الاسم الأعظم يدل على رفعة زائدة لهذا المقام، وتعظيم كبير لهذه لأحكام، وحث عظيم على التقيد في هذه الرسوم بالمراعاة والالتزام، وذلك لأن كل إنسان مجبول على تقديم نفسه على غيره، والشرع كله مبني على العدل الذي هو الإنصاف ومحبة المرء لغيره ما يحب لنفسه
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=229فلا جناح أي ميل بإثم
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=229عليهما وسوغ ذلك أن الظن شبهة فإنك لا تخاف ما لا تظنه
[ ص: 310 ] nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=229فيما افتدت به أي لا على الزوج بالأخذ ولا عليها بالإعطاء سواء كان ذلك مما آتاها أو من غيره أكثر منه أو لا لأن الخلع عقد معاوضة فكما جاز لها أن تمتنع من أول العقد حتى ترضى ولو بأكثر من مهر المثل فكذا في الخلع يجوز له أن لا يرضى إلا بما في نفسه كائنا ما كان ويكون ذلك عما كان يملكه عليها من الرجعة، فإذا أخذه بانت المرأة فصارت أحق بنفسها فلا سبيل عليها إلا بإذنها.
ولما كانت أحكام النساء تارة بالمرافقة وتارة بالمفارقة وكانت مبنية على الشهوات تارة على البهيمية وتارة على السبعية وكان سبحانه وتعالى قد حد فيها حدودا تكون بها المصالح وتزول المفاسد منع سبحانه وتعالى من تعدى تلك الحدود أي الأحكام التي بينها في ذلك ولم يذكر قربانها كما مضى في آية الصوم فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=229تلك أي الأحكام
[ ص: 311 ] العظيمة التي تولى الله بيانها من أحكام الطلاق والرجعة والخلع وغيرها
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=229حدود الله أي شرائع الملك الأعظم الذي له جميع العزة من الأوامر والنواهي التي بينها فصارت كالحدود المعروفة في الأراضي.
ولما كانت
nindex.php?page=treesubj&link=28644شرائع الله ملائمة للفطرة الأولى السليمة عن نوازع النقائص وجواذب الرذائل أشار إلى ذلك سبحانه بصيغة الافتعال في قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=229فلا تعتدوها أي لا تتكلفوا مجاوزتها، وفيه أيضا إشارة إلى العفو عن المجاوزة من غير تعمد.
ولما أكد الأمر تارة بالبيان وتارة بالنهي زاد في التأكيد بالتهديد فقال عاطفا على ما تقديره: فمن تعدى شيئا منها فقد ظلم:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=229ومن يتعد أي يتجاوز
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=229حدود الله أي المحيط بصفات الكمال التي بينها
[ ص: 312 ] وأكد أمرها وزاد تعظيمها بتكرير اسمه الأعظم.
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14085الحرالي : ففيه ترجية فيما يقع من تعدي الحدود من دون ذلك من حدود أهل العلم ووجوه السنن وفي إعلامه إيذان بأن وقوع الحساب يوم الجزاء على حدود القرآن التي لا مندوحة لأحد بوجه من وجوه السعة في مخالفتها ولذلك تتحقق التقوى والولاية مع الأخذ بمختلفات السنن ومختلفات أقوال العلماء - انتهى.
وإليه يرشد الحصر في قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=229فأولئك أي المستحقون للبعاد
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=229هم الظالمون أي العريقون في الظلم بوضع الأشياء في غير مواضعها فكأنهم يمشون في الظلام.
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14085الحرالي : وفي إشعاره تصنيف الحدود ثلاثة أصناف : حد الله سبحانه وتعالى، وحد النبي صلى الله عليه وسلم، وحد العالم، قال صلى الله عليه وسلم:
ما جاء من الله فهو الحق، وما جاء مني فهو السنة، وما جاء من أصحابي فهو السعة فأبرأ العباد من الظلم من حافظ على أن لا يخرج عن حدود العلماء ليكون أبعد أن يخرج من حدود السنة ليكون أبعد أن يخرج من حدود الكتاب، فالظالم المنتهي ظلمه الخارج عن الحدود الثلاثة: حد العالم، وحد السنة، وحد الله - انتهى.
