طبقات الراويات في القرن الثاني

يعتبر هـذا القرن الفترة الذهبية لرواية النساء غير الصحابيات، فمعظم روايات النساء المتوفرة في القرون الثلاثة الأولى تركزت في هـذا القرن، ففيه أكبر عدد من الراويات، وجمع هـذا القرن بين أواسط التابعيات وصغارهن في أوائل المائة الثانية الهجرية وبعد الخمسين والمائة الهجرية، وبين كبريات التابعيات وأواسطهن، أي أواخر المائة الثانية الهجرية ^[1] .

1- طبقة أواسط التابعيات

جمعت هـذه الطبقة فضليات التابعيات ممن حمل عنهن العلم [ ص: 114 ] وعرفن بالفقه وكثرة الرواية، والملاحظ أن معظمهن من تلميذات عائشة وأم سلمة رضي الله عنهن، ومن تبقت فهي تروي عن أحد أقاربها من الصحابة أو خليفة من الخلفاء وعاشت في الجزء الأول من القرن الثاني الهجري.

سيدات هـذه الطبقة

لم يختلف اثنان حول سيدات التابعيات ^[2] : حفصة بنت سيرين ^[3] ، وعمرة بنت عبد الرحمن ^[4] ، وثالثتهما أم الدرداء (الصغرى) ^[5] ، وهن جميعا من أواسط التابعيات.

وغير هـؤلاء الفاضلات ممن أخذ عنهن العلم من المشهورات نذكر:

عائشة بنت طلحة ^[6] ، ومعاذة بنت عبد الله العدوية ^[7] ، [ ص: 115 ] وحفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر ^[8] ، وهن من التلميذات النجيبات لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ، وفاطمة بنت المنذر ^[9] روت وأكثرت عن جدتها أسماء بنت أبي بكر.

هؤلاء هـن أعمدة الرواية النسائية الثقات من الطبقة الوسطى من التابعيات، وأحاديثهن كثيرة في دواوين العلم.

- وتندرج تحت هـذه الطبقة أيضا عشرات الراويات من تلاميذ عائشة أم المؤمنـين وأم سلـمة ، وبعـض الصحـابـة والصحابـيـات، تقل روايـاتهن عمن سبق ذكرهن، وهن أقل شهرة من السابقات. نذكر منهن:

جسرة بنت دجاجة العامرية ^[10] ، مسة أم بسة ^[11] ، هـند بنت الحارث الفزارية ^[12] ، أم جحدر العامرية ^[13] ، كريمة بنت هـمام ^[14] ، قمير [ ص: 116 ] زوج مـسروق بن الأجدع ^[15] ، هـند بنت شريك ^[16] ، مية بنت الحارث ابن طفيل ^[17] ، عائـشة بنـت عـجرد ^[18] ، نائـلة بنـت الفـرافصة ^[19] ، أم الكرام ^[20] ..

2- طبقة صغار التابعيات

تجمع هـذه الطبقة من تروي عن أحد صغار الصحابة ممن تأخرت وفاته، الحديث الواحد والاثنين فقط نذكر منهن: شعثاء بنت عبد الله الأسـدية ^[21] ، عقيـلة الفـزاريـة ^[22] ، مغيـرة بنـت حسان ^[23] ، أم عمرو بنـت عبـد الله بن الزبـيـر ^[24] ، حبـيبة بنت ميـسـرة ^[25] ، رقيـة بنـت عمرو ^[26] ، وغيرهن. [ ص: 117 ]

3- طبقة كبريات تابعيات التابعين

هذه الطبقة بالنسبة للرواة تضم أجلة العلماء الأفاضل كالإمام مالك بن أنس والأوزاعي وسفيان الثوري وشعبة ، أما بالنسبة للراويات فهذه الطبقة تفتقر إلى أسماء لامعة في عالم الرواية، ذلك أن حركة الرواية النسائية بدأت تقل وتتراجع. ومن صاحبات هـذه الطبقة: أمة الواحد بنت يامين ^[27] ، حبابة بنت عجلان ^[28] ، غبطة بنت عمرو المجاشعية ^[29] ، وعمتها أم الحسن .

