التعلم الذاتي

يمتاز التعليم الشرعي عن غيره بارتباطه الوثيق بالسلوك وبناء الشخصية، ومن هنا ارتبط قديما وحديثا بالتلقي عن المشايخ وأهل العلم ومجالستهم.

عد الشاطبي من أمارات العالم: "أن يكون ممن رباه الشيوخ في ذلك العلم، لأخذه عنهم وملازمته لهم، فهو الجدير بأن يتصف بما اتصفوا به من ذلك، وهكذا كان شأن السلف الصالح، فأول ذلك ملازمة الصحابة، رضي الله عنهم، لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأخذهم بأقواله وأفعاله..، وصار مثل ذلك أصلا لمن بعدهم، فالتزم التابعون في الصحابة سيرتهم مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى فقهوا، ونالوا ذروة الكمال في الأمور الشرعية، وحسبك من صحة هذه القاعدة أنك لا تجد عالما اشتهر في الناس الأخذ عنه إلا وله قدوة اشتهر في قرنه بمثل ذلك، وقلما وجدت فرقة زائغة ولا أحد مخالف للسنة إلا وهو مفارق لهذا الوصف، وبهذا الوجه وقع التشنيع على ابن حزم الظاهري، وأنه لم يلازم الأخذ عن الشيوخ ولا تأدب بآدابهم، وبضد ذلك كان العلماء الراسخون كالأئمة الأربعة وأشباههم".( الموافقات، 1 / 66 - 67). [ ص: 127 ]

والتلقي عن المشايخ ليس قاصرا على مجرد المعرفة؛ بل يرتبط به تربية وسمت وبناء للشخصية.

ولئن كان التلقي عن أهل العلم هو الأصل فثمة حالات استثنائية تقتضي التعليم الفردي، ومنها:

- من لا يتاح العلمـاء في بلادهم، وهـذا كثير؛ فعدد من المسلمين لا يستطيعون الوصول إلى أهل العلم في بلادهم؛ إما لعدم وجودهم، أو أنهم لا يستطيعون ممارسة التعليم بحرية.

- النساء في البيوت، فرغم ما يقدم من بدائل للمرأة تتمثل في الأماكن الخاصة بها في دروس الرجال وحلقهم، أو الحلق الخاصة بالمرأة؛ فكثير من النساء لا يمكنهن الخروج من المنـزل والحضور إلى حلق العلم.

- من لا تمكنهم مشاغلهم وطبيعة أعمالهم من الحضور إلى حلق العلم والارتباط بها.

ويمثل التعلم الذاتي أحد البدائل المهمة لأمثال هؤلاء.

والسؤال المهم: هل ثمة برامج للتعلم الذاتي في المجالات الشرعية؟

حين تتجول في المكتبات فستجـد على سبيل المثـال عددا من أدوات تعلم اللغات الأجنبية تلائم كثيرا من فئات المتعلمين، فأين أدوات التعلم الشرعي؟

إن التعلم الذاتي لا يتحقق من خلال كتاب يقرأه المتعلم لوحده؛ فالتعلم الذاتي له طبيعته وخصائصه التربوية، ولا بد أن يبنى بناء خاصا. [ ص: 128 ]

وفي الميدان التربوي العديد من أسـاليب التعلم الـذاتي وأدواته، ومنها على سبيل المثال: التعليم المبرمج، الحقائب التعليمية، الموديولات التعليمية، التعلم الإتقاني، التعلم باستخدام الحاسب الآلي.. إلخ.

وإنتاج هذه المشروعات يتطلب وقتا وكلفة عالية، لكن أهميتها والنتائج المتوقعة منها تبرر ما يبذل فيها من جهد.

ويمكن أن يتم تنفيذ كثير من هذه المشروعات؛ من خلال الرسائل والبحوث العلمية الأكاديمية، ويوجد عدد غير قليل من الرسائل العلمية سعى فيها أصحابها إلى تصميم وحدات وبرامج للتعلم الذاتي في مجال العلوم الشرعية، لكنها بحاجة إلى تطوير وتحسين لتلائم النشر العام.