وَلَمَّا ذَكَرَ الرَّجْعَةَ وَلَمْ يُبَيِّنْ لَهَا غَايَةً تَنْتَهِي بِهَا فَكَانَتِ الْآيَةُ كَالْمُجْمَلِ عُرِضَ سُؤَالٌ: هَلْ هِيَ مُمْتَدَّةٌ كَمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مَتَى رَاجَعَهَا فِي الْعِدَّةِ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا مَا دَامَ يَفْعَلُ ذَلِكَ وَلَوْ أَلْفَ مَرَّةٍ أَوْ مُنْقَطِعَةٌ؟ فَقَالَ:
nindex.php?page=treesubj&link=11482_11753_17941_19797_27326_28288_28328_30532_34423_34431_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=229الطَّلاقُ أَيِ الْمُحَدَّثُ عَنْهُ وَهُوَ الَّذِي تَمْلِكُ فِيهِ الرَّجْعَةَ.
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14085الْحَرَالِيُّ : لَمَّا كَانَ الطَّلَاقُ لِمَا يَتَهَيَّأُ رَدُّهُ قَصَرَهُ الْحَقُّ تَعَالَى عَلَى الْمَرَّتَيْنِ اللَّتَيْنِ يُمْكِنُ فِيهِمَا تَلَافِي النِّكَاحِ بِالرَّجْعَةِ - انْتَهَى.
وَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=229مَرَّتَانِ دُونَ طَلْقَتَانِ تَنْبِيهًا - عَلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ كُلُّ طَلْقَةٍ فِي مَرَّةٍ لَا أَنْ يَجْمَعَهُمَا فِي مَرَّةٍ.
[ ص: 304 ] وَلَمَّا كَانَ لَهُ بَعْدَ الثَّانِيَةِ فِي الْعِدَّةِ حَالَانِ إِعْمَالٌ وَإِهْمَالٌ وَكَانَ الْإِعْمَالُ إِمَّا بِالرَّجْعَةِ وَإِمَّا بِالطَّلَاقِ بَدَأَ بِالْإِعْمَالِ لِأَنَّهُ الْأَوْلَى بِالْبَيَانِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إِلَى أَنْ يُؤْذِيَ بِهِ وَأُخِّرَ الْإِهْمَالُ إِلَى أَنْ تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ لِأَنَّهُ مَعَ فَهْمِهِ مِنْ آيَةِ الْأَقْرَاءِ سَيُصَرِّحُ بِهِ فِي قَوْلِهِ فِي الْآيَةِ الْآتِيَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=231أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ فَقَالَ مُعَقِّبًا بِالْفَاءِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=229فَإِمْسَاكٌ أَيْ إِنْ رَاجَعَهَا فِي عِدَّةِ الثَّانِيَةِ.
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14085الْحَرَالِيُّ : هُوَ مِنَ الْمِسْكِ وَهُوَ إِحَاطَةٌ تَحْبِسُ الشَّيْءَ، وَمِنْهُ الْمَسْكُ - بِالْفَتْحِ - لِلْجِلْدِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=229بِمَعْرُوفٍ
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14085الْحَرَالِيُّ : فَصَرَفَهُمْ بِذَلِكَ عَنْ ضِرَارِ الْجَاهِلِيَّةِ الَّذِي كَانُوا عَلَيْهِ بِتَكْرِيرِ الطَّلَاقِ إِلَى غَيْرِ حَدٍّ فَجَعَلَ لَهُ حَدًّا يَقْطَعُ قَصْدَ الضِّرَارِ - انْتَهَى .
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=229أَوْ تَسْرِيحٌ أَيْ إِنْ طَلَّقَهَا الثَّالِثَةَ، وَلَا يَمْلِكُ بَعْدَ هَذَا التَّسْرِيحِ عَلَيْهَا الرَّجْعَةُ لِمَا كَانَ عَلَيْهِ حَالَ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ.
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14085الْحَرَالِيُّ : سَمَّى الثَّالِثَةَ تَسْرِيحًا لِأَنَّهُ إِرْسَالٌ لِغَيْرِ مَعْنَى الْأَخْذِ كَتَسْرِيحِ الشَّيْءِ الَّذِي لَا يُرَادُ إِرْجَاعُهُ. وَقَالَ أَيْضًا: هُوَ إِطْلَاقُ الشَّيْءِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَهَيَّأُ لِلْعَوْدِ، فَمَنْ أَرْسَلَ الْبَازِيَ
[ ص: 305 ] مَثَلًا لِيَسْتَرِدَّهُ فَهُوَ مُطَلِّقٌ، وَمَنْ أَرْسَلَهُ لَا لِيَسْتَرْجِعَهُ فَهُوَ مُسَرِّحٌ انْتَهَى.
وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِالتَّسْرِيحِ عَدَمُ الْمُرَاجَعَةِ مِنَ الثَّانِيَةِ لَا أَنَّهُ طَلْقَةٌ ثَالِثَةٌ، وَلَمَّا كَانَ
nindex.php?page=treesubj&link=10799مَقْصُودُ النِّكَاحِ حُسْنَ الصُّحْبَةِ وَكَانَتْ مِنَ الرَّجُلِ الْإِمْتَاعَ بِالنَّفْسِ وَالْمَالِ وَكَانَ الطَّلَاقُ مَنْعًا لِلْإِمْتَاعِ بِالنَّفْسِ قَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=229بِإِحْسَانٍ تَعْرِيضًا بِالْجَبْرِ بِالْمَلَلِ لِئَلَّا يَجْتَمِعَ مَنْعَانِ: مَنْعُ النَّفْسِ
[ ص: 306 ] وَذَاتِ الْيَدِ - أَفَادَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14085الْحَرَالِيُّ وَقَالَ: فَفِيهِ بِوَجْهٍ مَا تَعْرِيضٌ بِمَا صَرَّحَتْ بِهِ آيَةُ الْمُتْعَةِ الْآتِيَةُ - انْتَهَى.
وَمِنْ ذَلِكَ بَذْلُ الصَّدَاقِ كَامِلًا وَأَنْ لَا يُشَاحِحَهَا فِي شَيْءٍ لَهَا فِيهِ حَقٌّ مَعَ طِيبِ الْمَقَالِ وَكَرَمِ الْفِعَالِ.
وَلَمَّا كَانَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَدْ خَيَّرَهُ بَيْنَ شَيْئَيْنِ: الرَّجْعَةِ وَالتَّسْرِيحِ الْمَوْصُوفَيْنِ وَكَانَتِ الرَّجْعَةُ أَقْرَبَ إِلَى الْخَيْرِ بَدَأَ بِهَا وَلَكِنَّهَا لَمَّا كَانَتْ قَدْ تَكُونُ لِأَجْلِ الِافْتِدَاءِ بِمَا أُعْطِيَتُهُ الْمَرْأَةُ وَكَانَ أَخْذُهُ أَوْ شَيْءٌ مِنْهُ مُشَارِكًا لِلسَّرَاحِ فِي أَنَّهُ يَقْطَعُ عَلَيْهِ مَا كَانَ لَهُ مِنْ مِلْكِ الرَّجْعَةِ وَلَا يَمْلِكُ بَعْدَ هَذَا التَّسْرِيحِ عَلَيْهَا الرَّجْعَةَ كَمَا كَانَ عَلَيْهِ حَالَ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ وَكَانَ الِافْتِدَاءُ قَدْ يَكُونُ فِي الْأُولَى لَمْ يُفَرِّعْهَا بِالْقَابِلِ قَالَ مُشِيرًا إِلَى أَنَّ مِنْ إِحْسَانِ التَّسْرِيحِ سَمَاحَ الزَّوْجِ بِمَا أَعْطَاهَا عَاطِفًا عَلَى مَا تَقْدِيرُهُ: فَلَا يَحِلُّ لَكُمْ مُضَارَّتُهُنَّ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=229وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَيْ أَيُّهَا الْمُطَلِّقُونَ أَوِ الْمُتَوَسِّطُونَ
[ ص: 307 ] مِنَ الْحُكَّامِ وَغَيْرِهِمْ لِأَنَّهُمْ لَمَّا كَانُوا آمِرِينَ عُدُّوا آخِذِينَ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=229أَنْ تَأْخُذُوا إِحْسَانًا فِي السَّرَاحِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=229مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ مِنْ صَدَاقٍ وَغَيْرِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=229شَيْئًا أَيْ بِدُونِ مُخَالَفَةٍ.