طبقات الراويات في القرن الثالث الهجري

اعتبر العلماء القرن الثالث الهجري أسعد عصور السنة وأزهاها وأحفلها بخدمة الحديث، فيه ظهر أفذاذ الرجال من حفاظ الحديث وأئمة الرواية ^[30] ، وفيه ظهرت الكتب الستة التي لم تغادر من الحديث الصحيح سوى النزر اليسير، وفيه اعتنى أئمة السنة بالكلام على الأسانيد وتواريخ الرجال ومنزلتهم في الجرح والتعديل.. ولم يكن [ ص: 118 ] العلماء في هـذا القرن يدونون الأحاديث بالنقل من كتب أخرى، بل كان اعتمادهم على ما حفظوه عن مشايخ الحديث، وعرفوا جيده من رديئه، وصحيحه من ضعيفه ^[31] .

ففي هـذا الجو العلمي العالي، لا ريب أن المنافسة تكون على أشدها بين أصحاب الحديث، ويصبح الحفظ والإتقان مع التثبت عناصر أساسية في تقييم الراوي، وهمة المحدث العالية لا تقبل إلا بالأفضل، وعليه لا نستبعد أن ينتشر الإسناد بين الناس، بغض النظر عن صحته، فالقاص يسند، والتاجر في السوق يسند، كذا مختلف أصناف الناس.

لكن لا يأخذ المحدث الرواية إلا ممن عرف وخضع لمعايير وضوابط الرواية المقبولة.. ونحن نقول فيما يخص الرواية النسائية: إنها كانت ولا شك ظاهرة أيضا، لأن البيئة العلمية آنذاك فرضت ذلك، وإن كنا لا نسجل وجود راويات ذوات أسماء لامعة في عالم الرواية، لأن أصحاب المصنفات الحديثية نخلوا الراويات نخلا، وانتقوها انتقاء، والمرأة الراوية غالبا ما تكون أحوالها مستورة عن الناس، فلا يعلم ضبطها وعدالتها بشكل واضح، كما يحدث عند الراوي، الذي يمكن أن يطلع على حاله، لهذا يصعب رصد أعداد كبيرة من راويات هـذا القرن فضلا عن بيان طبقاتهن. [ ص: 119 ]

لكن من خلال تفحص كتب التراجم ومشيخات بعض الأئمة، عثرنا على بعض الأسماء النسائية، مع قلتها تشير إلى أن رواية المرأة دائما حاضرة وإن تأثرت بالبيئة في ازدهارها وجهودها، لكن الملاحظ أن الراويات اللائي أخذ عنهن العلم لم يروين إلا القليل جدا من الأحاديث، ثم إن سنة وفاتهن غالبا ما تكون مجهولة، ولم يتيسر تحديد القرن الذي وجدن فيه إلا من خلال من روت عنه ومن روى عنها، وفيما يلي نورد بعض الأمثلة:

فاطمة بنت الإمام مالك بن أنس ^[32] ، خديجة أم محمد ^[33] ، زينب بنت سليمان الهاشمية ^[34] ، زينب بنت سليمان بن أبي جعفر المنصور ^[35] ، أم عمر الثقفية ^[36] ، أسماء بنت أسد بن الفرات ^[37] ، [ ص: 120 ] صليحة بنت أبي نعيم الفضل بن دكين ^[38] ، سمانة بنت حمدان -وهي بنت بنـت الوضاح بن حسان- الأنبـارية ^[39] ، عبـدة بنـت عبد الرحمن بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن أبي قتادة ^[40] .

ومن خلال هـذا العرض لطبقات الراويات في القرون الثلاثة، نلاحظ:

1- كان مدار أحاديث النساء في عصر الصحابة حول أمهات المؤمنـين، وخاصة أم المؤمنـين عائـشة ، وأم المؤمنـين أم سلمة ، تليهما أمهات المؤمنـين: ميـمونة ، وأم حبـيبة ، وحفصـة .

2- ومدار أحاديث النساء في عصر التابعين عند تلميذات عائشة وأم سلمة رضي الله عنهن جميعا، وبعض من أكثرن الرواية عن الصحابيات كأم عطية التي تروي عنها التابعية المكثرة حفصة بنت سيرين ، كذا أسماء بنت أبي بكر التي تروي عنها التابعية فاطمة بنت المنذر .

وما تبقى من التابعيات فرواياتهن لا تتعدى الحديث الواحد والاثنين، ترويه عن أحد أقاربها (أبيها، زوجها، عمها...) ، أحد الصحابة أو إحدى الصحابيات لكن من غير ملازمة لمن تروي عنه إن كان مكثرا.