كما يمكن أن تكون بعض هذه المشروعات طويلة المدى؛ مـما يتيح لها فرصة للاستكمال والنضج.

ولا يفترض في المختصين بالتعليم الشرعي أن يستوعبوا هذه المصطلحات وتفاصيلها، ولا أن يتقنوا بناء برامج التعلم الذاتي وفق الخصائص التربوية، ويمكن تحقيق ذلك من خلال أداتين:

الأولى: وجود فئة من المختصين بالتربية ممن تلقوا إعدادا جيدا في مجال العلم الشرعي.

الثانية: العمل المشترك مع المختصين في تصميم البرامج التربوية. [ ص: 129 ]

كما أن كثيرا منها يصعب تنفيذه من خـلال برامج فردية؛ فهو يتطلب عملا مؤسسيا وجماعيا، وهو يمثل فرصة للموسرين والباذلين في رعاية هذه المشروعات والوقف عليها؛ فهي من الصدقة الجارية، والعلم الذي ينتفع به.

ومع التقدم التقني المتسارع تتيح برامج الحاسوب وأجهزة الاتصال فرصا كبيرة لإنشاء تطبيقـات تعليمية؛ فمن خـلالها يمكن دمج الصور الثابتة والمتحركة، وتضمـين لقطات ودروس عمـلية لنخبة من العلماء وطلبة العلم الشرعي، كما تمكن المستخدم من التفـاعل الإيجابي مع البرنامج، فيجيب عن عدد من الأسئلة، وينفذ نشاطات تعليمية، ويتلقى تغذية راجعة من البرنامج.

ولا بد في ذلك من التفريق بين الموسوعات التي تقتصر على كتب مصورة، أو محوسبة رقميا، وبين البرامج التعليمية التفاعلية. [ ص: 130 ]

التعلم الذاتي

يمتاز التعليم الشرعي عن غيره بارتباطه الوثيق بالسلوك وبناء الشخصية، ومن هنا ارتبط قديمًا وحديثًا بالتلقي عن المشايخ وأهل العلم ومجالستهم.

عدّ الشاطبي من أمارات العالم: "أن يكون ممن رباه الشيوخ في ذلك العلم، لأخذه عنهم وملازمته لهم، فهو الجدير بأن يتصف بما اتصفوا به من ذلك، وهكذا كان شأن السلف الصالح، فأول ذلك ملازمة الصحابة، رضي الله عنهم، لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأخذهم بأقواله وأفعاله..، وصار مثل ذلك أصلًا لمن بعدهم، فالتزم التابعون في الصحابة سيرتهم مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى فَقُهوا، ونالوا ذروة الكمال في الأمور الشرعية، وحسبك من صحة هذه القاعدة أنك لا تجد عالمًا اشتهر في الناس الأخذ عنه إلا وله قدوة اشتهر في قرنه بمثل ذلك، وقلما وجدت فرقة زائغة ولا أحدٌ مخالفٌ للسنة إلا وهو مفارقٌ لهذا الوصف، وبهذا الوجه وقع التشنيع على ابن حزم الظاهري، وأنه لم يلازم الأخذ عن الشيوخ ولا تأدب بآدابهم، وبضد ذلك كان العلماء الراسخون كالأئمة الأربعة وأشباههم".( الموافقات، 1 / 66 - 67). [ ص: 127 ]

والتلقي عن المشايخ ليس قاصرًا على مجرد المعرفة؛ بل يرتبط به تربية وسمت وبناء للشخصية.

ولئن كان التلقي عن أهل العلم هو الأصل فثمة حالات استثنائية تقتضي التعليم الفردي، ومنها:

- مَن لا يتاح العلمـاء في بلادهم، وهـذا كثير؛ فعدد من المسلمين لا يستطيعون الوصول إلى أهل العلم في بلادهم؛ إما لعدم وجودهم، أو أنهم لا يستطيعون ممارسة التعليم بحرية.