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14085الْحَرَالِيُّ : لِأَنَّ إِيتَاءَ الرَّجُلِ لِلْمَرْأَةِ إِيتَاءُ نِحْلَةٍ لِإِظْهَارِ مَزِيَّةِ الدَّرَجَةِ لَا فِي مُقَابَلَةِ الِانْتِفَاعِ فَلِذَلِكَ أَمْضَاهُ وَلَمْ يُرْجِعْ مِنْهُ شَيْئًا وَلِذَلِكَ
nindex.php?page=treesubj&link=11156لَزِمَ فِي النِّكَاحِ الصَّدَاقُ لِتَظْهَرَ مَزِيَّةُ الرَّجُلِ بِذَاتِ الْيَدِ كَمَا ظَهَرَتْ فِي ذَاتِ النَّفْسِ - انْتَهَى.
وَلَمَّا كَانَ إِسْنَادُ الْخَوْفِ إِلَى ضَمِيرِ الْجَمْعِ رُبَّمَا أَلْبَسَ قَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=229إِلا [ ص: 305 ] أَنْ يَخَافَا نَصًّا عَلَى الْمُرَادِ بِالْإِسْنَادِ إِلَى الزَّوْجَيْنِ، وَعَبَّرَ عَنِ الظَّنِّ بِالْخَوْفِ تَحْذِيرًا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ، وَعَبَّرَ فِي هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ إِنْ قُلْنَا إِنَّهُ مُنْقَطِعٌ بِأَدَاةِ الْمُتَّصِلِ تَنْفِيرًا مِنَ الْأَخْذِ وَمَعْنَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ فِي قِرَاءَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=15760حَمْزَةَ nindex.php?page=showalam&ids=11962وَأَبِي جَعْفَرٍ وَيَعْقُوبَ إِلَّا أَنْ يَحْصُلَ لَهُمَا أَمْرٌ مِنْ حَظٍّ أَوْ شَهْوَةٍ يَضْطَرُّهُمَا إِلَى الْخَوْفِ مِنَ التَّقْصِيرِ فِي الْحُدُودِ، وَلَا مَفْهُومَ لِلتَّقْيِيدِ بِالْخَوْفِ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْ عَاقِلٍ أَنْ يَفْتَدِيَ بِمَالٍ مِنْ غَيْرِ أَمْرٍ مُحَوِّجٍ وَمَتَى حَصَلَ الْمُحَوِّجُ كَانَ الْخَوْفُ وَمَتَى خَافَ أَحَدُهُمَا خَافَا لِأَنَّهُ مَتَى خَالَفَهُ الْآخَرُ حَصَلَ التَّشَاجُرُ الْمُثِيرُ لِلْحُظُوظِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْإِقْدَامِ عَلَى مَا لَا يَسُوغُ وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=229أَلا يُقِيمَا أَيْ فِي الِاجْتِمَاعِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=229حُدُودَ اللَّهِ الْعَظِيمِ فَيَفْعَلُ كُلٌّ مِنْهُمَا مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَقِّ.
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14085الْحَرَالِيُّ : وَفِي إِشْعَارِهِ أَنَّ الْفِدَاءَ فِي حُكْمِ الْكِتَابِ مِمَّا أَخَذَتِ الزَّوْجَةُ مِنْ زَوْجِهَا لَا مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَالِهَا، وَالْحُدُودُ جَمْعُ حَدٍّ وَهُوَ النِّهَايَةُ فِي الْمُتَصَرِّفِ الْمَانِعِ مِنَ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ - انْتَهَى. ثُمَّ زَادَ الْأَمْرُ بَيَانًا لِأَنَّهُ فِي مَقَامِ
[ ص: 309 ] التَّحْدِيدِ فَقَالَ مُسْنِدًا إِلَى ضَمِيرِ الْجَمْعِ حَثًّا عَلَى التَّحَقُّقِ لِيَحِلَّ الْفِدَاءُ حَلًّا نَافِيًا لِجَمِيعِ الْحَرَجِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=229فَإِنْ خِفْتُمْ أَيْ أَيُّهَا الْمُتَوَسِّطُونَ بَيْنَهُمَا مِنَ الْحُكَّامِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْأَئِمَّةِ بِمَا تَرَوْنَ مِنْهُمَا وَمَا يُخْبِرَانِكُمْ بِهِ عَنْ أَنْفُسِهِمَا