3- لم تتراجع الرواية إلا بعد وفاة أمهات المؤمنين رضي الله عنهن جميعا، وقد كن مزارة للنساء وملاذا لطالبات العلم، إلا أن الرواية [ ص: 121 ] بقيت بكثافة أخف حتى ذهاب جميع صغار الصحابة ممن تأخرت وفاتهم، كأنس ، وعبد الله بن أبي أوفى ، وابن عمر ، وغيرهم. وكانوا البقية الباقية ممن رأى وصاحب وسمع سيد الخلق محمدا صلى الله عليه وسلم .

4- في جيل تابعيات التابعين، لا نرصد في رواية النساء ما يوحي بكثرة الطلب للرواية عندهن، فأغلبهن من المقلات جدا، أضف إلى ذلك عدم شهرتهن، الأمر الذي أدى إلى عدم ذكرهن في بعض كتب التراجـم، ومن ذكرهـن لا يزيـد عن قوله في إحـداهـن: مجهولة أو لا يعرف حالها.. ومع تتبع رواية صاحبات هـذه الطبقة، نجد أغلبهن يروين عمن حولهن من الأقارب ممن سمعن منه، ولا يكون إلا حديثا واحدا في الغالب أو حديثين.

5- أما القرن الثالث الذي شهد تدوين أمهات كتب الحديث، فقد سجل رواية ضئيلة للمرأة في جهود فردية، تكون خلالها المرأة راوية لأفراد من الأحاديث، سمعتها من بعض الشيوخ، إلا أن هـذه الرواية لم تكن مشهورة.. وقد رأينا مثلا أن فاطمة بنت الإمام مالك كانت تحفظ الموطأ لكن ما رأينا من روى عنها، مما يوحي أن الحركة العلمية النسائية كانت خلال هـذا القرن بالذات قائمة كما سبق ذكره، على جهود فردية، الأمر الذي لم يسمح بازدهارها وانتشارها، خاصة أن حركة التدوين والتصنيف كانت قد بلغت الذروة، بعد أن اصطفيت الأحاديث ونقحت ولم يعتمد إلا ما توفرت فيه شروط القبول لدى مختلف المحدثين. [ ص: 122 ]

طبقات الراويات في القرن الثاني

يعتبر هـذا القرن الفترة الذهبية لرواية النساء غير الصحابيات، فمعظم روايات النساء المتوفرة في القرون الثلاثة الأولى تركزت في هـذا القرن، ففيه أكبر عدد من الراويات، وجمع هـذا القرن بين أواسط التابعيات وصغارهن في أوائل المائة الثانية الهجرية وبعد الخمسين والمائة الهجرية، وبين كبريات التابعيات وأواسطهن، أي أواخر المائة الثانية الهجرية ^[1] .

1- طبقة أواسط التابعيات

جمعت هـذه الطبقة فضليات التابعيات ممن حمل عنهن العلم [ ص: 114 ] وعرفن بالفقه وكثرة الرواية، والملاحظ أن معظمهن من تلميذات عائشة وأم سلمة رضي الله عنهن، ومن تبقت فهي تروي عن أحد أقاربها من الصحابة أو خليفة من الخلفاء وعاشت في الجزء الأول من القرن الثاني الهجري.

سيدات هـذه الطبقة

لم يختلف اثنان حول سيدات التابعيات ^[2] : حفصة بنت سيرين ^[3] ، وعمرة بنت عبد الرحمن ^[4] ، وثالثتهما أم الدرداء (الصغرى) ^[5] ، وهن جميعًا من أواسط التابعيات.

وغير هـؤلاء الفاضلات ممن أخذ عنهن العلم من المشهورات نذكر:

عائشة بنت طلحة ^[6] ، ومعاذة بنت عبد الله العدوية ^[7] ، [ ص: 115 ] وحفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر ^[8] ، وهن من التلميذات النجيبات لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ، وفاطمة بنت المنذر ^[9] روت وأكثرت عن جدتها أسماء بنت أبي بكر.

هؤلاء هـن أعمدة الرواية النسائية الثقات من الطبقة الوسطى من التابعيات، وأحاديثهن كثيرة في دواوين العلم.