- النساء في البيوت، فرغم ما يُقدّم من بدائل للمرأة تتمثل في الأماكن الخاصة بها في دروس الرجال وحِلقهم، أو الحلق الخاصة بالمرأة؛ فكثير من النساء لا يمكنهن الخروج من المنـزل والحضور إلى حِلَق العلم.

- من لا تُمكّنهم مشاغلهم وطبيعة أعمالهم من الحضور إلى حِلَق العلم والارتباط بها.

ويمثل التعلم الذاتي أحد البدائل المهمة لأمثال هؤلاء.

والسؤال المهم: هل ثمة برامج للتعلم الذاتي في المجالات الشرعية؟

حين تتجول في المكتبات فستجـد على سبيل المثـال عددًا من أدوات تعلم اللغات الأجنبية تلائم كثيرًا من فئات المتعلمين، فأين أدوات التعلم الشرعي؟

إن التعلم الذاتي لا يتحقق من خلال كتاب يقرأه المتعلم لوحده؛ فالتعلم الذاتي له طبيعته وخصائصه التربوية، ولا بد أن يُبنَى بناءً خاصًّا. [ ص: 128 ]

وفي الميدان التربوي العديد من أسـاليب التعلم الـذاتي وأدواته، ومنها على سبيل المثال: التعليم المبرمج، الحقائب التعليمية، الموديولات التعليمية، التعلم الإتقاني، التعلم باستخدام الحاسب الآلي.. إلخ.

وإنتاج هذه المشروعات يتطلب وقتًا وكلفة عالية، لكن أهميتها والنتائج المتوقعة منها تُبّرر ما يُبذل فيها من جهد.

ويمكن أن يتم تنفيذ كثير من هذه المشروعات؛ من خلال الرسائل والبحوث العلمية الأكاديمية، ويوجد عدد غير قليل من الرسائل العلمية سعى فيها أصحابها إلى تصميم وحدات وبرامج للتعلم الذاتي في مجال العلوم الشرعية، لكنها بحاجة إلى تطوير وتحسين لتلائم النشر العام.

كما يمكن أن تكون بعض هذه المشروعات طويلة المدى؛ مـما يتيح لها فرصة للاستكمال والنضج.

ولا يُفترض في المختصين بالتعليم الشرعي أن يستوعبوا هذه المصطلحات وتفاصيلها، ولا أن يتقنوا بناء برامج التعلم الذاتي وفق الخصائص التربوية، ويمكن تحقيق ذلك من خلال أداتين:

الأولى: وجود فئة من المختصين بالتربية ممن تلقوا إعدادًا جيدًا في مجال العلم الشرعي.

الثانية: العمل المشترك مع المختصين في تصميم البرامج التربوية. [ ص: 129 ]

كما أن كثيرًا منها يصعب تنفيذه من خـلال برامج فردية؛ فهو يتطلب عملًا مؤسسيًّا وجماعيًّا، وهو يمثل فرصة للموسرين والباذلين في رعاية هذه المشروعات والوقف عليها؛ فهي من الصدقة الجارية، والعلم الذي يُنتفع به.

ومع التقدم التقني المتسارع تتيح برامج الحاسوب وأجهزة الاتصال فرصًا كبيرة لإنشاء تطبيقـات تعليمية؛ فمن خـلالها يمكن دمج الصور الثابتة والمتحركة، وتضمـين لقطات ودروس عمـلية لنخبة من العلماء وطلبة العلم الشرعي، كما تمكّن المستخدم من التفـاعل الإيجابي مع البرنامج، فيجيب عن عدد من الأسئلة، وينفّذ نشاطات تعليمية، ويتلقى تغذية راجعة من البرنامج.

ولا بد في ذلك من التفريق بين الموسوعات التي تقتصر على كتب مصوّرة، أو محوسبة رقميًّا، وبين البرامج التعليمية التفاعلية. [ ص: 130 ]