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=229أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتَكْرِيرُ الِاسْمِ الْأَعْظَمِ يَدُلُّ عَلَى رِفْعَةٍ زَائِدَةٍ لِهَذَا الْمَقَامِ، وَتَعْظِيمٍ كَبِيرٍ لِهَذِهِ لِأَحْكَامٍ، وَحَثٍّ عَظِيمٍ عَلَى التَّقَيُّدِ فِي هَذِهِ الرُّسُومِ بِالْمُرَاعَاةِ وَالِالْتِزَامِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ كُلَّ إِنْسَانٍ مَجْبُولٌ عَلَى تَقْدِيمِ نَفْسِهِ عَلَى غَيْرِهِ، وَالشَّرْعُ كُلُّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْعَدْلِ الَّذِي هُوَ الْإِنْصَافُ وَمَحَبَّةُ الْمَرْءِ لِغَيْرِهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=229فَلا جُنَاحَ أَيْ مَيْلٌ بِإِثْمٍ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=229عَلَيْهِمَا وَسَوَّغَ ذَلِكَ أَنَّ الظَّنَّ شُبْهَةٌ فَإِنَّكَ لَا تَخَافُ مَا لَا تَظُنُّهُ
[ ص: 310 ] nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=229فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ أَيْ لَا عَلَى الزَّوْجِ بِالْأَخْذِ وَلَا عَلَيْهَا بِالْإِعْطَاءِ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ مِمَّا آتَاهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهِ أَكْثَرَ مِنْهُ أَوْ لَا لِأَنَّ الْخُلْعَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَكَمَا جَازَ لَهَا أَنْ تَمْتَنِعَ مِنْ أَوَّلِ الْعَقْدِ حَتَّى تَرْضَى وَلَوْ بِأَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ فَكَذَا فِي الْخُلْعِ يَجُوزُ لَهُ أَنْ لَا يَرْضَى إِلَّا بِمَا فِي نَفْسِهِ كَائِنًا مَا كَانَ وَيَكُونُ ذَلِكَ عَمَّا كَانَ يَمْلِكُهُ عَلَيْهَا مِنَ الرَّجْعَةِ، فَإِذَا أَخَذَهُ بَانَتِ الْمَرْأَةُ فَصَارَتْ أَحَقَّ بِنَفْسِهَا فَلَا سَبِيلَ عَلَيْهَا إِلَّا بِإِذْنِهَا.
وَلَمَّا كَانَتْ أَحْكَامِ النِّسَاءِ تَارَةً بِالْمُرَافِقَةِ وَتَارَةً بِالْمُفَارَقَةِ وَكَانَتْ مَبْنِيَّةً عَلَى الشَّهَوَاتِ تَارَةً عَلَى الْبَهِيمِيَّةِ وَتَارَةً عَلَى السَّبْعِيَّةِ وَكَانَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَدْ حَدَّ فِيهَا حُدُودًا تَكُونُ بِهَا الْمَصَالِحُ وَتَزُولُ الْمَفَاسِدُ مَنَعَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَنْ تَعَدَّى تِلْكَ الْحُدُودَ أَيِ الْأَحْكَامَ الَّتِي بَيَّنَهَا فِي ذَلِكَ وَلَمْ يَذْكُرْ قُرْبَانَهَا كَمَا مَضَى فِي آيَةِ الصَّوْمِ فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=229تِلْكَ أَيِ الْأَحْكَامُ
[ ص: 311 ] الْعَظِيمَةُ الَّتِي تَوَلَّى اللَّهُ بَيَانَهَا مِنْ أَحْكَامِ الطَّلَاقِ وَالرَّجْعَةِ وَالْخُلْعِ وَغَيْرِهَا
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=229حُدُودَ اللَّهِ أَيْ شَرَائِعَ الْمَلِكِ الْأَعْظَمِ الَّذِي لَهُ جَمِيعُ الْعِزَّةِ مِنَ الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي الَّتِي بَيَّنَهَا فَصَارَتْ كَالْحُدُودِ الْمَعْرُوفَةِ فِي الْأَرَاضِي.