- وتندرج تحت هـذه الطبقة أيضًا عشرات الراويات من تلاميذ عائشة أم المؤمنـين وأم سلـمة ، وبعـض الصحـابـة والصحابـيـات، تقل روايـاتهن عمن سبق ذكرهن، وهن أقل شهرة من السابقات. نذكر منهن:

جسرة بنت دجاجة العامرية ^[10] ، مسة أم بسة ^[11] ، هـند بنت الحارث الفزارية ^[12] ، أم جحدر العامرية ^[13] ، كريمة بنت هـمام ^[14] ، قمير [ ص: 116 ] زوج مـسروق بن الأجدع ^[15] ، هـند بنت شريك ^[16] ، مية بنت الحارث ابن طفيل ^[17] ، عائـشة بنـت عـجرد ^[18] ، نائـلة بنـت الفـرافصة ^[19] ، أم الكرام ^[20] ..

2- طبقة صغار التابعيات

تجمع هـذه الطبقة من تروي عن أحد صغار الصحابة ممن تأخرت وفاته، الحديث الواحد والاثنين فقط نذكر منهن: شعثاء بنت عبد الله الأسـدية ^[21] ، عقيـلة الفـزاريـة ^[22] ، مغيـرة بنـت حسان ^[23] ، أم عمرو بنـت عبـد الله بن الزبـيـر ^[24] ، حبـيبة بنت ميـسـرة ^[25] ، رقيـة بنـت عمرو ^[26] ، وغيرهن. [ ص: 117 ]

3- طبقة كبريات تابعيات التابعين

هذه الطبقة بالنسبة للرواة تضم أجلة العلماء الأفاضل كالإمام مالك بن أنس والأوزاعي وسفيان الثوري وشعبة ، أما بالنسبة للراويات فهذه الطبقة تفتقر إلى أسماء لامعة في عالم الرواية، ذلك أن حركة الرواية النسائية بدأت تقل وتتراجع. ومن صاحبات هـذه الطبقة: أمة الواحد بنت يامين ^[27] ، حبابة بنت عجلان ^[28] ، غبطة بنت عمرو المجاشعية ^[29] ، وعمتها أم الحسن .

طبقات الراويات في القرن الثالث الهجري

اعتبر العلماء القرن الثالث الهجري أسعد عصور السُنَّة وأزهاها وأحفلها بخدمة الحديث، فيه ظهر أفذاذ الرجال من حفاظ الحديث وأئمة الرواية ^[30] ، وفيه ظهرت الكتب الستة التي لم تغادر من الحديث الصحيح سوى النزر اليسير، وفيه اعتنى أئمة السنة بالكلام على الأسانيد وتواريخ الرجال ومنزلتهم في الجرح والتعديل.. ولم يكن [ ص: 118 ] العلماء في هـذا القرن يدونون الأحاديث بالنقل من كتب أخرى، بل كان اعتمادهم على ما حفظوه عن مشايخ الحديث، وعرفوا جيده من رديئه، وصحيحه من ضعيفه ^[31] .

ففي هـذا الجو العلمي العالي، لا ريب أن المنافسة تكون على أشدها بين أصحاب الحديث، ويصبح الحفظ والإتقان مع التثبت عناصر أساسية في تقييم الراوي، وهمة المحدث العالية لا تقبل إلا بالأفضل، وعليه لا نستبعد أن ينتشر الإسناد بين الناس، بغض النظر عن صحته، فالقاص يسند، والتاجر في السوق يسند، كذا مختلف أصناف الناس.

لكن لا يأخذ المحدث الرواية إلا ممن عرف وخضع لمعايير وضوابط الرواية المقبولة.. ونحن نقول فيما يخص الرواية النسائية: إنها كانت ولا شك ظاهرة أيضًا، لأن البيئة العلمية آنذاك فرضت ذلك، وإن كنا لا نسجل وجود راويات ذوات أسماء لامعة في عالم الرواية، لأن أصحاب المصنفات الحديثية نخلوا الراويات نخلا، وانتقوها انتقاءً، والمرأة الراوية غالبًا ما تكون أحوالها مستورة عن الناس، فلا يُعلم ضبطها وعدالتها بشكل واضح، كما يحدث عند الراوي، الذي يمكن أن يطلع على حاله، لهذا يصعب رصد أعداد كبيرة من راويات هـذا القرن فضلا عن بيان طبقاتهن. [ ص: 119 ]

