باب الأكفاء
( قال : ) اعلم أن الكفاءة في النكاح معتبرة من حيث النسب إلا على قول رحمه الله تعالى فإنه كان يقول : لا معتبر في سفيان الثوري وقيل : أنه كان من العرب فتواضع ورأى الموالي أكفاء له الكفاءة من حيث النسب رحمه الله تعالى كان من الموالي فتواضع [ ص: 23 ] ولم ير نفسه كفؤا للعرب ، وحجته في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم { وأبو حنيفة } ، وهذا الحديث يؤيده قوله تعالى { : الناس سواسية كأسنان المشط لا فضل لعربي على عجمي إنما الفضل بالتقوى إن أكرمكم عند الله أتقاكم } ، وقال صلى الله عليه وسلم { : كلكم بنو آدم طف للصاع لم يملأ ، وقال : الناس كإبل مائة لا تكاد تجد فيها راحلة واحدة } فهذه الآثار تدل على المساواة ، وأن التفاضل بالعمل ، ومن أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه { أبو طيبة امرأة من بني بياضة فأبوا أن يزوجوه فقال صلى الله عليه وسلم : زوجوا أبا طيبة إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير فقالوا : نعم وكرامة . } ، وخطب
{ وخطب رضي الله عنه إلى قوم من العرب فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : قل لهم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم أن تزوجوني بلال } ، وأن سلمان خطب بنت عمر رضي الله عنه فهم أن يزوجها منه ثم لم يتفق ذلك ، وحجتنا في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم { قريش بعضهم أكفاء لبعض بطن ببطن ، والعرب بعضهم أكفاء لبعض قبيلة بقبيلة والموالي بعضهم أكفاء لبعض رجل برجل } ، وفي حديث رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { جابر } وما زالت الكفاءة مطلوبة فيما بين العرب حتى في القتال . ألا لا يزوج النساء إلا الأولياء ، ولا يزوجن إلا من الأكفاء
بيانه : في قصة { بدر ; للبراز عتبة وشيبة والوليد فخرج إليهم ثلاثة من فتيان الأنصار فقالوا لهم : انتسبوا فانتسبوا فقالوا : أبناء قوم كرام ، ولكنا نريد أكفاءنا من قريش فرجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه بذلك فقال صلى الله عليه وسلم : صدقوا وأمر حمزة وعليا رضوان الله عليهم أجمعين بأن يخرجوا إليهم وعبيدة بن الحارث } فلما لم ينكر عليهم طلب الكفاءة في القتال ففي النكاح أولى ، وهذا لأن النكاح يعقد للعمر ، ويشتمل على أغراض ومقاصد من الصحبة والألفة والعشرة وتأسيس القرابات ، وذلك لا يتم إلا بين الأكفاء ، وفي أصل الملك على المرأة نوع ذلة ، وإليه أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال { الثلاثة الذين خرجوا يوم } ، وإذلال النفس حرام ، قال : صلى الله عليه وسلم { : النكاح رق فلينظر أحدكم أين يضع كريمته } وإنما جوز ما جوز منه ; لأجل الضرورة ، وفي استفراش من لا يكافئها زيادة الذل ، ولا ضرورة في هذه الزيادة فلهذا اعتبرت الكفاءة ، والمراد من الآثار التي رواها في أحكام الآخرة . ليس للمؤمن أن يذل نفسه
وبه نقول : إن التفاضل في الآخرة بالتقوى ، وتأويل الحديث الآخر الندب إلى التواضع وترك طلب الكفاءة لا الإلزام ، وبه نقول : إن عند الرضا يجوز العقد ويحكى عن [ ص: 24 ] رحمه الله تعالى أنه كان يقول : الأصح عندي أن لا تعتبر الكفاءة في النكاح أصلا ; لأن الكفاءة غير معتبرة فيما هو أهم من النكاح ، وهو الدماء فلأن لا تعتبر في النكاح أولى ، ولكن هذا ليس بصحيح فإن الكفاءة غير معتبرة في الدين في باب الدم حتى لا يقتل المسلم بالكافر ، ولا يدل ذلك على أنه غير معتبر في النكاح إذا عرفنا هذا فنقول : الكفاءة في خمسة أشياء ( أحدها ) النسب ، وهو على ما قال : الكرخي قريش أكفاء بعضها لبعض فإنهم فيما بينهم يتفاضلون ، وأفضلهم بنو هاشم ، ومع التفاضل هم أكفاء ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج رضي الله تعالى عنها ، وكانت تيمية وتزوج عائشة حفصة رضي الله تعالى عنها وكانت عدوية { وزوج ابنته من عثمان رضي الله عنه وكان عبشميا } فعرفنا أن بعضهم أكفاء لبعض .
وروي عن رحمه الله تعالى أنه قال : إلا أن يكون نسبا مشهورا نحو أهل بيت الخلافة فإن غيرهم لا يكافئهم ، وكأنه قال ذلك ; لتسكين الفتنة وتعظيم الخلافة ، لا لانعدام أصل الكفاءة ، والعرب بعضهم أكفاء لبعض فإن فضيلة العرب بكون رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم ، ونزول القرآن بلغتهم ، وقال صلى الله عليه وسلم { محمد } { : حب العرب من الإيمان لسلمان رضي الله تعالى عنه لا تبغضني قال : وكيف أبغضك ، وقد هداني الله بك ؟ قال : تبغض العرب فتبغضني } ، ولا تكون ، وقال صلى الله عليه وسلم العرب كفؤا لقريش والموالي لا يكونون كفؤا للعرب كما قال صلى الله عليه وسلم { } ، وهذا لأن الموالي ضيعوا أنسابهم فلا يكون التفاخر بينهم بالنسب بل بالدين كما أشار إليه : والموالي بعضهم أكفاء لبعض سلمان رضي الله تعالى عنه حين تفاخر جماعة من الصحابة بذكر الأنساب فلما انتهى إلى سلمان رضي الله تعالى عنه قالوا : سلمان ابن من ؟ فقال سلمان : ابن الإسلام فبلغ رضي الله تعالى عنه فبكى ، وقال عمر ابن الإسلام فمن كان من الموالي له أبوان في الإسلام فهو كفؤ لمن له عشرة آباء ; لأن النسبة تتم بالانتساب إلى الأب والجد فمن كان له أبوان مسلمان فله في الإسلام نسب صحيح ومن أسلم بنفسه لا يكون كفؤا ; لمن له أب في الإسلام ومن أسلم أبوه لا يكون كفؤا لمن له أبوان في الإسلام ; لأن هذا يحتاج في النسبة إلى الأب الكافر ، وذلك منهي عنه ; لما روي { وعمر } ولكن هذا إذا كان على سبيل التفاخر دون التعريف أن رجلا انتسب إلى تسعة آباء في الجاهلية فقال صلى الله عليه وسلم : هو عاشرهم في النار