وَلَمَّا كَانَتْ
nindex.php?page=treesubj&link=28644شَرَائِعُ اللَّهِ مُلَائِمَةً لِلْفِطْرَةِ الْأُولَى السَّلِيمَةِ عَنْ نَوَازِعِ النَّقَائِصِ وَجَوَاذِبِ الرَّذَائِلِ أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ سُبْحَانَهُ بِصِيغَةِ الِافْتِعَالِ فِي قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=229فَلا تَعْتَدُوهَا أَيْ لَا تَتَكَلَّفُوا مُجَاوَزَتَهَا، وَفِيهِ أَيْضًا إِشَارَةٌ إِلَى الْعَفْوِ عَنِ الْمُجَاوَزَةِ مِنْ غَيْرِ تَعَمُّدٍ.
وَلَمَّا أَكَّدَ الْأَمْرَ تَارَةً بِالْبَيَانِ وَتَارَةً بِالنَّهْيِ زَادَ فِي التَّأْكِيدِ بِالتَّهْدِيدِ فَقَالَ عَاطِفًا عَلَى مَا تَقْدِيرُهُ: فَمَنْ تَعَدَّى شَيْئًا مِنْهَا فَقَدْ ظَلَمَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=229وَمَنْ يَتَعَدَّ أَيْ يَتَجَاوَزُ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=229حُدُودَ اللَّهِ أَيِ الْمُحِيطَ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ الَّتِي بَيَّنَهَا
[ ص: 312 ] وَأَكَّدَ أَمْرَهَا وَزَادَ تَعْظِيمَهَا بِتَكْرِيرِ اسْمِهِ الْأَعْظَمِ.
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14085الْحَرَالِيُّ : فَفِيهِ تَرْجِيَةٌ فِيمَا يَقَعُ مِنْ تَعَدِّي الْحُدُودِ مِنْ دُونِ ذَلِكَ مِنْ حُدُودِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَوُجُوهِ السُّنَنِ وَفِي إِعْلَامِهِ إِيذَانٌ بِأَنَّ وُقُوعَ الْحِسَابِ يَوْمَ الْجَزَاءِ عَلَى حُدُودِ الْقُرْآنِ الَّتِي لَا مَنْدُوحَةَ لِأَحَدٍ بِوَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ السِّعَةِ فِي مُخَالَفَتِهَا وَلِذَلِكَ تَتَحَقَّقُ التَّقْوَى وَالْوَلَايَةُ مَعَ الْأَخْذِ بِمُخْتَلِفَاتِ السُّنَنِ وَمُخْتَلِفَاتِ أَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ - انْتَهَى.
وَإِلَيْهِ يُرْشِدُ الْحَصْرُ فِي قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=229فَأُولَئِكَ أَيِ الْمُسْتَحِقُّونَ لِلْبُعَادِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=229هُمُ الظَّالِمُونَ أَيِ الْعَرِيقُونَ فِي الظُّلْمِ بِوَضْعِ الْأَشْيَاءِ فِي غَيْرِ مَوَاضِعِهَا فَكَأَنَّهُمْ يَمْشُونَ فِي الظَّلَامِ.
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14085الْحَرَالِيُّ : وَفِي إِشْعَارِهِ تَصْنِيفُ الْحُدُودِ ثَلَاثَةَ أَصْنَافٍ : حَدُّ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَحَدُّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَحَدُّ الْعَالِمِ، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
مَا جَاءَ مِنَ اللَّهِ فَهُوَ الْحَقُّ، وَمَا جَاءَ مِنِّي فَهُوَ السُّنَّةُ، وَمَا جَاءَ مِنْ أَصْحَابِي فَهُوَ السِّعَةُ فَأَبْرَأُ الْعِبَادِ مِنَ الظُّلْمِ مَنْ حَافَظَ عَلَى أَنْ لَا يَخْرُجَ عَنْ حُدُودِ الْعُلَمَاءِ لِيَكُونَ أَبْعَدَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ حُدُودِ السُّنَّةِ لِيَكُونَ أَبْعَدَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ حُدُودِ الْكِتَابِ، فَالظَّالِمُ الْمُنْتَهِي ظُلْمُهُ الْخَارِجُ عَنِ الْحُدُودِ الثَّلَاثَةِ: حَدُّ الْعَالِمِ، وَحَدُّ السُّنَّةِ، وَحَدُّ اللَّهِ - انْتَهَى.