لكن من خلال تفحص كتب التراجم ومشيخات بعض الأئمة، عثرنا على بعض الأسماء النسائية، مع قلتها تشير إلى أن رواية المرأة دائمًا حاضرة وإن تأثرت بالبيئة في ازدهارها وجهودها، لكن الملاحظ أن الراويات اللائي أُخذ عنهن العلم لم يروين إلا القليل جدًا من الأحاديث، ثم إن سنة وفاتهن غالبًا ما تكون مجهولة، ولم يتيسر تحديد القرن الذي وجدن فيه إلا من خلال من روت عنه ومن روى عنها، وفيما يلي نورد بعض الأمثلة:

فاطمة بنت الإمام مالك بن أنس ^[32] ، خديجة أم محمد ^[33] ، زينب بنت سليمان الهاشمية ^[34] ، زينب بنت سليمان بن أبي جعفر المنصور ^[35] ، أم عمر الثقفية ^[36] ، أسماء بنت أسد بن الفرات ^[37] ، [ ص: 120 ] صليحة بنت أبي نعيم الفضل بن دكين ^[38] ، سمانة بنت حمدان -وهي بنت بنـت الوضاح بن حسان- الأنبـارية ^[39] ، عبـدة بنـت عبد الرحمن بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن أبي قتادة ^[40] .

ومن خلال هـذا العرض لطبقات الراويات في القرون الثلاثة، نلاحظ:

1- كان مدار أحاديث النساء في عصر الصحابة حول أمهات المؤمنـين، وخاصة أم المؤمنـين عائـشة ، وأم المؤمنـين أم سلمة ، تليهما أمهات المؤمنـين: ميـمونة ، وأم حبـيبة ، وحفصـة .

2- ومدار أحاديث النساء في عصر التابعين عند تلميذات عائشة وأم سلمة رضي الله عنهن جميعًا، وبعض من أكثرن الرواية عن الصحابيات كأم عطية التي تروي عنها التابعية المكثرة حفصة بنت سيرين ، كذا أسماء بنت أبي بكر التي تروي عنها التابعية فاطمة بنت المنذر .

وما تبقى من التابعيات فرواياتهن لا تتعدى الحديث الواحد والاثنين، ترويه عن أحد أقاربها (أبيها، زوجها، عمّها...) ، أحد الصحابة أو إحدى الصحابيات لكن من غير ملازمة لمن تروي عنه إن كان مكثرًا.

3- لم تتراجع الرواية إلا بعد وفاة أمهات المؤمنين رضي الله عنهن جميعًا، وقد كن مزارة للنساء وملاذًا لطالبات العلم، إلا أن الرواية [ ص: 121 ] بقيت بكثافة أخف حتى ذهاب جميع صغار الصحابة ممن تأخرت وفاتهم، كأنس ، وعبد الله بن أبي أوفى ، وابن عمر ، وغيرهم. وكانوا البقية الباقية ممن رأى وصاحب وسمع سيد الخلق محمدًا صلى الله عليه وسلم .

4- في جيل تابعيات التابعين، لا نرصد في رواية النساء ما يوحي بكثرة الطلب للرواية عندهن، فأغلبهن من المقلات جدًا، أضف إلى ذلك عدم شهرتهن، الأمر الذي أدى إلى عدم ذكرهن في بعض كتب التراجـم، ومن ذكرهـن لا يزيـد عن قوله في إحـداهـن: مجهولة أو لا يعرف حالها.. ومع تتبع رواية صاحبات هـذه الطبقة، نجد أغلبهن يروين عمن حولهن من الأقارب ممن سمعن منه، ولا يكون إلا حديثًا واحدًا في الغالب أو حديثين.

5- أما القرن الثالث الذي شهد تدوين أمهات كتب الحديث، فقد سجل رواية ضئيلة للمرأة في جهود فردية، تكون خلالها المرأة راوية لأفراد من الأحاديث، سمعتها من بعض الشيوخ، إلا أن هـذه الرواية لم تكن مشهورة.. وقد رأينا مثلا أن فاطمة بنت الإمام مالك كانت تحفظ الموطأ لكن ما رأينا من روى عنها، مما يوحي أن الحركة العلمية النسائية كانت خلال هـذا القرن بالذات قائمة كما سبق ذكره، على جهود فردية، الأمر الذي لم يسمح بازدهارها وانتشارها، خاصة أن حركة التدوين والتصنيف كانت قد بلغت الذروة، بعد أن اصطفيت الأحاديث ونقحت ولم يعتمد إلا ما توفرت فيه شروط القبول لدى مختلف المحدثين. [ ص: 122 ]